|
بعض النواحي من حياة كارل ماركس العائلية-بقلم: الدكتور ادغار لونغه*
كامل ناصف
الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 10:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم: الدكتور ادغار لونغه* ترجمة كامل ناصف شد ما رغبت وانا ارسم هذا المخطط لحياة كارل ماركس أن أزده ببعض ذكريات شخصية. بيد أن مع الأسف يحز في نفسي من أن هذه الذكريات الشخصية قد عبث بها تقدم السنين، لا سيما أن آخر مرة كحلت ناظري فيها بمرأى جدي كنت لا اتجاوز فيها الثالثة من العمر. على انه يبدو لي من الغريب ان بعض الاحداث ظلت محفورة في صفحة الخاطر بين كثير من الاحداث التي استمر وجودها في مطاف حياتي؛ ولا ادري ما السبب. لقد حفظت مع ذلك بشكل دقيق جداً، ذكرى نزهة أخذنا انا وأخي جان اليها جدي في غابات شامبرو التي كانت في عام 1882 هذا تعطي أرجونتي وحقولها للهليون وكرومها، منظر ؤيف مترامي الأطراف. كان ماركس آنذاك يزور والديّ في شهر يوليو (تموز) من عام 1882 لأن والديّ كانا يسكنان هذه الناحية منذ عودة والدي شارل لونغة وهو عضو قديم في الكومون، راجعاً من المنفى في أواخر عام 1880. ولست أكنّ الحقد على جدي من السمعة المزرية التي روجها عني في سني حداثتي، إنها لسمعة سيئة ولكنها مبررة كل التبرير. فحينما كنت في الثامن عشر شهراً من عمري تقريبا كنت على ما يبدو شرهاً للحلويات ومن جراء ذلك اطلق عليّ لقب "الذئب" وقد اطلقه عليّ جدي. فحينما كنت في الثامن عشر شهراً من عمري تقريبا كنت على ما يبدو شرهاً للحلويات ومن جراء ذلك اطلق عليّ لقب "الذئب" وقد اطلقه عليّ جدي. لقد سماني ماركس هكذا لأنه فاجأني ذات يوم وانا أقضم بنهم كلية نيئة حسبتها شوكولا، وعلى الرغم من خطأي استمررت في التهامها. وفي رسالة بعثها الى أمي قد حاول أن يخفف من حكمه عليّ قائلاً:" مع تهاني الى جان، وهاري (أخي الثاني) وغلى "الذئب" الطيب الذي هو في الحقيقة طفل فاتن". ولسوف اعود فيما بعد غلى علاقات ماركس مع احفاده، واود الآن أن اصف وصفاً سريعاً حياة ماركس العائلية تاركاً حياته السياسية جانبا. * * * اذكر ذكراً موجزاً أن ماركس ولد في مدينة تريف عام 1818 بعد وقت قليل من انتهاء ضم هذه المدينة الى فرنسا. كان والده وهو من اصل يهودي مع سلالة كاملة من الحاخامات كأسلاف له، قد غير ملته واعتنق البروتستنتية، وهذا ما كان ينبغي له- على ما كان يعتقد- أن يجعل ممارسة مهنته بالمحاماة أكثر يسراً وسهولة. وقي الثامنة عشر من عمره عقد خطوبته على جيني فون ويستفالين وكانت تعتبر " اجمل فتاة في تريف" كانت تنتمي الى اسرة من أصل براونشويه. واود ان اتخطى جميع الكور الأول من حياة جدي المعروفة جيدا من الناحية السياسية، واذكر ذكراً مجرداً أنه بعدما وصل الى باريس عام 1843، طرد منها في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 1845 ( وفي خلال هذه الاقامة ولدت امي فأصبحت باريسية نتيجة لميلادها فيها). وعاش بعدئذ في بروكسل؛ ولم يلبث أن طرد منها فعاد الى باريس ثانية في 5 آذار (مارس) 1848، حيث استدعي من قبل فلوكون باسم الحكومة المؤقتة في 24 فبراير (شباط). وغادر باريس بعدما اقتنع بأن ثورة (شباط) التي قامت بها البروليتاريا، قد كانت فرصة أخرى للبرجوازية للأخذ بزمام السلطة ضد الطبقة العاملة، وذهب الى المانيا في شهر ابريل (نيسان). ورفع فيها راية الثورة وشن نضالاً ضارياً حتى اليوم الذي انتصرت فيه الرجعية فاضطر مرة ثانية الى أن يأخذ سبيل المنفى. ووصل الى باريس في أوائل شهر يونيو (حزيران) من عام 1849، فكان هناك في الوقت الذي كان يجتمع المجلس التشريعي المؤلف بغالبيته العظمى من أنصار الملكية. وبعد شهر تقريبا تلقى الدعوة اللطيفة بمغادرة المدينة خلال اربع وعشرين ساعة. وحينذاك قصد انكلترا في أواخر شهر أغسطس (آب) من عام 1849 وفي هذا البلد الذي اصبح مأوى في هذه الحقبة للمبعدين الطرداء من انحاء العالم، عاش حتى مماته، اي قضى اربعة وثلاثين عاماً. وينبغي لي بادئ ذي بدء أن اذكر أنه اذا كان ماركس يصارع وسط أوجاع مردها الى صحة كانت تنهار باستمرار (مرض الكبد، والربو، والدمامل) ووسط الضائقة المالية واستطاع أن يقوم خير قيام بالعمل الذي شرع به، فإنه مدين بذلك لفردريك انجلس. وينبغي لي بادئ ذي بدء أن اذكر أنه اذا كان ماركس يصارع وسط أوجاع مردها الى صحة كانت تنهار باستمرار (مرض الكبد، والربو، والدمامل) ووسط الضائقة المالية واستطاع أن يقوم خير قيام بالعمل الذي شرع به، فإنه مدين بذلك لفردريك انجلس. إن صداقة انجلس وماركس تستحق أن تبقى في التاريخ كأسطورة اوريس وبيلاد القديمة. فقد كان انجلس فعلاً قد تجشم خلال أكبر قسم من حياته عناء الادارة في مانشستر لفرع تجاري في مصنع والده، وممارسة مهنة كانت ثقيلة عليه، ليهب لمساعدة ماركس ويتيح له تحقيق عمله، وما من شك في أنه لولا انجلس لمات ماركس وأسرته من الجوع. وإنني لأرغب أيضاً في أن اقول بعض الكلمات عن شخص آخر لعب دوراً هاماً في حياة أسرة ماركس. إنها هيلين ديموت الطيبة التي أود أن اتحدث عنها، وقد كنا ندعوها في العائلة لينخين. فقد دخلت في سن الثامنة او التاسعة في خدمة أم جدتي البارونة فون ويستفالين ولحقت جدتي في كل مكان منذ زواجها حتى وفاتها: في باريس وبوكس ولندن. ورأت الاطفال الصغار يولدون ويموتون، واجتازت بصحبتهم أهوال الفقر والجوع والضائقة، وسهرت على رعاية الأطفال والأصدقاء واللاجئين المعوزين وقدمت لهم القوت عندما كان كسبها في مصرف الرهونات وقضت ليالي تخيط وتغسل وتجلس الى أسرة المرضى. إنني لأحفظ لها أكثر الذكريات تأثيراً في نفسي. إنني لأحفظ لها أكثر الذكريات تأثيراً في نفسي. هذه المرأة العجيبة استحقت أطيب استحقاق أن تشارك ماركس وزوجته وحفيدهما هاري في قبر هايغيت في لندن. بؤس المهاجرين في لندن والآن اود أن أصف وصفاً سريعاً كيف كانت حياة المهاجرين وحياة أسرهم الذين وصلوا الى لندن في فاقة كاملة. وقد ابتدأت بالنسبة لماركس وأسرته حياة بؤس وآلام وأحزان ولن يسعني أن اعطي فكرة عن ذلك أفضل إلا بإيراد هذه السطور العدة مقتطفة من رسالة ماركس الى انجلس وفيها يكتب أنه لم يكن في طاقته أن يتحمل الليالي الرهيبة التي كانت زوجته تذرف فيها الدموع الغزيرة... وفي ربيع عام 1850 لجأ ماركس وأسرته بعد طردهم من الشقة في أول الأمر الى غرفة مفروشة في ليستر- سكفار، وبعد ذلك بقليل أوى الى دين ستريت حيث كان المأوى أكثر بؤساً وضيقاً وهو عبارة عن حجرة ومعها غرفة صغيرة بحيث كانت إحداهما تستخدم مطبخاً ومكتباً وصالوناً. وكانت الاختبارات تستمر وتتتابع. ففي عام 1851 كتب ماركس الى انجلس بعد ميلاد فرانزيسكا :" ... وفي الوقت ذاته قد ولدت زوجتي في 28 من شهر مارس (آذار) وكانت الولادة يسيرة ولكنها كانت على الدوام ملازمة للسرير لأسباب مادية أكثر منها جسمانية. وإنني تماماً لم يبق في بيتي درهم؛ ناهيك عن لوائح ديون التجار الصغار، الجزار والخباز الخ.. وقد توافق أن هذا المجموع ربما لا يكون ممتعاً، وإنني مغمور في لجة "الفاقة" البرجوازية الصغيرة. وقد ألام فضلاً عن ذلك على أنني استغللت العمال وسعيت وراء الديكتاتورية. يا للهول!.." وفي رسالة سطرت في 8 سبتمبر (ايلول) عام 1852: " إن زوجتي مريضة وإن جيني (أمي) مريضة أيضاً. وإن لينخين ينتابها نوع من الحمى العصبية. لم استطع ولا استطيع أن استدعي الطبيب لأني لا املك المال لأدفع ثمن الأدوية. منذ ثمانية أيام او اكثر اطعمت أسرتي الخبز والبطاطا، واسائل نفسي هل سأتمكن من الحصول عليها اليوم". وفي شهر يناير (كانون الثاني) من عام 1855 جاء طفل سادس يستقبل الحياة. وقد سميت توسي (واصبحت فيما بعد خالتي ايليانور آفيلينغ) كانت ضعيفة جداً، حتى إن والديها كانا ينتظران كل يوم موتها. وبعد عدة شهور ذاق ماركس ألماً من أعظم آلام حياته: اذ مات ابنه الوحيد ادغار الملقب ب"الذبابة" بين ذراعيه. فمنذ عدة اسابيع كان الطفل يصارع الموت وكنت رسائل ماركس تعبر عن تحسن صحة الطفل وتفاقمها بشكل متواتر. غير أن ماركس كتب في رسالة مؤرخة في الثلاثين من مارس (آذار) غلى انجلس يقول فيها:" إن العلة قد اتخذت أخيراً طابعاً وراثياً في أسرتي وهو التهاب داخل البطن، ولم يعد الأطباء اي أمل في شفائه... إن قلبي ليتفطر ألماً، وإن رأسي ليلتهب ورغم ذلك أنني مضطر بطبيعة الحال لأن احتفظ ببرودة الأعصاب واتذرع بالصبر. هذا وإن الطفل طيلة مرضه لم يتنكر لحظة واحدة لطبعه الأصيل الطيب وفي الوقت ذاته الشخصي." لقد كان في الحقيقة طفلاً ذكياً وكان يشبه كثيراً والده بشغفه في الكتب. وقد كتب جدي المسكين في 12 ابريل (نيسان) 1855 الى انجلس:" إن البيت بطبيعة الحال خالٍ على عروشه منذ وفاة الطفل الغالي الذي كان روح البيت المثيرة للمرح فيه. وليس في وسعي التعبير عن مبلغ افتقادنا الطفل في كل مكتن. لقد سبق لي أن مررت بجميع أنواع المتعب ولكنني في هذه الساعة عرفت وقع المصيبة. إنني أشعر أن كياني كله تحطم، ويشاء الحظ أن يلم بي صداع منذ يوم الدفن، فلا استطيع أن ابصر شيء ولا اسمع شيئاً. وفي غمرة الأوجاع المريعة التي لقيتها في تلك الأيام - وهو ما شد أزري دائماً-، أن أفكر فيك وفي صداقتك، وأن أقول لنفسي أنه في وسعنا كلانا أن نقوم بعمل سديد على هذه الأرض." وبعد عدة اسابيع فقدت جدتي أمها، فورثت منها عدة مئات من التاليرات، وتمكنت العائلة أخيراً أن تقيم في مسكن صحي في غرافتن- سكفار. ورزق ماركس طفلاً جديداً سرعان ما اخترمته يد المنون وهو في سنيه الأولى. وقد كانت الظروف التي رافقت هذا الموت، قاسية مريعة، واحدثت في نفس جدي تأثيراً فاجعاً جداً حتى إنه " ظل عدة أيام في حالة تبعث على اليأس." وكان عمله في جريدة " نيو يورك تربيون" خلال عدة سنوات قد حسنت نسبياً وضعه المالي ثم عادت الفاقة وذرت قرنها والدليل على ذلك أن ماركس كتب الى انجلس بأنه ينوي أن يعهد بأطفاله الى اصدقائه وأن يفارق هيلين ديموت وأن يسكن مع زوجته في غرفة مفروشة. ثم يسعى وراء منصب متواضع كمحاسب. وفي عام 1863 جلب له موت أمه تركة ضئيلة. وبعد ذلك بقليل مات صديقه الحميم فيلهيلم وولف واوصى له بثروته المحدودة، وهذا ما اتاح لماركس أن يتخلص من جميع ديونه ومن جملتها الالتزامات التي عقدها لأجل "الجريدة الرينانية الجديدة" وبقدر ما كانت صحته تتيح له انكب على عمله العلمي فقط. بيد أن هذه الحالة الصحية لم تتحسن، واصبح بصره عدة مرات عرضة للخطر. ومنذ هذا الحين لم تمر فترة قصيرة لم يصب فيها ماركس بالدمامل واضيف اليها الاضطرابات التي سببها مرض كبده. حياة عجيبة مليئة بالعمل والنضال إنه لمن المهم أن نبين كيف استطاع ماركس في غمرة المصاعب المادية والمعنوية والمرضية أن يقوم بعمل جبار على خير وجه. وانني لا اود أن اطيل هذه الملاحظات، فسوف اقتصر في أول الأمر على أن ماركس يقضي أياماً كاملة من العاشرة صباحاً حتى السابعة مساءً في المتحف البريطاني (مثيلة مكتبتنا الوطنية) بين "الكتب الزرق" والوثائق البرلمانية، والدراسات الاقتصادية والاجتماعية الخ... ثم يقضي في بيته ليالي كاملة في لجة العمل. لقد قام بمحاولات عديدة ليعيش من أعماله الأدبية، بيد أنه كان من المستحيل عليه أن يجد ناشرين لها بصورة عامة، ومن جهة أخرى كان انجلس لا يسعه أن يرضى بأن يضيع ماركس وقته بأعمال ذات رتب ثانوية، فكان يدافع لأن يستفيد من جميع أوقاته التي في متناول يده، وذلك ليكرسها فقط للأعمال التحضيرية للمؤلف الاقتصادي العظيم الذي كان يفكر فيه، ولهذا الغرض كان يقدم اليه مساعدة دائماً. ولكن هذه المساعدة على هذا النحو لم تكن كافية. اذ أن "الجريدة الرينانية الجديدة" ما كانت تحمي له سوى ديون جديدة. وهكذا قبل في عام 1851 أن يعمل في صحيفة "نيويروك تربيون"؛ وهذا ما كان يتيح له أن ينصرف الى دراسات عديدة يدخل مع ذلك جزء منها في نطاق عمله الرئيسي العلمي وإنه لمن المؤكد أن مقالاته مساهمة في التاريخ العام والاقتصادي للعصور الحديثة. بيد أنه ويا للأسف من الناحية المالية- كان يدفع ثمن ثلث مقالاته تقريباً فقط، اما الثلثان الآخران من مقالاته فكان الناشر يحذفهما ولا يعتبر نفسه ملزماً بدفع ثمنها. ولابد من القول أن ماركس كان يقبل بمرارة هذا الجحود للعمل الأدبي الذي ما كان يمكنه حتى من تقديم القوت لعياله. وفي عام 1852 شغل أكبر قسم من وقته في قضية توقيف المنتسبين في كولونيا وغيرهم من اعضاء العصبة الشيوعية، والدعوى التي رفعت عليهم. وقد اشتغل ماركس بلا انقطاع مع اصدقائه اللندنيين ليبين ان هذه الدعوى ليست سوى مكيدة بوليسية وحكومية... وعسانا نذكر أخيراً أن ماركس في الوقت الذي كاد ينوء فيه تحت عبء المشاغل، كتب هذا الكتاب الممحص العميق والواضح "18 برومير". وفي هذه الحقبة ما كان ماركس ليستطيع أن يخرج من منزله لأن ملابسه كانت رهينة في مصرف الرهائن. ومرت السنوات مستمرة في قسوتها ومصاعبها المادية وأيم المرض الطويلة وفترات العمل الضاري، وعلى الرغم من كل شيء كان يتقدم في كتابة المؤلف العظيم، مؤلف المناضل والمفكر والمبدع اذ أن ماركس لم يحبس نفسه في نطاق عمل المكتب فقد كان يقوم بعمل نظري وبنشاط لا يعتريه الكلل في توجيه جمعية العمال الدولية على السواء. وعلى الرغم من كل شيء فان بيته ولا سيما بيته في ميتلاند- بارك ( الذي لم يكن بمنجاة من قنابل هتلر) كان ملجأ يفيء الى كنفه جميع المبعدين الطرداء وجميع المناضلين الإنكليز والغرباء. ومنذ طفولتي احتفظت بذكرى الجو الذي كان يسود ذلك المسكن الذي كان ماركس يعيش فيه مع زوجته التي كانت على الرغم من أحزانها وبؤسها، تستقبل فيه الضيوف، وأغلبهم من اللاجئين، بابتسامة طيبة دائماً مع بناتها الثلاث جيني ولاورا (التي اصبحت بعدئذ زوجة بول لافارغ) وايليانور؛ ثلاث نساء جليل قدرهن بالذكاء والثقافة. وإن كل واحدة منهن تستحق أن تُكتب قصة حياتها الشخصية. وقد كان ماركس الذي كانت بناته يجللنه، يحب الأطفال حباً جماً. وعسى المرء أن يتصور فداحة وقع الاحزان لموت اطفاله. نهم، كان ماركس يحب الاطفال حباً جماً وكتن يتجلى معهم لطيفاً جداً ومرحاً كثيراً. لقد كان لهذا المناضل العنيف في أعماق قلبه، كنز من الرقة واللطافة والاخلاص الرقيق. كان يلعب مع الاطفال كأنما هو واحد منهم، دون أن يخشى بأن يسيء ذلك الى سمعته. ففي شوارع حيه كان يدعى "الأب ماركس" وكان يحمل على الدوام سكاكر في جيوبه ليكرم بها الصبيان. إن هذا العطف اضفاه بعدئذ على احفاده. كان يكتب لأمي في رسائله: " قبلاتي الكثيرة اليك والى أولاوك". "والآن اعطيني وصفاً طويلاً عن حوادث جان و"شركته". وفي رسالة مكتوبة في عام 1881 كان يقص على أمي: " منذ قليل نقلت توسي بمعونة انجلس في العربة الى البريد صندوق هدايا عيد الميلاد لأطفالك. وطلبت لينخين أن أخبرك بشكل خاص بأنها هي التي بعثت ثوباً لهاري (مات بعد ماركس بقليل)، وثوباً الى آدي (انا نفسي) وقبعة صغيرة من الصوف ل"با" (أخي مارسيل). وقد ارسلت لاورا الى "با" كذلك بزة صغيرة زرقاء. ومن جهتي فقد ارسلت بدلة بحرية الى عزيزي جان. كانت أمك تضحك أيضاً بمرح في أواخر حياتها وهي تقص على لاورا كيف ذهبت انا وانت الى باريس يصحبنا جان، وذلك من أجل انتقاء بدلة له تعطي مظهر "السيد البرجوازي". كان جان يزور جدنا أكثر منا لأنه كان أكبرنا. كان يقول في رسالة اخرى لأمي :" قولي لجان إنه البارحة اثناء نزهتي في ميتلاند- بارك، دنا مني ذلك الرجل الجليل حارس الحديقة لسألني عن أخبار جوني." وقد كان يستعمل في كثير من الأحيان صيغاً مبتكرة بقدر ما هي ساحرة جميلة وذلك في الحديث عن الأحفاد: " والآن قبّلي عني كثيراً، كثيراً جان وهاري و"الذئب" النبيل. اما ذلك "المجهول العظيم" فلا يسعني أن أسمح لنفسي بأخذ هذه الحرية معه." (كان يقصد أخي مارسيل المولود في شهر ابريل (نيسان) عام 1881، ولم يكن قد رآه بعد). على أنه ليس في وسعي أن ابين أفضل تبيان لعطفه على أحفاده إلا أن اورد آخر جملة من رسالة كتبها الى ابنته بعد وفاة جدتي بوقت قليل: " آمل من كل قلبي أن اقضي أياماً بهيجة الى جانبك، وأن اشغل بجدارة منصبي كجد". ويا حسرتاه! إن كارل ماركس لم يستطع تحقيق رغبته هذه. وبعد أن أنهكته الأمراض والعلل المتتابعة، وتأثيراً عظيماً لوفاة زوجته، تألم ألماً بعد ثلاثة عشر شهراً اذ رأى ابنته الكبرى أمي- جيني لونغة- تموت في يناير (كانون الثاني) 1883. هذه ضربة مضافة الى السنين الطويلة من الآلام والبؤس ساقت في 14 مارس (آذار) 1883 الموت الى الرجل العبقري الذي كرس حياته لتحضير تحرير البروليتاريا، وناضل حتى النفس الأخير في سبيل سعادة البشر. فكما قال فريدريك انجلس على قبره: " سيبقى اسمه على مدى العصور وكذلك عمله أيضاً!" ....... * كتب هذه المقالة ادغار لونغه، حفيد كارل ماركس (ابن بنته جيني وزوجها شارل لونغه) وعضو الحزب الشيوعي الفرنسي، في شهر آذار 1949 بمناسبة الذكرى السادسة والستين لوفاة كارل ماركس. وقد نشرت هذه المقالة في السنة نفسها في مجلة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي "دفاتر الشيوعية". (من الناشر). عن دار الطبع والنشر باللغات الاجنبية موسكو، من كتاب قصص عن ماركس وانجلس (مجموعة الذكريات).
#كامل_ناصف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض النواحي من حياة كارل ماركس العائلية-بقلم: الدكتور ادغار
...
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|