النهج الديمقراطي العمالي
الحوار المتمدن-العدد: 534 - 2003 / 7 / 5 - 04:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
منظمة "إلى الإمام"
اعتبر منظمتنا, منذ عملية إعادة البناء في سنة 1979, ولازالت تعتبر أن الطبقة العاملة طبقة طليعية تاكتيكيا واستراتيجيا, وممارستها لهذا الدور الطليعي هي ضامنة انفتاح الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على آفاق الإشتراكية وتحقيقها لأهدافها المنشودة.
ولقد برهنت الطبقة العاملة المغربية ولازالت تبرهن عن طليعتها في الصراع الطبقي رغم عدم استقلالها الإيديولوجي وعدم توفرها على تنظيمها السياسي المستقل, ليس فقط خلال مرحلة الاستقلال الشكلي ببلادنا, بل كذلك في سنوات الأربعينات والخمسينات ضد الإستعمار الفرنسي حيث انخرطت الطبقة العاملة في خضم صراع الشعب المغربي ضد الإستعمار الفرنسي وأنابه.
ومنذ سنة 1979 جعلت منظمتنا من مهمة التجذر وسط الطبقة العاملة مهمة مركزية, وأنجز أعضاؤها خطوات هامة في هذا الإتجاه. لكن عملها السياسي والتنظيمي وسط الطبقة العاملة يتطور ببطء شديد وليس بالشكل المطلوب, في وقت تعيش فيه الطبقة العاملة وضعا مأساويا, اقتصاديا واجتماعيا ومهنيا, وتعرف فيه حركات نضالية هامة. إن وضعا بهذه المميزات يوفر إمكانيات هائلة لتأطير نضالات الطبقة العاملة, واحتضانها تنظيميا ونضاليا وسياسيا. لكن ما نسجله وبكل جرأة , هو بعد منظمتنا عن النهوض بهذه المهام.
كما أكدت الأحداث, ابتداءا من انتفاضة 1981, الأهمية النضالية والإستراتيجية للأحياء الشعبية, وصحة طرح منظمتنا للتجذر وسط كادحيها. لقد أدى التفقير المتزايد في المدينة و البادية, وضعف القدرة الشرائية للجماهير الكادحة, وتدني الخدمات الاجتماعية (السكن, التطبيب, التعليم...) بل إعدامها أحيانا, إلى تحركات نضالية في العديد من الأحياء الشعبية الفقيرة للدفاع عن حق السكن ومواجهة إرادة النظام لهدم منازلهم البسيطة وإفراغهم بالقوة, في إطار عملية " تجميل" قسرية للمدن والطرق الكبيرة. ولقد واجهت قوات القمع مطالبة الجماهير الكادحة بحقها في السكن, أحيانا بالتماطل والقمع وصل حد سقوط شهداء في صفوف المتظاهرين (بوقنادل, سيدي سليمان, تمارة, فاس, كاريان الحايط بالبيضاء, وادزم...) وأحيانا أخرى بالرضوخ النسبي لمطلب السكان (بن امسيك / البيضاء) لكن النضالات الهامة لكادحي الأحياء الشعبية تسير وفق دينامية تطبعها العفوية , ولم تستطع المنظمة الإرتقاء إلى مستوى استثمارها سياسيا وتنظيميا. إن عملنا وسط الأحياء الشعبية, رغم ما راكمناه من تجربة ابتداءا من سنة 1981, بطيء جدا ومحدود ولا يتناسب مع تجربة المنظمة ولا مع التربة الخصبة التي تتوفر داخل الأحياء الشعبية.
وإذا كان طرح المهمة المركزية هي التجذر وسط الطبقة العاملة بالأساس في الأحياء الشعبية مازال طرحا صحيحا, فإن الممارسة العملية تواجه صعوبات كثيرة, وعلى مستويات مختلفة. تفترض منا إعطاء إجابات سديدة لتقديم عملنا السياسي والتنظيمي وسط الطبقة العاملة والأحياء الشعبية من أجل إعادة بناء منظمتنا كمنظمة شيوعية صلبة مكافحة ومتجذرة وسط العمال وكادحي الأحياء الشعبية وجماهير الفلاحين.
وعليه تواجه المنظمة ضرورة توفرها على تصور سديد وخطة عمل واضحة ودقيقة وسط الطبقة العاملة والأحياء الشعبية, والانتقال من التصور العام المجرد إلى الطرح الملموس, وسيكون لرفاقنا العاملين وسط او مع الطبقة العاملة وفي الأحياء الشعبية دورا هاما وحاسما في هذا الصدد.
أولا : التجذر وسط الطبقة العاملة
-I حول تجربة المنظمة ومفهومها للتجذر
لم يكن الإهتمام بالطبقة العاملة غريبا عن منظمتنا منذ نشأتها, لكن هذا الإهتمام بقي في التجربة الأولى حبيس اطروحة الشبيبة المدرسية كقنطرة للعبور, في الوقت الذي كان النظام قادرا على استيعاب البرجوازية الصغيرة. بينما بدأت منظمتنا تركز على الطبقة العاملة في ظل وضع موضوعي جد معقد.
1- التجربة الأولى من 1970 إلى 1976
إن مهمة الإرتباط بالطبقة العاملة وبناء الحزب البروليتاري كانت حاضرة منذ نشأة المنظمة, فمنذ 1970 عتبرت منظمتنا ضرورة الاعتماد على التلاميذ والطلبة المنحدرين من أوساط الجماهير الكادحة للالتحام بهذه الجماهير كمثقفين عضويين. وابتداءا من 1972 طرحت أن " الشبيبة المدرسية طليعة تكتيكية" ويمكنها تشكيل قنطرة عبور للإلتحام بالطبقة العاملة والجماهير الكادحة. إلا أن هذا لم يمنع من إنجاز بعض المحاولات للعمل وسط الطبقة العالمة (السكك الحديدية, المكتب الوطني للكهرباء, مناجم جرادة... ).
2- التجربة الثانية ابتداءا من 1979
منذ 1979 طرحت منظمتنا مهمة التجذر وسط الطبقة العاملة كمهمة مركزية تتطلب العمل المباشر وسط الطبقة العاملة. ورغم السلبيات التي أحاطت بإنجاز هذه المهمة, والتي يجب الوقوف عليها لتقييمها واستخلاص الدروس اللازمة, أبانت الممارسة عن إيجابيات لابد من استجلائها.
أ?- الإيجابيات : يمكن تركيزها كما يلي:
- (...)
- مكنتنا التجربة من تلمس هذه الإشكاليات التي تعترض عمل المنظمة وسط الطبقة العاملة ومن الوقوف على جوانب الضعف وجوانب القوة في تصورنا لعملية التجذر وممارستنا لها, ومحاولات فهم أحسن لواقع الطبقة العاملة, وإشكالاته الموضوعية(...).
ب?- السلبيات : إن أهم السلبيات التي طبعت ممارستنا وفهمنا لمهمة التجذر وسط الطبقة العاملة يمكن تسطيرها كالتالي:
- لم يكن فهمنا لمهمة التجذر إلا فهما مجردا , تبسيطيا وتجزيئيا (...)
- سيادة النزعة العمالية وعدم ربط مهمة التجذر بباقي مهامنا في مختلف الفئات والطبقات الشعبية ذات المصلحة في الثورة.
- لم نميز في واقع الأمر بين الأولويات في توجيه ممارستنا داخل الطبقة العاملة, وهذا ناتج أساسا عن تصورنا الضبابي للبنية الهيكلية للطبقة العاملة ولم ننجز الخطوات المطلوبة والضرورية للتجذر وسط القلعات البروليتارية ذات التجربة والرصيد النضالي, كما أننا لم نميز بين القطاعات الأساسية والثانوية, واقتصرنا على التوجه إلى الطبقة العاملة بشكل عام ومجرد في ظل غياب تحليل ملموس لواقع الطبقة العاملة.
- (...)
- عدم توفرنا على تحديد سديد للعلاقة بين النقابي والسياسي في الشروط الملموسة للصراع الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة. (...)
- ضعف دعايتنا وخطابنا وسط الطبقة العاملة, بما فيها الدعاية للفكر الماركسي. وقد عرفت تجربة " الكادح" التي جاءت في هذا الإطار بعض السلبيات. فباستثناء الأعداد الأولى, طغى عليها الطابع الإخباري المحض والكتابات المثقفية.
- غياب تصور ملموس للمزاوجة بين العمل السري والعمل العلني الجماهيري, خصوصا وأنه تحت ضغط الإحباطات الأمنية غالبا ما يضحي المناضلون بالثاني لصالح الأول, مما يؤدي في آخر المطاف إلى فقدانهم كفاحيتهم وطليعتهم في النضال. (...)
-II حول الواقع الملموس للبقة العاملة
إذا كانت إحدى الإشكالات التي تعترض تقدم عملنا داخل الطبقة العاملة هي فهمنا المجرد لواقعها, فمن الضروري معرفة هذا الواقع والإحاطة بالإشكالات التي يطرحها حتى نستطيع الإجابة عنها على طريق التقدم في إنجاز مهمة التحذر.
إلا أن أية معرفة لن تكون إلا نسبية. كما أن معرفة الواقع الملموس للطبقة العاملة لن تكون إلا عبر الإلتحام به والإنصهار وسطه. وانطلاقا من هذا, فإن معرفتنا وإجابتنا ستتطور وتتعمق في ارتباط جدلي بتقدم وتطور عملنا الملموس وسط الطبقة العاملة.
1- حول بنية الطبقة العاملة:
إن ما يميز بنية الطبقة العاملة هو توزعها على قطاع عصري مقنن نسبيا, وقطاع غير مقنن. فالطبقة العصرية لا تشكل إلا نسبة محدودة؛ %8.5 تقريبا من مجموع السكان النشيطين (انظر دراسة أحمد المباركي " دراسة كمية للطبقات الإجتماعية بالمغرب" المنشورة في جريدة "المسار" ). وإذا كان القطاع غير المقنن هو الأكثر بشاعة في الاستغلال, ولا يعرف أدنى استقرار, وبالتالي لازال يفتقد إلى تأسيس ممارسة نقابية ومراكمتها داخله, فإن نسبة مهمة أيضا من الطبقة العاملة العصرية توجد في وضعية اللاإستقرار إما كموسميين أو كمياومين خصوصا بالمقاولات الصغيرة أو الحديثة النشاة, مما يجعلهم باستمرار عرضة للابتزاز والطرد في أول احتجاج, الشيء الذي يضع معوقات كبيرة أمام تقدم نضال الطبقة العاملة بهذه الوحدات الإقتصادية. ويجب تسجيل هنا أن المرأة العاملة تشكل نسبة كبيرة من هذا الجزء من الطبقة العاملة التي تعاني من اللاإستقرار.
أما القطاع الأكثر استقرارا فيتشكل بالأساس من القلعات البروليتارية والوحدات الاقتصادية الكبيرة والمتوسطة أحيانا. وغالبا ما تكون غير حديثة التأسيس, بما فيها المؤسسات العمومية والشبه عمومية. وعلى خلاف القطاع المتميز بعدم الإستقرار في الشغل, فإن عمال هذا القطاع يتميزون بارتفاع معدل السن لديهم ويتوفرون على مهارات أحسن ويتقاضون أجورا أحسن نسبيا ومؤهلون أكثر ليكونوا أكثر وعيا وتنظيما. ولابد من تسجيل أن البيروقراطية النقابية للإتحاد المغربي للشغل تتواجد بهذا القطاع بما فيه القلعات البروليتارية (السكك الحديدية, الماء والكهرباء, المناجم, الموانئ...)
وإذا كانت إمكانيات العمل متوفرة بالقطاع ذي الاستقرار في الشغل نظرا لما يتوفر عليه من تجربة, فإن الصعوبة الكبيرة تأتي من ناحية الإلتحاق به نظرا لأن ذلك يتطلب خبرة مهنية لا بأس بها وغالبا شهادات تقنية تثبت ذلك. (...).
كما لا تخفي أهمية توجيه التلاميذ المناضلين لمراكز التكوين المهني, ومن ثمة للإشتغال بهذه القلعات والوحدات الاقتصادية. أما بالنسبة للقطاع غير المستقر, أي الوحدات الاقتصادية الحديثة والصغيرة إلى جاب القطاع غير المقنن, فإن العمل النقابي به أن يكون إلا تأسيسيا, ويمكن للعمل في الأحياء الشعبية أن يساعد بشكل عام في إنجاز التجذر وسط عمال هذا القطاع.
2- حول العمل النقابي ونضال الطبقة العاملة عموما:
إن عملية تجذر المنظمة وسط الطبقة العاملة تعني في أخر المطاف التحام رفاقها ومناضليها بالعمال الطليعيين, لينصهروا بشكل فعال وطليعي في الدينامية المتنامية والمتصاعدة لنضالات الطبقة العاملة, كنضال طليعي وملتحم بنضال باقي الفئات الكادحة, في خضم المسلسل الثوري من أجل إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. وإذا كان هذا واضحا على المستوى النظري والإستراتيجي, فإن الإشكال الذي يقف أمامنا هو كيفية الوصول إليه. أي ما هي التكتيكات والخطط العملية التي يجب علينا تطبيقها من أجل المساهمة في أن ينتقل النضال الحالي للطبقة العاملة من وضعه الملموس حاضرا ليتطور إلى مستوى أرقى, مستوى الإنخراط في النضال في إطار المسلسل الثوري؟
إن تطور نضال الطبقة العاملة من وضعه الضيق حاليا إلى المستوى الأرقى لن يتم إلا إذا تمكنت الطبقة العاملة, وبشكل تدريجي من الوعي بأن هذا النضال يخدم مصالحها الطبقية. فالطبقة العاملة قد اكتسبت عبر نضالها وتجربتها الطويلة, حسها الطبقي أو وعيها الحسي, ونظرا لتجاربها المريرة بدءا من تبخر الآمال التي عقدتها على الاستقلال, أو تجربتها الطويلة مع البيروقراطية النقابية وكذا مع القوى الإصلاحية حيث تبقى ثقتها جد ضعيفة بالعمل السياسي وتتحفظ كثيرا على الإنخراط فيه.
تأسيسا على ما سبق, يجب أن يكون واضحا أننا لن نستطيع إقناع الطبقة العاملة ببرنامجنا وبضرورة الإنخراط في النضال السياسي الثوري مع ما يصاحبه من أخطار وتضحيات فقط لأننا نطرح هذا البرنامج إن هذا الإنخراط لن يتم إلا عبر مسلسل نضالي ينبني على تكتيكات طويلة النفس تضع نصب أعينها أولا وقبل كل شيء الإجابات السديدة للمشاكل الواقعية والملموسة للطبقة العاملة بغية تحسين أوضاعها عبر دينامية تراكمية وتصاعدية تبني فيها الطبقة العاملة تدريجيا أدواتها الكفيلة بخوض هذا النضال, وذلك من خلال فرز المزيد من العمال الطليعيين وانخراطهم في النضال الثوري, ومن خلال بناء اللجن العمالية القاعدية, كشكل من أشكال التنظيم الذاتي المستقل على مستوى الوحدات الإنتاجية و كذلك من خلال إعطاء نفس ومفهوم جديد للنضال النقابي وتصليب وتوحيد الأدوات النقابية وصولا إلى وحدة الطبقة العاملة وفي هذا الإطار يجب الإجابة بشكل سديد على الإشكالات التالية:
- ما هي إجابتنا على الإغلاق النهائي أو المؤقت للمعامل؟
- كيف نقود نضال العمال ضد تخفيض ساعات العمل؟ أو ضد الطرد الفردي والجماعي؟ أو ضد الخوصصة؟ ...إلخ
- كيف نقود نضال العمال ضد تخفيض ساعات العمل؟ أو ضد الطرد الفردي والجماعي؟ أو ضد الخوصصة؟ ...إلخ.
-III خطوط عريضة لخطة عمل وسط الطبقة العاملة
إن تعقد الواقع الملموس للطبقة العاملة وتفاعل مختلف جوانب عمل منظمتنا داخل مختلف طبقات الشعب الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة, يقودنا إلى وضع خطط عمل مركبة ونهج أساليب ملائمة ومتكاملة فيما بينها.
ولاشك أن صمود منظمتنا في وجه حملات القمع, وتوفرها على وضوح إيديولوجي وخط سياسي ثوري يستجيب لمتطلبات المرحلة, وكذا إجابات سديدة للمعضلات التي تواجه عملها, سيمكنها من أن تطرح نفسها كمدافعة عن كافة الطبقات العاملة, وأن تجد فيها هذه الطبقات والفئات الاجتماعية من خلال برامجها التكتيكية والاستراتيجية وأساليب عملها ونضالها تعبيرا عن طموحاتها وسيجعلها قادرة آنذاك, وآنذاك فقط, على جعل حركة الجماهير قوة مادية ثورية تعصف بالطبقات السائدة وبجهاز دولتها المخزني. وعليه لا يمكن أن تصبح قطبا ثوريا, راسخة جماهيريا, إلا إذا تقدمت في إنجاز مهمتها المركزية وهي التجذر وسط الطبقة العاملة بالأساس وفي الأحياء الشعبية وجماهير الفلاحين.
1- حول مفهوم التجذر وسط الطبقة العاملة:
رغم اعتبارها لمهمة التجذر وسط الطبقة العاملة مهمة مركزية, فإن منظمتنا سقطت في فهم ضيق, تبسيطي, وتجزيئي لهذه المهمة والتي تم اختزالها في استقطاب العمال لداخل المنظمة لتغيير بنيتها الاجتماعية. ورغم ما يحمله هذا الطرح من صحة, لكنه يبقى مختزلا وغير كاف, ولم تربطه بشكل خلاق بعملها وسط فئات وقطاعات أخرى, وسادت نزعة برجوازية صغيرة تنتظر بروز النتائج بسرعة.
إن التجذر وسط الطبقة العاملة عملية مرتبطة بالحركة النضالية للطبقة العاملة وبانصهار فكرنا مع هذه الحركة, لا تتاتى إلا نتيجة عمل عام وشامل للمنظمة, تتسارع وتيرتها مع تزايد هيمنتنا الإيديولوجية والسياسية داخل الطبقة العاملة خصوصا والجماهير الشعبية عموما, وبتنامي نضال الحركة الجماهيرية, وتنامي الفكر الثوري داخلها. وبالتالي فهي عملية معقدة ومسلسل شاق يتطلب عملا دؤوبا طويل النفس, ووضوحا سياسيا كافيا بهذه المهمة. ولا يمكن الحديث عن عملية التجذر دون التواجد المباشر وسط الطبقة العاملة وخصوصا وسط القلعات البروليتارية كالسكك الحديدية, الفوسفاط, الموانئ...إلخ. لكن هذا لا ينفي أهمية العمل خارج هذه القلعات البروليتارية, أو العمل مع الطبقة العاملة سواء في الأحياء الشعبية أو داخل النقابات, دون أن نغفل أثر العمل الديمقراطي في مجالات مختلفة (حقوق الإنسان, العمل النسوي, العمل الجمعوي...إلخ ) على نضالات الطبقة العاملة والمساعدة التي يقدمها بشكل غير مباشر لعملية التجذر.
وهذا ما يتطلب منا, من جهة أولى تجاوز أية نزعة عمالية ضيقة, ومن جهة ثانية عدم تعويم مهمة التجذر وسط باقي المهام الأخرى وبالتالي الإنحراف عنها كمهمة مركزية تتطلب تسخير الجزء الاكبر من جهود المنظمة لإنجازها.
إلا أن عملية التجذر وسط الطبقة العاملة, إذا كان لا يقوم بها رفيق واحد أو مجموعة رفاق, بل تقوم بها المنظمة ككل, فإنها لا تسير بالضرورة, في شكل خطي, ويمكن إحداث قفزات نوعية في سيرورة إنجازها تبعا لتطور الصراع الطبقي وتطور أشكاله.
إن مهمة التجذر وسط الطبقة العاملة يجب أن تفهم على أنها عملية مركبة تدخل في صلب بناء الحزب الروليتراري , وبناء الخط السياسي للمنظمة, بمعنى أنها عملية نتقدم في إنجازها بتقدم المسلسل الثوري. وعلى المستوى الملموس, إنها عملية متعددة الأبعاد يتداخل فيها العمل المباشر بالعمل غير المباشر, العمل داخل النقابات بالعمل وسط الأحياء الشعبية, العمل الدعائي الدائم لنضالات الطبقة العاملة بالعمل الدعائي للفكر الماركسي وخوض الصراع الإيديولوجي. كما أنها عملية يساهم فيها كذلك المناضلون من خارج الطبقة العاملة خصوصا من خلال دعم نضالاتها بكافة الأشكال والصيغ المناسبة,عبر انخراط الجمعيات والتنظيمات الديمقراطية (حقوقية, ثقافية, نسوية... إلخ) في هذه المساندة.
2- تصورنا للعمل النقابي للطبقة العاملة:
إن تحديدا سديدا للعلاقة بين العمل النقابي والعمل السياسي للطبقة العاملة يشكل مفتاحا لما يتعرض عمل منظمتنا في القطاع العمالي من عراقيل. هذا التحديد يخضع للشروط الملموسة للصراع الطبقي, وليست هناك علاقة ثابتة خارجة عن هذه الشروط في هذا الصدد يجب تفادي منزلقين إثنين:
الأول : اختصار عملنا وسط أو مع الطبقة العاملة في العمل النقابي فقط, وتسخير وجودنا وإمكانياتنا كلها له.
الثاني : استصغار العمل النقابي واحتقاره والدعوة إلى العمل السياسي المباشر بصفته القادر على رفع وعي الطبقة العاملة ونضالاتها إلى مستوى يجعلها قادرة على انتزاع مكاسبها وأخذ مكانتها الطبيعية في الصراع الطبقي وفي الحياة السياسية بالبلاد. واعتبار أن العمل النقابي قد أعطى ما يمكن أن يعطيه ويجب نقل نضالات الطبقة العاملة إلى المواجهة المباشرة للدولة.
يندرج العمل النقابي العمالي ضمن الصراع الاقتصادي ضد الاستغلال الرأسمالي. ويجب فهمه كمجسد للصراع الطبقي وجزء منه. وفي الشروط الحالية لا يمكن أن يكون هناك نضال للطبقة العاملة بدون نضال نقابي. فالطبقة العاملة تخوض الصراع الطبقي من خلال الإضرابات عن العمل كطبقة. ومن هنا تأتي الأهمية المركزية للعمل النقابي. وفي الوقت الذي نستصغر فيه النضال النقابي ونطرح مستعجلين, ضرورة المرور إلى المستوى السياسي-التنظيمي لمنظماتنا وسط الطبقة العاملة, نجد من جهة أولى أن الباطرونا, سواء الدولة أو الخواص, توليه أقصى الإهتمام وتواجهه بضراوة قاسية بتواطئ مع الأجهزة القمعية للدولة, مما يجعل النضال النقابي العمالي محرما في عدة قطاعات, ومن جهة ثانية يلجأ العمال إلى النضال النقابي تحت الضرورة الموضوعية وباحتياطات أمنية كبيرة تصل في غالب الأحيان إلى التحضير للنقابة بشكل سري تماما. ويعتبر النضال النقابي العمالي مقدمة ضرورية لأشكال أخرى من النضال. ولا يمكن لنضال الطبقة العاملة أن يأخذ أبعادا سياسية واضحة أو يصبح نضالا سياسيا إلا من خلال ارتقاء النضال النقابي العمالي إلى المستوى المطلوب, ليس بشكل خطي, بل من خلال سيرورة نضالية معقدة, على منظمتنا كمنظمة ثورية ماركسية لينينية أن تلعب فيها دورا حيويا وبارزا.
إن منظمتنا, من خلال مناضليها(...) مطالبة بإبراز قدرتها على تطوير تكتيكات النضال اليومي. وإن النضال اليومي المباشر للمناضلين هو تطوير النضال العمالي النقابي الذي يكتسي أهمية استراتيجية. لكن هذا لا يعني السقوط في تصور مراحيلي بل تطوير العمل النقابي وأن يأخذ بعده السياسي من خلال الحركة الملموسة للطبقة العاملة والانتقال بالتالي من أشكال النضال البسيطة إلى المعقدة وليس من خلال الخطاب السياسي والإرادوية.
3- العمل المباشر والعمل غير المباشر في الطبقة العاملة:
نظرا لطبيعة الواقع الهيكلي للطبقة العاملة وللتشكيلات الاجتماعية القائمة في بلادنا, فإن عمل منظمتنا في الطبقة العاملة مدعو لإتباع أسلوبين:
أ?- أسلوب العمل لمباشر: يكون هذا الأسلوب فعلا في القطاعات العمالية المتميزة باستقرار الشغل, وفي مقدمتها القلعات البروليتارية والوحدات الاقتصادية الكبيرة. ويتركز في التواجد في مواقع الإنتاج إما كعمال أو كمستخدمين صغار. ولا يمكن أن يتأتى هذا إلا بواسطة نزول مناضلين من خارج الطبقة العاملة للعمل وسطها (...) على المناضل الذي إنسلخ من واقعه البرجوازي الصغير والتحق بالطبقة العاملة أن يوجه كل جهوده في البداية لإكتساب لغة واهتمامات العمل حتى يصبح جزءا من واقعه الجديد, والذي هو مطالب بدراسته دراسة علمية متعددة الجوانب (الوضع الاقتصادي للقطاع او العمل, بنية اليد العاملة, النقابة الموجودة, طبيعة مناديب العمال أو ممثلو السلامة بالنسبة للمناجم...إلخ ) والإندماج فيه بشكل إيجابي. ومن جهة أخرى يقع على عاتق المنظمة التحضير المستمر, إيديولوجيا, سياسيا ونضاليا لهؤلاء المناضلين وفق برامج محددة حتى يتحولوا إلى مناضلين أكفاء للطبقة العاملة ولمنظماتنا وسطها, وحتى لا يجذبهم من جديد واقعهم الأصلي البرجوازي الصغير. (...)إن ما يجب أن يميز مناضلي المنظمة عن غيرهم ليس قدرتهم على التحليل المجرد, بل كفاءتهم في المساهمة في قيادة نضالات الطبقة العاملة وتحملهم المسؤوليات النقابية على كل المستويات الممكنة وعدم اندفاعهم حتى في العمل النقابي والحذر الشديد أثناءه على مصلحة الطبقة العاملة.
ب?- أسلوب العمل غير المباشر : يصعب, موضوعيا, العمل النقابي وسط القطاعات المتميزة بعدم استقرار الشغل كالوحدات الاقتصادية الصغيرة أو القطاع غير المقنن. كما أن هناك قطاعات عمالية يصعب تأطيرها داخل النقابات, بل في الأحياء الشعبية. وفي إطار هذا الأسلوب نميز بين:
• العمل وسط الأحياء الشعبية: يعتبر هذا العمل مكملا للعمل وسط الطبقة العاملة ورافدا من روافد التجذر. ذلك أن ضعف البنيات الاقتصادية القائمة في البلاد والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور حاليا, يجعل بعض القطاعات غير مستعدة للإنخراط في النشاط خوفا من فقدان منصب الشغل, لكن في المقابل يمكنها تفجير ما تختزنه من طاقات في إطار نضال كادحي الأحياء الشعبية. وليس مطلوبا القيام بهذا العمل بالضرورة من طرف عمال, بل يمكن ويجب الإستفادة من كافة الطاقات المناضلة بغض النظر عن موقعها الاجتماعي.
• العمل في النقابات: ليس المقصود بهذا الأسلوب العمل مع الطبقة العاملة من الموقع النقابي العمالي بل أساسا من موقع العمل النقابي غير العمالي, نظرا لما توفره المركزيات النقابية المناضلة, بشكل متفاوت, من إمكانيات إحتكاك بين النقابيين من القطاعات العمالية المنقبة داخل هذه المركزية أو تلك. ويمكن لبعض المناضلين العاملين داخل نقابة غير عمالية (التعليم, الصحة, الفلاحة, البريد...) والمتشبعين بالخط السياسي للمنظمة والقادرين على المساهمة في إنجاز مهمة التجذر من مواقعهم الاجتماعية والنقابية, تركيز عملهم, ليس من أجل مصلحة الفئات الاجتماعية التي ينتمون لها, بل بالارتباط بالطبقة العاملة والعمل معها من خلال العمل النقابي والنقابات.
4- على المستوى التنظيمي:
(...)
- إطارات العمل مع الطبقة العاملة : تجاوزا لأية نزعة عمالية, ومن اجل استفادة الطبقة العاملة, ومنظمتنا, من كافة الإمكانيات النضالية المتوفرة خارج العمال, على المنظمة أن تعمل على خلق إطارات للعمل مع الطبقة العاملة, توظف الطاقات التي لا يمكن استيعابها داخل إطارات المنظمة, من أجل العمل مع الطبقة العاملة, وقد تكون هذه اللجان دائمة أو مؤقتة.
- اللجان الدائمة للعمل مع الطبقة العاملة: يمكن تشكيلها داخل نقابة أو قطاع أو حتى حي معين وتكون مهمة هذه اللجان العمل من أجل الارتباط بالطبقة العاملة وعليها وضع برامج وخطط يعتبر تطبيقها كفيلا بتقديم العمل مع الطبقة العاملة من خارجها كطبقة ويتكامل عملها مع عمل إطارات المنظمة للعمل مع الطبقة العاملة.
- اللجان المؤقتة للعمل مع الطبقة العاملة: في فترات معينة من الصراع الطبقي وأثناء الإضرابات العمالية البارزة, إما في قطاع أو مدينة, يمكن – إذا توفرت الشروط لذلك- خلق لجان في قطاعات أو داخل إطارات معينة (حقوقية, نسوية, جمعوية...) لمساندة العمال في إضراباتهم عن العمل أو اعتصاماتهم مثلا, خصوصا على المستوى الدعائي والدعم المادي, وتنتهي هذه اللجان بانتهاء التحرك العمالي المحدد.
5- موقفنا من النقابات:
إن موقف منظمتنا من النقابات المناضلة القائمة ينطلق من قناعتنا المبدئية ومن مصلحة الطبقة العاملة نفسها. ومنذ تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل, ومنظمتنا تناهض التقسيم النقابي ونرفع شعار الوحدة النقابية, دون أن يتناقض ذلك مع توجيهاتها للرفاق والمناضلين والعاطفين والدعوة إلى العمل داخل النقابات الأكثر تمثيلية سواء الاتحاد المغربي للشغل أو الكونفدالية الديمقراطية للشغل. ولاشك أن العمل النقابي في بلادنا يعاني من أزمة تتجسد على الخصوص في الطرد العشوائي وتحريم العمل النقابي الذي لم يستطع تحصين نفسه. وأحيانا ينفر العمال من العمل النقابي أما بسبب مرارة التجارب وقساوتها أو بسبب الرغبة في الحفاظ على الشغل الذي يبدو كامتياز خصوصا في القطاع غير المقنن وفي الوحدات الإنتاجية الصغيرة, وفي ظل تزايد أعداد العاطلين بشكل مهول مما يشكله هذا الجيش الاحتياطي للشغل والانتهازية السياسية لقيادة الكونفدارلية الديمقراطية للشغل من عرقلة واضحة لتطور نضالات الطبقة العاملة وتنمية وعيها الطبقي وانطلاقا من ان البنية الأساسية للطبقة العاملة تناضل في إطار الإتحاد المغربي للشغل, يمكن القول بشكل عام, بضرورة تركيز العمل داخل الإتحاد المغربي للشغل , على اعتبارها المركزية الأكثر تمثيلية وعدم إغفال العمل داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
- حول الاتحاد المغربي للشغل : إن ما يميز هذه المركزية النقابية, زيادة على تمثيليتها العمالية الكبيرة, هو هيمنة البيروقراطية عليها. كما أنها تعاني من "شيخوخة" واضحة من خلال عدم قدرتها على تجديد وتشبيب أطرها وعناصرها. لكنها توفر إمكانيات واسعة للعمل داخلها, وعلى مناضلي منظمتنا المتواجدين داخل الاتحاد المغربي للشغل أن يظهروا بمظهر مختلف عن عناصر البيروقراطية وتأثيرها السلبي على نضالاتهم داخل الاتحاد المغربي للشغل إلا أنهم يدركون بحسهم الطبقي وبتجاربهم القاسية أن خطر اليروقراطية هو أقل ضررا من الهيمنة السياسية والإيديولوجية لحزب الإتحاد الإشتراكي داخل الكونفدرالية الدمقراطية للشغل, وحزب الاستقلال داخل الإتحاد العام للشغالين بالمغرب. ومن الصائب أن يتجه العمل نحو تصعيد وإنجاح نضالات العمال, من خلال فهم جيد لميكانيزمات العمل النقابي وقطع الطريق على أساليب البيروقراطية. وفي هذا الإطار يجب التوفر على مناضلين أكفاء في العمل النقابي قادرين على الإجابة على الإشكالات التي تعترض نضال العمال وذلك بشكل يتجاوز طروحات البيروقراطية وأساليبها الخبيثة في النضالات أو الركوب عليها. ومن أجل تجاوز البيروقراطية يمكن أن يكون شعار "دمقرطة الإتحاد المغربي للشغل " أكثر ملاءمة من شعار مواجهة البيروقراطية, ويسهل مأمورية مناضلينا وسط الإتحاد المغربي للشغل, مع الاستمرار في رفع شعار الوحدة النقابية وعلى كافة مستويات العمل النقابي إلا في حالة الإستحالة القصوى التي يجب تحديدها ومناقشتها في الإطارات المسؤولة للمنظمة.
- حول الكونفدرالية الديمقراطية للشغل: لقد أثبتت هذه المركزية عن نضالية عالية رغم قاعدتها العمالية الضعيفة, ويصطدم العمل داخلها, عمليا, بهيمنة تيار سياسي معين, الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية, خصوصا داخل قطاع التعليم, يجعل من الصعب التوسع داخل هذه النقابة, وسيكون من الخطإ تفادي النضال داخلها ومن خلالها. ويمكن أن نركز عملنا تحت شعار استقلالية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن أي توظيف سياسي مع رفع شعار الوحدة النقابية الفعلية.
- حول الوحدة النقابية العمالية: من الواضح أن نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب هي نقابة تابعة 100% لحزب الاستقلال (لا يمنعنا هذا من العمل وسطها وتنقيب العمال في إطارها), وأن التنسيق بينها وبين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تنسيق فوقي له بالأساس أغراض حزبية ضيقة. وسيكون من الخطإ تزكية هذا التنسيق وإيهام العمال بأهميته. بل إن التنسيق الفعلي والحقيقي الذي يجب الدعوة إليه هو بين الكونفدرالية والاتحاد المغربي للشغل, وفي الواقع الملموس نصادف حالات معينة يجب التعامل معها حسب كل حالة:
• في حالة تأسيس العمل النقابي في قطاع أو مؤسسة معينة, يجب أن يتجه عملنا نحو بناء نقابة في إطار الإتحاد المغربي للشغل.
• في حالة وجود نقابة رجعية بمعمل يمكن العمل في البداية داخل هذه النقابة مع التشبث بأفق الإلتحاق بالاتحاد المغربي للشغل في المقام الأول أو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في المقام الثاني, إلا إذا كان هذا الإلتحاق سيضر بوحدة ونضالية عمال هذا المعمل أو القطاع.
• في حالة وجود أكثر من نقابة واحدة, يجب العمل داخل النقابة الأكثر تمثيلية مع رفع شعار الوحدة النقابية وتركيز الجهود على بناء هذه الوحدة في ساحة الصراع وعدم الاقتصار على استحضارها في الخطاب فقط حتى لا يتحول شعار الوحدة النقابية إلى مادة للإستهلاك الدعائي فقط.
6- أثر العمل الديمقراطي على نضال الطبقة العاملة:
إن العمل الديمقراطي في بعض الحالات (حقوق الإنسان, العمل النسوي...) له أثر واضح على نضال الطبقة العاملة وعلى العمل وسطها, وهذا ما يتطلب إخراج العمل الديمقراطي في مجال حقوق الإنسان مثلا من نخبويته ودفعه للإهتمام بالحق النقابي وحق الإضراب مثلا, خصوصا وأن العمل محرم في عدة قطاعات عمالية, دون أن يعني هذا أن يرتكز العمل الديمقراطي الحقوقي على قضايا العمال وحدها.
كما سيكون من المفيد الإستفادة من الطاقات والإمكانيات النضالية التي تتوفر لدى بعض العمال في نضالهم خارج الطبقة العاملة (نضالهم إلى جانب الجماهير في الأحياء الشعبية مثلا)
7- حول الدعاية :
نظرا لضرورة وحيوية العمل الدعائي يجب إبداع أشكال الدعاية وعدم الاقتصار على الدعاية المكتوبة, وفي الشروط الراهنة يجب تطوير الدور الدعائي للجريدة الوطنية وفي نفس الوقت استغلال بعض المنابر العلنية الموجودة والدفع بها للاقتراب أكثر من واقع الطبقة العاملة ونضالاتها (مثلا إصدار ملاحق خاصة بمعمل أو قطاع, أو إضراب, وبيعه نضاليا بشكل واسع لعمال المؤسسة أو القطاع المعين...).
ثانيا : التجذر وسط الأحياء الشعبية
على إثر الانتفاضة الشعبية المجيدة التي فجرتها الجماهير الكادحة بالدار البيضاء في 20 يونيو 1981, حصل الوعي بأهمية العمل في الأحياء الشعبية كأحياء شعبية. ويكتسي هذا العمل أهمية بارزة انطلاقا من كونه يساهم في تأطير نضالات الجماهير الكادحة وتنظيمها حتى لا تظل عفوية, وبهدف الرفع من وعيها ومساعدتها على تنظيم نفسها لمواجهة الطبقات السائدة والدفاع عن حقوقها وطموحاتها الآنية والبعيدة.
إن للأحياء الشعبية أهمية استراتيجية, وجماهيرها, خاصة الشباب, تختزن طاقات هائلة واستعدادا للتضحية يصل حد الاستشهاد كما حصل في الانتفاضات المجيدة: مارس 65, يونيو 81, يناير 84 بالشمال, ودجنبر 1990 بفاس وطنجة ومدن أخرى, مما يدفعنا أكثر إلى مساعدتها على بناء تنظيماتها الذاتية للدفاع عن نفسها وعن مطالبها.
-I حول تجربة عملنا وسط الأحياء الشعبية
لا يمكن الحديث عن تجربة فعلا للمنظمة وسط الأحياء الشعبية إلا بعد 1981, حث بدأت المنظمة في تشكيل إطارات للعمل في الأحياء الشعبية, وأسست فعلا تجربة غنية بالدروس. فلأول مرة تتوفر المنظمة على إطارات متخصصة في العمل وسط الأحياء الشعبية داخل بعض المدن, وشكلت لجانا شعبية طغى عليها الطابع السري لإسناد هذا العمل. وكانت الشبيبة المتعلمة (طلبة, أساتذة) العمود الفقري لهذه اللجان التي زاوجت في نشاطها بين ما هو علني من خلال دروس التقوية, محاربة الأمية, كتابة العرائض حول مشكل السكن, العمل الجمعوي, الدعاية للفكر الثوري؛ وبين ما هو سري تجلى في تنظيم المظاهرات, توزيع المناشير والكتابات الحائطية. إلا أن عملنا وسط الأحياء الشعبية لم يكن مبنيا على تصور واضح وعلى خطة عمل دقيقة وملموسة, نظرا من جهة لغياب أية تجربة في هذا المجال لدى ناضلي المنظمة وعلى استحضار وتقييم عمل المنظمة في الأحياء خلال تجربة السبعينات. ولقد كانت الفئات المهيمنة داخل هذا العمل هي الفئة المتعلمة على حساب الكادحين. وظل الطابع الغالب على هذا العمل هو الإرادوية والتحريض على حساب الطابع الاجتماعي والدؤوب والصامت لعملنا الذي لم يكن يجيب على حاجيات الصراع الطبقي والالتحام الفعلي للجماهير الكادحة.
-II حول واقع الأحياء الشعبية وطبيعة العمل بها.
نتيجة التدهور العام الذي تعرفه بلادنا على كافة المستويات, الاقتصادية الاجتماعية, تعاني الأحياء الشعبية والجماهير الكادحة بها من الانعكاسات السلبية لهذا الوضع العام المتدهور, خصوصا في مجال الخدمات الاجتماعية كالتطبيب والتعليم. إلا أن أبرز مشكل تعاني منه الجماهير الشعبية هو السكن.
فبفعل المضاربات العقارية داخل المدن, خاصة الكبيرة, وعمليات "التجميل" القسرية للمدن والطرق الكبيرة, أصبح السكن من أول اهتمامات الكادحين ومجالا للمواجهة العنيفة والدموية بين كادحي الأحياء الفقيرة وأجهزة النظام القمعية.
إن عملنا في الأحياء الشعبية يجب أن يراعي التفاوت بين الأحياء وأهميتها. والمدن العمالية لابد أن تستأثر باهتمامنا الكبير. كما يجب التركيز على الأحياء العمالية في بعض المدن كالبيضاء وعلى أحياء القصدير والأحياء الشعبية التي كانت طليعية في الانتفاضات الشعبية (سيدي يوسف بن علي في مراكش, بنسودة بفاس, وبني مكادة بطنجة...).
1- ضرورة التمييز بين المدن الصغيرة والمدن الكبيرة
يظهر أن الهجرة القروية لم تعد تتم مباشرة من البادية إلى المدن الكبيرة, بل إن الإتجاه العام لها أصبح يمر عبر المدن الصغيرة والاستقرار داخل أحياء فقيرة بها, حيث يتم نوع من التأهيل للانتقال بعد ذلك إلى المدن الكبيرة.
إن العمل داخل الأحياء الفقيرة بالمدن الصغيرة والتي تحتضن المهاجرين مباشرة من البادية مدعو لأن يتوجه نحو البادية, أما داخل المدن الكبيرة فيجب التمييز بين عدة انواع من الأحياء الشعبية.
• الأحياء العمالية
نصادف داخل المدن الكبيرة أحياء عمالية بكاملها وأحياء كادحة وأخرى برجوازية صغيرة. فالأحياء العمالية قد تكون لعمال قطاع أو معمل واحد (السكك, الفوسفاط...) ويكون العمل بهذه الأحياء مكملا بشكل واضح للنضال النقابي لهذا القطاع أو العمل. وقد تكون أحياء يقطنها عمال من قطاعات ومعامل مختلفة (حي دار الأمان بالبيضاء مثلا) وفي كلتا الحالتين يتمفصل نضال هذه الأحياء بالنضال النقابي للقطاع أو العمل الذي يشتغل به العمال المعنيون.
• الأحياء الكادحة
تضم هذه الأحياء العمال والحرفيين والعاطلين, أي فئات كادحة مختلفة وتعاني في الغالب من مشاكل السكن كالنظافة مثلا والتعليم والتطبيب, وكذا المعاناة من تعسفات الإدارة. ويجب أن ينطلق العمل بهذه الأحياء من اهتمامات الكادحين بها. وإذا كان العمل المباشر وسط عمال القطاع الغير مقنن لا يتيح إمكانيات كبيرة لتطوير العلاقة معهم نظرا لعدم استقرار الشغل بها والتهديد المستمر بالطرد والحرمان الشبه المطلق لهؤلاء العمال من التنظيم النقابي, فإن الارتباط بهم في أحيائهم يسهل هذه المهمة.
• الأحياء البورجوازية الصغيرة
رغم طبيعتها البورجوازية الصغيرة سيكون من الخطإ إهمال العمل وسطها إذا توفرت إمكانية ذلك. ويظهر أن الجمعيات السكنية بدأت تنتشر داخل هذا النوع من الأحياء وتساهم في خلق جو من التآزر والتضامن بين سكان الحي. لكن أحيانا يظهر نوع من العداء بين سكان هذه الأحياء, التي غالبا ما تكون أحياء جديدة وسكان الأحياء الشعبية المجاورة, خصوصا الشباب. وقد تلعب الجمعيات السكنية دورا في خلق جو التضامن والتآزر بين سكانها وسكان الأحياء المجاورة وفي نفس الوقت إعطاء المناعة اللازمة ضد الاستقطاب الحزبي لأغراض انتخابية أو الاستيعاب الرسمي لهذه الجمعيات السكنية.
ب?- ضرورة التمييز بين المدن العمالية والمدن غير العمالية:
في إطار معرفة منظمتنا للواقع الملموس لشعبنا, وفي إطار عملها وسط الأحياء الشعبية تطرح ضرورة التمييز بين المدن العمالية والمدن غير العمالية.
تعتبر المدن العمالية (اليوسفية, جرادة, خريبكة...) مدنا خصبة للارتباط بالطبقة العاملة والاهتمام بقضاياها المختلفة خارج النطاق المهني والنقابي, وعلى العمل داخل أحيائها أن ينطلق من طبيعة كل مدينة وخصوصية اهتمامات السكان بها.
ويكون العمل بها متمما للعمل وسط القطاعات التي يشتغل بها عمال هذه الأحياء, ولا يقوم به بالضرورة عمال هذه المؤسسات, بل قد يساهم فيه مناضلون من مواقع اجتماعية مختلفة (طلبة, محامون, رجال تعليم,أطباء, مهندسون, عاطلون... )
-III خطوط عريضة من أجل خطة عمل وسط الأحياء الشعبية
انطلاقا من الاهمية الاستراتيجية للعمل وسط الأحياء الشعبية, وضرورة توفر منظمتنا على خطط عمل واضحة وعلى أرضية تقييم تجربة عمل منظمتنا وسط الأحياء الشعبية نطرح الخطوط العريضة التالية لخطة عمل وسط الأحياء الشعبية والتي يعود وضعها بشكل نهائي لمناضلينا العاملين وسطها.
1- أسلوبنا وتصورنا للعمل وسط الأحياء الشعبية.
من أجل الالتحام بالكادحين في الأحياء الشعبية ينبغي أن يرتكز نشاطنا في الأحياء الشعبية التي تسهل مهمة التجذر في الطبقة العاملة وتنظيم الكادحين, وهذا يتطلب تحديد الأولويات بالتمييز بين ما هو أساسي وما هو ثانوي, بين المدن العمالية والمدن غير العمالية, بين المدن الصغيرة والمدن الكبيرة, وبين الأحياء العمالية والأحياء غير العمالية حتى تكون خطواتنا مدروسة والنتائج أحسن والمردودية أفضل. وفي هذا الإطار يجب إيلاء الأهمية اللازمة للأحياء العمالية وأحياء مدن القصدير بالدرجة الأولى مع عدم إغفال الأحياء الشعبية الأخرى بما فيها الأحياء البورجوازية الصغيرة.
إن عملنا في الأحياء الشعبية في الظروف الراهنة, يجب أن يتم بعيدا عن أية وسائط أو قنطرة للعبور, بل أن يكون عملا مباشرا مع الكادحين وأن يرتكز على ما هو اجتماعي ومساعدة السكان على حل مشاكلهم اليومية وخدمة المصالح الآنية واليومية للجماهير, كما يجب أن يتجه هذا العمل مباشرة نحو الكادحين لكسب ثقتهم من خلال لجان تقديم خدمات اجتماعية متعددة ومتنوعة (الثقافة, الترميم, دروس التقوية, إلخ... )والتي رغم بساطتها, تكتسي أهمية قصوى ومن شأنها توطيد العلاقة بين الجماهير والمناضلين وفتح إمكانيات أوسع للالتحاق بهم. وبقدر ما تكون أساليب عملنا قريبة من الشعب بقدر ما نتقدم في توسيع تواجدنا النضالي السياسي والتنظيمي وسط الجماهير الشعبية.
إلا أن الأهمية المركزية للعمل الاجتماعي داخل الأحياء الشعبية لا يجب أن تجعلنا نغفل العمل الثقافي الذي يجب أن يكون, أحيانا, وعندما تتوفر شروط عنصر إخصاب للعمل الإجتماعي ومساعد مرتبط بالعمل داخل الحي.
كما يجب الاهتمام بالعلاقات مع التلاميذ والمهمشين والاستفادة من أي مناضل يريد خدمة الجماهير الكادحة, وفي نفس الوقت التهييء لأية تطورات قد يعرفها حي ما بسبب إقدام النظام على عملية (التجميل القسري) للمدينة, أي هدم أحياء بكاملها ونقلها خارج المدينة, والتي يذهب ضحيتها سكان الأحياء الفقيرة.
2- التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية:
تؤكد التحولات التي يعرفها العالم أن نجاح أية ثورة وضمان استمراريتها رهين بمدى قدرة الجماهير على خلق تنظيماتها الذاتية المستقلة. هذه التنظيمات تلعب دورا دفاعيا عن المصالح اليومية الآنية للجماهير, وستلعب دورا في حسم مسألة السلطة لصالح الجماهير نفسها, إن هي عرفت كيف تحافظ على استقلاليتها وتطور التنظيمات الجماهيرية المستقلة محليا, إقليميا ووطنيا, وبمساعدة المناضلين الثوريين والتنظيم الثوري على تفادي خطر البيروقراطية والهيمنة.
إن دور أطر المنظمة هو الالتحام مباشرة بالجماهير الكادحة وقضاياها ومساعدتها على خلق تنظيماتها الذاتية المستقلة مع الإستفادة من كل الإبداعات الخلاقة للجماهير في هذا المجال وتطوير كل مبادرة جادة وتقديم المثل والتفاني في خدمة مصالح الجماهير الكادحة.
3- دور المثقفين:
على منظمتنا الإستفادة من طاقات المثقفين من أجل مساهمتهم في نشر الوعي الديمقراطي وسط جماهير الأحياء الشعبية والقيام بدراسات ميدانية تساعد المناضلين في نضالهم اليومي بجانب ومع الجماهير.
4- على المستوى التنظيمي:
(...) علينا وضع خطط نضالية من أجل بناء التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير: لجان شعبية , جمعيات سكنية, جمعيات حماية المستهلك, لجان دعم المسحوقين والمهمشين والسجناء والمرضى...إلخ.
إن أطر المنظمة والمتعاطفين معها لا يمكن أن يكونوا فاعلين في الأحياء الشعبية ما لم ينخرطوا في النضال اليومي والشاق للجماهير الكادحة, ما لم يتحملوا المسؤولية الكاملة في مساعدة الجماهير الكادحة على خلق تنظيماتها الذاتية المستقلة, ما لم يكسبوا ثقتها بنضالهم إلى جانبها, النضال اليومي المتواصل والصبور والطويل النفس.
منظمة "إلى الإمام"
خريف 1991
#النهج_الديمقراطي_العمالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟