أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسان الجودي - درويش وديدو














المزيد.....

درويش وديدو


حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8101 - 2024 / 9 / 15 - 18:12
المحور: قضايا ثقافية
    


جلس درويش على الأريكة الجلدية في عيادة الطبيب النفسي، وهو يتأمل لوحة جديدة علقها الطبيب فوق الجدار المقابل. كانت هناك مجموعة من خيول السباق هي تتدافع بحماس ، وقد ظهرت عضلاتها اللامعة النافرة . أحس بالعجز أمام تلك الحيوية الملتهبة ، فهو هو في الخمسين من عمره، أعزب وبلا عائلة، يشعر أن الحياة مجرد سوء تفاهم كبير.
عاد مع الطبيب إلى رسم خط حياته بواسطة الأحجار الصغيرة والأزهار. كان عليه وضع حجر إذا كانت الحادثة المسرودة من ماضيه سلبية سببت له الأذى، وزهرة إن كانت إيجابية حملت له الفرح.
غرق في ذكريات طفولته. تذكر نفسه وهو في السادسة، يحاول الشرح لوالدته لماذا كسر مزهريتها المفضلة. "لم أقصد ذلك،" قال بدموع في عينيه، لكنها لم تفهم. كانت هذه أولى تجاربه مع سوء التفاهم.
ثم انتقل بذاكرته إلى المدرسة الثانوية. كان في الخامسة عشرة عندما قدم قصيدة في وصف سلحفاة كتبها في مسابقة المدرسة. ضحك زملاؤه، ولم يفهم أحد عمق مشاعره تجاه السلحفاة، حتى معلمته قالت إنها "غريبة جداً". فشعر بالوحدة والانعزال.
في العشرينات من عمره، حاول درويش إقامة علاقات، لكنها انتهت دائماً بنفس الطريقة. "أنت لا تفهمني،" كانت العبارة التي سمعها مراراً وتكراراً. مع مرور الوقت، بدأ يعتقد أنه هو المشكلة.
وضع درويش الكثير من الأحجار في تلك الجلسة، وهذا بدوره أثار استغراب الطبيب الذي اكتفى بالتحديق فيها، ثم صرفه بعد إعطاء موعد قادم.
غادر درويش إلى مطعم يتردد عليه غالباً ، لكن عندما وصل إلى طاولته المعتادة، وجد شخصاً آخر جالساً هناك. للحظة، ظن أنه ينظر في المرآة، فالغريب يشبهه بشكل مذهل.
"عذراً،" قال درويش بتردد. "هذه طاولتي المعتادة."
نظر إليه الغريب وابتسم. "آسف، لم أكن أعلم. هل ترغب في الانضمام إلي؟"
جلس درويش ، مندهشاً من التشابه بينهما. "أنا درويش. من أين أنت؟"
"أنا ديدو من بلاد الخيول،" أجاب الغريب.
"بلاد الخيول؟ هل هناك الكثير من الخيول هناك؟"
ضحك الغريب. "في الواقع، لا يوجد حصان واحد. إنه سوء تفاهم شائع."
ابتسم درويش للمرة الأولى منذ فترة طويلة. "حسناً، أنا خبير في سوء التفاهم."
قال ذلك ، وعيناه تلمعان بمزيج من السخرية والحزن.
"حقاً؟ أنا أيضاً," أجاب ديدو. "لكن دعني أسألك، ما هو أكبر سوء تفاهم واجهته في حياتك؟"
تنهد درويش بعمق. "الحياة نفسها. أشعر أحياناً أن وجودي كله هو سوء تفاهم كبير."
أومأ بتفهم. "أفهم تماماً. في بلاد الخيول، يعتقد الجميع أنهم وجدوا المعنى الحقيقي للحياة."
"وهل وجدوه حقاً؟" سأل درويش بفضول.
ضحك ديدو. "كل شخص يعتقد أنه نجح في إدارة حياته وأنه اكتشف سر الوجود. لكن الحقيقة هي أننا جميعاً نعيش في وهم."
"وهم؟"
"نعم. الوهم بأن هناك معنى ثابت ومحدد للحياة. الحقيقة هي أن كل شخص يخلق معناه الخاص."
فكر درويش في الأمر لحظة. "لكن ألا يعني هذا أن الجميع على حق؟"
"وعلى خطأ في نفس الوقت," أضاف ديدو. "المشكلة تكمن في اعتقادنا أن فهمنا للحياة هو الصحيح والوحيد."
"إذن، ما الحل؟" سأل درويش.
"ربما الحل هو في قبول أن سوء التفاهم هذا هو جزء أساسي من تجربتنا الإنسانية. بدلاً من محاولة إيجاد المعنى المطلق، علينا أن نتقبل تعدد المعاني وتنوعها."
شعر درويش فجأة بوزن يُرفع عن كاهله. "هل تقصد أن نتصالح مع فكرة أننا قد لا نفهم كل شيء أبداً؟"
"بالضبط. وأن نرى جمال الحياة في غموضها وتعقيدها."
للمرة الأولى منذ سنوات، رسم درويش ابتسامة حقيقية على وجهه. "يبدو أن سوء التفاهم هذا قد يكون أجمل ما في الحياة."
رفع الغريب كأسه في إيماءة موافقة. "نخب سوء التفاهم الجميل الذي نسميه الحياة!"
عندما غادر درويش المطعم في تلك الليلة، شعر كما لو أنه اكتشف سراً عظيماً. ليس سر الحياة، بل سر قبول غموضها. وللمرة الأولى، شعر بالسلام مع نفسه والعالم من حوله، حتى وإن لم يفهمه تماماً.
غير أن الإحساس بسوء التفاهم لم يتخل عنه فقد حملت الصحف الصباحية صورة ديدو الغريب من الأمس، وقد دهسه حصان ضخم في حادثة غريبة .



#حسان_الجودي (هاشتاغ)       Hassan_Al_Joudi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللطف في مدينتين في هولندا
- مسرح اللقطة العبثي 1
- مسرح اللقطة العبثي 2
- كم وزن التاريخ العربي؟
- هل لديك أيها البائع علبة احترام اكسترا؟؟
- تجارب شعرية
- بائع يانصيب جوار جامع خالد بن الوليد
- ذكورية أغنية -أجمل الأمهات-
- سوء تفاهم طويل
- آلهة
- السيد تروسكافكي
- مصباح في يقطينة
- بطاقة الهوية الطافية
- (قولة الحق)
- حوار افتراضي بين شيطانين
- هل العالم وطن؟
- مونودراما -قلب المدينة-
- صانع الغزالة
- آنا سارسكا والزرافة
- بعيداً عن الشكل


المزيد.....




- الأردن.. الملك عبدالله الثاني يكلف جعفر حسّان بتشكيل حكومة ج ...
- -أبو عبيدة- يبارك عملية -أنصار الله- اليوم ضد إسرائيل
- أمطار غزيرة وسيول جارفة تجتاح مدينة سبها الليبية.. والحكومة ...
- مصر تخطط لشراء مقاتلات هندية متطورة وإسرائيل تترقب الصفقة
- وسائل إعلام: أكثر من 270 ألف قطعة سلاح اختفت وسرقت في أوكران ...
- السيسي يصدر قرارا بإنهاء خدمة 11 مستشارا بالرئاسة المصرية
- آثار سقوط صاروخ أطلق من اليمن بالقرب من تل أبيب
- ما ليس في الحسبان.. مسؤول إسرائيلي يكشف عن أنفاق غزة المغلقة ...
- روسيا.. إطلاق الاختبارات السريرية لعقار جديد خاص بتهوية الرئ ...
- الأردن: الملك عبد الله يكلف مدير مكتبه جعفر حسان بتشكيل الحك ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسان الجودي - درويش وديدو