|
التسول المقنَّع بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب
الطاهر كردلاس
الحوار المتمدن-العدد: 8106 - 2024 / 9 / 20 - 09:42
المحور:
المجتمع المدني
التسول المقنَّع بقلم الطاهر كردلاس اكادير
أينما وليت وجهك، أو حللت بأي مكان من الأمكنة المتواجدة بربوع الوطن- قرية كانت أو مدينة - أو سافرت في حافلة صغيرة أو كبيرة، أو امتطيت سيارتك الخاصة فاضطررت للوقوف لسبب من الأسباب، أو جلست بمقهى أو مطعم لتتناول أي شيء أو تحتسي شايا او قهوة لتخفف عنك أحزانا أو ضغوطات نفسية واجتماعية – وما اكثرها في أيامنا هذه - أومررت بشارع واسع أو ضيق ، أو تسوقت بسوق عاد أو راق ، أو مررت أمام بعض المساجد وحتى في بعض الحانات ، إلا واعترضك متسول رجلا كان أو امرأة، طفلا أو مراهقا أو شابا يافعا مرتديا أحسن الثياب أو أرثاها ، او شيخا طاعنا في السن.. أصناف وأصناف من المتسولين لا حصر لهم.. والأدهى والأمر أن بعض المتسولين يطرقون أبواب المنازل صباحا أو مساء طرقا حادا مرددين أدعية غير مفهومة أحيانا وبصوت مرتفع غير آبهين بانزعاج الساكنة.. وإذا ما قدمت لهم رغيفا يخزنونه ثم يرمونه بعيدا في أول خلاء.. أما إذا تصدقت عليهم بقطعة سكر فإنهم يعيدون بيعه لتاجر تعودوا أن يتعاملوا معه .. لقد أضحى التسول ظاهرة متفشية مستفحلة كالنار في الهشيم رغم تنافيها مع القوانين الوضعية أو الدينية والاخلاقية (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ) لقد أصبح المتسولون -مضطرين أو غير مضطرين- يتناسلون كل يوم ويتكاثرون بشكل لافت للنظر.. فمنهم من أرغمته الظروف الاجتماعية والاقتصادية لممارسة التسول بشكل قهري لا مناص منه ، وهذا لا حرج عليه.. ولكنهم قليلون وخصوصا المقعدون أو العميان او المشلولون أو المصابون بعاهة مستديمة أو شيوخ عجزة أخْنَى عَلَيْهِم الدهر.. ومنهم من امتهن هذه المهنة بشكل احترافي واحتيالي وما أكثرهم .. ورغم أن القانون الجنائي المغربي ينص صراحة في فصله 326 بأنه " يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التعَيُّش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تَعَوَّد ممارسة التسول في أي مكان كان" فإن هذا القانون لايطبق إلا لماما.. بل إن أكثر المتسولين لجأوا إلى حيل شتى للتمويه والتهرب بشكل شيطاني ماكر من العقوبة القانونية كاللجوء إلى بيع مناديل ورقية (كلينكس ) أو أنواع متنوعة من (البيسكويت) أو تمر محشو أو تقديم ورقة مكتوب فيها طلب المساعدة ليتامى أو أرامل وهميين أو حقيقيين أو عرض لأطفال رضع تحملهم المتسولة بمزيد من الشفقة الزائفة. أو جر كرسي متحرك لضرير أو كسيح صاحب عاهة مستديمة من طرف شخص آخر يتقن اللعبة في الخداع بأعين باكية وقلب كسير.. أو تبيان ورقة فحص طبي حقيقية او وهمية ، وهناك من يعرض عاهة معينة كبتر ساق أو يد أو وضع ضمامة على الرأس ملطخة بعض الدماء الجافة أو وضعها على العين مما قد يثير شفقة المشاهدين واستدرار عطفهم . وأشياء كثيرة جدا تزعج الجالسين في المقاهي والمطاعم ، أو المارين أو السائقين في أي مكان وفي أي زمان.. والخطير في الأمر أن هناك عصابات منتشرة مختصة في النصب والاحتيال واستغلال الأطفال وبيعهم أو رهنهم أو اكترائهم من أهلهم مقابل أثمان زهيدة، مما يسبب لهم الارتماء في عالم التسول والانحراف منذ نعومة أظافرهم... بل إن الكثير منهم استغنى وامتلك دورا وسيارات فارهة وأصبحت له إرصدة في الأبناك.. وهذا ما وقع لأحد جارتنا بالعمارة والتي تسكن في الطابق العلوي.. فقد اعتقلوها وهي متلبسة تمتهن التسول بجماعة اورير- اكادير مرتدية ألبسة رثة بالية مما يوهم المتصدقين أن حالتها يرثى لها.وقد ترصدها أحد المارة وهي تنزع اثوابها الأنيقة وترتدي الرثة داخل سيارتها. مما أوقعها في الفخ.. وقد كانت تمتلك سيارة ( اودي audi) وقيمتها أكثر من 600000 درهم وشقة فارهة (باعتها بعد مغادرتها السجن ب800000 درهم) ورصيد بنكي حوالي 700000 درهم تقريبا.. وهذا غيض من فيض. وما خفي كان أعظم.. كل هذا يقض مضجع السلطات بكل فئاتها والتي عجزت عن تنفيذ المساطر القانونية الخاصة بالزجر أو الإكراه البدني بشكل صارم مما فتح التسيب على مصراعيه وجعل المتسولين يفعلون ما يشاءون بلا رقيب ولا حسيب.. لكن ما هي الحلول الناجعة للتخلص من هذه الآفة ولو بشكل نسبي..فالعقوبة الحبسية حتى وإن طبقت فليست علاجا أمثل.. بل لا بد في نظري المتواضع من تفعيل إجراءات أكثر نجاعة كتوفير بدائل اقتصادية واجتماعية وثقافية والقيام بتفعيل وسائل مادية ولوجيستيكية لحماية الأطفال أولا وخصوصا المشردين والمستغلين من طرف عصابات التسول.. كما يجب إنقاذ الاشخاص الذين يعيشون تحت عتبة الفقر والهشاشة والأشخاص ذوي إعاقة بدنية أو نفسية وحمايتهم من الضياع وإعادة إدماجهم في بوتقة المجتمع .. وفوق هذا وذاك تعزيز سياسة تنموية قادرة على النهوض بالمجتمع وبطبقاته الهشة المنخورة اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وصحيا ووووو... والقضاء على الفوارق الطبقية والاجتماعية والثقافية وغيرها .. ولكن كل هذا سيبقى حبرا على ورق إن كانت الآذان غير صاغية ، والأعين غاضة الطرف والقلوب فظة غليظة لا تأبه للجانب الانساني، ولا تراعي المصلحة العامة.. فمتى الخلاص والخروج من عنق الزجاجة؟
#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعر ود وقضية
-
تتمة من وحي الذاكرة : فلسطين التي يهزني ذكراها كلما...
-
من وحي الخواطر : بداية المشوار
-
تتمة من وحي الخواطر فلسطين
-
من وحي الخواطر فلسطين التي يهزني ذكراها كلما..
-
قراءة لقصيدة حريق الوجع للشاعر الطاهر كردلاس بقلم مسعود العر
...
-
بعبه
-
حريق الوجع شعر الطاهر كردلاس اكادير
-
مرحبا بهولاكو مرة أخرى شعر الطاهر كردلاس
-
قراءة في قصة- ما في القنافد أقرع- للقاص الطاهر كردلاس للناقد
...
-
قصة قصيرة : ما في القنافذ أقرع
-
العالم الآسن شعر الطاهر كردلاس اكادير المغرب
-
قراءة لقصة اللغز المحير للاديب الطاهر الكردلاس بقلم الاستاذ
...
-
قصة فلسفية -اللغز المحير-
-
قراءة نقدية لقصيدة نغمات على صفيح دافئ للناقد العربي مسعود ا
...
-
الوقت اللامستساغ
-
نغمات على صفيح دافئ
-
قصة قصيرة: المهووس
-
شعر :جريمة التناسي. للشاعر الطاهر كردلاس
-
شعر. الأسد الخائر
المزيد.....
-
الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة
...
-
الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد
...
-
الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي
...
-
الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|