|
هرمينوطيقا المجتمع بين الحداثة و التاويل 2
علي مهدي الاعرجي
انسان
(Ali Mahdi Alaraaji)
الحوار المتمدن-العدد: 8108 - 2024 / 9 / 22 - 20:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد ان اشرت الى ان البحث في منظور فهم الشيء من ذات نفسه لنصل الى استيعاب العلة أصبح من الضرورة ان نتناول مجرى ثوابتنا اليومية ضمن حيز الزمن والمكان والسببية والذهاب نحو عقلنة العصر الحالي من حيث مطابقة التوجه الفكري ومزامنة الحداثة او رفضها. الان في ظل التحديات المعاصرة والتحولات الفكرية والاجتماعية التي يعيشها العالم اصبحت ضرورة ملحة ان نأتي الهرمنيوطيقا المجتمع، ربما يجدها البعض مفردة غير منسجمة مع الفكر الفلسفي للنهج إلا أنها ضرورة ملحة لفهم الاشياء من خلالها لا من خلالنا. لابد أن ندرك إن التغيير الذي نشهده اليوم ليس مجرد إرهاصات لثورة تكنولوجية أو اقتصادية، بل هو بالأساس تحولات في الوعي البشري وهنا تكمن خطورة مفهوم التحول وقدرته على مواجهة التغيرات بأسلوب يتماشى مع المعطيات الحديثة ولا زلت أصر على ان التطور لا يشمل الاسفاف او العري والتهتك بقدر ما يسعى الى مفهوم الأنسنة الحقيقية من جميع زواياها التي تقع على مفهوم القيم الدينية والاخلاقية والقوانين الوضعية البشرية الصالحة والغير مرتبطة بالسلوك الحيواني بل الاعتماد على النسل الانساني الفكري في منظور الحداثة. لكن المشكلة الكبرى التي تواجه المجتمعات، خاصة في الشرق، هي الخوف من عملية الانتقال والتحول نحو التجديد العقلي وبناء مفاهيم وتركيبات وتشكيلات وقواعد جديدة خوف لما تحمله من تغييرات غير منساقة الى مفهومه النمطي المعتاد والتي قد تمس منظومة المجتمع القيمية والأخلاقية على الرغم من عدم فهمه الى سببية الوجود القيمي لديهم وما هو منبعه وهل يعتبر عرف ايجابي ام سلبي لاسيما والجميع ينظر الى جذوره تجاه الاخرب الصواب. وهنا مشكلة النسبية تبقى ملازمة الى العقلية الفردية التي لا تزال نسخة مكررة للعصور الانسانية المكررة منذ الخليقة ولعلي اقول حتى نهاية الوجود. إن الحداثة، كما يصفها العديد من الفلاسفة والمفكرين، لا تعني القطيعة مع الماضي أو الانسلاخ عن الهوية وهذا اهم عوامل الحديث عن الانتقال الحداثي المعاصر، بل هي محاولة لإعادة قراءة النصوص والموروثات بمنهج عقلاني يتفاعل مع الحاضر ويتطلع إلى المستقبل. فالمجتمعات التي تتمسك بالصورة النمطية المتجمدة والتي تعتقد أن قيمها غير قابلة للتطوير، تواجه خطر الانغلاق والانفصال عن العالم المتغير والبقاء في منصة الضياع. واقع الأمر ان هذا التمسك الشديد بالماضي هو ما يعيق هذه المجتمعات من التقدم، بل ويجعلها عرضة للاضمحلال في ظل الفضاء العالمي الذي أصبح يتيح للأفكار التفاعل والتأثير دون حدود. الموروثات الفكرية والاجتماعية هي في الأصل انعكاس للبيئة التي نشأ فيها الانسان وبالتالي فإن الجمود عليها يعني تجاهل التغيرات التي طرأت على العالم، فالطبيعة البشرية تملك ثوابت التمسك في النشأة الاولى والخروج عنها يعتبر معصية ذهنية يرتكبها العقل البشري، لذلك التمسك في لموروث يعد بمثابة العبادة ويعتبر الخروج عن الثبات سواء كان التغيير من حيث تطور المعرفة أو الأنماط الاجتماعية الجديدة. فكما اسلفت سابقا لا بد من وجود "الوسط المادي الناقل" الذي يربط بين القدم والحداثة وهو ما يمكن أن نطلق عليه فضاء التأويل أو الهرمنيوطيقا. هذا الفضاء يتيح للأفكار القديمة أن تتفاعل مع الحاضر وتتشكل من التجديد لتلائم الاحتياجات والتحديات المعاصرة. فالتأويل هنا ليس مجرد قراءة سطحية للنصوص ومحاولة لتكييفها وفق الظروف الجديدة، بل هو عملية عميقة تتطلب فهم النص في سياقه التاريخي والثقافي، ثم إعادة صياغته بما يتوافق مع الحاضر. هذا التأويل وفقً للفكر الفلسفي لا ينفصل عن النص الأصلي ولكنه يقدم قراءة جديدة له بناءً على معطيات الراهن. فالواقع أن الأفكار لا تبقى ثابتة بل تتطور مع الزمن، وبالتالي فإن المجتمعات التي ترفض التطور الفكري تجد نفسها عالقة في ماضيها وغير قادرة على التفاعل مع الحاضر أو بناء مستقبل أفضل. من جهة أخرى، يجب أن ندرك أن هذه العملية ليستدعوه إلى التخلي عن الموروثات أو القيم الدينية والاجتماعية، بل هي دعوة إلى تفكيك هذه الأفكار وتقديمها بطريقة جديدة. فالإنسان يحتاج الى بيئته الصالحة كما تحتاج بقية المخلوقات للديمومة كذلك الفكر هو الآخر يحتاج إلى الجذور والقيم الأساسية ولكنه في نفس الوقت مطالب بالتجدد والمرونة. الجمود الفكري هو أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تراجع المجتمعات، لذلك، لا بد من وجود رغبة حقيقية فإعادة تقييم المفاهيم الموروثة بالأخص التكنولوجيا والعولمة أتاحت للأفراد أن يطلعوا على أفكار وتجارب جديدة من مختلف أنحاء العالم، وهو ما يعني أن الأفكار والنظريات القديمة لم تعد قادرة على الصمود أمام هذا الفيض من المعلومات والمعرفة. إن الأفكار التي كانت تُعتبر في الماضي "ثوابت" قد تصبح الآن عرضة للنقد وإعادة النظر في محتواها بل وقد يتم استبدالها بأفكار أكثر تطورًا وملاءمة للواقع الحالي. إذا أردنا بالفعل أن نبني مجتمعًا عصريًا قادر اعلى المنافسة والتطور، لا بد من إعادة النظر في أسس الفكر العام والتقاليد الثقافية والاجتماعية. يجب أن نتعامل مع الموروثات بحذر، لا من باب رفضها أتجاوزها، بل من باب تجديدها وتحديثها بما يتماشى مع المتغيرات. فالعقل الإنسان بطبيعته يسعى إلى التجديد، والتمسك بالمفاهيم القديمة دون نقد أو تأويل يمنعه من التطور. هذه العملية تتطلب الارادة والانفتاح على الأفكار الجديدة، مع الحفاظ على احترام الموروثات التي أثبتت قدرتها على البقاء والتأثير. وبذلك، يمكننا تحقيق توازن بين الأصالة والحداثة، بين التمسك بالجذور والانفتاح على المستقبل، وهو ما يتيح للمجتمعات أن تنمو وتتطور في بيئة عالمية تتسم بالتغير المستمر. المحصلة ان التأويل ليس خيارًا بل ضرورة، ليس فقط لفهم النصوص، بل لفهم الذات والمجتمع في عالم دائم التغير. إنه وسيلة للوصول إلى عقلنة الفكر وتحديثه دون فقدان الهوية، وبهذا نضمن أن تكون المجتمعات قادرة على التأقلم والتطور مع التحولات المعاصرة. يتبع بتفصيل جزئي لكل ما كتبناه
#علي_مهدي_الاعرجي (هاشتاغ)
Ali_Mahdi_Alaraaji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هرمينوطيقا المجتمع بين الحداثة و التاويل
-
معركة الاسابيع الخمسة
-
هستيريا سياسية ومفهوم الدولة
-
أكره الله
-
التحليل السياسي بين الرقص و التطبيل
-
هستيريا الديمقراطية التوافقية
-
تجارة التحليل السياسي وتلون الحديث الإعلامي
-
تصدعات فكرية لمجتمعات ما بعد الحروب
-
الله,انا ,الوهم,و الوجود
-
الأنظمة السياسية تنتج معارضة شبيهتها
-
ثرثرة سياسية
-
غباء شعب
-
مبادرة الشرق للانسداد السياسي في العراق
-
كيف تصنع صنم مقدس
-
التُّرَّهَةُ في الشك وافكار انسانية
-
غويران الحسكة وحرير العراق اغرد خارج السرب
-
ايران ما بعد سليماني والمد الافقي في العراق وشمال افريقيا
-
التكوير و القيامة بين النص و العلم الجزء الثاني
-
التكوير و القيامة بين النص و العلم الجزء الاول
-
فكرة عن المشهد العراقي ولا يوجد عراق جديد
المزيد.....
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
-
وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|