|
كاتب ياسين،نجمته وحقيبته
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 00:20
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
عرض لأهم ما جاء في كتاب (كاتب ياسين..الأديب والإنسان) للصديق الكاتب مسعود بن خليفة
1- أجمَلَ الكاتبُ..ثم..عمل على تفصيل ما أجمله.. عرف بكاتب ياسين..بمختلف مؤلفاته الشعرية والروائية والمسرحية.. هل أراد بالكيفية هذه تشويق القارئ للتعرف على كاتب ياسين ومؤلفاته في التفصيل أكثر،ومن ثمة دفعه إلى قراءة كتابه؟.. الأرجح هو هذا.. في التعريف..نفاجأ بان كاتب ياسين ابن محام..ابن أسرة أقامت في أماكن عديدة من الجزائر، وذلك بحكم مهنة أبيه..نفاجأ أيضا بأن أسرته تلك فيها من يكتبون الشعر ويتذوقونه.. التنقل المكاني لأسرته وتلك الحالة الشعرية التي تلبست بعض أفرادها ربما هما الحالتان اللتان جعلتا من كاتب ياسين شاعرا أولا..ثم..روائيا ومسرحيا.. وفي واقع يهيمن عليه الاستعمار البغيض ويتحكم في أهاليه ويفرض عليهم العيش مهمشين مقهورين ومقموعين ، بعد أن استولى على كل أراضيهم الخصبة ولم يترك لهم إلا القاحلة منها ليعيشوا فيها أو في أحياء الصفيح على اطراف المدن في الجهل والفقر واليأس والخوف..إلخ،فتح له، وهو الذي تعلم في المدرسة الفرنسية وشاهد بأم عينيه ، وبعقله وقلبه،أبناء المستعمرين كيف يعيشون،وقارن عيشتهم بعيشة أبناء اهله الجزائريين وكيف يعيشون هم الاخرون،أبواب المأساة على مصاريعها ودفع به إلى التعبير عنها شعرا أولا، ثم رواية ومسرحا.. وكانت أولى أعماله التي تناولت تلك المأساة وأثارت الانتباه إليه وإلى قوة إبداعه روايته الشهيرة (نجمة).. 2- نجمة..أشهر واقوى ابداعات كاتب ياسين الأدبية.. نجمة العلو والرفعة..نجمة الحلم والأمل..نجمة الحبيبة ونجمة الوطن..هكذا تتداخل الحالات وتتعانق فيها..حالات الكاتب وحالات شعبه شعب الجزائر.. نجمة في النهاية هي الجزائر المستعمرة وهي الجزائر المكافحة.. تطرح نجمة الكثير من القضايا الاساسية..قضايا تلك المرحلة المؤلمة..قضايا الهوية،حيث كان الاستعمار يعمل على طمس هوية الجزائريين..على قطع صلتهم بماضيهم وبمكوناتهم الثقافية..كان الاستعمار يقول: الجزائر أمة في طور التكوين.. وكان الكاتب يرد عليه بابراز تاريخ الجزائر المليئ بالبطولات في مواجهة كل الغزاة الذين حاولوا الاستيلاء على الجزائر..نجمة تبرز زيف ادعاءات الاستعمار الفرنسي بكل قوة.. تطرح نجمة أيضا ظاهرة الاستغلال الفضيعة التي كان يقوم بها الاستعمار..استغلال الثروات المعدنية وعلى رأسها الحديد الذي تستثمره في بناء مدنها هناك شمال المتوسط ،فيما يسكن الجزائريون أحياء اكواخ الصفيح وقرى اكواخ الحجارة والطين.. استغلال الأرض..وهذه قضية مركزية في الرواية..كل الصراعات عبر التاريخ كانت تجري على الأرض ومن أجل الأرض..من أجل خيراتها..عمل الاستعمار الفرنسي على التحايل على الجزائريين بقوانين جائرة أصدرها ادت الى نزع الأراضي الخصبة منهم وتمليكها للفرنسيين ورميهم في الاراضي القليلة التي بقيت لهم وهي الأراضي الجرداء غير القابلة للزراعة..الحال هذه شتتت العروش الجزائرية..جعلت الجزائريين يشتغلون في اراضيهم التي صارت ملكية للمستعمرين من اجل لقمة العيش..كان تفقير الجزائريين وتجهيلهم وماء نفوسهم بالخوف وسائل الاخضاع الأساسية في قتل روح الأمل في نفوسهم..جعل من بعضهم قوادين عملاء له باعطائهم بعض الامتيازات..عمل أيضا على تفريق الجزائريين وفق ما عرف بعبارة فرق اسد.. الرواية من جانب ٱخر عملت على ابراز روح المقاومة التي قام بها الجزائريون منذ بداية اختبار بلادهم..مجد مقاومة الأمير عبد القادر..مجد مقاومة القسنطينيين..مجد الكثير من المقاومات..تحدث أيضا عن مجازر 8ماي عام 1954..المجازر تلك خصص لها مبدع نجمة حيزا كبيرا من صفحاتها..في الكتاب الذي بين ايدينا زاوج الكاتب بين سيرة كاتب ياسين وتلك الأحداث المؤامرة..عدد كبير من عائلة ياسين أعدمو ا في أيام تلك الأحداث وبعدها..حتى الاطفال اعدموا..مجازر رهيبة..جرائم ارتكبت في حق الجزائريين الذين خرجوا متظاهرين مطالبين فرنسا الاستعمارية بتنفيذ وعدها لهم باعطاىهم حريتهم أن هم شاركوا معها في مواجهة النازية..الاستعمار هو الاستعمار ..لا كلمة لها سوى القمع والتنكيل والسجن والتعذيب..واغتصاب النساء واذلال رجالهم واخوانهم..ياسين نفسه سجن وعمره لا يتجاوز ال 16 سنة،وكان حينها طالبا في ثانوية البرتي،محمد قيرواني حاليا..وفي السجن ونتيجة ما رٱه من تعذيب وتنكيل اطال السجناء الجزائريين تفتقت موهبته الأدبية وأحب الشعر والثورة.. أخيرا،اشير الى أن رواية نجمة كانت قد كتبت عام 1956.. 3-يحيلنا الكاتب بعد الحديث عن رواية نجمة الى وقائع مشاركة كاتب ياسين فيما عرف باسم مجازر 8 ماي 1945.. مثلما خرج الكثير من الجزائريين في مدن سطيف وقالمة وخراطة وسعيدة خرج ياسين وبعض رفاقه من التلاميذ الجزائريين في ثانوية البرتي ..من كل ضواحي المدينة قدموا..عمالا وفلاحين وبطالين وتلاميذ..كان العديد كبيرا جدا..وكان ياسين التلميذ سعيدا..لكن الرصاص كان في طريقهم..وكان اول شهيد يراه يخر صريع الرصاص..ثم تتالى الشهداء..اضطراب كبير حدث..فر الناس في كل الاتجاهات..و..قبض على الكثير منهم وادخلوا السجون..ياسين ايضا قبض عليه بعد أيام وادخل السجن..وفي السجن رأى التعذيب الشنيع.. راى الاعدامات بالجملة ودون أي محاكمة.. بعد خروجه من السجن انتقل إلى عنابة حيث بعض اهله..ثمانية اشهر مكثها في عنابة..و..هناك كانت حياته الاخرى..كانت نجمة التي أحب..لكن نجمة كانت متزوجة وتكبره سنا..عاد الى اسرته في بوقاعة لينسى..لكنه لم ينس أبدا..راحت نجمة تتغلغل في عمق روحه تماما كما كانت تتغلغل الثورة..الحب والثورة صارا شاغله الاول..صارا حياته وارهاصات رواية نجمته التي شملت الاثنتين بعد سنوات.. عرض الكاتب بعد ذلك مجموعة من ٱراء كاتب ياسين في اللغة،في الثقافة وفي السياسة..في الأدب والايديولوجية ..في المجتمع..وانهى هذا المحور بالحديث عن كيفية انتقال كاتب ياسين من الكتابة الفردية الى الكتابة الجماعية..في هذا الانتقال يبين الكاتب مسعود أن كاتب ياسين لم يكن يتقن العربية بما يكفي الكتابة بها،وهو ما جعله يكتب بالفرنسية التي يتقنها جيدا..من هذا المنطلق ربما كان يشعر ببعض الغربة في علاقته بشعبه الذي هو أمي في معظمه،لا هو يعرف العربية ولا هو يعرف الفرنسية،في اعتقادي..الكاتب لمح إلى ذلك..كاتب ياسين يؤمن أيضا بالدور الاجتماعي للادب..هذان العاملان الى جانب دخوله عالم كتابة المسرحيات كانت الدوافع الأساسية له للكتابة بالدارجة الجزائرية والكتابة الجماعية كذلك.. 4- في النصوص ،تدليلا على قدرة كاتب ياسين الابداعية، عمل الكاتب مسعود على ترجمة بعض النصوص المكتوبة بالفرنسية وعلى تفصيح بعض المكتوب بالدارجة الجزائرية..نذكر من تلك النصوص على سبيل التمثيل:شعب مشرد،زهرة اللوتس،موت قومي (ثلاث نقطات فوق القاف) ،حمام المشهورين( مسرحية)،مانديلا(مسرحية).. تناول بعد تلك النصوص علاقة الكاتب ببعض الشخصيات التي عرفها في حياته أو تعلق ببطولاتها أو افكارها ومواقفها،وهي سارتر،مصالي الحاج،الامير عبد القادر. . اختم عرضي بالحديث عن مسرحية ( محمد خذ حقيبتك)..تناولت هذه المسرحية الكثير من قضايا العمال ابرزها الاستغلال الذي يتعرضون له في المصانع والموانئ ،الى جانب عالم صراع الطبقات،وايضا حال المهاجرين الجزائريين وظاهرة العنصرية التي يعاون منها.. ومن الأمور التي تناولتها المسرحية مواقف رجال الدين مسلمين ومسيحيين من تلك القضايا حيث يساندون في الغالب الاستغلاليين ويبررون استغلالهم،وبعبارة أخرى هم يقفون في صف سلطة المال او سلطة السياسة..ومن هذه النقطة الاخيرة بالذات،ولأن ياسين يساري في الأساس،فقد أثارت المسرحية ضجة كبيرة،واتهم صاحبها من قبل رجال الدين بالزندقة والالحاد،وبانه يدعو إلى التخلي عن الاسلام،الى غير ذلك من الاتهامات المجانية..والواقع أن كاتب ياسين كان يشير أساسا إلى ذلك الاستغلال البشع وتلك العنصرية البغيضة التي كان يمارسها الاستغلاليون الفرنسيون للمهاجرين الجزائريين الذين هم في اغلبيتهم الساحقة مسلمون.. كاتب ياسين كان انسانا متسامحا وديمقراطيا يفتح قلبه للجميع،يستمع اليهم ويحترمهم في ٱرائهم ومعتقداتهم،وكانت قضيته الاساسية محاربة الاستغلال والجهل والفقر والعنصرية.. أشير أخير إلى أن في الكتاب الكثير من الأخطاء اللغوية والأسلوبية،كان في مقدور الكاتب الصديق مسعود بن خليفة تفاديها بتدقيقه لغويا بنفسه أو بعرضه على مدقق لغوي..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في الفلم الهندي (حياة الماعز).. عن العمال الهنود، والأ
...
-
الأديب الطيب طهوري لـ”المؤشر”: “مأساة غزة ألهمتني قصصًا ومسر
...
-
نقاش هادئ مع الصديق القاص والمسرحي الجزائري طارق لحمادي حول
...
-
ما فعله الإسلام السياسي لشعوبنا العربية
-
بين اليابانيين ونحن العرب.. سر تقدمهم وأسباب تخلفنا
-
في الرد على مغالطات ( الشيخ) عبدالله رشدي في حديثه عن مؤسسة
...
-
حوار مع الشاعر والقاص الجزائري الطيب صالح طهوري
-
عن علاقة الفكر الديني الإسلامي السائد اليوم بأخلاق المسلمين
...
-
فتاة عين الفوارة..نحن..الصهاينة..والديمقراطية هناك وهنا
-
حدث في رمضان هذا
-
الفنون التشكيلية..ماهيتها وعلاقتها بالواقع
-
عن تراثنا والعولمة..أين نحن منهما؟
-
عن العقلية العربية
-
لماذا نحن هكذا؟
-
كيف تكون كاتبا مؤثرا؟
-
عن مثقفينا وكرة القدم
-
تمدين ودمقرطة المجتمعات المخرج الوحيد لمواجهة الأزمات
-
عن الجزائر الجديدة
-
أنظمة الحكم العربية خطر على شعوبها
-
كورونا..بين الرأسمالية والتعداد البشري المهول
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|