|
ممنوع الضحك في مغرب اليوم!
محمد نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 1777 - 2006 / 12 / 27 - 10:23
المحور:
حقوق الانسان
هل يمكن لنا أن نضحك أو نتحدث عن الضاحكين دون أن نتعرض للمنع في مغرب اليوم ؟ سؤال مضحك لكن حكايته حاضرة بقوة في تاريخ المغرب الحالي ،وتتلخص في إصدار الوزير الأول المغربي لقرار يقضي بمنع صحيفة «نيشان » من الصدور تنفيذا للفصل66 من قانون الصحافة بدعوى نشر هذه الأسبوعية في عددها رقم91 والصادر بتاريخ9 -15 دجنبر 2006 ملفا تحت عنوان “النكت: كيفاش المغاربة كيضحكوا على الدين والجنس والسياسة” والذي تضمن عبارات ” تمس بالدين الإسلامي “.هذا إضافة إلى أنه سيتم متابعة كل من مدير النشر إدريس كسيكس و الصحافية سناء العاجي التي قامت بإنجاز الملف كما علم من مصدر قضائي. الكتابة عن السخرية و نشر النكت التي يتداولها أكثر من 30 مليون لسان يوميا ،خلق لأسبوعية «نيشان » العديد من المتاعب . ولعل القراءة المتأنية لكل من تفاعلات قرار المنع وللبيان الأول و الثاني اللذان صدرا عن هيئة التحرير ،تفضي بنا لا محالة إلى استخلاص الورطة التي تسببت فيها الحكومة المغربية لهذا المنبر والتي جعلت صحافيي الأسبوعية خارج إجماع الأمة بل معرضين للتهديد الذي قد يطال سلامتهم الجسدية حسب ما جاء في بيانهم. هذه الوقائع بتفاعلاتها المختلفة، تضعنا حقيقة أمام قضية الضحك و دوره ومدى حضوره في المجتمع المغربي، بل تدفعنا إلى التساؤل عن دواعي منع أسبوعية قامت بإنجاز ملف حول الضحك الذي يظل في كل الأحوال من صنع المغاربة وواقعا ملموسا لا يتضمن الافتراء أو الخيال ؟ وبناء على قرارها المتعارض مع مبادئ حرية التعبير كما هي متعارف عليها دوليا، فإن الحكومة المغربية تضع نفسها خارج إطار التاريخ الإنساني. فهي لا تعترف بقيمة الضحك عند المغاربة و تتجاهل حضور السخرية في كل الثقافات و الحضارات. فالضحك خاصية إنسانية كما يقول رابلي وهو أسلوب ابتكره الإنسان للتعبير و التواصل . فنتيجة للألم العميق الذي يحس به ،خلق الإنسان الضحك كما يقول الفيلسوف الألماني نيتشه . إن السخرية ليست عيبا و الإنسان قد يضحك مع أو على نفسه أو يضحك مع الآخرين، لكنه في نهاية المطاف سيتحرر من حالة الجمود و الانغلاق التي قد تعصف بمسار حياته. والمثير للانتباه هو ما تشير إليه العديد من المصادر العلمية من حقائق يتلخص في كون المعدل الزمني للضحك الإنساني في العالم يتراجع يوما بعد يوم. فبعد أن وصل معدل الضحك إلى عشرين دقيقة كل يوم قبل الحرب العالمية الثانية، نجده تراجع إلى دقيقة واحدة فقط حاليا. ويبقى السؤال هو كالآتي: ما هو معدل ضحك المغاربة بناء على هذه المعطيات ؟و هل بالفعل ما قامت به أسبوعية «نيشان » يقلق راحة الساسة الذين لا يقبلون إلا بنوع واحد من الضحك ؟ وفي سياق الأزمة العامة التي تغرق المغاربة على جل المستويات ،فقد تولد لديهم نوع من الإحباط واليأس لا نظير له ،مما يجعل السخرية بمثابة متنفس حقيقي ووسيلة للترفيه و التعبير عن المأساة، لكن في ظل حكومة جطو ،يظل الأمر شبه مستحيل ، إذ يمنع الضحك أو الكتابة عنه في وسائل الإعلام إلى أجل غير مسمى! فالحكومة المغربية قررت منع منبر إعلامي اختار أن بنبش في ذاكرة المجتمع و بجس نبضه واصفا كيف يسخر المغاربة من ذواتهم و من الآخرين في الواقع ،وكأن رصد الوقائع الاجتماعية الموجودة يعد جريمة و الكذب فضيلة ! وما مهمة الصحافي كما هو موجود في كل البلدان الديموقراطية غير نقل الوقائع و الأخبار قبل التعليق عليها ؟ فانطلاقا من القرائن الموجودة بما فيها القراءة المتأنية لملف «نيشان » ، يتضح أن الغرض من المنع وراءه محاولة لخنف بعض وسائل الاتصال الجماهيرية و منع مباشر لحق المواطن في التعبير في نفس الوقت، مادام الصحافي يظل مواطنا وجزءا من المجتمع الذي يتواجد فيه. وللتذكير فقط، يسجل تاريخ المغرب قرارات عديدة في مجال المنع والرقابة ضد الساخرين . و على سبيل المثال لا الحصر ،منع فنان الكاريكاتور العربي الصبان من نشر رسوماته على صفحات جريدة العلم إبان مرحلة ما يسمى حاليا بسنوات الرصاص ،و كذلك منع الفنان الساخر بزيز من الظهور على شاشات القناتين الأولى و الثانية لحد الساعة بالرغم من أنها ملك لكل المغاربة الذين يؤدون ضريبتها باستمرار . والرقابة كأسلوب مغربي ،تمارس منذ سنوات الرصاص و إلى الآن ،ضدا على كل من يتجاوز الخطوط الحمراء ،والتي في هذه الحالة ليست سوى عبارة عن ملف صحفي حول الضحك المغربي أنجزته أسبوعية «نيشان »، ويتناول الكثير من الشخصيات من بينها أصحاب القرار السياسي الذين يسهرون على مغرب يختنق تحت ركام الشعارات و الفساد و كذلك الضحك ،لكن هذه المرة ليس ضحك «نيشان » أو الصبان أو بزيز بل هو ضحك الساسة على ذقون المغاربة ،و هو ضحك يشبهه الشاعر فيكتور هوجو بالرعب و الخوف من الأشباح . إنه كضحك رؤوس الموتى . فصورة الموت الضاحك كما حكى عنها مؤلف «البؤساء» ترافق عمل الصحافي و المؤسسات الإعلامية التي لا ذنب لها سوى أنها رصدت الوقائع اليومية لمجتمع ساخر. و بلا شك ، أن مراجعة بسيطة لواقع المنع بالمغرب من ناحية و لقيمة الصحافة في البلدان العريقة من ناحية أخرى ، كافية للقول بان واقع حرية التعبير و الدستور مازالت قضايا ملحة وجب مناقشتها إذا ما أراد أصحاب القرار السياسي المغربي تأسيس دولة الحق و القانون والمؤسسات وبالتالي الخروج من عنق الزجاجة . لقد كانت و مازالت السخرية وسيلة للخروج من مأزق اليومي، فهي تعد حاجة اجتماعية و حق إنساني بامتياز، كالحق في الشغل و التنقل والحياة و غيرها من الحقوق. و عودة قصيرة إلى التاريخ البشري، نجد الإغريق مثلا عرفوا الضحك و مارسوه كفعل فكري وفلسفي. و في هذا الصدد ، يروي لنا نيتشه حكاية طريفة عن موت أفلاطون. و تتلخص الحكاية في العثور على أرسطوفان نائما تحت وسادة أفلاطون بعد وفاته . و يعتبر أرسطوفان من بين الشعراء الإغريق الأكثر براعة و شهرة في مجال الكوميديا . وبغض النظر عن حضور حكاية نيتشه كواقعة تاريخية حقيقية أو مفترضة ،فإنها تقدم لنا معنى و دلالة على دور السخرية الاجتماعي و الفكري ومدى حب أفلاطون الفيلسوف لأرسطوفان الساخر ،بل تبرهن لنا بالملموس كيف أن السخرية لا يمكن إخضاعها للرقابة، إنها كالفأرة التي تتسلل إلى كل الثقب ولو كانت ضيقة . الضحك يتجلى في أشكال، مواقف، حركات ومجالات اجتماعية عديدة. إنه حسب مؤلف كتاب الضحك ،الفيلسوف برغسون ،عبارة عن لعبة تقلد الحياة . وتقول عدة مصادر أن العديد من الفلاسفة اعتبروا الإنسان حيوانا يعرف كيف يضحك، فهو يوظف السخرية حتى في علاقاته الحميمية. و على سبيل المثال لا الحصر، يوظف الرجل الضحك من أجل إغواء المرأة و جذبها إليه، لذلك يتحول الضحك في هذه الحالة إلى رهان عاطفي. ونضيف أيضا، أن السخرية وسيلة للعلاج النفسي، فهي تسمح حسب التحليل النفسي بممارسة رياضة جسدية منفردة، كما تجعلنا ندرب أنفسنا يوميا على التخلص من همومنا اليومية و يأسنا الذي قد بفضي بنا إلى الانهيار أو الموت. و عندما قامت الحكومة المغربية ممثلة في وزيرها الأول بتبرير قرار المنع قائلة بأن الملف الذي أعدته أسبوعية «نيشان » حول الضحك المغربي قد تضمن عبارات ” تمس بالدين الإسلامي” ، فإنها ضربت عرض الحائط كل التراكمات الدينية و الإجتهادات الإنسانية في هذا الباب. فالرسول محمد)ص( كان إنسانا ضحوكا ، بل أكثر من ذلك، نجد أن الله حاور الشيطان ،لكن حكومة جطو لا تحاور و لا تضحك بل تقمع فقط . محمد نبيل ـ صحافي مقيم بألمانيا [email protected]
#محمد_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تنطق شوارع ألمانيا!
-
عندما يتمزق الثوب
-
طائر الليل
-
غرفة تحت الأرض
-
التضامن الإنساني ممنوع في مغرب اليوم
-
وين الملايين... شعوب العالم وين ؟
-
حكاية مغرب قاتل!
-
هل ستجد الحكومة الألمانية مخرجا لإدماج المهاجرين ؟
-
لو نظم المونديال في المغرب ؟
-
أنا لست عربيا
-
بكارة فطومة
-
انهيار
-
في ذكرى ميلاد سيغموند فرويد : محنة العالم
-
مسابقة لأجمل حمار
-
سؤال الهجرة بمغرب اليوم
-
رسالة من برلين
-
من هو الألماني الصالح ؟
-
سؤال الموت
-
سؤال الصحافة بمغرب اليوم
-
حقيقة مفهوم صراع الحضارات
المزيد.....
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|