|
ما الذي سنراه في مناظرة الليلة ؟
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8096 - 2024 / 9 / 10 - 22:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة/ محمد ناجي
أهداف متضاربة : أهداف ديمقراطية لإعلام الجمهور ، مقابل عرض استبدادي للتخويف والتشهير .
سيتابع الكثيرون المواجهة التي ستُقام الليلة بين المرشحين الرئاسيين كامالا هاريس ودونالد ترامب ، والتي تستضيفها شبكة ABC News ، مع ديفيد موير ولينسي ديفيد كمديرين للجلسة . ومع مشاركة ترامب ، لا يمكن أن تكون هذه مناظرة حقيقية ولن تكون كذلك .
يُعد هذا الحدث التلفزيوني الضخم فرصة مثالية لترامب لنشر أكاذيبه السامة وتكرار الإهانات والسخرية والمشاعر السلبية التي يستمتع بها أتباعه المخلصون ويتوقعونها منه . قد يقدم بعض التغييرات الجديدة على موضوعات الدعاية المفضلة لديه - فالتلقين الناجح يتطلب بعض التنويع ، حتى لا يشعر الجمهور بالملل - لكن الخطاب والعاطفة التي جعلت قاعدته ترى الديمقراطيين كأعداء سياسيين ستستمر .
على الرغم من أن ترامب يواجه خصماً مختلفاً تماماً مع هاريس ، التي تتمتع بذكاء حاد وسرعة بديهة ومدعية عامة محنكة ، لا أعتقد أنه سيغير أساليبه ، ما لم يُجبر على ذلك من خلال التدقيق الحازم من الحقائق على الهواء مباشرة . ولا أعتقد أنه سيغير أهدافه المتمثلة في تقديم عرض رجل قوي للتخويف والتشهير .
من الناحية المثالية ، يستغني المستبدون عن المناظرات تماماً ، كما كتبت عن فلاديمير بوتين وفيكتور أوربان في مقالتي "الديماغوجيون لا يناقشون" في مجلة Lucid لعام 2023 . وذلك لأن فكرة المناظرة وبنيتها وجمالياتها تهدد العقلية الاستبدادية .
إن المناظرات بين المرشحين الرئاسيين تفعّل مبدأ التسامح المتبادل الديمقراطي : فكرة مفادها أن أولئك الذين لا يشاركونك وجهات نظرك السياسية لديهم الحق في التعبير الحر . يسمع الجمهور تبادل وجهات النظر بين الأفراد الذين هم على قدم المساواة ، بما في ذلك بصرياً ، ومقيدون بقواعد يفرضها محكم محايد .
إن كل هذا يتعارض مع مبادئ عبادة الشخصية التي تفترض أن الزعيم رجل فوق الجميع ، رجل يهيمن بمجرد حضوره . إن تنظيم المناظرات وعلى أساس مبدأ المساواة يجعلها خطرة على هذا النهج والنمط من السياسيين . وعلاوة على ذلك ، فإن المستبدين الذين لا يزال عليهم أن يتعاملوا مع الديمقراطية لديهم الكثير ليخسروه إذا خضعوا للاستجواب العفوي من قبل منافس أو طرف ثالث ، نظراً لمدى اعتمادهم على الأكاذيب والفساد .
فبوتين ، الذي تخلى منذ فترة طويلة عن السماح لمرشحي المعارضة المنافسين الحقيقيين بالبقاء في بلاده ، يعقد "عروضاً هاتفية" بدلاً من المناظرات . وعلى الطريقة التي كانت سائدة بعد الشيوعية ، من المفترض أن تكون هذه البرامج عبارة عن أسئلة "عفوية" من "الشعب" ، ولكنها تكون مكتوبة بشكل كبير . إن تنظيم بعض هذه البرامج يعبّر عن رأي من يهمه الأمر في روسيا : إن بوتين وحده على المسرح .
وعلاوة على ذلك ، في الديمقراطية ، فإن الغرض من المناظرة هو تزويد الناخبين بمعلومات دقيقة عن برامج المرشحين ووجهات نظرهم . عندما يشارك شخص مستبد مثل ترامب ، فإنه يحول الأمر إلى مناسبة لبث سلسلة من الأكاذيب ونصف الحقائق والتلفيقات .
وهذا يضع الطرف الآخر في موقف دفاعي ، مما يجبره (إذا لم يكن هناك فحص مباشر للحقائق من قبل المشرفين) على قضاء كل وقته في دحض الأكاذيب . بهذه الطريقة ، يتحكم المعتدي في السرد من خلال منع خصمه من تقديم الحجج لصالح إنجازاته وأهدافه الإيجابية للمستقبل . وهذا مهم بشكل خاص عندما يكون الخصم قد حقق الكثير مما يفيد الشعب الأمريكي في حياته اليومية ، كما هي الحال مع رئاسة بايدن - هاريس .
وكما كتبت بعد مناظرة بايدن وترامب : "لقد كان بايدن خارج الموضوع تماماً ، لكن شخصًا آخر ، ربما أكثر حدة وسرعة ، كان ليكون في نفس الموقف . وبالرغم من ترديد البعض إلى أن بايدن ليس عجوزاً فحسب بل وغير كفء ، فانه أظهر بشكل أفضل من أي شخص آخر أنه يفهم الموقف ، حيث علق بعد الحدث مباشرةً قائلاً "من الصعب مناظرة كاذب" .
في المرة الأخيرة ، استخدم ترامب هذا التكتيك لتحويل المناظرة إلى مشهد يخدم غايات استبدادية ، ومع علمه بأن الأمور قد تكون أصعب عليه هذه المرة ضد هاريس ، فقد بدأ يدعى بالفعل أن المناظرة سوف "تُزوَّر" لصالح هاريس من قبل "وسائل الإعلام الليبرالية المتحيزة" . إن التلميح إلى أنها تلقت الأسئلة مسبقاً هو استمرار لتصوير نفسه كضحية ، واستمرار لرواية الجمهوريين بأن "السود ، وفقاً لثقافة التنوع لدينا ، يُمنحون ميزة غير عادلة" .
إن ترامب منتبه دائماً لكل تفاصيل الأداء ، وهذا ما يخفض أيضاً التوقعات في حالة كشف جهله الفعلي أو هراءه في القضايا السياسية .
تعمل هاريس على بناء برامجها السياسية . ونظراً لحجم الشكوك التي تبديها وسائل الإعلام الرئيسية التي يُفترض أنها وسطية تجاهها ، فإنها تواجه ضغوطاً للتعبير بوضوح عما حققته بالفعل للأمريكيين كجزء من الإدارة الحالية ، ولكن قبل كل شيء توضح ما هي أهدافها واجنداتها المميزة . وسوف يبذل ترامب كل ما في وسعه لتعطيل مثل هذا النوع من التواصل مع الجمهور . مروجي الدعاية يعملون على أن يظل أعداؤهم ضمن إطار الصورة التي رسموها لهم .
وبغض النظر عن مدى جودة أداء هاريس ، فإن العبرة الكبرى التي يمكن استخلاصها من هذا العرض الذي يذاع في وقت الذروة سوف تتعلق بفترة انتقالنا . ويبدو أن الأشكال السياسية القديمة للحملات الانتخابية الديمقراطية مستمرة ، ولكن عندما يخرج أحد الأحزاب من الديمقراطية ، ويختار ديماغوجياً كمرشح له ، فإن هذه الأشكال لا يمكن أن تعمل بنفس الطريقة .
سيظهر شخص واحد الليلة لإجراء مناظرة في التقليد الديمقراطي ، على أساس تبادل حر ونزيه للآراء . وسوف يقبل هذا الشخص نتائج الانتخابات عندما تحدث . وسوف يظهر الشخص الآخر لتلقين الناس الأكاذيب . وإذا خسر ، فسوف يطعن في النتائج ، وإذا كان السادس من يناير/كانون الثاني دليلا على ذلك ، فسوف يحرض على العنف للانتقام لخسارته . أما إذا فاز ، فقد صرح بأنه ينوي التحقيق مع الديمقراطيين ومقاضاتهم ، ومن المرجح أن تكون هاريس من بينهم .
وبالتالي ، فإن القضية الحقيقية المطروحة للنقاش الليلة ، والتي يجسدها الشخصان على المسرح ، هي أي نظام سياسي سيعيش في ظله الأميركيون في عام 2025 وما بعده : نظام ديمقراطي ، يسترشد بسيادة القانون ، أم نظام استبدادي يتميز بحكم الخارجين عن القانون وتولي مجرم لزمام السلطة ؟
روث بن غيات
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقفة مع دوغين -عقل بوتين-
-
الفاشية على قيد الحياة … في روسيا
-
الجنرال -الأكثر سوفيتية- الذي قاد عملية التوغل في كورسك !
-
حركة واحدة تكشف القصة بأكملها
-
مشاكل الشرق الأوسط أكبر بكثير من حرب غزة
-
مراوحة خارج سيرورة الزمن
-
14 تموز/يوليو تبرير وتمرير الخطايا برطانة الخطاب !
-
بوتين على نهج هتلر ومن سبقه !
-
مناهضون للحرب يخدعون المسؤولين الروس بترجمة الشعر النازي*
-
روسيا على طريق الفاشية
-
الكرملين : بوتين كان يشخر خلال مناظرة بايدن الكارثية
-
اتجاه جديد ؟ إرسال المهاجرين إلى بلدان ثالثة
-
لا تقعوا في فخ الشعبوية المزيفة ل -فريق ميلودي-
-
مقامرة ماكرون : كيف وصلت فرنسا إلى هذا الحال ؟
-
نهاية هتلر : دراسة في الخلل الوظيفي للرجل القوي
-
ذكرى سقوط موسوليني : قوة المقاومة وعواقب العجز الاستبدادي
-
الدكتاتور يغير مظهره في العصر الجديد
-
ثورة في السياسة الخارجية الأمريكية - استبدال الجشع والنزعة ا
...
-
القادة الاستبداديين يجبرون الديمقراطيات على التراجع
-
أعظم نجاح لترامب : عبادة شخصيته
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|