أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد السيد السّكي - فتنة النصوص المقدسة















المزيد.....

فتنة النصوص المقدسة


محمد السيد السّكي
كاتب وروائي مصري واستشاري تحاليل طبية

(Mohamed Elsayed)


الحوار المتمدن-العدد: 8111 - 2024 / 9 / 25 - 16:15
المحور: قضايا ثقافية
    


عانى الرسل كثيرا في جذب القلوب القاسية لدوحة نورهم الرباني وانك ستجد ان اتباع المرسلين معدودين وتلك سمةواضحة عند تتبع قصصهم عليهم السلام.
لن تجد من يتفق معك فكريا بسهولة وان الصحبة المجتمعة على مائدة الوفاق الفكري قلما تراها بعينك.
ومن فضل الله أن التعاليم والوصايا الالهية المكتوبة تجد فرصتها في الانتشار رويدا رويدا وسط صخب فكري يرفض وداعة الحقيقة و تعنت نفسي يقاوم بعنف التمتع بسهول واحة النور والهدى الخضراء.
ظل نوح عليه السلام في دعوته لقومه مئات السنين ورغم ذلك لم يحظ برحيق نوره الا قليل من المؤمنين.
و لم يستشعر نور تأييد الروح القدس لنبي الله عيسى عليه السلام الا الحواريون الاشهاد و حال نبي الله موسى عليه السلام مع قومه خير شاهد على صعوبة تحقيق البنوة الفكرية.
و الشواهد تدل على انه عبر العصور تجد الأفكار فرصتها في الانتشار عبر وسائل التدوين والتوثيق.
و للأسف تعرضت كثير من النصوص الدينية المقدسة لكثير من المحن من خلال ظروف تعيق عملية التدوين تارة ومن خلال مؤامرات تارة اخرى بغية تحريفها و جعلها تحيد عن مسارها العلي السامي.
والنصوص الدينية المقدسة التي سلمت من يد المعتدين او قسوة ظروف التدوين نجد أن بعضها احيانا يسبب تشرذما واختلافا في فهمه صانعا بنايات حزينة من الأحزاب و الطوائف.
القرآن الكريم والسنة العملية المتواترة والأحاديث المتواترة التي لا تخالف القرآن هي مصادر التشريع في الإسلام.
وافتتان الناس بالنصوص واختلافهم بسبب التباسها و بسبب فهمهم المغلوط له لهو شئ محزن وللأسف يعزى لمحاولة انتصار الافهام الضيقة في صراعها الفكري الذي صنعته نصرة للاهواء.
والقرآن هو الكتاب الخاتم الذي لايبتل بالماء وهو كلام الله المعجز والذي لن يتركك لان تغرق في بركة الفتنة المصطنعة التي ياجج نيرانها الشيطان ويصفق فوق لهيبها كل فهم ضحل معد لا يتركك وقدميك نظيفة بل يحاول جاهدا ان تصير روحك ملطخة بطين الفتنة والغباء.
وهنا سابحر بقارب العاجز في رحاب محيط كتاب الله العزيز متأملا بعض الآيات وكيف انها لو لم تفهم من خلال المعرفة الشمولية بالنص القرآني لظلت مصدرا لابليس و أهل الفتنة في صناعة الأحزاب والطوائف.

في سورة الفتح الآية ٩
"لتومنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا"
النص قد يلتبس على الذى لا يفهم الخطوط الإيمانية الراسخة في العقيدة الإسلامية و كيف انها تعطي مفهوما واضحا يعطي القدسية المطلقة لله رب العالمين و هو الواحد الأحد الصمد الذي نسبح بحمده وان النبي محمد عليه الصلاة والسلام واخوانه الذين سبقوه بالرسالة ماهم الا بشر نساندهم ونحترمهم ولكن التسبيح لايكون الا لله.
ونظرا لان المفهوم الراسخ ذلك متجذر في العقل الجمعي الإسلامي فانك لن تجد من يشذ خارج السرب في تأويل النص إذ تجد اجماعا بين المفسرين كالبغوي والسعدي والقرطبي وابن كثير وجلال الدين السيوطي وغيرهم مفاده يصب في الخطوط العريضة واضحة المعالم والتي توضح حقوق الذات العلية وما دونها من البشر حتى وإن كانوا أنبياء ورسلا .
سورة الأحقاف اية ٣١
"ياقومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم"
بالاطلاع على الآيات التي تسبق تلك الآية نفهم انها تتحدث عن معشر الجن الذين استمعوا لكلام الله وانهم سمعوا كتابا من بعد موسى يهدي الي الحق والي صراط مستقيم.
ونظرا لصحة العقيدة الجمعية المتجذر في العقل الإسلامي الجمعي سنجد اتفاقا ان الذي يغفر ويجير هو الله وليس داعي الله المرسل برسالته.
واعتقد والله اعلم ان عدم ذكر لفظ الله واضحا في الآية لعدم احداث لبس يعود إلى أن الجن الذي استمع لكلام موسى من قبل هو مؤمن بالله وانه يعرف حدود العلاقة بين الله و مخلوقاته حتى وإن كانوا رسلا و ليعلمنا وجوب التثبث بالعقيدة الصحيحة التي تعطينا صورة عن الله و انه هو الغفار وهو الذي ليس كمثله شئ وانه مفارق للزمان والمكان..
هذه بعض الآيات التي تعطينا صورة عن الدماغ الإسلامي الجمعي وما به من ثوابت عميقة..
سورة المدثر الآية ٥٠، ٥١
"كأنهم حمر مستنفرة" "فرت من قسورة"
الغبي الذي لا يتمتع باطر رحبة من الفهم دائما تجده يقفز من خارج أطر المنطق لاهواء حماقته.
فالمعنى ان من يرفض دعوة النبي كالحمار الذى يفر فرارا من الاسد وهذا لا يعني ان الداعي والنبي هو بمثابة اسد غاشم مغير فالغرض هنا كان إبرازا لغباء ونفور الكافرين لا الإشارة لضراوة وشراسة البشير و النذير.
ولكن اللغة العربية تلك شيمتها وملامح وجه بلاغتها.
فيامن تحكم على الناس من خلال الفاظ، دقق جيدا وحاول ان تفهم خريطة فكرهم و منابع انهار فيضهم واياك ان تتغابى وتكون معول هدم وإثارة فتن.

للأسف العقل الجمعي الإسلامي رغم تجاوزه تلك النصوص الا انه وقع في فخ التجسيم والتاويل لصفات الله وانه بسبب فهم مغلوط جعل التيارات العقدية المختلفة تظهر وراينا ابن تيمية وفكره في إثبات الصفات كما في النص من غير تأويل وراينا ان الإشاعرة والمتردية تجاوزوا ذلك الغباء والتزموا بما يعطي الله قدره وانه ليس كمثله شئ وانه مفارق للزمان والمكان .
أيها السادة ان الله هو الذي خلق الزمان والمكان و لبس من المنطق ان يخضع لهما سبحانه ومن يتصور ان العرش هو مكان هو غبي و من يتصور ان الكرسي مكان هو احمق.

رغم أن عود الاختلاف باعتباره سمة وجودية وجوبية مجبولة صفحات الحياة على الاستماع لنغماته المختلفة الا ان حلية الانصات لكل لحن عذب رشيد لا تستطيع اذنك الواعية تجاوزه الا اذا عميت مستقبلاتها عن ادراك ترددات بهائه وحسن طلته ورجاحة منطقه..
فحقيقة وجود الاطياف المختلفة للفكر لايقدح في حجية وجود طريق سوي يجد المنطق فيه أنسه وثبات موطئ قدمه..
إن العقل الذي يستدل من خلال شواهد وادلة على وجود خالق عظيم حكيم لذلك الكون يتجاوز انّات ماتشابه من أدلة النقل و ادبيات النص الديني بل ينقلنا عبر سفينة الرشد الى رحاب نور نجد فيها مايشبع شهية الروح اللاهثة وراء الإجابات الشافية لتساؤلاتها الوجودية..
المنطق يقول ان الإله الخالق لابد أن يكون له ماهية تختلف عن ماهية خلقه بل وان قدراته وصفاته عابرة لحدود الزمان والمكان الذين لم يكن لهم وجود قبل الانفجار العظيم للمتفردة كثيفة الطاقة..
والمنطق يقول ان النصوص الدينية لو عانت من نزيف خلل التدوين والتوثيق او تشابه النص و عدم القدرة على التأويل فان ميزان المنطق وحديث الروح الجمعية الرشيدة قادر ان يتجاوز ريبة المرء في عدم التمييز بين بقعة الدم الحمراء وبين بقعة الحبر الفسفوري..
والمنطق يقول أيضا ان الله بصفات كماله وجلاله وجماله ليس كمثله شئ وان التعبير عن خصوصيات ذاته يختلف مطلقا عن طريقة وصف خصوصيات وصفات خلقه..

أتعجب ممن يتطرق للنص القرآني و يجعل لله يدا او قدما ويتشدق بأنه محافظ على أمانة النص اللفظي بل وانه يصف نفسه بأنه هو حامل لواء الحقيقة وما دونه هم مؤولة معطلة لصفات الله..
من جمال النص القرآني العربي انه يغرد بنا في عالم البلاغة والمجاز، فاذا تاملنا قوله "كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة"، نرى الرسائل الواضحة التي تعيننا على فهم ماهية النص القرآني و موسيقى لغته الفريدة، فالذي ينظر لظاهر النص يصاب بعمى الوان يجعله اذا ما وعى احد الوان شطر الآية يعمى عن اللون الاخر للشطر الاخر..
فقد يقول مفسر غير واع ان النبي البشير النذير شبيه بالاسد المفترس وهذا أجتزاء لوحدة النص، لان المعنى الذي يليق برسل الله هنا هو نفور الرافضين لهدي الانبياء كمثل الحمير التي تهرب من الأسد، وهذا مجاز يوضح كيف ان اسبقية اتخاذ القرار بعدم الانصات للهدى هو شبيه بالرهاب والرعب الذي يسكن المرء ويجعله عاجزا عن استقبال الهداية..
من يقول ان الصفات الالهية في القرآن هي غير مؤولة وهي موجودة في الله بما يليق بذاته هو آبق عن منطق السوية و يدور حول مركز الدائرة..
فالله الذي لايخضع للزمان والمكان لا يليق ان يتصف بما يجعله خاضعا لهما، أما صفة الكلام هي صفة أصيلة في الاله الذي يجب أن يملك القدرة والتواصل مع خلقه، ولكن الكلام ذلك ليس بحركة لسان او تزامن في الألفاظ وإنما هو استقرار للمعنى في القلب..
المنطق يقول ان كل لفظ يُنسب لله ولصفاته ويشترك مع حياة الإنسان لابد أن يؤول..
العرش ليس كما يتصوره العقل البشري النمطي إذ يفترض انه شبيه بعرش البشر، وإنما هو كمال التنظيم الإلهي للكون والخلق و تمام البرمجة العليا لمنظومة خلقه وعندما يقول ":الرحمن علي العرش استوى"
فإنه يعني ان صفة الرحمة هي السائدة والمهيمنة على كل صفات الله وان اسم الله الرحمن هو البديل للفظ الله وهذا يوضحه قول الله : قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن، ايّما تدعوا فله الأسماء الحسنى..

وكما ان الكرسي ملازم للعرش في شرع البشر ومنطقهم فان الكرسي المنسوب لله هو ملازم لعرشه الذي ذكرنا معناه سالفا ومن ثم فان معنى الكرسي هو يدور في فلك الملازم له..
على مدى العصور سعى لفيف من أصحاب الاديان العلوية المعروفة ان ينزهوا الله عن التشبيه بالبشر وتجسيمه..

الفيلسوف إيمانويل كانط يخرجنا من معضلة المالانهاية و زفير اغوار فلسفة الزمكان بافتراضه ان فكرة عدم وجود نهاية للاعداد والكون يتم شنقها بسهولة عند النظر لعالمنا الان الذي من الاستحالة بمكان وجوده لو كان ابتدأ من المالانهاية..
سعى الحبر اليهودي الفيلسوف الطبيب موسى بن ميمون جاهدا لاخراج الهه من زنزانة التجسيم اليهودي المتأصل في الفكر التوراتي..

لقد سعى عدد من الاباء المسيحيون الأوائل بجهد دؤوب لتوضيح معنى الابوة الروحية المتجاوزة لفكر الابوة والبنوة البشرية لكي ينزهوا الله عن النقص و لا يحرموا خلقه من شرف التواصل الروحاني معه و القربى بل والقفز بسلامة ورشد من مرتفع تأويل لفظ متشابه يُحدث لغطا واشتباكا لوروده في النصوص المقدسة..

خلت ايديه من المنطق و تعرت سترة تنزيهه لله وكونه مفارقا للزمكان ذلك الذي يقول بصحة وسلامة وصول النص الوارد في الأدبيات الإسلامية والذي يذكر بأن الله ينزل الي السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل..

رحم الله ابن عطاء السكندري القائل :
"هل يمنع السفن من التسيار وجود ظلال بعض الأشجار
فوق ضفاف الأنهار"..

أن ربكم الله الذي تعالى عن التشبه بخلقه لهو البر الرحمن الذي اخضع منطقه لمنطق البشر ففرد سيمفونية نصوص مقدسة امام اعين البررة والفجّار فمنهم من تعلق بثوب جلاله ومنهم من سقط في وحل خيال نفسه..
والله يحكم بينهم يوم القيامة وهو الغفور الرحيم..



#محمد_السيد_السّكي (هاشتاغ)       Mohamed_Elsayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفس الخضراء!!
- التنوير مابين الحقيقة والضلال
- تسعة أعمال لي تشارك في معرض القاهرة للكتاب ٢٠ ...
- روايتي سي كا فرعون الخروج.. سفر خروج خيالي؟!
- ظل السياسي !
- وحدة الوجود عند أهل التصوف
- العلمانية بنكهة مصرية !
- ما ظنكم برب العالمين؟!
- الخروج من زنزانة التصميم الذكي
- مشكلتي والتطور التحولي
- العرش ومنتهى التدبير !
- معالم النهضة المجتمعية
- انيميا المصريين الخبيثة! : ديموقراطية النخبة والجموع
- ذبابة مايو والحيوان وفلسفة الموت!
- أين اهل الاتزان و مذهبهم؟ .. مقاربة حالمة!
- دليلة واستير... جواسيس في أسفار العهد القديم!
- مقاربات العلم... الانسان والوعي !
- ميلاد مملكة جوجل !!
- أجنحة المنطق المتكسرة
- سرنمة الحياة !!


المزيد.....




- مصمم يتخيل فندقًا من -مكعبات الثلج- في وادي -طيب اسم- بالسعو ...
- وزير الخارجية اللبناني: نرفض الحرب وبلادنا تعاني من أزمة تهد ...
- تقرير يوضح التحديات والفرص أمام الجيل القادم من المانحين في ...
- -ولدا معًا وقتلا معًا-.. الغارات الإسرائيلية اليومية تستمر ف ...
- مراسلتنا: دوي صافرات الإنذار واعتراض القبة الحديدية رشقة صوا ...
- خبراء أمريكيون يحذرون من رد روسيا إن تعرضت لقصف أوكراني بموا ...
- إيران لا تريد ضمان أمن حزب الله
- معرض -ADEX-2024- للصناعات الدفاعية يكشف عن أحدث النسخ لمسيرة ...
- روسيا تختبر غواصة جديدة حاملة للصواريخ المجنحة
- معرض جديد في أمستردام يكشف عن روائع الفن البرونزي الآسيوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد السيد السّكي - فتنة النصوص المقدسة