أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خليل إبراهيم كاظم الحمداني - -العدالة المعطوبة: لماذا تدمر انتهاكات حقوق الإنسان أساس المجتمعات؟-















المزيد.....

-العدالة المعطوبة: لماذا تدمر انتهاكات حقوق الإنسان أساس المجتمعات؟-


خليل إبراهيم كاظم الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 8110 - 2024 / 9 / 24 - 12:21
المحور: حقوق الانسان
    


في عالمٍ تشابكت فيه خيوط الوجود كنسيج عنكبوت هشّ، أصبحت الروابط بين البشر كأطياف باهتة، تتلاشى في فضاءات من الغربة والحزن. كرامة الإنسان، كُرة من رمال ناعمة، تُزهقها رياح الظلم، لا ترحمها ولا تُبالي بألوانها. وإنّما هي مُجرد سرابٍ يُحيل الحُلم إلى واقعٍ قاسٍ.
فلا تُسلَب الحقوق من الإنسان فحسب؛ بل تُسلَب منه إنسانيته أيضًا، كأنّها ثوبٌ مُزّق عن قسوة الزمان ، فَتُصبح حياة الأفراد مُترهّلة كغصن فُصل عن شجرة أُمّه، وُتَصبح مُجتمعاتهم مثل النّهر الذي جفّت مُنابعه، وَتُصبح الحياة مثل الظّل الذي يتلاشى مع زوال الشمس.
وَفِي الوقت ذاته، تُصبح أواصر المُجتمع كجدارٍ يتداعى حجرًا بعد حجر، لا يقف لَهُ سِوى سُقف من التّخوف والقُلق، وتُصبح العلاقات الاجتماعية مُشابهة لِلوُهم الذي يُعكسه المرآة ، لا أصل لَهُ في الواقع.
كذلك ، ينخر الظلم جسد الاقتصاد كديدان تأكل من الداخل دون أن يُرى أثرها ، حتى يتهاوى الصرح الاقتصادي ، وَتُصبح الرخاء وَالسّعادة مُجرد خُرافاتٍ يُرددها الفقراء ليُخففوا عن أنفسهم أوجاع الحياة.
أما الهوية الثقافية ، التي كانت يومًا تعكس أمجاد الماضي ، فتتآكل كما تتآكل الآثار المنسية في الرمال ، لا يُحافظ على تاريخها سِوى خُطوطٍ باهتةٍ في ذاكرة الأجيال الجديدة، وَتُصبح التّقاليد والعادات مُجرد شبحٍ يُراود الخيال ، لا يُمكن لَهُ أن يُؤثر على الحياة الواقعية.
ثمن الكرامة المهدورة ليس مجرد قصة فرد يُقهر؛ إنّه انهيار شامل، يُلفّ المجتمع في ضباب كثيف، ويُلقي بثقله الموجع على الحاضر، ويُخنق آمال المُستقبل، فَيُصبح المُستقبل مثل النّهر الذي يُريد أن يُسافر إلى البحر ، ولكن يُوقفَهُ سدٌّ من الظلم والخوف.
الكلفة الاقتصادية التي لا يراها أحد:
لا يُمكن للظلم أن يُزهر في بيئة اقتصادية خصبة، فكأنّه سُمٌّ مُضادٌ للّحياة، يُفتك بفرص النّمو ويُدمّر الأمل في مستقبل أفضل. فَحين تضعف العدالة ويُهدَر الحق، تُصبح البيئة الاقتصادية مُثقّلة بالخوف ، وتُصبح المُبادرات الاقتصادية مُعرّضة لِخطر التّدمير، ويُصبح المُستثمرون مترددين في مُخاطرة أموالهم في بيئةٍ لا تُضمن لهم حقوقهم ، مما يُؤدي إلى تجميد الاستثمارات وتوقّف العجلة الإنتاجية.
في كثير من الدول التي تُعاني من انتهاكات جسيمة لِحقوق الإنسان، نرى الانهيار الاقتصادي يُرافق انهيار العدالة. فَتُصبح الاقتصادات مُشتتة ، مُقسمة بين أفراد مُحظوظين وآخرين مُحرومين ، ويُصبح الشعب مُحاصرًا بين الفقر والبطالة ، ويتّجه نحو التّردّي والانحدار .
النظام الاقتصادي المغلق:
في دول تُعاني من هيمنة النّخب الاقتصادية المُتحالفة مع السلطات المُستبدة ، تتحكم فئة ضيقة في الموارد، بينما تعيش الأغلبية في فقر مُدقع. في أحد الدول العربية، حيث يُسيطر رجال أعمال مُقرّبين من السّلطة على قطاعات التّجارة وَالصّناعة ، تضاعفت مُعدّلات الفقر لِتُصبح أكثر من 30% ، وانخفض مُتوسّط دخل الفرد إلى مُستويات قياسية. فَتُصبح الاقتصادات مُغلقة على نفسها ، لا تُشجّع الابتكار ولا تُساهم في توزيع الثّروة بشكل عادل ، مما يُؤدي إلى تفاقم مشكلة الفقر وعدم التّكافؤ بين الشعوب.
تجميد الاستثمارات:
الخوف من عدم الاستقرار السياسي يُعطل الاستثمارات. في بلد إفريقي شهد نزاعات وحروب أهلية، انخفضت تدفّقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 60% خلال خمس سنوات، مما أدى إلى توقّف العديد من المشاريع التّنموية وَارتفاع مُعدّلات البطالة. فَتُصبح الاقتصادات مُعرّضة لِخطر الانهيار ، وتُفقد البلدان فرصة التّطور والتّقدّم ، ويُصبح مستقبل الشعوب مُغلقًا على مُستقبل قاسٍ ، لا يُمكن أن يُزهر من خلاله الّحياة.
انتهاكات حقوق العمل:
في العديد من الدول الآسيوية، يعاني العمال من انتهاكات جسيمة لِحقوقهم، مثل الأجور المُتدنية وَسوء ظروف العمل. هذه الظروف تُؤثّر سلبًا على الإنتاجية ، فَتُصبح مُعدّلات الإنتاج مُنخفضة ، وتُصبح جودة المنتجات مُهدّدة ، وتُصبح مُنافسة هذه البلدان في الأسواق العالمية مُعرّضة لِخطر الانهيار. وفقًا لِدراسات اقتصادية، فإنّ انتهاكات حقوق العاملين تُقلّل من إنتاجية العامل بنسبة تُصل إلى 25% ، مما يُؤثّر سلبًا على تنافسية البلاد في الأسواق العالمية. فَتُصبح الاقتصادات مُعرّضة لِخطر التّدهور ، ويُصبح مستقبل الشعوب مُهدّدًا بِالفَقر والتّشريد.
ظلال الظلم: كيف تُهدّد انتهاكات حقوق الإنسان مستقبل الشعوب؟
لا يُمكن فصل حقوق الإنسان عن الاقتصاد والتماسك الاجتماعي والثقافة، فهي تُشكل النسيج الذي يُبنى عليه كلٌّ من هذه العوامل. وحين تُهدَّدُ حقوق الإنسان ، تُهدَّدُ هذه العوامل أيضًا، فَتُصبح الّحياة دَائرة مُفرغة من التّدمير والتّدهور.
تفتيت المجتمع:
حينما يُسلب الحقّ من إنسان، يُزرع بذور الانقسام والشرخ في نسيج المجتمع. انتهاكات حقوق الإنسان لا تكتفي بإضعاف الأفراد، بل تُفجّر العداوات وَتُنشر الفوضى كَطوفان لا يُعرف حدودًا. تُصبح العلاقات الإنسانية مُهدّدة بالخوف والتّوتر ، ويُصبح الشعب مُنَقسمًا بين مُتحكمين وَ مُتحكم فيهم، وتُصبح الأحلام والأماني مُعرّضة لِخطر الزوال.
التمييز والعنف:
في دولة أوروبية ، مثل فرنسا ، يتعرّض أبناء الأقليات العِرقية لِتَمييزٍ مُمنهج يُغذي مشاعر الكراهية والتّفرقة. في إحدى المناطق ، ارتفعت نسبة العنف ضد الأقليات بنسبة 40% خلال عام واحد فقط، ما أدى إلى تفشي العنف الاجتماعي وَتراجع الاستقرار الداخلي. فَتُصبح الّحياة مُهدّدة بالعنف والتّوتر ، وتُصبح الّحياة مُعرّضة لِخطر الانهيار .
تفكّك الأسر والمجتمعات:
الحروب وَالتّشريد تُحدث شرخًا عميقًا في العلاقات الأسرية والمجتمعية. في دولة شرق أوسطية مُزّقتها النزاعات، مثل سوريا ، نزح ما يُزيد على نصف سكانها، وتشّردت الأسرة ، لِتَفقد مئات الآلاف من الأطفال بيئتهم الاجتماعية وَالمدرسية ، ما أدى إلى ارتفاع مُعدّلات الأمية بنسبة 70% بين الأطفال في بعض المناطق. فَتُصبح الّحياة مُعرّضة لِخطر الفَقدان ، وتُصبح الّحياة مُعرّضة لِخطر الانهيار .
خسائر في الهوية والثقافة:
الثقافة ليست مجرد تراثٍ مادي؛ إنها روح الأمم وذاكرتها. حين تُدمر الآثار أو يُقمع التعبير الفني، يُحكم على المجتمعات بفقدان هويتها والتلاشي ببطء في غياهب النسيان.
تدمير المواقع الأثرية:
في إحدى الدول العربية، مثل العراق ، تم تدمير أكثر من 40% من المواقع الأثرية التي تُعود لِآلاف السنين نتيجة للحرب وَالنزاعات المُسلحة، ما يُمثل خسارة لا تُعوض للتّراث الإنساني. فَتُصبح الّحياة مُعرّضة لِخطر الفَقدان ، وتُصبح الّحياة مُعرّضة لِخطر الانهيار .
منع التعبير الفني:
في دول آسيوية عديدة ، مثل الصين ، تُفرض رقابة شديدة على الفنانين وَالمُثقفين. يُمنعون من تقديم أعمالهم التي قد تُنتقد السّلطة أو تُعبّر عن معاناة الشعب، ما أدى إلى تراجع الإبداع الفني وَإخماد صوت الثقافة الحية التي كانت تُميّز تلك البلدان. فَتُصبح الّحياة مُعرّضة لِخطر الضّياع ، وتُصبح الّحياة مُعرّضة لِخطر الانهيار .
الإنسان والاقتصاد والمجتمع – حلقة مفرغة:
حين تُسقط حقوق الإنسان، تُصبح الحياة دائرة من الفوضى وَالظلم. الاقتصاد، الذي كان يومًا بوابة الأمل، يتحول إلى ساحةٍ لِلمعاناة. وَالمجتمع، الذي كان يومًا مكانًا لِلعيش وَالتّفاعل، يتحول إلى مُسرح لِلسّراع وَالانقسام. هذه الّحلقة المُفرغة تجُرّ الأجيال القادمة إلى مُستقبل مُظلم إن لم تُكسر وَتُعيد بناء أسسٍ جديدة قائمة على العدالة وَالحقوق.



#خليل_إبراهيم_كاظم_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في محنة الفلسفة المعاصرة: -الدولة وحقوق الإنسان- من يحرس الح ...
- هل اصبحت حقوق الإنسان... رفاهية لم تعد الدول تتحملها؟ ماذا ل ...
- ثمار الظلم: كيف تؤثر انتهاكات حقوق الإنسان على مستقبلنا؟
- -نهج حقوق الإنسان: هل هو الإطار المثالي لتحقيق العدالة الاجت ...
- وعدٌ مُلزمٌ أم حبرٌ على ورق؟ دوافع انضمام الدول لمعاهدات حقو ...
- الصوت العربي في تشكيل إطار حقوق الإنسان مساهمات في صياغة الإ ...
- برئاسة عربية لمجلس حقوق الانسان .. قرارات استثنائية لقضايا ع ...
- فلسطين الأم الحالمة وبشارات وداع رمضان
- العنف ضد المرأة ... والعناية الواجبة
- الوثائق المتعلقة بحقوق الانسان .....محنة التوافق واختباء الم ...
- ملفات حقوق الانسان الساخنة.. لا تصلح في المناطق الدافئة مطال ...
- الحق في الحياة.. الحق في جودة الحياة محنة الكشف ودهشة الاكتش ...
- الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الانسان
- حقوق الانسان المتأصلة.. حقوق الانسان العالمية ضد فكرة المنحة ...
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ...
- نساء ساهمن في تشكيل عالمنا الحقوقي نون النسوة وصياغة المعايي ...
- الدورة العادية الخمسين لمجلس حقوق الانسان صراع أولويات الاهت ...
- حقوق النساء والفتيات في العراق والاليات الدولية لحماية حقوق ...
- الالتفاف على آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان .... آلية ا ...
- مؤشر التشريعات الجندرية ...وصفة جاهزة للرقابة والرصد


المزيد.....




- السعودية.. وزارة الداخلية تعلن إعدام مواطن قصاصا وتكشف عن اس ...
- من الأمم المتحدة.. وزير الخارجية السعودي يعلن إطلاق -التحالف ...
- أردوغان: من العار أن يكون المجرم نتنياهو تحت مظلة الأمم المت ...
- رغم الانتقادات اللاذعة.. تنفيذ ثاني إعدام بالنيتروجين في تار ...
- نتنياهو خطير وعلى الأمم المتحدة أن تمنعه من دخول مقرها
- وزير الخارجية الايراني: لن يتحقق السلام والامن في المنطقة ما ...
- اللاجئون السودانيون في مصر.. صعوبات تعرقل تسجيل أطفالهم بالم ...
- لافروف يلتقي غوتيريش على هامش الدورة 79 للجمعية العامة للأمم ...
- زعيم هايتي في موقف محرج أثناء محاولته شرب الماء خلال خطابه ف ...
- رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أمام الجمعية العامة ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خليل إبراهيم كاظم الحمداني - -العدالة المعطوبة: لماذا تدمر انتهاكات حقوق الإنسان أساس المجتمعات؟-