أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - انوار السدات الحمري - -المهرجانات في المغرب: احتفاء بالتراث أم ترويج للفرح الزائف في زمن المعاناة؟-














المزيد.....

-المهرجانات في المغرب: احتفاء بالتراث أم ترويج للفرح الزائف في زمن المعاناة؟-


انوار السدات الحمري

الحوار المتمدن-العدد: 8094 - 2024 / 9 / 8 - 16:44
المحور: قضايا ثقافية
    


في ظل التحولات العميقة التي يعيشها المغرب اليوم، نجد أن ظاهرة المواسم أو ما يُسمى الآن بـ"المهرجانات" قد انتشرت بشكل واسع، وأصبحت تشكل جزءًا لا يتجزأ من الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي. هذه المهرجانات، التي يروج لها كمناسبات لإحياء التراث اللامادي والمادي، باتت مولودًا مفاهيميًا جديدًا يعكس إلى حد كبير روح المرحلة التي نعيشها، مرحلة يطغى عليها الاستغلال الفج للموروث الثقافي، لا للاحتفاء به وتطويره، بل لأغراض أخرى قد تكون أبعد ما يكون عن نوايا الحفاظ على الهوية والتراث.

في هذا السياق، نلاحظ أن الجميع يشتكي من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، ولكن الجميع يشارك في هذه المهرجانات، سواء كمنظمين أو كجمهور. الحكومة، عبر مصالحها اللاممركزة، تجد نفسها في موقع الداعم والممول لهذه الفعاليات، مما يجعلنا نتساءل عن الجدوى الحقيقية وراء هذه الأحداث التي أصبحت تُقام في كل مدينة وقرية. في ظل هذا الدعم، يستفيد الجميع من هذه الفرصة التي تتيح لهم الظهور الموسمي على الشاشات، التي غالبًا ما تكون مُفبركة ومحكومة بمنطق الترويج السطحي أكثر من تقديم صورة حقيقية عن الواقع.

تسعى هذه المهرجانات إلى إبراز التراث اللامادي والمادي الذي يزخر به المغرب، ولكن المفارقة تكمن في أن حتى الجهات التي تفتقر إلى هذا الموروث أصبحت تستورده بشكل مصطنع، وكأن الهدف هو اللحاق بركب "الاحتفال" بغض النظر عن أصالة المحتوى أو معناه الحقيقي. بل إن بعض المناطق التي تعاني من الهشاشة والفقر، والتي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية، تجد نفسها مضطرة لتنظيم هذه المهرجانات كوسيلة لاستدرار الدعم والاعتراف، في حين أن معاناة سكانها الحقيقية تظل حاضرة كظل قاتم يحلق فوق الفيافي.

لقد أظهرت جائحة كورونا هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب بشكل واضح، حيث اختفى الساسة من المشهد في الوقت الذي كان المواطنون في أمس الحاجة إلى الدعم والإرشاد. تلاشت السياسة الحقيقية في تلك الفترة الحرجة، لتحل محلها قرارات إدارية صارمة ومحكومة بمنطق السلطة الذي غالبًا ما يتجاهل تطلعات المواطنين واحتياجاتهم. هذه الفترة أظهرت بوضوح أن المهرجانات ليست سوى وسيلة من وسائل التسلية التي تُبعد الأنظار عن القضايا الجوهرية التي يجب أن تشكل محور الاهتمام.

ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، تُظهر هذه المهرجانات وجهًا آخر لها، حيث أصبحت أداة للتواصل غير البريء مع الناخبين. يُستخدم منظمون هذه الفعاليات كوسيلة لجذب الانتباه وكسب التأييد الشعبي، في حرب انتخابية سابقة لأوانها، تستغل فيها المهرجانات لإرسال رسائل مبطنة للناخبين. هذا الاستغلال غير البريء يضعنا أمام تساؤلات حقيقية حول جدوى هذه الكرنفالات الجافة التي تُنظم بحجة إحياء التراث، ولكنها في الواقع تحمل أهدافًا أخرى، قد تكون في كثير من الأحيان أبعد ما تكون عن الاحتفاء بالتراث ذاته.

هل نحن في حاجة فعلية لهذه المهرجانات لنُظهر أننا نحافظ على التراث ونحمي الهوية؟ أم أن هناك أولويات أخرى يجب أن تحظى بالاهتمام الأكبر؟ هل نحن بحاجة إلى "النهيق فوق الخشبات"، بينما يعاني المواطنون من نقص في الموارد الأساسية مثل الماء والغذاء؟ يبدو أن الجواب على هذه التساؤلات يتطلب منا إعادة النظر بشكل جدي في مفهوم التراث وأهمية الحفاظ عليه، ليس فقط من خلال الاحتفالات والمظاهر الخارجية، ولكن من خلال العمل الحقيقي على تحسين حياة المواطنين وتلبية احتياجاتهم الأساسية.

في نهاية المطاف، لا يمكننا أن ننكر أهمية التراث في تشكيل الهوية الجماعية لأي شعب، ولكن يجب أن نكون حذرين من الوقوع في فخ الاحتفال من أجل الاحتفال، حيث يتحول التراث إلى مجرد ذريعة لتغطية المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع. يجب أن تكون المهرجانات وسيلة لتسليط الضوء على هذه القضايا، ولتحفيز الحوار والتفكير حول كيفية تحسين الأوضاع، بدلاً من أن تصبح مجرد مناسبات للترفيه والاستعراض.

في الختام، يتعين علينا أن نعيد توجيه البوصلة نحو ما هو ضروري وملح، وأن نُدرك أن الاحتفاء بالتراث لا يعني التوقف عند مظاهره السطحية، بل يتطلب منا الغوص في عمقه والعمل على تطويره بشكل يساهم في تحسين حياة الناس وإثراء هويتهم بشكل حقيقي ومستدام. فقط عندما نحقق هذا الهدف يمكننا القول بأننا نحتفل بالتراث فعلاً وليس بالكرنفالات الجافة التي تعلن عن فرح زائف في زمن المعاناة الحقيقية.



#انوار_السدات_الحمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -عندما أخطأت الرصاصة ترامب: ما وراء ديمقراطية أمريكا الرئاسي ...


المزيد.....




- الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا ...
- شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
- استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر ...
- لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ ...
- ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
- قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط ...
- رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج ...
- -حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
- قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
- استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم ...


المزيد.....



المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - انوار السدات الحمري - -المهرجانات في المغرب: احتفاء بالتراث أم ترويج للفرح الزائف في زمن المعاناة؟-