|
هواجس اجتماعية 292
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 17:30
المحور:
قضايا ثقافية
الكائن الوحيد الذي يستطيع أن ينال اللذة من هذا الوجود هو الإنسان. إن اللذة هي تكثيف لمجمل تكوينه واستمراره وارتقاءه. لا وجود للإنسان دون لذة. واللذة ألم لذيذ.
أرى بعض رعشات الضوء، يحاولن التسلل بخجل، من وراء الغيمات النائمات في ظلال الفجر. إنهن خائفات من رعشاتهن، من أنفسهن، من الضوء ذاته، أن يأخذ بيدهن إلى التبدد والضياع. يتمازجن طلوعًا ونزولا، ما بين الشفق والعتمة. هذه الرعشة، اهتزاز في السكون، خوف أن يذهب بها الضوء إلى النهاية.
أضحت الأرض تبحث عن الغيم ليمنحها الغيث، لأنها لم تعد تكتفي بدورها الثابت والمتلقي والخاضع. الموازين تغيرت ولم يبق ميزان يعتد به. لقد تغيرت أو غيرت ثنائية العلاقة، فوق وتحت، فأخذت المبادرة، ولم يعد يهمها من أين يأتي المطر، ومن أي سماء. لقد بدأت ترتفع إلى الأعلى، وبدأت عانق السماء، وتأخذ منه ما في داخله من ماء وسمن وعسل. المأساة الكبرى أن السماء أصجت عاقرًا، لم يبق فيها أي شيء يستحق الأخذ.
إن المعيار الأخلاقي للأمم والشعوب، هو معيار سياسي في الدرجة الأولى. السياسي هو المحدد للأخلاق. لا وجود لما يسمى أخلاق دون سياسة. الأخلاق تتحرك مع حركة السياسة. يثبت لنا التاريخ أن الأخلاق مثل الدخول إلى المرحاض، أنه يخضع لمعايير السادة.
أوروبا تتجه نحو المجهول، دخلت في حرب خاسرة بالمطلق مع روسيا، لا فائدة سياسية لها، بل خاسرة اقتصاديًا واجتماعيًا، حكومات فارغة من أي مضمون، مستقيلة عن السياسة ومصالح المجتمع، رهينة، لا تملك قرار بلدانها لا في الحرب ولا في السلم، وشعوب مغيبة عن مصالحها. أننا نعيش في زمن الاضطراب السياسي العالمي، تقوده قوى مضطربة لديها جنون حقيقي في الاستحواز على جميع ثروات الأرض، وتسير عالمنا نحو الجنون الحقيقي. اليمين سينفذ برنامجًا اقتصاديًا لمصلحة الأقلية، النخبة المالية المسيطرة، وسيدفع قطاعات اجتماعية كثيرة إلى الفقر وربما الشارع. نحن أمام تحولات هائلة في النظام العام للمجتمعات الغربية، تعبر عن أزمة اقتصادية سياسية اجتماعية عامة، تشير إلى العودة إلى البدايات، إلى التمايز الطبقي العامودي بين الاغنياء والفقر. لقد انتهت دولة الرفاه، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى غير هذا.
صبية سورية مقيمة في سويسرا، أقدمت على عمل مشروع يتعلق بوطنها سوريا، أنها في الثالث الثانوي، لين النجم، طلبت مني أن أرد على اسئلتها حول تجربة الاعتقال السياسي، لتقدمه لمدرستها. كانت تكتب وتبكي، إلى أن انتهت منه. اليوم سلمت المشروع بعد طباعته باللغتين العربية والأنكليزية. النص 1 ـ هل شعرت بالتهديد عندما تم محو اسمك و استبداله برقم؟ كيف تعاملت مع لغة الخطاب الجديدة، ما كان أكثر فعل او نعت يثير غضبك ويهدد كرامتك وانسانيتك؟ ج1 ـ كان الإذلال في سجن تدمر ممنهجًا، يتناول السجان ضحيته، السجين، ككتلة واحدة، يبدأ العمل عليه، يشتغل على تمزيقه من الداخل، يلغي أسمه ووجوده وإنسانيته، يحول جسده إلى مشروع سياسي، يحوله إلى شيء نافل لا قيمة له. يشعر السجين أن أظافر الجلاد تنهش في لحمه ودمه، يأكل أحشاءه بلذة كبيرة. المسألة لا تتوقف على الرقم وحده، ربما هذا أقل شيء نذكره. في الساعة الواحدة أو أكثر، يدخل الحرس إلى المهجع، تكون رؤوسنا إلى الجدار، منكسة، يدخلون بالعشرات يلتفوا حولنا بأيديهم كرابيج، يضربون البعض منا على رأسه باليد أو الكبل على الظهر أو الرأس أو بالرجل. عندما يكون الإنسان على مسافة من الموت، يموت الغضب في داخله، يكون مستعدًا لتحمل الألم، وتموت كرامته وإنسانية. لا يفكر بأي شيء سوى أن يكون ثقلهم أقل قسوة. لم يكن السجان يستخدم الرقم، كنا أقل من رقم، ينادي أحدنا ابو الشحاطة الزرقاء أو ابو الجوارب الحمراء أو الكنزة الخضراء. إنعدام قيمة الإنسان شيء عادي في هذا السجن. 2 ـ هل هناك أي نواحي إنسانية تجعلك تحتفظ بهويتك كإنسان داخل سجن تدمر؟ ج2 ـ ربما قيمة الأشياء أكثر أهمية من الإنسان في هذا المغطس القذر، الهوية الإنسانية ميتة فيه، يتلوث الإنسان بمجرد أن يضع قدمه في أول المدخل. نحن كنّا أقل من الحيوان بكثير. إن فقدان الأحساس بالأمان شيء عادي في هذا المكان، الضرب اليومي. في الساعة السابعة مساءًا نضع الطماشة على أعيننا ونبدأ رحلة النوم. السقف مفتوح، يطل الشرطي أو السجان علينا من أعلى السطح ويراقبنا، ونحن نيام، ممنوع الحركة إلى اليمين أو اليسار او على الظهر، يجب أن يكون النوم على صفحة واحدة إحدى عشرة ساعة دون حركة، ممنوع دخول الحمام، وكل ساعتين يقف حارس من السجناء، عليه الوقوف على قدميه كالصنم، رأسه منكسًا، لا يتحرك، يراقب زملاءه في حال تحركوا أو نزلت الطماشة من على عين النائم. لا يسمح للسجين في الذهاب إلى المرحاض، وإذا رأى السجان أحدهم شخر يؤشر عليه، وفي الصباح يجلد عندما يفتح الباب. 3 ـ كيف يتعامل الجلادين مع المعتقلين؟ هل تعتقد ان الحراس والجلادين هم نوعا ما أيضا ضحية النظام الوحشي، كيف ولماذا؟ ج3 ـ يتعامل الجلاد مع المعتقل بمنتهى القسوة. هناك أوامر من أعلى جهة في السلطة بالتعذيب الممنهج، وينفذ الجلاد الأوامر بدقة ولا مجال للتعطف مع السجين. الكثير من الجلادين أو الحراس ضحية نظام ديكتاتوري استبدادي فاسد، الجلاد الأول هو الرئيس، هو من يصدر الأوامر والتعليمات. عندما يأتي سجان جديد إلى السجن، يجري تدريبه على التعذيب، صفع على الوجه، الضرب بالكبل على الظهر. هناك قالب من الحديد على مقاس القدم، في إحدى الباحات، عند العصر يجتمع السجانون القدماء، ويبدأون بالتدريب كي يتعلم السجان الجديد، وبعد أن يراقب هذا الجديد الطريقة التي يمارسونها يعطوه الكبل ويبدأ الضرب على القالب الحديدي، وعندما يدخلون الباحات، يخرجون من كل مهجع سجين او اكثر ثم يبدأ التعذيب، ويشارك الجديد ممارسة التعذيب، في البدء تكون النفس رافضة، مع الممارسة اليومية يتحول إلى جلاد محترف. كانت تصدمني دائماً كلمة, وطي رأسك في الأرض يا ذليل, لا ترفعه على الأطلاق. المكان بغيض وكريه, غابة مملوءة بالوحوش, واقفة, تريد أن تلتهم كل ما يقع بين يديها وفمها. شيء ثقيل يرزح فوق صدري في مكان موحش. وبارد. خلق ليزحف إلى قدمي ويصعد إلى شفتي ووجهي. والصمت طائر ثقيل يرفرف هبوطاً فوقي 4 ـ هل التعذيب النفسي في بعض الحالات يؤثر في المعتقل ويألم أكثر من التعذيب الجسدي؟ وما هو هدفه؟ ج 4 ـ بالطبع إن التعذيب النفسي له دور هائل في إخضاع النفس البشرية وتدميرها من الداخل. عندما يتحرك السجان على السطح تتحرك في النفس حاسة الخوف، مع الوقت ذاته يتحول إلى رعب خاصة أثناء النوم، تبدأ الأذن تراقب أدق التفاصيل، يطرح السجين السؤال على نفسه: هل تحرك السجان فوق السطح؟ هل ذهب إلى المحرس؟ هل جاء فوق فتحة السقف؟ إنه فوقنا، أنه يراقبنا، الأن سيؤشر على أحدنا. القلب يدق، يعرق المرء، وعندما يدق الشرطي بقدمه على البيتون المسلح للسطح بقدمه أو بعقب البارودة بقوة هائلة، تزداد دقات القلب سرعة، وإذا أشر على واحد ما من النائمين، يدب الخوف في الجميع، ويتحول المكان إلى هلع دون صوت، لأن المهجع كله سيبقى متوترًا قلقًا خائفًا، لن يستطيعوا النوم بعد ذلك، سيبقون في حالة تحفز إلى الصلباح وهم مركونون في فراشهما دون حركة، تحت وصاية الجلاد إلى حين يفتح الباب ويعذب بالكبال. 5 ـ هل طرق التعذيب المختلفة تأثر بنفس الطريقة على المعتقل. ج5 ـ نعم. لا مصالحة أو هدنة مع الخوف. في أجواء التوتر والضغط والخوف من القادم وانعدام الأحساس بالحياة والأمان يتحول أحدنا إلى كتلة من الألم والترقب. نسأل أنفسنا: ما هي كمية الألم والضغط الذي سيمارس علينا؟ ما حجم التعذيب؟ عدد الأكبال الذي سيضربونا، خمسين، مئة، مئة وخمسين؟ هل سيمزق جلد القدم؟ هل سنصاب بالغررينة؟ هل سنموت، ام نشوه. هل سيشلوننا؟ هل سنفقد أحد أعضاءنا كالعين او الأذن أو الخصيتين أو اصابع القدم؟ بالإضافة إلى أن أغلبنا أصبح لديه أمراض مزمنة كالسكري أو ضغط الدم، او الرمل في الكلية لأن المياه ملوثة، بالإضافة إلى أن الطعام سيء ومكرر وقليل. ولا يوجد تنفس في الباحة ولا يوجد زيارة الأهل لنا، ولا صلة لنا مع الحياة الخارجية اطلاقًا. نجلس في مهجع مغلق، لا نرى ضوء الشمس ولا نخرج لنتنفس. يمدونا بجريدة الدولة ثلاث صفحات حوالي أربعة أيام في الأسبوع، نقراها بالتتابع لمعرفة ما يحدث حولنا من أمور سياسية على الصعيد العالمي. 6 ـ هل الذكريات وتذكر هويتك السابقة تجعل الصمود والعيش أسهل ام أصعب لاختلاف ظروف الحياة؟ كيف لك ان تحافظ على الامل في مكان خالي من الظروف الإنسانية؟ ج6 ـ النفس الإنسانية جبارة، بمجرد ان تشعر أن السجان ابتعد عن فتحة السقف، يبدأ بالهرب من المكان، يصنع لنفسه عالم من الوهم، يصنع النساء الجميلات، يضع لهن خدود على مقاس حلمه وخياله، يتخيل نهودهن، مؤخرتهم، قاماتهن، يجامع أغلب نساء الأرض، يتذكر الحبيبة إذا كان لديه حبيبه، يحاورها، يعاتبها، يجامعها، يذهب معها في رحلة او نزهة، يصنع لنفسه عالم من ظلال وجمال، يسبح في فضاء المرأة ويسرح. يستعيد بدل الواقع عالم أخر يصنعه كما يريد ويرغب. يتذكر أكثر الأماكن الجميلة في حياته، أهله، زوجته، أولاده. هذا الخيال يمنح المرء توازن نفسي هائل، ومرات كثيرة تأتيه الحياة الخارجية في الأحلام بأشكال وألوان أجمل من الواقع بكثير. لا يوجد إنسان طبيعي دون أمل. الأمل يمنح الإنسان طاقة إيجابية عظيمة، يركب على رأسه ويدخل مخه وظهره ويرقص ويغني، ينسى عالمه المر والصعب ويضع الخطط المزينة لتزيين حياته في المستقبل. أكاد أجزم أن الخيال والحلم والذكريات أجمل شيء يستعين به السجين لقضاء الأيام الصعبة والهروب منها. 7 ـ ما هدف النظام بإعطاء مدير السجن صلاحيات واسعة، هدف مدير السجن بترقيم المساجين وهدف الجلادين من ابتكار طرق تعذيب جديدة وتطبيقها. بحيث ان أوقات الاكل٫ الشرب والاستحمام تكون مقررة من قبل النظام٫ ما هدفه من كل ذاك؟ ج7 ـ قلت، أن التعذيب نهج في النظام الاستبدادي الديكتاتوري، هناك شخص واحد طويل جدًا، هو الحاكم، وبقية اعضاء المجتمع أقزام، يعطي الأوامر والأحكام، يلغي القانون ومؤسسات الدولة، ويصبح فوق الدستور والقانون، بل يصبح هو القانون والدستور. يتم وضع حدود للتعذيب في مكتب اسمه، الأمن القومي، باشراف رئيس الجهمورية، وهذا التعذيب يختلف من حزب لأخر. الأحزاب التي لا تحمل السلاح في برامجها السياسية، يكون التعذيب لهذا الحزب سهلًا، قليل من العنف كالحرمان من الحرية، ويتدرج من حزب لأخر، هناك تعذيب فظيع تعرض له الأخوان المسلمين والبعث التابع للعراق، وللجواسيس، وهكذا. لا يوجد ترقيم للأفراد، الترقيم جماعي. عندما يأتون لأخذ التفقد اليومي يسأل رئيس الشرطة، لرئيس المهجع بحضور جميع الشرطة، كم عدد الموقوفين لديك، رئيس المهجع يعطيه الجواب، ثم يعد الرؤوس الموجودة في كل مهجع على حدى. إن التعذيب، تمثل أيديولوجية السلطة، شكل إدارتها للدولة. إن الدولة العسكرية الديكتاتورية تقمع السجناء، تشوههم من أجل أن تبقى مسيطرة على المجتمع وإخضاعه لمصلحتها. إنه يعطي إشارات للمجتمع ليمتثل لإرادتها، وإذا لا يمتثل سيكون مصيره مثل السجناء الموجودين في السجن النوم في تدمر يتم بأمر والاستيقاط بأمر وفي أوقات محددة، وإحضار الطعام في أوقات كما يرونها. 8ــ لابد ان ظروف الاعتقال طوروا نوعا ما هويتك٫ فلقد محوا او ازادوا عليها بعض الجوانب٫ ما هي سمات هويتك كمعتقل داخل السجن؟ الي أي مدى يخرج السجن من المعتقل لحظة خروجه من السجن٫ فماذا يحصل لهويتك كمعتقل؟ لذلك هل لنا بأن نقول أن السجن هو نوعا ما صراع او مواجهة بين هوية المعتقل٫ هويته السابقة و الجديدة؟ ج8 ـ ما أن يطأ المعتقل أرض الزنزانة حتى يبدأ تاريخ جديد له، يغادره الزمن الطبيعي القديم، ويستعاد عنه بزمن السجن، الانبهار بكمية القهر، الحيز الضيق، الجدران الأربع وحدها تحاصره في كل مكان، يشعر بالاختناق والقهر والضيق، ووحيد في مواجهة سلطة كاملة تريد نسفه وإنهاء حياته. يموت الجمال في داخل السجين، والبراءة والفرح، سيسصبح مع الأيام شبه إنسان، حطام او شبح، يغادره الحزن والفرح. يشرب يوميًا كمية هائلة من الإذلال وموات الشعور بالأمان، وأنه بين أيدي مجرمين، يريدون قتله وإلغاء وجوده. عدا التعذيب الطويل والسجن الطويل. في بداية السجن كنت أحلم أنني في بيتي، وعندما أستيقظ من النوم أرى نفسي مقيدًا، وحولي سجناء مثلي لا حول لهم ولا قوة. أستطيع القول أن الإنسان الحالم بالجمال والحرية يموت في داخل السجين، ويتحول يومه إلى مكان كئيب. يخرج السجين من السجن، بيد أن السجن يبقى في داخله أينما حل أو ذهب، لا يمكن أن يغادره، يعيش معه في بيته، في فراشه. أستطيع القول أنه يستوطنه، يبقى معه العمر كله. وأغلب السجناء لا يستطيعون إخراجه من نفسه، إنه كالسرطان المعشعش في داخله. الإنسان الطبيعي لا يشعر أن هناك واد عميق مملوء بالاضطراب في داخله، ولا يشعر بالغربة الداخلية مع نفسه ومع الأخرين، بينما السجين السابقة أو أثناء السجن يشعر بالغربة الداخلية ويموت الإنسان الجميل داخله وتموت الحرية.
المال يفسد الحياة ويحول الإنسان إلى أداة طيعة له، يفصله عن نفسه ويربطه بهذه الأداة. والمال لا يمنحه إلا الإغواء والإغراء. فيتحول مع الأيام إلى مجرد عبد خاضع له، يفرح به بعد أن يصبح كائنًا شرجيًا بامتياز الكثير من الناس يخافون من الحياة على الحياة لهذا يكدسونه ليمنحهم الأمان المزيف، والراحة النفسية الكاذبة، لهذا نقول لهم: الموت أقصر طريق للحياة. وعلينا أن نتعلم أن المال وسيلة للبقاء والاستمرار، وليس غاية لنعيش من أجل بسعادة.
هرانت دينك لم يمت، أنه موجود في القضية الذي قتل من أجلها. كما أن تركيا ما زالت حاملة السيف وتلوح به للقتيل، كأنها تقول له، أن قتلك مكافئة لك، ونحن مستمرون. كنت اتمنى من الأصدقاء أن يكتبوا عن مناقب هذا الرجل الجميل الذي خرج في جنازته نصف مليون تركي، مفكرين وكتاب وشعراء وفنانين وأدباء. وأدانوا النظام التركي. كنت اتمنى لو أنهم أضافوا ما كتب عنه، عن نضاله وعطشه للحرية لوطنه تركيا ولقوميته الأرمنية. انا لم أفتح مجلس عزاء على روح هرانت دينك، هذا الرجل باق بيننا كمناضل جميل ومفكر يدرك أن العنف ليس مخرجًا لقضية ما. إن من قتل هرانت دينك هي المؤسسة العسكرية والسياسية والأمنية للنظام التركي الأردوغاني. إن الذي قتل القومية الأرمنية بدم بارد هو صمت الناس والمشي في جنازتها. هل سنبقى ندور في حلقة مفرغة كما قال نيشته، أم نقلب المعايير ونبحث عن مخارج لأزمتنا في الوجود ونتصالح مع أنفسنا؟
إن تكون كاتبًا، إنسانًا عليك أن تنزل إلى الدرجات الدونية أو السفلى للحياة، إلى مستنقعها، إلى أعماق الظواهر السوداوية. إن تتحول إلى ناسك في محراب البحث عن الحقيقة. إن تتجرد من الأصوليات القديمة والجديدة. إن تغرز مدادك في دمك وتنثره في الهواء الطلق، كريشة فنان متعبد في مرسمه، كنحات طلق يعوم فوق البرد والغيم والضباب، ويسكن قاع صخره أو مرسمه، باحثًا عن لون يجسد الأعماق السحيقة للوجود. الكاتب أو الفنان أو الموسيقي الذي يبحث عن ذاته في المقام الأول لتسويق ذاته، بالتأكيد سيكون عمله تجاريًا ومؤقتًا، وسيموت مع موته. هناك كتاب كثر، يكتبون بشكل ممتاز، بيد أنهم غير مبدعون وغير متجدرون في لمس جدلية الحياة وكوابيسها. وهناك فرق كبير بين المبدع والكاتب. أدوار سعيد مبدع غاص في أعماق الظواهر السوداوية، وتحته كتاب بعشرات الآلاف يحومون حول الكتابة ولا يصلون إلى أي شيء.
أقسى ما يمر به الإنسان في حياته هو إنعدام الثقة بالناس.
فجر وركوة قهوة، وفنجان ينتظر، وصمت: ومشوار جئنا إلى هذه الدنيا إلى جوار مشوار. وحبيبة نائمة في خدر الحلم، تخاف أن تنهض من غفوتها اللذيذة، مستأنسة في الرعشة الدائمة الذي يحيط بها وهي في عمق الأبدية، لا تحب التشكل، خوفًا أن يتبدد صداها.
أرى بعض رعشات الضوء، يحاولن التسلل بخجل، من وراء الغيمات النائمات في ظلال الفجر. إنهن خائفات من رعشاتهن، من الضوء، أن يأخذ بيدهن إلى التبدد والضياع. يتمازجن طلوعًا ونزول، ما بين الشفق والعتمة. هذه الرعشة، اهتزاز في السكون، خوف أن يذهب بها الضوء إلى النهاية.
لم تنمو مجتمعاتنا نموًا طبيعيًا في هذا العصر, كما لم تتشكل فيها قوى اجتماعية سياسية نابعة من الواقع, لحاجات الواقع. كان النمو قسريًا أي ولادة قيصرية ساهم فيها أكثر من جهة أو طرف ومن الداخل والخارج. جميع الرياح التي هبت على بلادنا سواء من الحاضر أو الماضي أراد أن يقتلعها, يحطمها قبل أن يتجذر فيها أي نهوض أو تطور أو ولادة طبيعية. حتى الماضي بدلا من أن يكون عونًا لنا على النهوض, تحول إلى وبال علينا.
بتقديري أن اليسار يعيش أزمة وجود ليس في المنطقة العربية فحسب، وأنما في العالم كله. وليس الأن وأنما منذ قيام ثورة اكتوبر. العالم هو ميدان الرأسمالية، أنه منطقتها. واليسار يلعب في ميدان ليس ميدانه. في ظل قانون السوق وتغوله كيف لنقيضين أن يتجاوران؟ قبل ثورة أكتوبر اشتغل اليسار على الفكر وتشريح بنية النظام كله، بيد أن هذا النظام أخذ مسارات تصاعدية يوما بعد يوم. وكرس وجوده بقوة. لهذا يمكننا القول أن التاريخ ما زال هو ذاته ينبذ من لا يتصالح معه إلى أن يفجر إلى شكل جديد ومختلف. رد الصديق نصر شمالي: أنت تقول كلامآ هامآ جدآ، وتكاد تنطلق من صلب الموضوع، فثورة أكتوبر لم تكن أكثر من تمرد على النظام الرأسمالي العالمي، المسيطر على السوق الدولية بإحكام، وهذا التمرد، الذي سعى إلى الاستقلال عن هيمنة السوق الرأسمالية الدولية، وهو المستحيل بعينه، بقي محاصرآ حصارآ محكمآ، حتى سقوطه، وعودة بلاده إلى حظيرة السوق الدولية، أي أنه لم يكن هناك عالمان : رأسمالي وإشتراكي! كما توهم الكثيرون للأسف الشديد، بل مجرد تمرد تاريخي، عظيم، بقي في نطاق العالم الرأسمالي، وقدحاصروه، وقضوا عليه، بعد عقود طويلة .. هذا النظام الصهيوني، الرأسمالي العالمي، ينهار بانهيار سوقه الدولية الاحتكارية، أي بتمرد الأمم، بخاصة في مفاصله الحيوية الحساسة، التي تشكل بلادنا وأمتنا أهمها، وهذا ما يبدو أن تباشيره بدأت تظهر!
بلادنا تحتاج إلى شغل كثير من أجل تنمية ثقافة الاختلاف. الثقافة الديمقراطية. والقبول بالبدائل المطروحة على الطاولة تمس قضايا الدولة والمجتمع والاقتصاد وإدارة السياسة والمجتمع والحياة اليومية العامة والخاصة والقضايا الدينية والمذهبية. نحن بحاجة إلى تأهيل في مجالات كثيرة على أرضية أن الوطن ليس حكرًا على دين أو قومية أو ايديولوجية. والفصل بين علاقة الإنسان بفكره وممارساته السياسية كحاجة عليا تمس حياة الجميع. الروح المنفتحة وقبول الآخر المختلف هو المدخل لى العصر
السلطة كمفهوم عام, فاعل, قائم بذاته, تعمل آلياتها بذاتها ولذاتها. إنها عارية. تتلقى الحمولات من خارجها, تغلفها أو تلبسها لبوس ليس لها أو منها, مكياج, كالقومية أو الدين أو العلمانية أو الليبرالية بيد إنها تستطيع أن ترمي هذه الفراغات وراء ظهرها إذا جد الجد. إنها ترغم الجميع أن يلونوها حسب مقتضيات الحاجة والضرورة والمرحلة. السلطة كلية القدرة, وجميع البشر مجرد حطام لخدمة آلياتها
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس أدبية وثقافية 291
-
هواجس عامة ــ 290 ــ
-
هواجس عامة 289
-
هواجس ثقافية وأدبية وفكرية ــ 288 ــ
-
هواجس ثقافية 287
-
هواجس ثقافية وسياسية وفكرية 286
-
هواجس ثقافية وإنسانية ــ 285 ــ
-
هواجس وجودية 284
-
هواجس ثقافية وفكرية ــ 283 ــ
-
هواجس ثقافية 282
-
هواجس ثقافية أدبية فكرية ــ 281 ــ
-
هواجس ثقافية وأدبية وسياسية وفكرية ــ 280 ــ
-
هواجس أدبية وفكرية ــ 279 ــ
-
هواجس ثقافية ـ 278 ـ
-
هواجس ثقافية وفكرية وسياسية وأدبية ــ277 ــ
-
هواجس ثقافية عامة ــ 276 ــ
-
هواجس ثقافية أدبية 275
-
هواجس فكرية وسياسية وأدبية ــ 274 ــ
-
هواجس ثقافية ــ 273 ــ
-
هواجس ثقافية ــ 272 ــ
المزيد.....
-
السعودية.. مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في تصادم 20 مركبة والمرو
...
-
شاهد.. مروحية عسكرية تشتعل بعد هبوط اضطراري في كاليفورنيا
-
هل الطقوس التي نتشاركها سر العلاقات الدائمة؟
-
السعودية: حذرنا ألمانيا من المشتبه به في هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. البرادعي يعلق على زيارة الوفد الأمريكي لسوريا
-
اعتراض ثلاث طائرات أوكرانية مسيرة فوق شبه جزيرة القرم
-
RT تعلن نتائج -جائزة خالد الخطيب- الدولية لعام 2024
-
الدفاع الصينية: الولايات المتحدة تشجع على الثورات الملونة وت
...
-
البابا بعد انتقادات وزير إسرائيلي: الغارات الجوية على غزة وح
...
-
-اشتكي لوالدك جو-.. مستخدمو منصة -إكس- يهاجمون زيلينسكي بعد
...
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|