أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد سعيد البقالي - مقام العشق والكتابة في ديوان -مقامات- للشاعر المغربي إدريس الرقيبي















المزيد.....

مقام العشق والكتابة في ديوان -مقامات- للشاعر المغربي إدريس الرقيبي


محمد سعيد البقالي

الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 04:47
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


توطئة لا بد منها
إن المجموع الشعري للشاعر "إدريس الرقيبي" يمثل، في نظرنا، إضافة حقيقية، وقيمة ثابتة للكتابة الإبداعية الشّبابية؛ فصاحِبُه يتلمّسُ طريقَه نحو ارتياد الآفاق الشعرية ضمن طليعة الشعراء الشباب الذين يسيرون بثبات في محراب الشعر، تسعفه في ذلك ذائقته الشّعرية التي تُنبي عن موهبة وقّادة تستمدّ نسغها من تجاربه الشّخصية التي يطبعها بطابعه الخاص فَيَهَبها نفَساً ذاتياً صوفياً وملحميا، ممّا تجيش به نفسه العليلة تجاه ذاته تارة، وتارة ثانية تجاه الوطن، وتارة ثالثة يعود إلى الاسترفاد من مرجعيات عديدية تجعل هذا المجموع يتنفس في أجواء ثورية أخلاقية وصوفية تتغيى من الشعر أن يكون أداة تغيير وأسلوب حياة لا سواهما.
العنوان الأصل والعناوين الفرعية
إذا كان عنوان هذا الدّيوان "مقامات"، فإن الشاعر لا يروم من خلاله إلا إيهامنا بالتحقق الإبداعي والخيالي الصّوفي، إلا أنّه لم يلتزم بهذا الميثاق، لكونه ببساطة، شاعرا وكفى، لكن ومع ذلك تبقى هذه التجربة مغامرة حقيقية، وتجربة جديرة بالتأمل. أما العناوين الفرعية فمن شأنها أن تضعنا أمام كثير من انشغالات الذات المبدعة والمساحات الفكرية التي يتحرّك فيها الشاعر، وهي لا تعدو أن تظهر في شكل ملامح متعددة وصور شتّى، لتعكس رحابة التفكير وسلامة الذائقة الفنية التي يصدر عنها؛ فنصوصه لا تستنسخ بعضها بشكل فجّ، إلا أنّ مكوّنات هذه النصوص هي بمثابة امتدادات للنصّ الواحد الذي لم ينته بعد، وأن "السّيولة الشعرية" لم تستنفد عند نهاية قصيدة وبداية أخرى، بل إنّنا قد نعثر على نماذج من هذا النمط من الامتداد بين قصيدة تتموقع في بداية الديوان وأخرى في منتصفه أو عند نهايته. بعبارة أخرى؛ إنّ قصائده عصارة تجربة شعورية وشعرية أفلح شاعرنا، إلى حدٍّ بعيد، في نقلها إلى المتلقي بلغة سلسة وتفكير عميق ينمّ عن مراس حقيقي وتجربة عميقة تمتد كذلك إلى عيون الشعر العربي، ويتردد صداها على طول مجموعه الشعري هذا.

مقامات عشق الكتابة
لا يمكن أن تكتب عن شيء إلا إذا أحببته، وإذا أحببته فحتما ستخلد عملا جديرا بالقراءة، حريا بانطباعات جميلة، هكذا من دون أن يفصح عن ذلك من خلال هذا المجموع الذي تشكل قصائده هرماً قاعدِتُه الأساس القصيدة الأولى المعنونة بـ "أنا الشعر"؛ فهي بمثابة محوّل الطّاقة نحو قصائد أخرى، وهي الينبوع الذي منه تتدفّق الأشعار المتبقية وتستمد منه باقي قصائد الديوان حياتها، وتتجدد باستمرار القراءة والتلقي؛ ففيها يستعرض الشاعر رحلته مع الشعر متشوقا ومتشوفا كما جاء في النص إلى:
لغة مطرّزة
ترنّ على وتر الأيام أغنية
تمر عبر شراييني...
إنها قصيدة تحكي ذاتها، تحكي حالاتها في أزمنة مفارقة؛ فالليل يغار لكن لا حيلة له سوى طلب وده وتسليته ومغازلة طيف الأماني، لكن سرعان ما يتدخل الشعر من جديد ليعترض على ما أصبح عليه الشعر، يتحول فيها ومعها إلى نغمة حزينة، يصير فيها مؤثّثا لزوايا الرّوح لا يطّلع فيها بأدوار حقيقية. بل يكتفي بمصاحبة نغمة الأنخاب على الموائد، وهو ما جعل هذا اللون من الشّعر ينحرف عن مساره، ويتخلف عن رسالته في الحياة، ومع ذلك يبقى بلسما للأحزان، يكفكف دمعة الأطفال حتّى وإن وصل حدّ الجنون.
إن الوعي بالرّسالة الشّعرية في هذه القصيدة وفي غيرها من القصائد لا يكفّ عن فضح ما استشرى في المجتمع من أوزار وتعرية ما تراكم من مظالم، وأمام هذا الالتزام بالقضية والتعبير عنها يصحبنا الشاعر معه إلى القصيدة الثّانية: بعنوان: "الشّاعر" في دلالة على الاستمرارية والالتزام بالدّفاع عن الكلمة الحقّ، حتى وإن كان هناك رفضٌ فهو رفض جميل لا يصل درجات القبح التي يمور بها الواقع الموبوء الذي سئمه الشاعر وعبّر عنه غير ما مرّة.
إن عشق الكتابة الشعرية دفع الشاعر إلى تحقيق نوع من التّماهي مع الذات وهو بصدد استبطان تجربة ذاتية، مُؤْثراً ضمير الغائب في رومانسية حالمة يبثها أشجانه ومشاعره، طافحة بنبرة الفخر بالذّات، معليا من شأنها، يمد لها ظلالا وارفة لا قِبَلَ له بنبضٍ أو نَفَسٍ انهزاميّ، يسافر عبر أزمنة كائنة وممكنة، وحتى إذا أعياه ضمير الغائب يعرّج إلى ضمير المخاطب مجسّدا حزمة من المعاني والقيم بوصفه كائنا مخمليا يسكنه القصيد ولا شيء سواه. هكذا يتبدّى الشاعر في قصيدة تحمله إلى مجاهل الإبداع القصي دون ملل أو كلل إلى الرمق الأخير. يستوعب الشاعر تناقضات الحياة فيلجأ للهروب ممّا حوله، حتّى من ذاته وأناه. ولأجل عشق الكتابة يضطر الشاعر إلى لملمة قافية القصيد كما جاء في قصيدة: "أتعبني هواك" (ص:31)
إنّ عشق الكتابة ينجلي بشكل واضح كلّما تقدّمنا في نصوص هذا المجموع الشعري، ولنستدل على ذلك نأخذ نصين شعريين: "إيقاع الفرح" و"اركب شموخك واحتفل" باعتبارهما واسطة عقد هذا الديوان، فهما يجسدان إيقاع الفرح من خلال تجاوز الأزمة وحلول انفراج حيث تعمّ السكينة والهدوء: "وفي الصدر
ينبلج ضياء الصدر ينهض من سبات
ألق التحية واقتحم
جسد القصيدة
فالمعاني من عمق الشتات
ينبجس بريقها... "
إنّ مفهوم الإبداع الحقيقي لدى الشاعر مرتبط بلحظة صفاء داخلي وسلام نفسي من شأنها أن تحرّض على الإبداع، واقتحامَ درب الكتابة كما جاء على لسان الشاعر في القصيدة الأولى. أما القصيدة الثانية فهي استئناف لما ورد في الأولى، وتفصيل لما أجمل كذلك، وقد تزامن ذلك الانتقال من الإجمال إلى التفصيل مع زيادة منسوب الاعتداد بالذات الشاعرة؛ فبدل إلقاء التحية والاقتحام يستعيض عنها بقوله: "اركب شموخك واحتفل" كلازمة ما فتئت تتردد على طول النص، لتصل أوجها في قصيدة: "قد كان غيثا" من خلال قوله:
"قد كان حلما وازدهر
لما انبرى عشق الكتابة في الخواطر ".
أفلا يحتاج عشق الكتابة إلى كتاب وصحيفة تجمع شتات الحكايات. هذا ما تعبّر عنه قصيدة: "الصّفحة الآسرة" حين يقرّ الشّاعر بكتابه أو بالأحرى إلى مقاماته:
"هو ذا كتابي
أسامره
أمر على صفحته الآسرة... ".
مقامات كتابة العشق
الشّاعر الحقّ هو من يستجيب لنداءات القلب، يمتاح من دوحة الشّعراء المحبّين حين يتعلّق الأمر بهذه العاطفة السّامية حيث يتخذ حضور مقام كتابة العشق عند الشعراء بعدين: أحدهما متّصل بحضور المرأة في شعره، والآخر بحضور الوطن وتجليات ولهه بهما؛ ففي قصيدة "مقام العشق" يختار الشاعر النظم على مهيع الأقدمين والنسج على منوالهم، مستحضرا شعراء الغزل المشهورين ليمنح قصيدته إهابها الوجداني الخاص. وبما أنّ مقامات كتابة العشق تتّسع لتشمل حب الوطن، فإنهما يحضران معا؛ إذ تستدعي الضرورة أن يفرّ المرء بعشقه ويغادر فضاءات شاهدة على حبّه الأوّل الذي يكون دائما خجولا وعفويا. يقول:
"أفر يا ويح نفسي من أناي
أغادر المدينة التي شهدت
حبي الخجول
معراجي صوب مشكاة الهداية
نجاحاتي، إخفاقاتي
نزق الطفولة ".
لا يملك الشّاعر إلّا أن يفرّ من عالم الشّرور (المدينة) إلى عالم الصّفاء والنّقاء (البحر) يعانق همومه ويبوح له بأشجانه؛ فهو بالنّسبة إليه خلاصه الوحيد حين يعدم الشاعر الخلاص، وفي تكرار فعل البوح أكثر من دلالة؛ لكون هذا الفعل البوحي لا يتم إلا إذا تهيأت الأسباب، ليكون هذا البوح ذاتيا بعدما تعذّر التواصل مع البحر في لحظة صفاء خالصة فيهيم الشاعر على وجهه ضليلا وعَبَثاً، تتخلص فيه الذات من أدوائها، وما علق بها من كثرة التّطواف والتّهيام في أودية الذاكرة وبيدائها السحيقة. إنّ عشق الوطن يتمثله الشاعر شعرا رغم كل العوائق التي تحول دون تحقيق المبتغى والمأمول؛ فهو يتملكّه إحساسٌ بالأسى والإحباط نتيجة الانكسارات المتتالية. يقول بهذا الصدد:
"لأن هذي الأرض بعض دمي
وها أنا،
أرتق ما تبقى من أطراف الحكاية
عن بلد هو كل دمي..
وإن تغلغل في طهره
عبث البغاة، وكيد الوشاة
وعهر الزناة... "
إنّ ما يمكن أن يوسَمَ به هذا المقطع به هو تصاعد الأزمة وتدرّج الشّاعر في التوصيف، حتى إذا بلغ الأمر مداه عَبِثَ الزناة بعهرهم كذلك بمصير هذا الوطن تاركا نقط الحذف تضمر أشياء فادحة لا داعي لذكرها، فما خفي كان أعظم كما يقال. لكن شاعرنا لا يقبل عن الربوع التي ألفها بديلا، ولو كان في مقام البحر، و"لو نزفت الكرامة معيدا سمفونية الحزن على الوطن المكلوم يتحوّل فيها الشّاعر إلى أيقونة شعرية راسخة متمثّلة في الشّاعر نزار قبّاني حين سبق أن قال في قصيدته "هوامش على دفتر النكسة": "يا وطني الحزين/ حولتني بلحظة / من شاعر يكتب شعر الحب والحنين/ لشاعر يكتب بالسكين.."
في هذا السياق، لا يجد الشّاعر غضاضة في تناول الموضوع من زوايا متعدّدة، وفي قصائد متفرقة؛ فهو لا يلتزم بوحدة الموضوع كما سبق الذكر، يقول في مقطع من قصيدة: "إني رأيت...":
"عن الذئب الذي ملأ الفجاج في أوطاننا
وعن الذين لا قمصان لهم ليداروا بها
قرّ الشتاء ولفح الهجير"
وقد يتعب الشّاعر من فرط حبه لوطنه لكنه لا يخذله، أو يسعى إلى تغيير وجهته هجرا أو بحثا عن بدائل أو حلول ترقيعية، إنما كان يجسد وطنيته حق تجسيد، ويدافع عن هويته حتّىى وإن تربص بالوطن المتربصون من الانتهازيين والوصوليين والوشاة، وكلّ من سوّلت لهم أنفسهم التلاعب بمصير الوطن لمصالحهم الذاتية الضيقة... في نوع من الإصرار والتشبث بالقضية والثبات على الموقف والمبدأ؛ إذ لا خيار أمامه سوى خيارِ الإصلاح بعزيمة وثبات، وفي نبرة يسودها الإحساس بالغربة داخل الوطن قوله في قصيدته: "أتعبني هواك":
"وطني الحبيب ماذا دهاك؟
أو ليس تعرفني سماك؟
وبذور الشمس في دمي
تعرفني وكذا ثراك"
لينتقل إلى توظيف بيت شعري من عيون الشعر العربي لعنترة بن شداد :
"وطني أبيت على الطوى
ألتحف القهر المزمجرا"
لكن عندما تتوالى الخيبات والشعارات الفارغة يحسّ الشاعر بالمرارة فيدفعه ذلك إلى التساؤل عن قيم مفقودة لم يعد يعبأ بها الإنسان ليأخذه الوجع على ما حلّ بوطنه فيتطلع إلى استشراف حلم جميل وغد أفضل لطالما حلم به الشّاعر.
حساسية الشّاعر والذّائقة المتوثّبة
للشاعر حساسية مفرطة تجاه موضوعاته؛ فهو يختار قصائده بعناية خاصة، ويجيد الارتياض في ملكوت الإبداع، واستثمار ثمرات الاختبار الإنساني؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ استهلال هذا الدّيوان بقصيدتين متتاليتين بعنوانين يجسّدان الشّعر والشّاعر حملا معه إشارات قوية عن موقف الشّاعر من الشّعر أوّلا، والشّاعر ثانيا جرياً على نهج الأقدمين؛ فإذا كانت أرض الشعر خصبة فإنها في هذا المجموع الشعري صلبة وثابتة يحملنا فيها إلى اكتشاف علائق جديدة ناجمة عن هدم صور قديمة، وتشييد بديل جديد ذي ملامح جديدة، وبناء مغاير غير مألوف ألبتة، وهو ما يسمح بزيادة منسوب التناقضات بشكل حاد وعميق في آن واحد. بهذا المنظور أمكننا القول: إنّ الشاعر يرفض الجاهز والمتاح والكائن، ليبحث عن طرائق جديدة في التعبير والتصوير بوساطة صوته الخاص والفريد. إنه بهذا المنحى في القول الشعري كان بصدد البحث إلى أن يكون أصيلا ذا تجربة أصيلة كذلك.
إن تخصيص القصيدة الأولى للحديث عن الشعر هو تخصيص للقيم الفنية والإبداعية والجمالية التي يراهن عليها الشاعر، أما القصيدة الثانية بعنوان "الشاعر" فمحاولة من الشاعر إشراك قارئه في فكره الإبداعي إن صحّ القول، هكذا ينتقل بنا المبدع من حالة شعرية إلى حالة فكرية وشعورية تتماهى فيها الذات مع ما يتبنّاه من تلكم القيم الفنية السّابق ذكرها، بل إنّ الشّاعر استطاع أن يقدّم لنا عالمه الشخصي من خلال قصائد عدة، وليس انطباعات عابرة أو ارتسامات لا فائدة من ورائها.
القصيدة / الحكاية
لكلّ قصيدة من قصائد هذا الدّيوان كيان إبداعي خاص، يختلف عن كل كيان آخر، والمقصود بهذا الكيان قصة تنطوي عليها القصيدة أو يستشعر القارئ لحظة تقابله مع النص أنه بصدد نص حكائي محض، وهذا ما يمنح لهذه التجربة الجدة والتميز، ويعطيها من التفرد الشيء الكثير؛ فالشاعر يصل ما بين القصيدة والحكاية في أثر من مناسبة وبشكل مباشر وغير مباشر؛ ففي قصيدة: "إيقاع الفرح" نراه يعرج على الحكاية بدل القصيدة، وكأن الحكاية يمكن أن تقوم مقام القصيدة أو تحل محلها:
"ألق التحية واقتحم / كنه الحكاية"
إلى أن يقول:
"لون الحكاية والقصيدة والحلم المضمخ بالفخَار"...إلخ
إنّ الشّعر في هذا الدّيوان يبقى سفراً وارتياد آفاق معلومة وغير معلومة، ورحلة يخشى أن تضيع عنها البداية والنهاية، وكأنّنا أمامَ نصٍّ سرديٍّ يحملنا على التشويق، واستكناه خباياه، فلا يرد لفظ الحكي إلا مشفوعا بالشعر، وكأن الشعر حكاية تستحق أن تروى على لسان شهرزاد أو غير شهرزاد، وذلك حين يدعونا الشاعر إلى استرجاع حكاية بداية الشعر وسوق عكاظ. ويصل هذا التأرجح بين القصيد والحكي في تناغم دال ومعبر من خلال قصيدة: "صدى الجنوب" في مناجاة ذاتية يستصيخ فيها الحنين إلى ربوع الجنوب وهو يحكي قصته وأطيافَ تلك القصة التي لا تزال عالقة بالذاكرة يحيك نسجها باقتدار من خلال استدعاء النص القرآني في أكثر من موضع وسطر.
مقامات وسبيل الأخذ الشعري
إنّ أهم ميسم يمكن أن نسم به هذا الديوان هو سمة الارتداد إلى الجذور عبر تشغيل فاعلية الذاكرة، أو ما يسمّى بالأخذ الشعري هنا لا يعني اجترار أفكار معادة ومستنفدة، بل هو اشتغال وتحوير للموروث الشعري والديني، واستعارة للأجواء التي كان يتنفس فيها ذلك النموذج الأرقى في التعبير. حيث نلفي الشاعر يرمي إلى تفجير دلالات جديدة؛ فطموحه الشعري هو خلق متنفس مع ما يمكن تغييره في هذا العالم ليصبح كرؤيا شعرية تنجلي في قصائد عديدة من هذا المجموع.
إن الرؤيا عند الشاعر إدريس الرقيبي محاولة لاستبطان العالم ونزوع نحو إعادة اكتشافه من جديد، الشيء الذي يقودنا إلى القول بأن شاعرنا كان بصدد تقاسم تجربة شعرية وشعورية معيشة ينقل فيها مواقفه وآراءه ورؤاه بدءا من الشعر والشاعر، مرورا بجذورهما معا وهواه وهويته مقامات العشق والكتابة وانتهاء بدوائر الخوف على فقدان البوصلة، وعدم التّمكّن من تحقيق الأمنيات رغبة منه في أن يكون "حدسه الشعري" ملازما للتّغيير ومستشرفا له كما لو أنّه يرفض العالم الكائن، ويرنو إلى عالم ممكن، لكون العالم من حوله مجسور بالتناقضات وفي حاجة إلى تغيير جذري حقيقي. إن محاكاة تجارب شعرية سابقة عليه، تحمل بين طياتها عمقا إنسانيا يلامسه الشاعر بشعره لشعراء كبار من قبيل عنترة بن شداد وجميل بن معمر وكثير عزة وآخرون.
والحقّ أنّ الشّاعر لم يرتبط بتراثه ارتباطا عضويا، ولم يترك لهذا التراث أن يملك عليه خياله، ويحد من طاقته الإبداعية ليظل أسيرا له، منفعلا به، ويبقي نصوصه متصلبة. إنّ الخروج عن الأشكال والقوالب القديمة لا يعني القطع مع مرحلة عمّرت طويلا، وهيمنت على تاريخ الشّعر العربي، بل إنّنا نجد الشّاعر يلتفت في نوع من الحنين إلى الشّكل القديم الذي لم يستنفد جماليته الشكلية بعد كما يذهب إلى ذلك أدونيس.
خلاصات لا بد منها
بقراءتنا لهذا الديوان أمكننا القول إن الشاعر استطاع أن يعيد ترتيب كثير من أولوياتنا على مستوى قيمنا وأفكارنا بل وكل ما حولنا. مثلما يمنحنا الديوان فرصة الاطلاع ومعرفة صلة الشاعر المعاصر بتراثه، كما يظهر أنّ الشّاعر أكثر تمكنا من ناصية اللغة، وعارفا بنصيب غير قليل من أسرارها؛ فلغته لغة حية بعيدة عن مهاوي التكرار والاجترار، بل قدم لنا عوالم شعرية جديدة، ورؤى مبتكرة وقيما إنسانية وفنية. وما دام أن الشعر صورة حية وناطقة لحياة الشاعر وواقعه، فإنه، كما يقول أدونيس: بين كلماته والأشياء نوع من المطابقة، كأن كلماته أشياء مادية، وكأن لها طعم الأشياء المادية. ويمكن أن نسوق مثالا دالا تردد في الديوان، وهو في سياق الحديث عن الوطنية؛ إذ كان يسائل وطنيتنا جميعا؛ فكلما ازداد تعلق الشاعر بوطنه ازدادت غربته كما يقال، وهو يترجم أحاسيسه وأحاسيس كل إنسان وطني غيور يحلم أن يسع وطنه الجميع، وأن يكون هذا الوطن وطنا بحجم السماء.



#محمد_سعيد_البقالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في نص المقامة المجاعية من خلال الثبات والتحول (نموذج إ ...


المزيد.....




- مسلسل -شوغان- يصنع التاريخ في حفل جوائز الإيمي الـ76.. الأبر ...
- محاولة اغتيال ترامب.. تفاقم العنف السياسي
- تصادم قطارين في مصر يفتح ملف تطوير السكك الحديدية وانتقادات ...
- ترامب: خطاب بايدن وكامالا هاريس وراء محاولة اغتيالي
- صفعه بكرسي على رأسه.. شاهد ماذا حدث مع أحد المرشحين لرئاسة ب ...
- مواقف الغرب من توسيع البريكس: بين الخشية وعدم الاكتراث
- تحليل: توسيع بريكس.. ما الذي يعنيه ذلك للعالم العربي؟
- تركيا تلوح بورقة بريكس لتسريع دخولها للاتحاد الأوروبي
- اندلاع حريق غابات في جمهورية لوغانسك الشعبية
- متظاهرون في روتردام يطالبون بإنهاء الإبادة الجماعية في قطاع ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد سعيد البقالي - مقام العشق والكتابة في ديوان -مقامات- للشاعر المغربي إدريس الرقيبي