أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - علي الجلولي - على هامش العودة المدرسية والجامعية: أوضاع التربية و التعليم تزداد سوء مع الشعبوية.















المزيد.....

على هامش العودة المدرسية والجامعية: أوضاع التربية و التعليم تزداد سوء مع الشعبوية.


علي الجلولي

الحوار المتمدن-العدد: 8107 - 2024 / 9 / 21 - 16:47
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


عاد أكثر من مليوني تلميذ وتلميذة، وأكثر من نصف مليون طالبة وطالب إلى مقاعد الدرس. ولئن اقترنت العودة في الذهنية الشعبية العامة بشحنات الأمل والتفاؤل بحكم ما يحيل إليه العلم والمعرفة من رموز ترتبط جميعها بالتقدم والتحضر، فان عودة هذا العام مثل الأعوام السابقة تحولت فعلا إلى كابوس وعبء ثقيل على كاهل مختلف الأطراف من المتعلم ذاته إلى العائلة وصولا إلى إطار التدريس ومختلف الفاعلين والمتدخلين في العملية التربوية . يعود ذلك إلى تراكم كل الأسباب التي حوّلت التمدرس وفضاءه ـ أي المدرسة ـ إلى فعل مهمّش.
ـ عودة مدرسية بتلميذ يقتل زميله في بنعروس.
لقد افتتح العام الدراسي الجديد بجريمة قتل أمام معهد طه حسين بمقرين (ولاية بنعروس)،طرفاها تلميذان يافعان، أحدهما قاتل سيقضي ردحا كبيرا من حياته في السجن، والآخر مقتول سيوارى الثرى في عزّ شبابه. وبقطع النظر عن أسباب الشجار بين التلميذين، فان ظاهرة العنف (بما فيه العنف الشديد باستعمال الأدوات الحادة) هي في صعود واستقرت كظاهرة في المؤسسة التربوية سواء باستهداف تلاميذ لبعضهم، أو لاستهداف مكونات أخرى مثل الأساتذة والإداريين، وتدلل الأرقام على حجم الاستفحال وخطورته، والعنف متلازم مع ظواهر رديفة مثل استهلاك وترويج المخدرات والانقطاع المدرسي الذي يمسّ سنويا أكثر من 100 ألف تلميذ/ة، واتساع نطاق الفشل والإخفاق والهدر المدرسي، وهي جميعها انعكاس لما يعتمل في أحشاء المجتمع الذي تستفحل فيه كل مظاهر التأزم والعنف والجريمة متلازمة مع الفقر و الحرمان والفاقة كنتيجة حتمية لخيارات الدولة الاقتصادية والاجتماعية التي عززت كل ملامح الخلل بما فيها ضرب دور المدرسة وتهميشها.
ـ الخيارات التربوية الفاشلة لدولة فاشلة.
تقريبا لا يختلف عاقلان في بلادنا حول حجم الضرر الحاصل في القطاع التربوي، وقد انخرطت في السنوات الأخيرة الشعبوية الحاكمة في الإقرار بهذه الأزمة وان كانت تتفصّى من نصيبها في المسؤولية. إن الدولة بمنظومات حكمها المتتالية وآخرها منظومة قيس سعيد تتحمل المسؤولية كاملة في التدهور الممنهج للشأن التربوي في بلادنا. فتحت حكم سعيد لازال نصيب وزارة التربية لا يتجاوز 14°/° من الميزانية العامة، توجّه 98°/° منها إلى أجور إطارات وأعوان الوزارة فيما يبقى نزر قليل (2°/°) يوجه لنفقات التجهيز التي تشمل كل شروط تشغيل المؤسسة التربوية من الطباشير وصولا إلى مصاريف الماء والكهرباء، والنتيجة الحتمية لهذا الحجم من التمويل هو الضعف الرهيب للبنية الأساسية في المؤسسات التربوية التي تآكل أغلبها وأصبح غير صالح للاستعمال، بل أصبح فضاء منفرا ومقرفا وهو أقرب في بنايته وأثاثه إلى السجون والمعتقلات. وللعلم فان 527 مدرسة غير مرتبطة بشبكة الماء الصالح للشرب، وأن 128 مدرسة بدون مجموعات صحية، وذلك حسب تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادر في 18 أفريل 2024 بعنوان "تداعيات غياب العدالة البيئية وآثار التغيرات المناخية على باقي الحقوق".
ولا يطال الخلل البنية الأساسية المادية،بل يطال أيضا و أساسا البنية الأساسية البشرية، فكما هو معلوم فان الدولة قد جمّدت الانتدابات في الوظيفة العمومية والقطاع العام منذ سنة 2022 بتعليمات من صندوق النقد الدولي، ورغم تبجح النظام بشعارات السيادة والاستقلالية، فان الواقع يفند ذلك ووصفات صندوق النقد تطبق بكل تفاني، وهاهو قطاع التعليم يعاني اليوم نقصا حادا في إطار التدريس تجاوز في التعليم الإعدادي و الثانوي 12 ألف مفتتح هذا العام، وذلك دون احتساب من سيتمتعون بالتقاعد طوال العام الجاري وهم يعدون بالآلاف في مختلف مستويات التعليم. في المقابل من ذلك تواصل الدولة في ظل حكم سعيد استغلال آلاف من النواب في التعليمين الأساسي والثانوي وهو الذين يعيشون ظروف عمل أقرب إلى نظام السخرة الإقطاعي، وقد حول النظام الشعبوي مأساة هؤلاء إلى ملف من ملفات الدعاية في الحملة الانتخابية، والجميع يتذكر خطاب وزيرة التربية السابقة التي تلاعبت بمشاعر النواب و أهانتهم على الأثير مباشرة حين جمعتهم أمام الوزارة في سهرة استعراض شعبوي انتهى بتنظيم مسيرة لهؤلاء الضحايا من أبناء الشعب الذين يتقاضون أجور بؤس ويعملون أكثر من 20 ساعة أسبوعيا، وهم لا يتلقون تكوينا بيداغوجيا يسهل انجاز مهماتهم علما وأن حجم الشغورات فرض في السنوات الأخيرة أن يقوم النواب بتدريس الأقسام النهائية بما فيها الباكلوريا وفي مواد أساسية تفترض الخبرة والتجربة والقدرة العلمية. وللعلم فان عديد المؤسسات التربوية تبقى دون معلمين وأساتذة طوال العام، ولا يطال الأمر الأرياف القصيّة بل حتى مدارس حضرية. علما وأن معضلة الانتدابات تنعكس على أهرام المؤسسات والأقسام التي تعاني الاكتظاظ الذي تعانيه أغلب المؤسسات أين يصل عدد التلاميذ في القسم الواحد أكثر من أربعين تلميذا بما يحول عملية التمدرس لدى المعلم والمتعلم إلى عملية شاقة ومرهقة إن لم نقل مستحيلة، خاصة مع غياب وسائل العمل أو تهرمها.
إن الأوضاع المادية للمؤسسة التربوية تواصل الانحدار والفاعلون التربويون يعون جيدا حقيقة الدعاية السمجة التي تعتمدها السلطة. إن المدرسة العمومية تعيش اليوم أسوأ أوضاعها منذ الخمسينات إلى اليوم. وسيسجل التاريخ أن هذا الوضع شهد الانحدار مع الشعبوية. لقد اضطر الآلاف من الأولياء حتى من الطبقات الشعبية ومحدودة الدخل إلى التوجه إلى التعليم الخاص، ويستقطب هذا القطاع أعدادا متنامية في التعليم العالي أين تضطر بعض العائلات التونسية إلى التضحية القصوى لتدريس أبنائها خاصة في الاختصاصات شبه الطبية والهندسية أملا في شغل أو في فرصة سفر للخارج أصبحت اليوم مشروعا عائليا، فالبلاد برمتها تحولت لدى أوساط واسعة إلى سجن كبير ولا خيار إلا الحرقة والحرقة المقنعة.
هذا وتسفّه المعطيات أكذوبة مجانية التعليم لا بمعلوم الترسيم والوثائق المصاحبة له، بل أيضا وأساسا بحكم الغلاء المشط للوازم المدرسية التي أطلق العنان فيها لمصاصي دماء الشعب كي يراكموا الثروة على حساب الفقراء والبؤساء، فحقيبة تلميذ إضافة إلى الملابس و لمجة الصباح والمساء ومعاليم النقل والنسخ اليومي للدروس والوثائق بعد إلغاء الجزء الأهم من ميزانيات المدارس وتقليص نصيبها الذي أصبح لا يؤمن الشروط الدنيا، لذلك تحول أغلب مديري هذه المؤسسات إلى "متسولين" على أعتاب الخواص لتأمين السير اليومي للمؤسسة التربوية.
ـ وآخرها بعث مجلس أعلى للتربية.
تزامنت العودة مع انعقاد مجلس وزاري تحت إشراف قيس سعيد وقرر المصادقة على مرسوم بعث المجلس الأعلى للتربية وذلك على خلاف ما نصص عليه دستوره ببعث هذا المجلس وفقا لقانون، وهو ما يعني أن رأس النظام لا يريد تشريك مجلس نوابه في قراره لأنه لا يقبل إمكانية النظر وزالنقاش وإبداء الرأي فيما يصدر عنه و الذي يجب أن يُطبق على الفور باعتباره منزّلا. أما عن مضمون هذا المرسوم الذي اطلع عليه الفاعلون التربويون مثل بقية الناس في وسائل التواصل الاجتماعي، فانه لم "يقنع" حتى أنصار المسار الذين لم يجدوا ما يدافعون به . لقد ورد المرسوم خال من أي رؤية ولا تصور ولا صلاحيات للنظر في المنظومة التربوية في أفق تقديم معالجات لإصلاحها. كل ما في المرسوم هو جيش من المعيّنين للنظر وإبداء الرأي فيما يعرض عليهم من الوزارات أو "غرفتي الوظيفة التشريعية" ما له صلة بالشأن التربوي.
إن هذا المجلس لن يكون سوى غرفة صورية مثل البرلمان المكلف ومجلس الأقاليم المعيّن، وسيبقى الشأن التربوي ضحية معالجات شعبوية يدفع فاتورتها أبناء الشعب وبناته الذين فقدوا الثقة في المدرسة التونسية لحساب مؤسسات أخرى تدمّر الوعي وتلغي الشخصية وتصنع بشرا طيعا ومدجّنا.

18 سبتمبر 2024



#علي_الجلولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خالدة جرار أيقونة فلسطينية واقفة رغم ضيق التنفس.
- في حوار شامل مع -صوت الشعب-: الصحفي المقدسي -راسم عبيدات- يق ...
- محمد الغول من قلب النار، من غزة: من وسط الألم يصنع الفلسطيني ...
- حوار مع الرفيق فهد سليمان،الأمين العام للجبهة الديمقراطية لت ...
- حوار مع الرفيق ماهر الطاهر،القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فل ...
- القضية الفلسطينية في منعرج جديد: هل تتحرك شعوبنا لإسناد الان ...
- النتائج النهائية للباكلوريا: تواصل نفس العوائق الهيكلية للمن ...
- مشكل الماء في تونس: الشعب التونسي يعطش
- الشعب البوليفي يحبط محاولة انقلابية
- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- الأنظمة العربية وفلسطين: الحقيقة عن التواطؤ واللامبالاة.
- بعد 110 يوما من حرب الإبادة: العدو ينهزم، المقاومة تنتصر.
- تجريم التطبيع بين شعبية المطلب وشعبوية التعاطي.
- المقاطعة كسلاح فعّال في النضال التحرري.
- في الذكرى 13 للثورة التونسية : أفكار حول الثورة والمسار الثو ...
- عام مضى وعام أتى وحال التونسيين يزداد تدهورا
- التطورات في النيجر و جنوب الصحراء: شعوب إفريقيا بين واقع الا ...
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ...
- الخطاب الشعبوي في تونس: آليات المغالطة وأهدافها
- ما أشبه اليوم بالبارحة


المزيد.....




- النزاع في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا...أولوية جدول أعما ...
- مصادر لـCNN: تسريب وثائق استخباراتية تظهر معلومات عن خطط إسر ...
- باكستان.. المئات يؤدون صلاة الجنازة على يحيى السنوار
- -تشاهدوننا نحترق وتلتزمون الصمت- معاناة أسرة فلسطينية بعد اح ...
- الظلام يخيم على كوبا.. انقطاع الكهرباء يعم الجزيرة للمرة الث ...
- كين يقود بايرن لانتصار كاسح على شتوتغارت وتأمين الصدارة
- قبطان دانماركي يمنع من كشف المستور
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد جديدة عن مقتل يحيى السنوار في تل ...
- -حماس- تعلق على فيديوهات الجيش الإسرائيلي الجديدة بشأن السنو ...
- مصادر فلسطينية: مقتل أكثر من 73 شخصا وعشرات المفقودين شمال غ ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - علي الجلولي - على هامش العودة المدرسية والجامعية: أوضاع التربية و التعليم تزداد سوء مع الشعبوية.