أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الدين سلطان القلوب














المزيد.....

الدين سلطان القلوب


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 18:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يقوم للدين سلطاناً على القلوب قبل استيفاء بعض الشروط المُسبقة الأساسية: (1) ائتلاف قلوب القوم المتفرقين في قلب جَمْعي كبير واحد؛ (2) معاناة هذا القلب الجمعي الكبير من جُرح وألم لا يمكن تحمله ومداواته سوى بمزيد من اللُحمة والتعاطف والمواساة فيما بين المكروبين، ما يعزز من وحدتهم الجَمْعية أكثر وفي الوقت نفسه من سُلطان الدين عليهم؛ (3) لا يحتاج الدين لأي وسيلة دنيوية، لا السيف ولا الذهب، لكي يَبسُط سلطانه على المؤمنين، لأن الدين يمارس مفعوله وسحره في الروح، داخل القلب أو الفؤاد أو الوجدان أو الخيال، لا يمارسهما على الجسد المادي أو أي من أعضائه. حين يتوعد الدين أجساد المؤمنين بالعقوبة والعذاب في هذه الحياة الدنيا، يخسر كثيراً من نطاق اختصاصه ويتحول إلى رديف وتابع يُكَّمل ويَخدم سلطة أخرى تختص بوضع القوانين المنظمة للحياة في هذا العالم وإيقاع العقوبات المادية والجسدية على المنشقين والمخالفين. حتى يكون الدين ديناً ويبقى كذلك، لابد أن يدخل قلوب المؤمنين طواعية واختياراً من دون إكراه، ويبقى هناك ويغادرها إذا ما شاء بنفس الطريقة الحرة. الدين سُلطة، لكنها سلطة من عالم آخر وذات طبيعة أخرى، سلطة من السماء لكن يؤمن بها أهل الأرض ويحفظونها في قلوبهم. الدين يأتي بسيفه وذهبه من عالم آخر غير الذي نحياه، ويخسر الكثير من طبيعته وسحره عندما يتوعدنا بسيف هذا العالم أو يغرينا بذهبه.

كدين، يعاني الإسلام من عيب خُلُقِي واضح وصريح لم يخفى يوماً على خصومه لتكثيف الأضواء عليه واستغلاله لمصالحهم. الإسلام لم يولد كدين. لأنه، في ميلاده المكي، كان يفتقر إلى شروط المركزية السياسية والاجتماعية الضرورية لتحقيق شروط القلب الجمعي الكبير المتحد والمعاناة تحت ممارسات هذه السلطة المركزية ذات القبضة والمخالب القوية بطبيعتها، لكي يسعى المظلومون والمضطهدون إلى التعلق بطوق النجاة الذي يمده لهم الدين ولو من عالم آخر. بالتالي، ما كان يمكن أبداً أن ينشأ الإسلام كدين كما نعرفه اليوم في مثل هذه الظروف القبلية المفككة والمبعثرة بين قلوب وانتماءات شتى ومتنافرة، الحرة لا تزال من قبضة السلطة المركزية الثقيلة. كان لابد من درجة ما من الوحدة السياسية والاجتماعية أولاً حتى تُتاح الكتلة البشرية المُلتحمة التي تتحول فيما بعد إلى أُمة المؤمنين. لم تكن هذه ولا تلك متاحة بعد. والحال كذلك، لم يكن مستغرباً أن يفشل محمد بن عبد الله فشلاً ذريعاً في دعوته المكية، ويُطرد شر طرده من دياره وموطنه إلى منفاه في يثرب. رغم التعذيب والاضطهاد الذي قد لحق به وبصحابته على يد أهاليهم في مكة، لكن كتلتهم البشرية كانت لا تزال قاصرة بمسافة بعيدة عن بلوغ مقدرة التأسيس لدين بمعناه الأممي الجامع كما سينشأ الإسلام فيما بعد.

حتى عندما عاد محمد فاتحاً إلى مكة، قد عجز هذه المرة أيضاً في تأسيس دين جديد، ببساطة لأن الأديان لا تتأسس بسيوف الدنيا ولا بذهبها. حين كان محمد يدعو لدينه في مكة، لم تكن هناك بعد الأمة المؤهلة لاستقبال واستيعاب مثل هذه الدعوة؛ وحين عاد إلى مكة فاتحاً، كان كمن يُشهر السيف ويُغري بالذهب في وجه معارضيه السابقين أنفسهم. بالسيف أو الذهب، أو كليهما معاً، يمكنك أن تُنشئ اتحاداً سياسياً أو عقداً اجتماعياً لكن لا يمكنك أبداً أن تُنشئ ديناً. الأديان لا تنشأ خوفاً من سيوف الدنيا ولا طمعاً في ذهبها، لكن الوحدة السياسية والاجتماعية تفعل. كان هذا بالضبط هو العنصر المفقود، حتى تُتاح أولاً الأمة المُوحدة التي ستتحول فيما بعد إلى أمة الموحدين المسلمين.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الشورى إلى ديمقراطية جهنم
- بِكمْ تَبِيعُني إلَهَك؟
- بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي
- نَظْرة ذُكورية
- هل التعايش ممكناً بين الديمقراطية والدين؟
- التناقض بين الديمقراطية والدين
- كيف أضعنا غزة مجدداً
- ما هي منزلة المرأة في الإسلام؟
- محاولة لفهم الدولة
- مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة
- حُلُم الدولة العربية المُجهض
- أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
- عبادة المقاومة - حدود حق الدفاع عن النفس
- تفكيك السلطوية العربية-2
- تفكيك السلطوية العربية
- اللهُ في النفسِ الفردية والجَمْعِية
- جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25
- شرعية الحكم والأمر الواقع
- من خواص العقل العربي المعاصر- حماس عينة
- اللهُ في السياسة


المزيد.....




- البرلمان الفرنسي ينظر اليوم في قرار لعزل ماكرون
- -حزب الله- يعرض مشاهد من سيطرته على -محلّقة- للعدو.. والجيش ...
- ما خطورة العسل المزيف؟
- شولتس يرفض التعليق على إلغاء مؤتمره الصحفي المشترك مع توكايي ...
- غضب في البيت الأبيض بسبب منشور ماسك حول عدم محاولة اغتيال با ...
- إعلام: تحطم مروحية رئيس زيمبابوي
- -صاروخ يفجر آلية واستهدافات أخرى-.. -حزب الله- يعرض مشاهد م ...
- ضوء أخضر لنتنياهو لضم ساعر وواشنطن تعتبر تغيير غالانت ضربا م ...
- مع اقتراب موعد -القول الفصل-.. تيك توك يخوض معركة مصيرية في ...
- إعلام إسرائيلي: نتنياهو -اقترب- من عزل غالانت.. والبديل ساعر ...


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الدين سلطان القلوب