|
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثلاثون)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 8100 - 2024 / 9 / 14 - 20:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لكن إذا كانت واقعة أن على الحرية أن تترك الموجود يكون كما هو تعني التعاطي للمنفتح ولانفتاحه الذي فيه يدخل كل موجود ويقبع، والذي يأتي به الموجود، إذا جاز التعبير، فإن التأسيس يعني تبرير لماذا لا يكون فهم الكينونة ممكنا إلا إذا كانت الحرية متوافقة مع الوجود ذاته حتى تكون مكانه الوضاء. إن سؤال الموجود يقتضي بجلاء أننا نلامس أيضا وسويا سؤال الإنسان باعتباره كائنا، مع التساؤل عما إذا الكائن كذلك. إن فهم الكينونة، منظورا إليها بصفة عامة ومؤقتة، سلوك بشري. إذا استفسرنا إذن عن الوجود، فإننا لا نستفسر بالصدفة عن خصائص الإنسان، بقدر ما نستفسر عن شيء محدد في الإنسان؛ ألا وهو فهم الكينونة. الحرية في جوهرها ليست ما يود الحس المشترك أن يمرره تحت هذا الاسم: النزوة التي تستبد بنا أحيانا وتدفع اختيارنا نحو هذا الطرف أو ذاك. الحرية ليست مجرد غياب للإكراه المتعلق بإمكاناتنا تجاه حاجة أو ضرورة، كما أراد كانط (موجود ما، إذن). قبل هذا كله، قبل الحرية "السلبية" أو "الإيجابية" التي سنتطرق إليها لاحقا، تكون الحرية هجرانا للاتحجب موجود كما هو. إن خاصية الوجود اللامتحجب للموجود توجد محفوظة بالهجران المنفتح؛ وبفضل هذا الهجران، يكون انفتاح المنفتح؛ أي "الحضور" (Da)، ما يكون. في الدازاين يتم الاحتفاظ للإنسان بالأساس الجوهري، غير المؤسس لمدة طويلة، الذي يسمح له بأن ينفتح. "الوجود" لا يعني هنا existentia كظهور لموجود معطى ببساطة. لكن "الوجود" لا ينبغي أن يعني بتاتا الجهد الوجودي، الأخلاقي مثلا، للإنسان المهووس بهوية ذاتية، مؤسسة على تشكيلته النفسية-الجسدية. الانفتاح المتجذر في الحقيقة كحرية هو انكشاف أمام الخاصية اللامتحجبة للموجود كما هو. وهكذا تُنجز وتردي الحرية، المفهومة على أنها ترك الموجود يوجد، ماهية الحقيقة على شكل لاتحجب الموجود. الدازاين المتفتح، كبنية للوجود وترك الموجود يوجد، يحرر الإنسان من أجل "حريته"، سواء أمنحت لاختياره إمكانا ما (موجود)، أم فرضت عليه شيئا ضروريا (موجودا)، فليست الاعتباطية هي التي توفر الحرية. في الحقيقة، لا يتصور الدازاين عالما من خلال اتخاذ الموجود كاساس، إلا بتحقيق هذه الإحالة الأصلية التي يكون بموجبها في جوهره ذاته علاقة بالكينونة كما سوف نوضح ذلك لاحقا. الحرية، لكونها أساس الأساس بشكل متعالٍ، هي المحدودية جوهرية. إنها هاوية الدازاين المستجيبة لهاوية الوجود التي تأخذ منها مكان الانفتاح. ما يتبغي إذن أن يُعطى مسبقا للدازاين ليس هو الموجود فحسب، بل الوجود كأفق لانعكاس العالم. لهذا نواصل دراستنا من خلال النظر في البعدين الآخرين للنهج الهايدجري عبر توضيح الحرية السلبية. في بداية هذا المطلب أشار روبنس بيليدور إلى أن الثيمة التي سيتناولها موضحة في عنوان الأطروحة: ماهية الحقيقة والحرية الإنسانية. لذلك سوف يتخدث عن الإنسان وحريته، وليس عن النبات، أو الأجسام المادية، أوالله. ما ذكرناه للتو خارح الإنسان وبجانبه (ما عدا الله) معروف لنا جيدا كما الإنسان. كل ما تم ذكره يكمن، إذا جاز التعبير، ممتدا أمامنا (مثلا: النبات والأجسام المادية). هذه الأشياء معروفة لنا جيدا، ويمكننا أيضا تمييزها - الواحد عن الٱخر. لكن، رغم كل الاختلافات وكل التنوعات، ما نزال نعرف هذا المعروف من وجهة نظر أخرى: نعرفه على أساس أن هذه الأشياء جميعا، دون المساس بالاختلافات، تتفق وتتقارب مع بعضها البعض. كل الأشياء المذكورة، أي شيء مذكور، نعرفه كشيء كائن؛ نسميه موجودا. كينونة موجود، هذه هي النقطة الأولى والأخيرة للاتفاق بين كل هذه الأشياء، بما فيها الله. بيد أن الإنسان، الذي نحن بصدد دراسة حريته، هو كائن ضمن بقية الموجود. نخص في أغلب الأحيان كلية الموجود بكلمة "العالم" ونطلق على أساس العالم اسم "الله". ؟عندما نتمثل - ولو بطريقة غير محددة - كلية الكائنات المعروف منها والمجهول، وعندما نفكر حصريا في الإنسان، يظهر لنا هذا: الإنسان، في كلية الموجود، لا يمثل إلا زاوية صغيرة. هذا الكائن الضئيل والظاهر، امام القوى الطبيعية، وأمام التاريخ ومصائره وغاياته عجز لا يمكن التغلب عليه، وأمام المدة اللانهائية للسيرورات الكونية وحتى أمام التاريخ فناء غير قابلة للاختزال. والحال أن هذا الكائن الضئيل، المعزول، الهش، العاجز والفاني، الإنسان - هو الذي نتناوله. لكننا لا نعتبر هنا مرة أخرى سوى خاصية واحدة: حريته وليس بقية قواه وأفعاله وخصائصه. بهذا العنوان: "ماهية الحرية الإنسانية"، نربط تأملنا بسؤال خاص، هو نفسه، علاوة على ذلك، متعلق بكائن محدد (الإنسان) ضمن كلية الموجود. سوف نتساءل، في مقام أول، عن لا تحديد سؤال ما هية حرية الإنسانية في اتجاه الموجود كله (العالم والله) عبر التوضيح المؤقت للحرية السلبية. في مقام ثان، سوف نقدم تأويلا معمقا ل"الحرية السلبية"؛ وسوف نبين أيضا أن الموجود في كليته هو بالضرورة موضوع مشترك في مسألة الحرية الإنسانية. كل هذا سوف يقودنا بمزيد من الأمان إلى منحدر الحرية الإيجابية التي ستسمح لنا بأن نفهم بشكل أفضل ماهية الحرية الإنسانية. 1. من أجل شرح لاتحديد مسألة ماهية الحرية الإنسانية في اتجاه مجمل الوجود (العالم والله) من خلال التوضيح المؤقت للحرية السلبية، ذكر الكاتب أن من بين محددات ماهية الحرية، هناك محدد لم يتوقف أبدا عن فرض ذاته مرة أخرى. ووفقا لهذا المحدد، تعني الحرية بنفس القدر الاستقلال. تتمثل الحرية في التحرر من.. "الشيء الحر هو الذي يتوقف على أي شيء ولا شيء يتوقف عليه"، كما قلل إيكهارت. هذا المحدد الأساسي للحرية كاستقلال ولااعتماد يتضمن نفي الاعتماد على الآخر. لذلك نتحدث هنا عن المفهوم السلبي للحرية، أو باختصار أكثر عن الحرية السلبية. وومن الواضح أن هذه الحرية السلبية للإنسان لن تتحدد بشكل كامل إلا إذا بينا هذا الشيء الذي يكون الإنسان الحر بهذا المعنى مستقلاً عنه أو تم تصوره على أنه مستقل. غير أن "هذا الشيء" الذي تم الاستقلال عنه، في التصور والتأويل التقليديين للحرية، تم اختباره وأشكلته في اتجاهين أساسيين. (يتبع) نفس المرجع
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الاشتراكي الموحد يحدد موقفه من عدة قضايا وطنية وإقليمي
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
حصيلة محينة للخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الأمطار العا
...
-
الجزائر: تبون يضمن ولاية ثانية كرئيس للبلاد بعد نجاحه في الا
...
-
الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تستعد لتخليد مرو
...
-
سوريا: أب يقتل ابنته القاصر وصديقها في بلدة قنوات
-
رسالة من مواطن مغربي إلى هشام جيراندو المقيم في كندا
-
سؤال كتابي من النائبة البرلمانية منيب إلى رياض مزور وليلى بن
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
محمد بوندي يصوغ ملاحظات ويقوم بمقارنات بين أشكال التنظيم الص
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
إسبانيا تدعي أن المغرب يرفض تسليم أربعة من مهربي المخدرات مت
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
مدينة سبتة المحتلة أضحت قبلة للراغبين من سكان شمال إفريقيا ف
...
-
حميد المهداوي يكذب كذبة مزدوجة على الأستاذة عائشة الكلاع
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: القتل الجماعي في مدن الضفة
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
تمارة: الاشتراكي الموحد يتساءل عن دواعي استثناء معتقلي الريف
...
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|