|
رابعة لأوباما أو ثانية لترمب (4)
طارق الهوا
الحوار المتمدن-العدد: 8099 - 2024 / 9 / 13 - 07:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سأل الرئيس بوتين تاكر كارلسون في مقابلتهما الشهيرة (أكثر من 125 مليون مشاهد) هل تريد مني talk show أو برنامج حواري فيه معلومات وتاريخ ورأي؟ فأجاب كارلسون وهو يقهقه بعدما سمع ترجمة سؤال بوتين: برنامج حواري طبعاً. ما حدث من أيام بين المرشحيّن لرئاسة أميركا كان "توك شو" لا أكثر أو أقل. "توك شو" (57مليون مشاهد) لا يليق بأميركا أو اللحظة الصعبة التي تمر والأصعب التي ستمر بها، بل هو كان أسوأ من "توك شو"، لأنه ذّكرني ببرنامج شهير على قناة معروفة يلّقم فيه المذيع مسدس كل ضيف ليطلق رصاص اتهاماته على الآخر. أسئلة كانت معظمها ضعيفة، وأحيانا تمس الأمن القومي ولا يجوز مناقشتها على الملأ، ويبدو من لغة الجسد انها سُربت إلى كَمالا هاريس، كما حدث مع هيلاري كلينتون. لو دقق القارئ في ملامح هاريس وهي تصافح ترمب قبل المناظرة سيلاحظ ان في عيونها تحديداً نظرة طالب يريد التأكد من أن مراقب الامتحان لا يلاحظه وهو يغش. في كل مقابلاتها، هاريس تندفع وتبدأ أول جملة ثم تبدأ بالتفكير في التي تليها وهكذا، لكن في "توك شو" الذي شاهدناه كانت تردد ما قيل لها بسرعة وطلاقة غير معهودة فيها، وعندما سُئلت مرتين أو ثلاثة سؤال اعتراضي أجابت بطريقتها التقليدية وهي تبتلع ريقها، كنوع من تليين لا إرادي لجفاف أصاب حلقها بسبب مفاجأة الخروج عن النص. كنت أتوقع سؤالاً لكمالا هاريس مثل: أقسمتِ مع الرئيس بايدن على صون حدود البلد وأمنه.. وما حدث على الحدود الجنوبية منذ تسلمكما الحكم يناقض تماماً ما أقستما عليه.. ما هدف فتح الحدود بهذه الطريقة وما عواقب دخول أكثر من 15 مليون مهاجر غير شرعي لأميركا؟ وكيف يتساوى مهاجر غير شرعي مع مهاجر شرعي دفع عشرات الألوف من الدولارات وانتظر سنوات للحصول على البطاقة الخضراء.. أو رُفض طلبه.. أين العدل؟ كنت أتوقع أن يُسأل ترامب: تريد جعل أميركا عظيمة مرة ثانية.. حسناً، ما هي المحاور التي ستنتهجها خصوصاً أنك تحكم ولايات كل منها له قانونا يختلف عن الآخر، بل أن بعضها لم يستجب لك في فترتك الأولى؟ انتهى “توك شو" المرتقب بين دونالد ترمب وكَمالا هاريس، بأخطاء قالها ترمب بناء على معلومات أعطيت له، لكن هاريس كذبت في معلومات كثيرة بينما هي تعلم الحقيقة، كما كشفت عن جوانب خطيرة فيها رغم تفرغها التام لهذه المناظرة على حساب دافع الضرائب في أميركا، إذ لم تمارس عملها كنائب رئيس في الأسابيع الماضية، منها على سبيل المثال انها ثرثارة لا تؤتمن على أسرار محادثات الكبار، فقد قالت إن بعض عسكريي الناتو وزعمائه سخروا من ترمب. هذا لا يجوز حتى ديبلوماسيا. كما انها مُلفقة رغم عملها بالقانون. هي ابنة أب جامايكي وأم هندية، وأشاعت بعد ترشيحها للرئاسة أنها من أصول أفريقية، وبدأت تتحدث باللكنة الأفريقية/الأميركية لتحصل على أصوات الافارقة الاميركيين! هذا الامر جعل ترمب يتساءل: هل هي سوداء؟ منذ متى هي كذلك؟ وإذ بها أثناء "توك شو" تتهم ترمب بالعنصرية وتصنيف الناس بسبب تعليقه على أفريقيتها المزعومة. مع عدم نسيان نظرتها الانثوية التي تشبه نظرات بائعات السمك في حواري لندن في القرن التاسع عشر في فيلم "My Fair Lady" وهن يسمعن ما لا يعجبهن من الشرطي. نسى المدربون الذين لقنوها أن يعلموها كيف تُنصت وتنظر. وحسناً فعل ترمب بتجاهله النظر إليها أثناء هذا "توك شو"، فيكفيه نظرات المذيعة المعتمة له ونظرات المذيع ونبرته المستفِزَة. ما يهمني في المقال الأخير لهذه السلسلة توضيح للقارىء عن الجهات المؤثرة في عملية انتخاب رئيس أميركا، ليكون على بينة بدلا من الانجراف وراء العواطف أو الأوهام أو الإعلام الذي لم نعد نرى فيه مقابلة ذات قيمة سوى كل فترة طويلة جدا. الجهة الأولى المؤثرة هي "المجمع الصناعي العسكري الأميركي"، وهل سيصوّت هذا المجمع الصناعي لرئيس سابق صاحب رؤى سلمية توافقية، ولم تحدث في رئاسته الأولى أي حروب اشتركت فيها واشنطن، ولديه كما يقول خطة لإنهاء حرب روسيا/أوكرانيا؟ أم سيصّوت لمرشحة تديرها نفس المجموعة التي حركت الاساطيل إلى الشرق الاوسط استعدادا للمشاركة في حرب اقليمية قد تندلع، ويهمها عدم هزيمة أوكرانيا واستمرار دعم الناتو غير المشروط أو المجدي لها؟ أهمية "المجمع الصناعي العسكري" تكمن في أصحاب المصانع التي تنتج الأسلحة بكل أنواعها، وأعضاء الكونغرس بمجلسيه الذين يُشرِّعون الحروب وينهونها، إضافة إلى جنرالات البنتاغون الذين يديرون المعارك على الأرض، ثم يعملون باستهتار غريب بمناصبهم كمستشارين لاحقاً في الشركات التي تمد الجيش بحاجاته اللوجستية، أو كأعضاء في الكونغرس بناء على تاريخهم في الخدمة العامة. هذا الأمر يوضح تصويت ديك شيني (نائب جورج دبليو بوش الجمهوري) لصالح هاريس، لأنه يملك شركات تمد الجيش الأميركي لوجستيا، وحصد مئات الملايين من حروب دبليو بوش الابن. هذا مثال من عشرات يهمهم جيوبهم ويتشدقون بالخوف من ديكتاتورية ترمب. الجهة الثانية هي جماعات الضغط السياسي أو المالي أو النقابي. هل ستصوّت هذه الجماعات لصالح رئيس أعلن الحرب صراحة على الدولة العميقة الاميركية؟ أم لمرشحة تديرها نفس الدولة؟ الجهة الثالثة هي الشعب. لمن سيصّوت الشعب؟ الطريقة التي تتم بها الانتخابات الرئاسية الأميركية، هناك شك حول ديمقراطيتها، لجهة حرمان المواطن الأميركي من التصويت المباشر لرئيس يختاره وينتخبه، بدلا من "المجمع الانتخابي" في الولايات الذي ينتخبه مهما كانت نتيجة التصويت الشعبي*. هذا الواقع له علاقة بما قاله ترمب بعد خسارته منذ أربع سنوات، مروراً بحكم المحكمة لصالح جورج بوش الابن في نتيجة انتخابه التي كانت متأرجحة مع آل غور، حتى انتخابات كنيدي التي كُتبت بعض المؤلفات تشرح التزوير الذي تم فيها لصالحه ضد ريتشارد نيكسون. هناك عنصر مؤثر رابع في عملية الانتخابات الاميريكية هو التبرّعات للمرشَّحين التي لم تستطع حتى المحكمة الأميركية العليا وقف تداعياتها وهي التأثير على عقل الناخب، وهذه التبرعات تتم حسب مهارة فريق المرشح، فعلى سبيل المثال حصلت كَمالا هاريس على ملايين يمكنها التأثير على تصويت نوفمبر القادم، من خلال شراء اعلانات، وقد استعملت حملتها نفس خطة فريق أوباما القائمة على التبرعات الصغيرة من فئة عشرة وعشرين دولار أميركياً، لكن حملة كَمالا طلب فيها أوباما شخصيا، باعلانات مدفوعة، خمسة دولارات من الشعب العادي، لأن ترمب يحصل على ملايين من مليونيرات! ضربة معلم صاحب خبرة قانونية واعلامية في التلفيق لأن تايلور سويفت تدعم هاريس بملايينها ومعجبيها. الجهة الخامسة المؤثرة هي الدول الكبرى، وأعظمها اللوبي الصيني الكبير داخل أميركا ورجله الأول تيم والز نائب كَمالا هاريس. هل يعتقد أحد أن الصين ستقبل بترمب رئيساً يزيد الضرائب على منتجاتها المصدرَة لأميركا حتى لا تنافس الوطنية (إن وُجدت)، وعلى من يستعمل غير الدولار في التبادل التجاري والنفطي عالمياً؟ ما يحدث اليوم قبل انتخابات رئاسية غير مسبوقة في تاريخ أميركا، هو صراع شديد بين "التغيير" والمحافظة على الامبراطورية الاميركية كما هي مع تحسين بعض الأمور، لا صراع بين حزبيّن أو مرشحيّن. هناك صحوة لليمين الديني الأميركي المحافظ، ولأول مرة يظهر ما يُسمى "كاثوليك من أجل ترمب"، لمواجهة التيار اليساري الديمقراطي والليبرالي ومن لف لفهم الذين يريدون تغيير أميركا عن طريقها كدولة علمانية الهوية، دينية أو محافظة التوّجه، ومن سيحسم الصراع حسب المرجح هو "المجمعات الانتخابية"التي قد لا تقبل بالتغيير لأسباب مختلفة. أميركا أمام فترة صعبة، حتى لو فاز ترمب، لأن طريقها تعترضه أجندة تريد تغييرها عن طريق إشاعة الفوضى بالجدل العقيم في كل المجالات لهز المؤسسات من أساساتها، وقد تمكنت هذه الأجندة بطرق كثيرة من مؤسسات مهمة في البلد أخطرها المؤسسات التعليمية والإعلامية وصناعة السينما. كَمالا هاريس أكدت على سبيل المثال حرية المرأة في جسدها وقرارها بالإجهاض. وكررت هذه الجملة بإيقاع انثوي عدة مرات أثناء "توك شو" لكسب أصوات النساء. ببساطة غير مخلة لمن يعيشون خارج أميركا، هاريس تدعم حرية الفتاة في معاشرة من تريد، ثم الإجهاض على نفقة الدولة لو حبلت خارج الزواج. لماذا تدفع الحكومة أو دافع الضرائب تكاليف نزوة فتاة؟ أليس هذا الطرح بحد نفسه يشيع الفوضى في مؤسسات كثيرة في ولايات مختلفة أهمها التشريعية والقانونية؟ لن أتكلم عن الدين والأخلاق. ستزداد فرص "التغيير" إذا ربح التيار الذي يدير كَمالا هاريس كواجهة، وقد تنكمش بوصول ترمب إلى البيت الأبيض مرة ثانية، وتمهيده الطريق لنائبه القوي صاحب الكاريزما لرئاسة بعده أو لمرشح آخر محافظ يميني. *هناك واقعة يستحيل نسيانها حدثت معي في انتخابات ترمب/بايدن سنة 2020، حين وقع قناعي، وكانت أيام كوفيد، على الأرض المبتلة بمياه الامطار ووحلها قبل دخولي إلى الصيدلية مباشرة، فذهبت إلى مركز انتخابي قريب وقلت لهم من أمام الباب وأنا أضحك: أنا لست هناك للإنتخاب أريد قناعاً لأذهب إلى الصيدلية لاستلام دوائي. كان هذا الامر قبل نصف ساعة أو أكثر بقليل قبل اغلاق صناديق الاقتراع، وعندما وصلت إلى البيت بعد حوالي عشرين دقيقة من تسلّم دوائي وجدت على شاشة التلفزيون أن كاليفورنيا قد صوتت لصالح بايدن!!
#طارق_الهوا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا قبّل البابا يد الإمام الأكبر؟
-
رابعة لأوباما أو ثانية لترمب (3)
-
ملك ورئيس وزراء وفاروق الفيشاوي
-
صادق خان ولعبة الأقنعة
-
رابعة لأوباما أو ثانية لترامب (2)
-
رابعة لأوباما أو ثانية لترامب
-
قبلة حياة للولايات المنقسمة الأميركية
-
حقوق التعددية محفوظة للإرهابيين
-
البابا فرنسيس والإحلال الكبير
-
أسئلة برسم الدعاة الفضائيين
-
قطع الرأس سمة ثقافية
-
باتريك زكي إرهابي بقرار من الدولة العميقة
-
الفريد في رؤساء أميركا
-
دارمانان: مهددون بالإرهاب الإسلامي السنّي
-
حقوق المجرم أهم من أمن الوطن!
-
تحويل البشر إلى أرقام
-
تبصير في فنجان ترامب
-
خنوعوفوبيا وليس إسلاموفوبيا
-
نتائج نشر ديمقراطية أميركا!
-
أول -رابعة العدوية- في أميركا
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|