أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - دلير زنكنة - هل كان الاتحاد السوفييتي -رأسمالية دولة- و-إمبريالية اشتراكية -؟















المزيد.....



هل كان الاتحاد السوفييتي -رأسمالية دولة- و-إمبريالية اشتراكية -؟


دلير زنكنة

الحوار المتمدن-العدد: 8094 - 2024 / 9 / 8 - 14:30
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


ثاناسيس سبانيديس
من الحزب الشيوعي (Kommunistische Partei, KP) / المانيا

ترجمة من الإنكليزية دلير زنگنة

1. مقدمة

لأكثر من 70 عاما، كان وجود الاتحاد السوفييتي أحد العوامل المحددة للسياسة العالمية، أي للصراع الطبقي على المستوى الدولي والوطني وكذلك لسياسة الأحزاب الشيوعية. لقد جاء تفكيك الاتحاد السوفييتي والدول الحليفة له منذ عام 1989 بشكل غير متوقع ،لكل من الشيوعيين والإمبرياليين الغربيين، وأغرق الحركة الشيوعية في أزمة عميقة ،و التي بدأت للتو في التعافي منها. وحتى يومنا هذا، تظل مسألة كيفية تقييم الاتحاد السوفييتي، وما إذا كان ينبغي الدفاع عنه أو حتى محاربته، مسألة مركزية بالنسبة للحركة الشيوعية. إن العامل الحاسم في هذا السؤال هو ما إذا كان يجب فهم الاتحاد السوفييتي كدولة اشتراكية أم كنوع ما من الرأسمالية والإمبريالية. وبينما بدأت بعض التيارات التروتسكية ،في أعقاب وفاة تروتسكي، تطلق على الاتحاد السوفييتي اسم "رأسمالية الدولة"، تبنى الحزب الشيوعي الصيني وحزب العمل الألباني في ستينيات القرن العشرين وجهة نظر مفادها أنه في الاتحاد السوفييتي و بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي (CPSU) في عام 1956، ظهر شكل من أشكال الرأسمالية في ظل برجوازية جديدة. إنهم يرون كدليل ، هيمنة بعض وجهات النظر التحريفية في الحزب الشيوعي السوفييتي منذ عام 1956، وخاصة إصلاحات كوسيجين عام 1965، التي يعتبرونها أعادة تأسيس الرأسمالية. من ناحية أخرى، استمرت أغلبية الحركة الشيوعية العالمية، بما في ذلك الحزب الشيوعي الألماني KDP في جمهورية ألمانيا الاتحادية وبعد ذلك الحزب الشيوعي الألماني KPD، في التأكيد على أن الاشتراكية كانت في الواقع لا تزال في طور البناء في الاتحاد السوفييتي وجمهورية ألمانيا الديمقراطية وغيرها من الدول التي أطلقت على نفسها "الاشتراكية المحققة ". سنقوم هنا بدراسة علمية لوجهات النظر المتناقضة تمامًا.

وسيقتصر التحليل هنا على الاتحاد السوفييتي. في أوقات مختلفة، تم إدخال إصلاحات اقتصادية موجهة نحو السوق ,تقريبًا في جميع الدول التي ادعت أنها اشتراكية: في المجر، وجمهورية بولندا الشعبية، وجمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية، وكوبا، وكوريا الشمالية، وفيتنام، وجمهورية الصين الشعبية، ويوغوسلافيا. . ولابد من تحقيق ملموس فيما إذا كانوا قد أعادوا تأسيس الرأسمالية ومتى، أو كانوا سيفعلون ذلك لو لم يتم إلغاء بعض الإصلاحات (كما الحال في تشيكوسلوفاكيا عام 1968). هذا لن يكون موضوعًا للمناقشة هنا. لقد قام المؤلف في مكان آخر بتحليل ظروف الإنتاج في جمهورية الصين الشعبية اليوم (سبانيديس 2017)، ولكن بالطبع يجب أيضًا تعميق هذا التحليل. على أية حال، كان الاتحاد السوفييتي أول وأكبر وأقوى (من الناحية الاقتصادية والعسكرية) دولة بين الدول التي قامت، حسب إدعائها ، ببناء الاشتراكية. وعلى تطوره، كان يعتمد تطور "الاشتراكية المحققة " في معظم البلدان الأخرى.

ثانياً، سيركز التحليل هنا على البديل الثاني من "أطروحة رأسمالية الدولة"، والتي بموجبها يعود تاريخ الانتقال من الاشتراكية إلى الرأسمالية إلى المؤتمر العشرين للحزب في عام 1956. لأنه إذا كان من الممكن إثبات أن الاتحاد السوفييتي كان لا يزال اشتراكيًا وليس رأسمالية دولة بعد عام 1956 وحتى الثمانينيات، يجب أن يكون هذا هو الحال بشكل أكبر في الفترة ما قبل عام 1956 التي تم خلالها بناء الاقتصاد المخطط في الاتحاد السوفيتي، و إلى حد كبير ،بدون عناصر السوق.

وهذا النص ليس بالطبع أول من يحاول الإجابة على هذا السؤال. وهو يعتمد بشكل خاص على الدراسات والبيانات المجمعة التي قام بها ألبرت زيمانسكي (1979)، و الذي قام أيضًا بتحليل المجتمع السوفييتي بالتفصيل وخلص إلى أن الاشتراكية استمرت سائدة في الاتحاد السوفييتي. بالإضافة إلى ذلك، تم عرض ومناقشة حجج بعض ممثلي "أطروحة رأسمالية الدولة"State Capitalism Thesis (SCT من هنا فصاعدا) و"أطروحة الإمبريالية الاشتراكية " Social Imperialism Thesis(SIT) المبنية عليها. ولتحقيق هذه الغاية، ستعتمد الدراسة في المقام الأول على المصادر الأكاديمية الغربية، أي المصادر البرجوازية عن الاتحاد السوفييتي، والتي يمكن افتراض أنها غير متعاطفة معه و مع الشيوعية بشكل عام. وفقًا لاستعراض SCT وSIT، سيتم فحص التغييرات الاقتصادية في الاتحاد السوفييتي بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي أولآ ؛ ومن ثم الإجابة على السؤال: هل كان الاتحاد السوفييتي رأسماليًا؟ ثم ما إذا كانت ادعاءات SIT صحيحة؛ ثم ما إذا كانت الرقابة العمالية الديمقراطية قد ألغيت بالفعل في الاتحاد السوفييتي، وأخيرًا، ماذا كان نمط الإنتاج في الاتحاد السوفييتي بعد عام 1956.

2. اشكال أطروحة رأسمالية الدولة و الإمبريالية الاشتراكية

الاطروحة التروتسكية عن رأسمالية الدولة

إن التروتسكيين، الذين يطلقون على الاتحاد السوفييتي والدول الأخرى التي ألزمت نفسها ببناء الاشتراكية "رأسمالية دولة"، غالبا ما يشيرون إلى التروتسكي البريطاني توني كليف وكتابه "رأسمالية الدولة في روسيا". رأى كليف نفسه مؤيدًا لتروتسكي، لكنه تجاوز موقف تروتسكي. في معظم كتاباته حول هذا الموضوع ،رفض تروتسكي وجهة النظر القائلة بأن الاتحاد السوفييتي كان “رأسمالية دولة” وأن “البيروقراطية” قد تطورت إلى طبقة جديدة. ومع ذلك، كان موقفه بشأن هذا متناقضًا: فقد وصف القطيعة المزعومة التي حدثت مع تنصيب ستالين أمينًا عامًا بأنها "بلورة طبقة مميزة جديدة، وإنشاء بنية أساسية جديدة للطبقة الحاكمة اقتصاديًا" (تم الاستشهاد به بعد ذلك من قبل كليف 1955). ). تحدث تروتسكي هنا عن طبقة حاكمة جديدة، ويشير بعض تلامذته ، و منهم كليف، إلى هذا القسم.

أولئك الذين يبحثون عن مبرر جدي لأطروحة كليف سيصابون بخيبة أمل. يسرد كليف عددًا من الظواهر (المزعومة أو الفعلية) في المجتمع السوفييتي والتي تهدف إلى إظهار التحول إلى "رأسمالية الدولة": إضعاف سيطرة العمال والنقابات العمالية على المؤسسات ، وزيادة الانضباط في أماكن العمل وفي الجيش، والعمل القسري، وانخفاض مستويات المعيشة، والعقوبات القاسية على جرائم الملكية، وعدم المساواة في توزيع الدخل، وما إلى ذلك. ويدعي: "إن النقض الجزئي لقانون القيمة لا يحرر الاقتصاد من هذا القانون. بل على العكس من ذلك، فإن الاقتصاد ككل يخضع له بشكل أكبر”. ومع ذلك، فهو لم يطور أي حجة لهذه الأطروحة غير البديهية تمامًا والتي تقول إن الإلغاء الجزئي لقانون القيمة من شأنه أن يزيد من تأثيره. و: « في ظل جميع هذه الظروف، أيًا كان شكلها المحدد، يواصل العمل المأجور عداءه لرأس المال، ويستمر إنتاج القيمة الزائدة، ويستمر في تحويلها إلى رأسمال » . ويظل هذا الادعاء أيضاً بلا أساس: إذ لم يكشف كليف عن المكان الذي يريد أن يكتشف فيه إنتاج "فائض القيمة" وتراكم رأس المال في الاتحاد السوفييتي. وأخيرا: « في رأسمالية الدولة كما في الدولة العمالية، الدولة هي مالكة وسائل الإنتاج. الفرق بين النظامين لا يمكن أن يكمن في شكل الملكية” (جميع الاقتباسات من كتاب كليف 1955).

ولأن كليف يقدم القليل من الحجج لموقفه، فمن الممكن دحضها بسرعة. لذلك يجب القيام بذلك في هذه المرحلة، بحيث يمكن أن تقتصر الدراسة في الفصول اللاحقة على البديل الثاني من أطروحة رأسمالية الدولة" (SCT)، التي تدعي أن التحول إلى الرأسمالية حدث فقط في عام 1956. يدعي كليف أن الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي هي التي كانت سائدة ، وليس الاشتراكية، أي نمط إنتاج مختلف تماما. ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون هناك اختلافات في علاقات الملكية بين "رأسمالية الدولة" والاشتراكية، لأن الدولة تمتلك أيضًا وسائل الإنتاج في "رأسمالية الدولة". وبحسب العنوان الفرعي لكتابه فإن هذا «تحليل ماركسي». لكن وجهة النظر الماركسية هي عكس ذلك تماما: تختلف أنماط الإنتاج عن بعضها البعض أولا وقبل كل شيء في علاقات الإنتاج والملكية، وليس في درجة انضباط العمل أو توزيع الدخل. إن قانون القيمة الذي يرى كليف أنه كان يعمل في الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين لم يكن لديه مجال كبير للمناورة. كانت المؤسسات الصناعية بالكامل تحت قيادة سلطات التخطيط، وتم تخصيص الموارد لها وبالتالي كان عليها تحقيق أهداف التخطيط الإلزامية. وبالتالي، لم تنتج المؤسسات من أجل الربح، بل لتحقيق أهداف التخطيط المحددة مركزيًا، والتي تم تحديدها بدورها وفقًا لما حددته سلطات التخطيط كحاجة اجتماعية. خلال العقود الأولى، تم تحديد أهداف التخطيط بشكل أساسي بالكميات المادية (الأطنان، الأمتار المربعة، وما إلى ذلك). كان الناتج هو الهدف المركزي الرئيسي، وتم دفع مكافآت مقابل تحقيقه (هانسون 2003، ص 28). لذا، لم يكن هناك بالتأكيد رأسمالية في الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، وتبرير كليف لادعائه بعيد كل البعد عن الفهم الماركسي لنمط الإنتاج الرأسمالي. ولا يمكن وصف موقفه إلا بأنه توجه تحريفي جدي.

أطروحة رأسمالية الدولة للاتحاد السوفييتي بعد عام 1956

بعد وفاة ستالين في عام 1953 وانعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في عام 1956، اتخذت القيادة السوفييتية أولًا خطوات حذرة نحو آلية مراقبة أكثر اعتمادًا على السوق، أعقبها إصلاح أكثر شمولاً في عام 1965 (انظر الفصل التالي). ولهذا السبب، تعتقد بعض القوى السياسية، التي تمدح ستالين ولكنها ترفض الاتحاد السوفييتي بعد عام 1956، أن عودة العلاقات الرأسمالية حدثت في الاتحاد السوفييتي في الخمسينيات.

على سبيل المثال، كتبت المجموعة الألمانية البناء الشيوعي “Kommunistischer Aufbau”: “ إن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي (CPSU) في عام 1956 يمثل النقطة التي قام عندها الممثلون السياسيون لهذه الطبقة الجديدة من المستغلين – على وجه التحديد التحريفيون المعاصرون في ظل قيادة نيكيتا خروتشوف – بتعزيز استيلائهم على السلطة و دشنوا علنًا سياسات استعادة الرأسمالية. ". ومن وجهة نظرهم (على غرار كليف)، تطورت "البيروقراطية" إلى طبقة جديدة. لقد فشل ستالين أيضًا في " التأكيد بأن النضال ضد البيروقراطية كان صيغة استمرار الصراع الطبقي في الاتحاد السوفييتي وبالتالي تصادمت المصالح الطبقية مرة أخرى". وفي المؤتمر العشرين للحزب، تولت مجموعة تحريفية السلطة. لقد حولوا الاشتراكية، العدو اللدود للرأسمالية، إلى رأسمالية دولة بيروقراطية أصبحت في منافسة للهيمنة على العالم. تماماً كما هي حال ألمانيا والولايات المتحدة والصين وروسيا اليوم ”. ويذكرون أنه كانت هناك " طبقة رأسمالية جديدة، استغلت العمال واستولت على فائض القيمة، و وجهت الإنتاج نحو الربح ". إن الدولة السوفييتية « تتصرف كرأسمالية جماعية، فهي تستولي على فائض القيمة وتوزعه بين مختلف أعضاء الطبقة الرأسمالية الجديدة ». وقد تم توزيع "فائض القيمة" على "الطبقة الرأسمالية الجديدة" من خلال الرواتب المرتفعة لمديري الشركة وربط المكافآت المادية للمديرين بأرباح المؤسسة (انظر أعلاه).

لقد أصبح الربح هو الهدف الرئيسي للمؤسسات وبقيت حصة متزايدة من الأرباح في المؤسسات بدلاً من دفعها للدولة. وبالإضافة إلى ذلك، تحولت وسائل الإنتاج مرة أخرى إلى سلع. ولكن لا تزال هناك "بقايا من الاشتراكية" لم تتم إزالتها إلا لاحقًا، بما في ذلك تحويل الشركات إلى "مؤسسات مستقلة ماليًا" (اقتباسات من: Kommunistischer Aufbau 2016).

ويتبنى ما يسمى بالحزب الماركسي اللينيني الألماني (MLPD) وجهة نظر مماثلة وأكثر حدة: " في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي في فبراير 1956، استولت برجوازية جديدة بقيادة خروتشوف على السلطة السياسية في الاتحاد السوفييتي. لقد نشرت التحريفية الحديثة وأعادت الرأسمالية تدريجيا. وعلى أساس رأسمالية احتكار الدولة من النوع الجديد، ظهرت الإمبريالية الاشتراكية السوفييتية. وأصبحت، إلى جانب الولايات المتحدة، مرتعًا للرجعية العالمية، والاستغلال، والقمع الاستعماري الجديد، وتدمير البيئة، والتحضير للحرب الإمبريالية. ". واضطرت بلدان الكوميكون وحلف وارسو إلى "الاعتماد الاستعماري الجديد على الاتحاد السوفياتي". إن تفكيك الاتحاد السوفييتي في 1989-1991، والذي يسميه MLPD، مثل الدعاة البرجوازيين، "الانهيار الاقتصادي والسياسي"، لا يُنظر إليه على أنه نهاية الاشتراكية: " كان هذا تعبيرا عن إفلاس التحريفية الحديثة وتفاقم الأزمة العامة للرأسمالية ". لذلك، يُنظر إلى هذا "الانهيار" في نهاية المطاف على أنه حدث إيجابي، لأن تفاقم الأزمة العامة للرأسمالية يعني ضمنا أن ظروف الثورة العالمية تنضج أكثر (اقتباسات من برنامج MLPD، الفصل F).

العديد من المنظمات التي تعتبر نفسها ماوية تفترض أيضًا وجود مجتمع رأسمالي في الاتحاد السوفيتي من نقطة تاريخية معينة. على سبيل المثال، يكتب الحزب الشيوعي الماوي في بيرو، والذي تشير إليه الجماعات الماوية في ألمانيا أيضًا، عن النضال " ضد الإمبريالية الأمريكية والإمبريالية الاشتراكية السوفيتية، النمور الورقية، التي تقاتل من أجل الهيمنة على العالم وتهدد العالم بحرب نووية، والتي يجب إدانتها من جهة، ويجب الاستعداد لها مسبقًا من جهة أخرى، من أجل معارضتها بحرب الشعب والقيام بالثورة». (الحزب الشيوعي في بيرو 1988).

لم يتم تفصيل SCT وSIT بشكل أكبر في نصوص المنظمات السياسية المختلفة المقتبسة حتى الآن. يعتمد نص منظمة البناء الشيوعي “Kommunistischer Aufbau” بشكل أساسي على تحليلين متعمقين في كتب ويلي ديكهوت، المؤسس المشارك والمنظر المؤثر لـ MLPD، وكذلك البريطاني الخوجي{نسبة الى قائد البانيا انور خوجة }بيل بلاند. ولذلك ينبغي عرض منطق هذين المؤلفين أدناه للتحقق من صحتهما في الفصل الرابع.

ويلي ديكهوت

وفقا لديكهوت، حارب ستالين البيروقراطية، ولو بمساعدة الجهاز البيروقراطي نفسه، ولهذا السبب، بعد وفاته، لا يزال بإمكان البيروقراطية الوصول إلى السلطة واستعادة الرأسمالية. كان هناك “التحول الذاتي للبيروقراطية من موظفين عموميين إلى حكام الدولة” (ديكهوت 1988، ص 35؛ 40).

“ في هذه العملية، تحولت البيروقراطية من شريحة برجوازية صغيرة إلى طبقة برجوازية جديدة، أساسها الاقتصادي هو نمط الإنتاج الرأسمالي المستعاد. وهذا لا يعني مجرد إعادة إدخال رأس المال الخاص، بل يعني تأسيس الرأسمالية البيروقراطية الاحتكارية. إن التناقض الرئيسي لهذا النظام الاجتماعي الرأسمالي الجديد يقوم على الإنتاج الاجتماعي والاستيلاء البيروقراطي الرأسمالي الجماعي. إن البيروقراطي الفردي ليس رأسماليا خاصا بالمعنى القديم، لكن البيروقراطية بأكملها هي رأسمالية جماعية، وبرجوازية الدولة الاحتكارية الجديدة. باعتبارها الطبقة البرجوازية الجديدة الحاكمة، فإنها تنتهج سياسة طبقية برجوازية من أجل حماية المصالح العامة للرأسمالية البيروقراطية. وكان هذا التطور تدريجيًا، مع بقاء إنجازات الاشتراكية جنبًا إلى جنب مع الظواهر الرأسمالية الجديدة. ولم يكن من الممكن تصفية الانجازات دفعة واحدة دون أن تتمرد الجماهير العاملة عليهم” (ص 42).

وبطبيعة الحال، يدرك ديكهوت أيضاً أن وسائل الإنتاج في الاتحاد السوفييتي ظلت مملوكة للدولة. لكنه لا يقبل هذه الحجة المضادة: فالسؤال الحاسم، وفقا له، هو أي طبقة تملك سلطة الدولة في يديها وأي طبقة تسيطر بالتالي على ملكية الدولة. وهو يعترف بأن الاقتصاد السوفييتي كان يعمل بشكل مختلف عن الرأسمالية الغربية: « في الاتحاد السوفييتي ، لا يسيطر جهاز الدولة البرجوازية الجديدة على بعض المواقع الرئيسية في الاقتصاد فحسب، بل على الحياة الاقتصادية بأكملها تقريبًا. لذلك، في هذه الحالة، سيكون من الخطأ البحث عن الرأسماليين الأفراد. (…) تبدو الخصائص الخارجية للاقتصاد الاشتراكي (التخطيط المركزي، إلخ) كما هي (؟). ولم يعد احتكار الدولة في أيدي البروليتاريا، بل احتكار رأسمالي للدولة في أيدي البرجوازية الجديدة ” (ص 90 وما بعدها). ولكن بما أن النظام الاقتصادي الرأسمالي لا يمكن توجيهه وفقًا لنفس المبادئ التي يسترشد بها النظام الاشتراكي، وبما أنه مدفوع بالرغبة في تحقيق أرباح أعلى، فقد كانت هناك رغبة تجبر القادة السوفييت على إجراء إصلاحات اقتصادية تكتسب طابعًا رأسماليًا أكثر صراحةً. (ص91). بعد الإطاحة بخروتشوف، عكس خلفاؤه جزءًا من سياسته، لكنهم استأنفوا مسار إعادة الرأسمالية، بل وقاموا بتسريعها (ص 117). وقد تركت هذه الإصلاحات للشركات حصة أكبر من الأرباح من ذي قبل، وكان ذلك، من بين أمور أخرى، بسبب إثراء مديري المصانع (ص 108). إن الغرض من تقديم مكافآت للمديرين هو جعل " تربح حفنة من الرأسماليين الجدد القوة الدافعة للاقتصاد " (ص 123). لكن العلاوات ليست سوى قناة ثانوية تستولي «البرجوازية» من خلالها على فائض القيمة: « إن المصادر الرئيسية لإثراء البرجوازية الجديدة ليست العلاوات والأرباح في الممتلكات الفردية، بل ميزانية الدولة المركزية . (...) إن كبار قادة البرجوازية الجديدة ليسوا الرؤساء والمديرين الذين ياخذون من أرباح المؤسسات الفردية، بل هؤلاء المسؤولون والسياسيون والتكنوقراط في الحزب والدولة والأجهزة الاقتصادية الموجودون في موسكو أو في مراكز أخرى. "(ص140ف) . " وبالتالي فإن حجم الأرباح التي يتلقاها كل فرد "رأسمالي" لن يعتمد على المساهمة، بل على موقعه داخل بيروقراطية الدولة والحزب. من أجل الدخول إلى "دائرة أصحاب وسائل الإنتاج"، بالطبع، كان من الضروري أن تكون عضوا في الحزب الشيوعي (ص 359).

إن "رأسمالية الدولة الاحتكارية" هذه، بحسب ديكهوت، هي الرأسمالية في أعلى مراحلها، أي الإمبريالية. بطريقة أو بأخرى، يعتبر الاتحاد السوفييتي أكثر احتكارًا من الرأسمالية الاحتكارية الغربية: « لأن المنافسة في السوق الداخلية تم استئصالها في الاتحاد السوفييتي بدرجة أعلى منها في الدول الغربية التي تحتكر الدولة، (...) الميل نحو الركود و التعفن أكثر وضوحًا هنا. " (ص 358). وهنا أيضًا، هناك “ الرغبة في التوسع الاقتصادي، وتصدير رأس المال، وإخضاع البلدان الأخرى، والرغبة في العدوان والحرب، وإعادة توزيع العالم” (ص 203). لكن "الإمبرياليين الاشتراكيين السوفييت" لن يستخدموا نفس الأساليب التي استخدمها الإمبرياليون الأمريكيون، على سبيل المثال عن طريق الإقراض بشروط أفضل بكثير. لكن هذه، بحسب ديكهوت، هي “مناورة احتيالية”، “ لأن إمبريالية القادة السوفييت بطبيعتها لا تختلف عن إمبريالية الولايات المتحدة” (ص 205).

وفي البلدان الاشتراكية الأخرى، وفقًا لديكهوت، تمت استعادة الرأسمالية بالطبع تحت ضغط من الاتحاد السوفيتي. في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، " تمت عملية استعادة الرأسمالية بشكل اقل نسبيًا وغير مزعج (!)"(ص 208). في بولندا، من ناحية أخرى ، "بشكل مكشوف اكثر"، حيث تم عكس اتجاه الزراعة الجماعية إلى حد كبير (ص 209). وأصبحت بلدان أوروبا الشرقية بعد ذلك "مستعمرة للإمبريالية الاشتراكية " (ص 218). وقد أبقى الاتحاد السوفييتي هذه الدول تابعة من خلال إجبارها على التخصص في سلع معينة، في حين أنه كان الاقتصاد الوحيد المتطور من جميع الجوانب (ص 219).

وفقا للينين، فإن العامل الحاسم بالنسبة للإمبريالية هو زيادة أهمية تصدير رأس المال نتيجة للنضج الاحتكاري المفرط للاقتصاد. إذا كان الاتحاد السوفييتي «قوة إمبريالية عظمى»، فلا شك أن صادرات رأس المال قد حدثت في مكان ما. وقد وجد ديكهوت ذلك، وتحديدًا في شكل القروض التي منحها الاتحاد السوفييتي لبلدان أخرى: « بالطبع ، لا يستطيع الإمبرياليون الاشتراكيون بعد أن يجرؤوا على إنشاء مصانع أو مزارع في بلدان أجنبية ، والتي تشكل ممتلكاتهم حصريًا، كما هذا أمر معتاد لدى الإمبرياليين القدامى. ومع ذلك، هناك أشكال مختلفة لتصدير رأس المال. إن صادرات رأس المال السوفييتي تتم بشكل رئيسي من خلال القروض والسندات، وهو شكل معروف مسبقًا في زمن لينين” (ص 229). ويشكو أيضًا من أن الاتحاد السوفييتي قد فرض أسعارًا باهظة على شركائه في مجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة (CMEA) (ص 225).

ما هي العواقب السياسية التي يستخلصها ديكهوت من تحليله؟ في الأساس، ينبغي محاربة الاتحاد السوفييتي باعتباره العدو الرئيسي للطبقة العاملة: "إن التناقض الرئيسي في العالم اليوم هو التناقض بين الإمبريالية الاشتراكية والصين الاشتراكية". (ص300). بشكل عام، تتعرض الطبقة العاملة للاضطهاد في الاتحاد السوفييتي أكثر مما تتعرض له في الغرب، لأن النقابات العمالية السوفييتية – في رأيه ربما على النقيض من النقابات العمالية “الحرة” في الرأسمالية الغربية – تخضع لسيطرة البيروقراطية (ص 1). 369). يجب على البروليتاريا السوفييتية الآن أن تبني حزبًا شيوعيًا جديدًا بطريقة غير شرعية من أجل الإطاحة بالحزب الشيوعي السوفييتي (ص 371).

خلاصة القول، إن منهج ديكهوت هو تصنيف مجتمع بلد ما كمجتمع رأسمالي على أساس التطورات السياسية والأيديولوجية في هذا البلد (وصول مجموعة يعتبرها رجعية إلى السلطة). لكن عندما يعلم أن الماركسيين يحللون المجتمع وفقا لنمط الإنتاج السائد فيه، فإنه يشرع في الخطوة الثانية في البحث عن تطورات اقتصادية يمكن أن تؤكد استنتاجه المسبق. ومع ذلك، يرفض ديكهوت السماح للحقائق بأن تتحدى استنتاجه: إذا وجد إصلاحات اقتصادية بعيدة المدى في بلد تضعف الطابع الاشتراكي للعلاقات الاجتماعية، كما هو الحال في بولندا، فإنه يشير بانتصار إلى هذه الإصلاحات ويتحدث عن ثورة مضادة"صريحة" . ومن ناحية أخرى، إذا كان الاقتصاد المركزي المخطط لا يزال سائدا في بلد ما، فهو بالنسبة له ثورة مضادة رأسمالية "خفية" وغير ملحوظة، كما هو الحال، على سبيل المثال، في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. إذا لم يجد أي رأسماليين على الإطلاق، فهو ببساطة يعلن أن إدارة الدولة هي طبقة رأسمالية، وما إلى ذلك. كيف يمكن أن تحدث ثورة مضادة، دون أن يلاحظ أحد أي شيء ودون تغيير كبير في العلاقات الاقتصادية؟ هذا يبقى سرًا عنده.

بيل بلاند

يتخذ بيل بلاند نهجا مختلفا قليلا. يحاول بلاند على الأقل إثبات "عودة الرأسمالية" بالتفصيل على أساس التغيرات الاقتصادية في النظام الاقتصادي للاتحاد السوفييتي. ومع ذلك، فهو بالكاد يحلل الظروف الاقتصادية الحقيقية، ولكنه يشير بشكل أساسي إلى تصريحات الاقتصاديين أو السياسيين السوفييت.

يزعم بلاند، على عكس ديكهوت، أن التخطيط الاقتصادي المركزي في الاتحاد السوفييتي قد ألغي مع إصلاحات كوسيجين. وقد أدت الإصلاحات إلى تقليل التوجيهات المركزية التي تتلقاها الشركات وتحويلها إلى توجيهات طوعية. وبما أن خطط الشركات كانت تتغير باستمرار، لم يعد من الممكن وضع خطة خمسية شاملة (بلاند 1995، الفصل 1). ثم تم إدخال الربح مع الإصلاحات باعتباره منظمًا جديدًا للإنتاج، حيث كان على الشركات أن تولد مواردها المالية الخاصة، علاوة على ذلك، أن تحقق ربحًا . " ومع ذلك، في ظل النظام الجديد لحساب التكاليف، حل الربح - الذي يتم تقديمه الآن على أنه "المعيار الأعلى لكفاءة المؤسسة" - محل التخطيط الاقتصادي المركزي كمنظم للإنتاج الاجتماعي" (الفصل 2).
ويتحقق الربح من خلال بيع البضائع، وبالتالي كان على الشركات توجيه إنتاج سلعها إلى السوق. وباعتبارها مشترين وبائعين للسلع، فإن الشركات ستكون في منافسة مع بعضها البعض. نظرًا لأن الشركات تكيف خطط إنتاجها مع السوق، يتعين عليها الانتقال إلى ممارسات رأسمالية مثل أبحاث السوق والإعلان (الفصل 3). وفي عام 1965، تقرر أيضًا أنه يتعين على الشركات دفع ثمن السلع الاستثمارية التي تستخدمها بدلاً من تخصيصها مجانا كما كان من قبل. وبذلك، وفقًا لبلاند، أصبحت وسائل الإنتاج سلعة مرة أخرى (الفصل الرابع).

كما ألغيت ملكية الدولة لوسائل الإنتاج لأنه، وفقا للنظام الأساسي لمؤسسات الإنتاج الحكومية الاشتراكية (الذي اعتمده مجلس الوزراء في 4/10/1965)، اصبحت أصول الشركة ملكًا للشركة. وبموجب هذا النظام الأساسي، يحق للشركات أيضًا بيع المعدات الفائضة لشركات أخرى. كما كان للمدير الحق في التصرف نيابة عن المؤسسة وإدارة ممتلكاتها ومواردها المالية (الفصل 6). ونتيجة لذلك، أصبح مديرو الشركة أصحاب معدات الإنتاج في المصنع. الفرق مع المديرين في الدول الغربية هو فقط أن المدير السوفييتي تتم ترقيته وعزله من قبل الدولة وليس من قبل المساهمين، وأنه لا يمكنه الربح من الشركة إلا ما دام في منصبه (الفصل 7). وبعد إصلاحات عام 1965، أصبح بإمكان الشركات أيضًا توظيف وفصل عمالها بحرية نسبية (الفصل 8). ومنذ مصادرة ملكية العمال ونقل وسائل الإنتاج إلى الطبقة الجديدة من "الرأسماليين السوفييت"، لم يعد لديهم أي وسيلة للعيش واضطروا إلى بيع قوة عملهم إلى الطبقة الرأسمالية الجديدة. وبالتالي فإن العمل أصبح مرة أخرى سلعة (الفصلان 9 و10).

وفي النظام الجديد تمت محاولة تحديد الأسعار وفقاً لكم العمل الحقيقي. ويحدد جهاز التخطيط المركزي أسعار و معايير أساسية، إلا أن الشركات تمكنت من تحديد أسعار محددة ضمن إطار معين. وهذا، بحسب بلاند، جعل التخطيط المركزي مستحيلاً (الفصل 14).

يتم تعريف الربح في الاقتصاد السوفيتي بنفس الطريقة في الرأسمالية، أي الفرق بين السعر وتكلفة الإنتاج. وهكذا، حتى المخططون السوفييت سيعترفون بوجود فائض القيمة في الاتحاد السوفييتي (الفصل 17). ومن خلال صناديق الحوافز، يتم دفع هذه القيمة الفائضة لمديري المؤسسات من قبل الدولة، مع تحديد مقدار المكافآت وتأكيد المكافآت من قبل مسؤول حكومي (الفصل 18). ويذهب الجزء الآخر من الأرباح إلى الاستثمار (الفصل 28).

يحاول بلاند إثبات تركيز ومركزة رأس المال في الاتحاد السوفييتي من خلال البيانات. ويشير إلى القرار السياسي الذي اتخذه المخططون السوفييت باستهداف مشاريع أكبر وبالتالي تحقيق وفورات الحجم (توفير التكاليف بسبب حجم المؤسسة ). إن تركيز الإنتاج في الاتحاد السوفييتي أكبر بكثير منه في الدول الغربية. يتم تعزيز مركزية رأس المال بشكل نشط من قبل الدولة من خلال دمج المؤسسات الأقل ربحية في مؤسسات أخرى عن طريق قرار من سلطات الدولة. وفي تخفيض عدد موظفي الإدارة نتيجة لعمليات التركيز هذه، يرى بلاند بعد ذلك دليلاً على تقلص الطبقة الرأسمالية بسبب عمليات التركيز (الفصل 30). أدى هذا إلى إنشاء رأس مال احتكاري سوفياتي: يشير بلاند إلى اندماج المؤسسات في اتحادات أفقية لنفس فرع الإنتاج أو المجمعات التي تجمع بين المصانع في سلسلة الإنتاج (الفصل 31). وعندما قرر المخططون السوفييت خفض معدل الاستثمار، يرى بلاند أن ذلك تعبير عن الميل إلى الركود، وهو قانون اقتصادي في الرأسمالية الاحتكارية (الفصل 28). إذا حدث، بسبب سوء التخطيط، فائض إنتاج ، يمكن بعد ذلك تصديره، أو إذا تم تطوير فروع الإنتاج المخصصة لإنتاج النقد الأجنبي للتصدير في الاتحاد السوفييتي، يرى بلاند أن هذا تأكيد لقانون الرأسمالية المؤدى إلى فرط الإنتاج (الفصل 34).

وبطبيعة الحال، يفترض بلاند أيضا أن الطبقة العاملة كانت مستغلة. وهو يحاول إثبات ذلك من خلال حقيقة أن الدخل يتم توزيعه بشكل غير متساو وأن مسؤولي الحزب الشيوعي يتمتعون بامتيازات واسعة النطاق (الفصل 33). " إن الاتحاد السوفييتي المعاصر يتمتع بالبنية الطبقية للمجتمع الرأسمالي النموذجي " (الفصل 35). وبناء على ذلك، فإن الحزب الشيوعي السوفييتي، باعتباره الحزب الحاكم، لا يمكنه إلا أن يمثل مصالح الطبقة الرأسمالية، أو بشكل أكثر دقة، ليس الطبقة الرأسمالية بأكملها، ولكن فقط أقوى المجموعات الاحتكارية (الفصلين 36 و 37). استنتاج بلاند: “على أساس الماركسية اللينينية، فإن الدولة السوفييتية المعاصرة – على الرغم من زخارفها من الأعلام الحمراء – هي دولة فاشية من نوع جديد، حيث يعمل الحزب الشيوعي المعاصر مثل الأحزاب الفاشية في إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية وإسبانيا الفرانكوية. (الفصل 37).

هنا يمكننا تلخيص أن بلاند، على النقيض من ديكهوت جزئيًا، يريد إثبات أن الاتحاد السوفييتي هو في الأساس مجتمع رأسمالي عادي. ووفقا له، فهو يعمل اقتصاديا تماما مثل الرأسمالية الغربية و يخدم الاستيلاء على فائض القيمة من قبل الرأسماليين الأفراد، في حين يلجأ ديكهوت إلى تصوير مجموع البيروقراطية باعتبارهم "رأسماليين جماعيين".

على الرغم من اننا قمنا بمراجعة أكثر شمولاً لاطروحة رأسمالية الدولة SCT في الفصل الرابع من هذا النص، إلا أنه تجدر الإشارة هنا إلى أن منطق بلاند على طول الخط معيب وغير علمي. وكما سيظهر لاحقًا في هذه المقالة، فإن استنتاجاته عادةً لا تتبع الأدلة التي يستشهد بها، بل وأحيانًا يثبت هذا الدليل العكس. كما أنه يستشهد في العديد من الأماكن بالمناقشات بين الاقتصاديين السوفييت كدليل، حيث يستخلص استنتاجات تتعلق بالهياكل الاقتصادية الحقيقية، على الرغم من أنها كانت في بعض الحالات مجرد مقترحات للإصلاح. إن حجته، في مجملها، غير أصيلة، لأنها تتمثل في البحث عن مشابهات مناسبة لعمليات معينة في الاتحاد السوفييتي في المجتمعات الرأسمالية التي لها تشابه شكلي معها، ولكنها تختلف عنها بشكل أساسي في محتواها.

3. الإصلاحات الاقتصادية في الاتحاد السوفييتي بعد وفاة ستالين

الإصلاحات الاقتصادية في عهد خروتشوف (1953-1964)

من أجل فحص الفرضية القائلة بأن الاتحاد السوفييتي قد أصبح رأسماليًا مرة أخرى بعد وفاة ستالين، سنقدم أولاً لمحة عامة عن الإصلاحات الاقتصادية التي تم تبنيها في الخمسينيات والستينيات.

في السنوات الأولى التي أعقبت وفاة ستالين، لم تكن هناك تغييرات اقتصادية كبيرة. خلال عهد خروتشوف، اعتمدت تدابير قليلة لإصلاح الاقتصاد المخطط، لكن هذه التدابير لم تتضمن إعادة توجيه جوهرية للنظام الاقتصادي بأكمله. بل إنهم أعدوا مثل هذا التنظيم، وقد حدث ذلك في عام 1965، أي بعد استقالة خروتشوف، كجزء مما يسمى بإصلاحات كوسيجين.

أثناء التصنيع السريع للاتحاد السوفييتي، والذي كان ستالين خلاله أمينًا عامًا للحزب الشيوعي، حدث النمو الصناعي بمعدلات نمو مرتفعة للغاية. وكان هذا النمو واسع النطاق إلى درجة عالية، أي تحقق إنتاج متزايد باستمرار بواسطة الاستخدام المتزايد للموارد والقوى العاملة. وهذا يعني بالضرورة أن أسس هذا النمو لن تدوم إلى ما لا نهاية، وأنه سيكون من الضروري، عند نقطة معينة، التحرك نحو مسار نمو أكثر كثافة، من شأنه أن يشجع على مواصلة تطوير القوى الإنتاجية بشكل رئيسي بواسطة تحسين الإنتاجية وتحسين الجودة ، وتوسيع تنوع المنتجات، وما إلى ذلك. بالفعل في بداية الخمسينيات، تباطأ النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ: من 8.9٪ سنويًا في الفترة من 1946 إلى 1950 إلى 4.9٪ فقط في الفترة من 1951 إلى 1955. ثم تم الحفاظ على هذا المستوى خلال الستينيات وانخفض بشكل ملحوظ منذ السبعينيات فصاعدا (هانسون 2003، ص 5).

وكانت المشاكل الاقتصادية التي تلوح في الأفق تتطلب إجابات. كانت أي قيادة سوفيتية ستواجه هذه المهمة. ومع ذلك، فإن حل المشكلات في المجتمع ليس شيئًا محايدًا أبدًا. إنها تفيد طبقة وتذهب على حساب الأخرى، وتوطد نمط إنتاج وتمنع نمطًا آخر. في نهاية حياته، تدخل ستالين في المناقشات الاقتصادية للاقتصاديين السوفييت وعارض توسيع العلاقات السلعية- النقدية في إطار الاقتصاد الاشتراكي المخطط. وعلى وجه الخصوص، اعترض على اقتراح بعض الاقتصاديين ببيع محطات الجرارات الآلية إلى المزارع الجماعية. لقد رأى في ذلك تعزيزًا للمزارع الجماعية باعتبارهم مالكين منفصلين، وتوسعًا في الاقتصاد السلعي ، وبالتالي تراجعًا عن الطريق إلى الشيوعية (هوار 2002، ص. 155f؛ شنيهين 2016، ص 58f). كانت هناك أيضًا حملة أيديولوجية شاملة ضد أطروحة رئيس لجنة تخطيط الدولة فوسنيسينسكي وغيره من الاقتصاديين الذين جادلوا بأن قانون القيمة كان منظمًا ضروريًا للإنتاج في الاشتراكية (برار 2007، ص. 167f).

من ناحية أخرى، سعت القيادة الجديدة حول خروتشوف إلى حل المشاكل في تعزيز استقلالية صنع القرار للشركات وبالتالي تطوير علاقات السوق. يجب التأكيد هنا على مسألتين:

أولاً، الغي جميع عمليات التسليم الاجباري التي قام بها المزارعون من زراعتهم الخاصة وتم بيع محطات الجرارات الآلية (MTS) في الزراعة إلى المزارع الجماعية (الكولخوزات) ومزارع الدولة (السوفخوزات) (هانسون 2003، ص57). وكان هذا يعني أن الإنتاج الزراعي الخاص حصل على قدر أكبر من الحرية في سياق الزراعة الجماعية، لأن المزارعين أصبحوا الآن قادرين على بيع منتجاتهم بالكامل في السوق بأنفسهم. كان بيع MTS للمؤسسات الزراعية يعني، من ناحية، عبئًا ماليًا أو دينًا مرتفعًا، والذي يتعين عليهم الآن سداده من خلال الأرباح المستقبلية (هانسون 2003، ص 57). ومن ناحية أخرى، تم التخلي عن أداة اقتصادية مهمة للدولة من أجل السيطرة على تنفيذ الخطة وزيادة الكفاءة في الريف من خلال توفير المعدات والأفراد المدربين لتشغيلها (شنيهين 2016، ص 55).

ثانيًا، في نهاية فترة ولاية خروتشوف، بدأ مشروع صناعي تجريبي في شركتين للنسيج (بولشفيتشكا وماياك)، والذي امتد لاحقًا ليشمل بضع مئات من الشركات في صناعة السلع الاستهلاكية. وتم "تحرير" المؤسستين من أهداف الإنتاج، وأصبح من حقهما إبرام اتفاقيات شراء مع الموردين والعملاء. ثم قاموا بعد ذلك بتحويل إنتاجهم إلى منتجات مع وعد باعطاء أعلى ربح ممكن على أساس الأسعار التي تحددها الدولة (هانسون 2003، ص 96؛ آدم 1989، ص 40).

أخيرًا، في عهد خروتشوف، حيث قام الحزب وقيادة الدولة بالترويج لها، بدأت مناقشة حول الإصلاحات الاقتصادية، حيث تعرضت آراء ستالين في السياسة الاقتصادية لهجوم أساسي و طولبت بإصلاحات تهدف إلى توسيع العلاقات السلعية- النقدية. من المحتمل أن المساهمة الأكثر تأثيرًا في المناقشة في هذا السياق ظهرت في 9 سبتمبر 1962 في صحيفة الحزب المركزية برافدا، وكان مؤلفها إيفسي ليبرمان. اقترح ليبرمان نظامًا للتخطيط الاقتصادي يجب أن تظل فيه المزارع ملكًا للدولة وتحافظ على أهداف ملزمة، ولكن الجزء المركزي من هذه الأهداف يجب أن يكون تحقيق الربح. ومن هذا الربح كان على الشركات تمويل استثماراتها، ولكن أيضًا مكافآت العمال والمديرين (ليبرمان 1962).

مقترحات ليبرمان وإصلاحات كوسيجين عام 1965

لقد احتوت مساهمة ليبرمان على مبادئ الإصلاح الكبير، الذي تم اتخاذ قرار بشأنه في عام 1965 تحت القيادة الجديدة لبريجنيف وكوسيجين. وعلى هذا فمن الممكن أن ننظر إلى عصر خروشوف باعتباره فترة تحضيرية لتغييرات أكثر شمولاً تلت ذلك. مشاريع أخرى لقيادة خروتشوف الحزبية لم تتم مناقشتها هنا، مثل برنامج الأراضي البكر الضخم، ولا مركزية الإدارة الاقتصادية على مستوى الجمهوريات وحل الوزارات الصناعية (وهو الإجراء الذي تم التراجع عنه مع إصلاح كوسيجين في 1965) وكذلك الاستثمارات الكبرى في الصناعة الكيميائية، وقعت أيضًا في هذا العصر.

كان الشرط السياسي الأساسي للابتعاد عن الأساليب الاقتصادية الصارمة المخططة التي تم ممارستها حتى الآن هو تشويه سمعة ستالين على نطاق واسع ونتائج فترة ولايته وإزالة الكوادر القيادية التي استمرت في اتباع خطه السياسي. حقق خروتشوف الهدف الأول بشكل أساسي من خلال "خطابه السري" في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، والذي نشر فيه العديد من الأكاذيب حول سلفه (غروفر فر 2014). لقد حقق هذا الأخير من خلال عزل وقتل لافرينتي بيريا في عام 1953 وبعد سنوات قليلة بإقالة مولوتوف وكاغانوفيتش ومالينكوف من المكتب السياسي للحزب. وقد مهد هذا الطريق لمسار خروشوف، وأخيراً وليس آخراً، لتغيير بطيء في التوجه في السياسة الاقتصادية.

أُقرت إصلاحات كوسيجين في الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي في سبتمبر 1965 بعد تقرير من رئيس الوزراء أليكسي كوسيجين. ومع الاصلاحات ، تغيرت آليات تنفيذ الخطة بشكل كبير: انخفض عدد الأهداف المخططة المفروضة على الشركات من 38-40 إلى تسعة - بما في ذلك حجم مبيعات المؤسسة من السلع، وأرباحها ومعدل ربحيتها. (آدم 1989، ص 41). في السابق، كان خرج الإنتاج هو المؤشر الرئيسي للمؤسسات، والذي أصبح الآن له أهمية ثانوية فقط (هانسون 2003، ص 104).

تم فرض ضريبة على وسائل الإنتاج المستثمرة في كل مؤسسة من أجل خلق حافز لتوفير السلع الاستثمارية. وكان على الشركة أن تدفع هذه الضريبة من أرباحها، وكذلك سداد الفوائد على القروض الاستثمارية من البنك الحكومي. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء ثلاثة صناديق في كل شركة: صندوق المكافآت، والذي يتم من خلاله دفع المكافآت المادية للعاملين والإدارة؛ صندوق تدفع منه الشركة الخدمات الاجتماعية والثقافية لعمالها؛ وأخيراً صندوق التنمية، الذي تمول منه الاستثمارات الإنتاجية. وكانت الصناديق الثلاثة جميعها تعتمد كليًا أو جزئيًا على مؤشرات مبيعات السلع (أي أرقام المبيعات) والربحية (آدم 1989, ص42f). وهكذا، أصبحت المبيعات الناجحة وتحقيق الربح المقياس المركزي للنجاح الاقتصادي للشركة. ومع ذلك، كانت المؤشرات الجديدة نفسها مرتبطة بالخطط المحددة مركزيًا: تم تغذية صناديق الحوافز من الأرباح، والتي اعتمدت بدورها على المعايير التي وضعتها الوزارات (شرودر 1971، ص 40). كما مُنحت الشركات الحق في بيع وسائل الإنتاج الفائضة من أجل تمويل استثمارات إضافية (شرودر 1971، ص 44).

وبما أنه يتعين على الشركات الآن توفير الموارد المالية لتحديث مصانعها بنفسها، فقد تم تحويل جزء من الاستثمار الاقتصادي من الحكومة المركزية إلى مستوى الشركة، أي اللامركزية. ومع ذلك، كان من الطبيعي أن يتم دمج هذه الاستثمارات في خطط الإنتاج الخاصة بالمؤسسات. ومع ذلك، لا يمكن اقتراح هذه الخطط إلا من قبل الشركات ومن ثم يجب الموافقة عليها من قبل السلطة العليا للدولة. ويمكن أيضًا أن تتحكم الدولة في حجم الاستثمار من خلال منح القروض من قبل بنك الدولة (ادم 1989, ص 41f 49). على أية حال، يصعب على الشركات أن تقرر بنفسها ما تنتجه لأن مزيج المنتجات تم تحديده بواسطة الخطة المركزية ولا يمكن تحديد سوى نسبة كمية السلع الرئيسية في مزيج المنتجات من قبل الشركات (هانسون 2003، ص 104).

بالإضافة إلى ذلك، خلق الإصلاح إمكانية علاقات التبادل الأفقي بين الشركات - أي أن الشركات يمكنها إبرام عقود فيما بينها للمشتريات والمبيعات، أي التجارة مباشرة مع بعضها البعض. ومع ذلك، فقد كانوا ملزمين بأهداف التخطيط المقررة، في حين تم تحديد شركائهم التجاريين من خلال الخطة، بحيث لا تستطيع الإدارة اتخاذ قرارات بشأن مثل هذه العلاقات التجارية إلا ضمن إطار محدود للغاية (آدم 1989، ص. 44). واستمر تحديد أسعار الجملة من خلال الخطة المركزية، وتم تعديلها الآن حتى تتمكن الأعمال المتوسطة من تحقيق الربح (هانسون 2003، ص 103).

بالرغم من النظرية. من الناحية العملية، لم يتم تنفيذ الإصلاح إلا بشكل غير كامل. كان يُعتقد في الأصل أنه مع تحويل الصناعة بأكملها إلى النظام الجديد، يجب أن تمثل صناديق التطوير في المؤسسة ما بين 5.5 إلى 6% من مخزون الاستثمارات الثابتة. لكن في الواقع، كانت هذه الحصة 2-3% فقط، حيث حجبت وزارات الصناعة جزءًا من الأموال للقيام باستثمارات مركزية واضطرت الشركات أيضًا إلى المشاركة في استثمارات المخطط المركزي مثل بناء الطرق. وفي فترة التخطيط 1966-1970، التي أعقبت الإصلاح، تجاوزت خطة الاستثمار المركزية الأموال المتاحة. ومع ذلك، بما أن الاستثمارات المركزية كانت لها الأولوية من حيث المبدأ، لم يكن هناك مجال كبير للاستثمارات اللامركزية من قبل الشركات. كما أن أهمية القروض المصرفية كمصدر لتمويل الاستثمار كانت أقل من التوقعات، ففي عام 1968، على سبيل المثال، كانت تمثل 3.4% فقط من استثمارات التحديث (آدم 1989، ص 50). وكانت أهمية العلاقات التجارية الأفقية بين الشركات محدودة أيضًا في الممارسة العملية. ومع استمرار وضع خطط شاملة للإنتاج وتخصيص المواد للشركات، مع تخطيط الكثير من الإنتاج بالفعل في خطط التوزيع، لم يبق سوى القليل للشركات لتتاجر به على الإطلاق. والمؤسسة التي حاولت إنفاق الروبلات المتراكمة في صندوق تنمية الإنتاج الخاص بها على معدات جديدة أو توسيع المبنى واجهت مشكلة: فقد تم تخصيص كل (أو تقريبًا كل) المعدات ومواد البناء مسبقًا من خلال خطط التخصيص القائمة؛ كان لديهم عنوان لإرسالها إليه مسبقًا ." (هانسون 2003، ص 106).

في الأصل، تم التخطيط لاكمال تنفيذ الإصلاح بين الأعوام 1966-1968. في الواقع، كان التنفيذ أبطأ ولم يكتمل القسم الاكبر للإصلاح حتى نهاية عام 1970 - مما يعني أن 90٪ من المؤسسات التي لديها 92٪ من الإنتاج (مهما كانت غير مكتملة) قد تم تحويلها إلى النظام الجديد (شرودر 1971، ص 38).

وفي الواقع، لم يتم تنفيذ بعض أجزاء الإصلاح على الإطلاق. وكان هذا هو الحال، على سبيل المثال، مع التحويل المخطط لوزارات الصناعة إلى التمويل الذاتي، والذي تم تنفيذه في واحدة فقط من العشرات من مؤسسات الوزارة(شرودر 1971، ص 39).

وفي دراسة استقصائية أجريت عام 1970 لمديري المصانع، ذكر 56% ممن شملهم الاستطلاع أن استقلالية الشركات في اتخاذ القرار لم تكن أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الإصلاح. ويمكن بالتأكيد رؤية هذه النتيجة أيضًا في ضوء حقيقة أن العديد من المديرين كانوا يفضلون قدرًا أكبر من الاستقلالية عن الخطة، وبالتالي كانوا غير راضين. بالإضافة إلى ذلك، رأى 44% مجالاً أكبر بكثير أمام إدارتهم لاتخاذ القرارات. ومع ذلك، تشير هذه النتيجة أيضًا إلى التأثير المحدود للإصلاح على نظام التخطيط (شرودر 1971، ص 43).

وأخيراً، تم الغاء أجزاء من الإصلاح لأن النجاح الاقتصادي المأمول لم يتحقق، بل على العكس من ذلك، ظهرت مشاكل جديدة نتيجة للإصلاح (انظر أدناه). ففي عام 1971، على سبيل المثال، اضطرت الشركات مرة أخرى إلى وضع أهداف ملزمة لنمو إنتاجية العمل، وتم ربط مكافآت المدراء بهذه الأهداف. وقد تم القيام بنفس الشيء في عام 1973 مع الأهداف المخططة لتحسين جودة المنتج. وفي عام 1976، مُنحت الوزارات مساحة أكبر لتحديد أهداف تحديد المكافآت للشركات. في عام 1981، ألزمت مجموعة معقدة من التدابير الشركات بزيادة الاقتصاد في استخدام المواد الخام (شرودر 1990، ص 38). وهكذا تم تخفيض أهمية الربح كمؤشر ونطاق اتخاذ القرار للشركات الفردية تدريجيًا مرة أخرى وتم توسيع صلاحيات سلطات التخطيط المركزي مرة أخرى وفقًا لذلك.

وحتى من الناحية النظرية، لم يكن المقصود من الإصلاح توسيع علاقات السوق بقدر ما كانت تهدف إليه التجارب الاقتصادية التي أجريت مع بعض الشركات في أواخر فترة خروتشوف. ومن الناحية العملية، ظل ثقل الخطة المركزية على القرارات التشغيلية اللامركزية والعلاقات السلعية النقدية أكبر بكثير.

تقييم تأثير إصلاح كوسيجين

كان لإصلاح كوسيجين هدف معلن يتمثل في خلق حوافز لتحقيق مكاسب في الكفاءة. وقد فشلت تماما في تحقيق هذا الهدف. صحيح أن الاتجاه نحو تباطؤ النمو توقف لبضع سنوات، وبدرجة أقل، تعزز نمو الإنتاجية أيضا. ومع ذلك، كانت هذه أيضًا جزئيًا مجرد تأثيرات إحصائية - من الناحية الإحصائية، زادت الإنتاجية دون تغييرات في عملية الإنتاج بسبب ارتفاع معدل الاستهلاك وتصفية المخزون الزائد - ولأسباب أخرى: طقس أفضل وبالتالي أداء زراعي أفضل وزيادة الاستقرار التنظيمي لنظام التخطيط. (شرودر 1971، ص 44f). وعلى النقيض من الإصلاحات المدمرة اقتصاديًا وسياسيًا في عهد غورباتشوف ، لم يؤد إصلاح كوسيجين إلى فوضى إدارية كارثية، بل ساهم في علاجها من خلال إعادة إدخال وزارات الصناعة المركزية والإدارة المركزية للمؤسسات بواسطة خلق روابط الإنتاج.

ومع ذلك، يجب الافتراض أن تأثير إصلاح كوسيجين على النظام الاقتصادي السوفييتي كان سلبيًا سياسيًا واقتصاديًا، مما أدى إلى تقويض النظام الاشتراكي. من الناحية السياسية، لأن النظرة التحريفية لـ “إنتاج السلع الاشتراكية” وقانون القيمة باعتباره المنظم للإنتاج في ظل الاشتراكية سادت بشكلٍ دائم واكتسبت المزيد والمزيد من التأثير في العقود التالية. وهكذا تم تجاهل قوانين نمط الإنتاج الاشتراكي، والتخطيط المركزي للإنتاج وتوزيع السلع وفقا لاحتياجات المجتمع المتزايدة، أو تم تخفيفها نظريا. لقد افترض الاقتصاديون السوفييت مثل ليبرمان وجاتوفسكي وليونتييف وغيرهم خطأً أن عناصر مثل الربح وتبادل السلع يمكن دمجها دون تناقض في نظام الاقتصاد الاشتراكي المخطط، على الرغم من أن مبدأ الاقتصاد المخطط يشير بدقة إلى الاتجاه المعاكس: توجيه الإنتاج نحو خطة اجتماعية شاملة وليس نحو توقعات الربح للشركات الفردية.

ليس من المستغرب أن يكون لمثل هذه المفاهيم الخاطئة أيضاً آثار اقتصادية سلبية لأنها تقوض النظام الاشتراكي. وكان الاقتصادي البرجوازي فلاديمير كونتوروفيتش قد قام بالفعل بتحليل هذه العلاقة بذكاء شديد عندما كان الاتحاد السوفييتي لا يزال موجوداً. و قدر كونتوروفيتش أن تأثير اصلاحات كوسيجين على النمو ربما كان سلبيا.

من خلال رفع هدف الربح للمؤسسات بشكل كبير وتقليل عدد المنتجات التي حدد مجلس الوزراء أهداف الإنتاج لها، نشأت إمكانيات جديدة لمديري المصانع للوصول إلى هدف التخطيط المحدد لهم عن طريق تحويل مزيج المنتجات نحو منتجات أكثر غلاءً و انتاج منتجات جديدة مرتفعة السعر. لكن مثل هذا السلوك لم يكن له أي علاقة باحتياجات المجتمع السوفييتي والاقتصاد السوفييتي، لأنه كان يعتمد فقط على الأسعار التي حددتها الدولة.

ثانياً، لم يركز الإصلاح إلا قليلاً على التقدم التكنولوجي من خلال دفع مكافآت أقل وأقل في مقابل الابتكارات. أدى هذا إلى خفض معدل مكاسب الإنتاجية (كونتوروفيتش 1988، ص 310).

ثالثا، وربما كانت هذه هي النقطة الحاسمة، من خلال الإصلاح، دخل مبدآن متعارضان في الإدارة الاقتصادية، التخطيط المركزي وإدارة السوق، في صراع دائم مع بعضهما البعض. أدت اللامركزية الجزئية للاستثمارات إلى تحويل الاستثمارات عن الاستخدامات المخططة مركزيا، والتي كانت، مع ذلك، وسيلة مهمة لسلطات التخطيط لضمان التوازن الاقتصادي. إن تخصيص عدد أقل من أهداف الإنتاج المادي (أي المعبر عنها بقيمة الاستخدام بدلاً من الأسعار) يعني أن العرض والطلب على المنتجات المعنية، التي لم تعد لها أي مواصفات مركزية، لم يعد من الممكن تحقيق التوازن فيها على الإطلاق. ولذلك كان لا يمكن تجنب الاختلالات المستمرة بين أرقام الإنتاج والاحتياجات الحقيقية. وبالتالي فإن إدخال أهداف التخطيط المجمعة من الناحية النقدية (الأرباح والمبيعات) أدى إلى الإضرار باتساق الخطة (كونتوروفيتش 1988، ص. 312f). وعلى هذا فإن كونتوروفيتش يزعم أن التنفيذ الإداري غير المكتمل للإصلاح لم يكن بأي حال من الأحوال مسؤولاً عن حقيقة مفادها أن الإصلاح لم يحسن الأداء الاقتصادي، بل على العكس من ذلك، أنقذ الاتحاد السوفييتي من الأسوأ. ولهذا السبب بالتحديد حاول المخططون السوفييت في كثير من الأحيان تأخير تنفيذ الإصلاح أو إضعافه أو منعه تمامًا، لأنهم رأوا فيه بحق تهديدًا لتوازن التخطيط (كونتوروفيتش 1988، ص 314).

وكاستنتاج مؤقت، تجدر الإشارة هنا إلى أن إصلاح كوسيجين قوض نظام الاقتصاد السوفييتي المخطط بطرق مختلفة، من ناحية، عن طريق إعطاء زخم لوجهات النظر الاقتصادية النظرية التي تتعارض مع التخطيط المركزي، ومن ناحية أخرى، - تقويض اتساق الاقتصاد المخطط. ولم تساهم التدابير المتخذة في حل المشاكل الاقتصادية القائمة بلا شك. وفي العقود التالية، لم يبحث سوى أقلية من الاقتصاديين السوفييت (أو علماء الكمبيوتر مثل فيكتور غلوشكوف) والكوادر الشيوعية عن حلول لهذه المشاكل على أساس تعزيز الاقتصاد المخطط.
ثانيًا، يجب أيضًا ملاحظة أن الإصلاح لم يؤثر على الآليات الأساسية للاقتصاد المخطط وأن تأثيره الحقيقي على عمل الاقتصاد السوفييتي كان محدودًا بسبب عدم اكتمال تنفيذه. إن الفحص الدقيق للاقتصاد السوفييتي المخطط في الفصل التالي سوف يؤكد هذه النتيجة.

4. هل كان الاتحاد السوفييتي رأسماليًا في وقت ما؟

السؤال

عنوان الفصل هو السؤال الحاسم الذي تريد المقالة الإجابة عليه. وغني عن القول أن السنوات الأخيرة من وجود الاتحاد السوفييتي سوف يتم تجاهلها هنا، حيث أن هناك إجماع على أن المجتمع السوفييتي تحول إلى الرأسمالية بحلول عام 1991. ولكن السؤال المطروح الآن هو متى حدث هذا التحول. هل سادت الثورة المضادة في الاتحاد السوفييتي في أواخر الثمانينيات أو قبل ذلك؟ هناك في الأساس موقفان ينطلقان من وقت سابق للثورة المضادة:

الأول، التيار التروتسكي حول توني كليف، والذي يرى في انتصار ستالين السياسي ضد خصومه السياسيين في الحزب الشيوعي في عشرينيات القرن الماضي بمثابة نقطة الفصل الحاسمة . من ناحية أخرى، فإن التيارات المختلفة المتجهة نحو ماو تسي تونغ أو أنور خوجة، والتي بموجبها تمثل مؤتمر الحزب العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي في عام 1956 والتغيرات السياسية والاقتصادية في السنوات التالية، وخاصة إصلاحات عام 1965، النقطة الزمنية التي عاد فيها الاتحاد السوفييتي إلى الرأسمالية.

بمصطلحات الماركسية، فإن السؤال هو: ما هي القوانين الاقتصادية التي كانت سائدة في الاتحاد السوفييتي؟ هل كانت هذه هي القوانين الرأسمالية، أم قوانين الاشتراكية، أم قوانين نمط إنتاج مختلف تمامًا؟

لقد تم تحليل قوانين نمط الإنتاج الرأسمالي (CMP) بشكل شامل من قبل ماركس في كتاب “رأس المال”، والذي واصله لينين في تحليله للمرحلة الإمبريالية للرأسمالية. ولا يمكن تطويرها أو شرحها بشكل شامل هنا، ولكن يتم عرضها بشكل مختصر فقط لأسباب تتعلق بطول المقالة.

التناقض الأساسي للـCMP هو التناقض بين الإنتاج الاجتماعي و التملك الخاص للمنتجات. وهذا يعني أن الإنتاج في الرأسمالية يشكل سياقًا مجتمعيًا شاملاً ولا يمكنه أن يعمل إلا على هذا النحو، ولكن في الوقت نفسه تثبت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بشكل متزايد أنها عائق أمام التوجيه العقلاني لوسائل الإنتاج، أي لتطور القوى المنتجة.

قوانين نمط الإنتاج الرأسمالي

القانون الاقتصادي الأساسي للـCMP هو قانون فائض القيمة: يقوم الرأسماليون بالاستيلاء على القيمة الفائضة ومراكمتها من خلال استغلال القوى العاملة. يدخل هذا القانون حيز التنفيذ من خلال المنافسة بين الرأسماليين. من خلال التطبيق المعمم لـ CMP، أي من خلال العمل المتوسع الشامل لقانون فائض القيمة، يُمنح قانون القيمة صلاحية شاملة لأول مرة في التاريخ. بالنسبة لقانون القيمة، فإن تنظيم علاقات التبادل، أي توزيع القيم المنتجة في النهاية وفقًا لوقت العمل الضروري اجتماعيًا، في أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية، لم ينجح إلا في المناطق الهامشية من المجتمع. فقط مع ظهور الرأسمالية، تتمكن الرأسمالية من تنظيم الإنتاج والتبادل بشكل عام - وتنتج بنفسها تعديلاتها الخاصة، بحيث لا يتم التعبير عنها في النهاية إلا من خلال خطوات الوساطة. في المجلد الثالث من «رأس المال»، يحلل ماركس بالفعل كيف يسود الميل إلى موازنة معدلات الربح تاريخيًا من خلال المنافسة، مما يؤدي إلى تغيير علاقات الأسعار بشكل دائم. وبالتالي فإن ليست قيمة السلعة هي التي تحدد سعرها في السوق، بل "سعر إنتاجها".

إن تراكم رأس المال مرادف للتركيز المستمر لوسائل الإنتاج المتزايدة الاتساع تحت نفس القيادة. ويكتمل ميل التركيز هذا بقانون مركزية رأس المال – وهو أمر مقنع بنفس القدر – من خلال دمج رؤوس الأموال الأصغر في وحدات أكبر. ويتحول التركيز والمركزية منطقيا وتاريخيا عند نقطة معينة إلى رأسمال احتكاري، والذي يمكنه إلى حد ما رفع الأسعار وبالتالي تحقيق أرباح احتكارية إضافية دائمة من خلال نقل القيمة من القطاعات غير الاحتكارية لصالح الاحتكارات. وهذا يؤدي إلى تعديل متجدد ومواصلة نمو قانون القيمة.

في المرحلة الاحتكارية لرأس المال، يتم تقييد توازن معدلات الربح بشكل دائم و تنمو الأسعار الاحتكارية لتحقيق أرباح احتكارية إضافية. ويصبح الاحتكار حاجزًا أكثر فأكثر أمام مزيد من تطور القوى المنتجة، وبالتالي يسبب تزاحمًا شديدًا وحروبًا ورجعية.

أخيرًا، بالنسبة لماركس، " إن القانون الأكثر أهمية في الاقتصاد السياسي الحديث من جميع النواحي (...) " (راجع MEW 42، ص 641، ترجمة المؤلف) هو قانون ميل معدل الربح الى الانخفاض: في الرأسمالية ، حصة رأس المال المستثمر في الآلات والمواد الخام وما إلى ذلك، أي في «العمل الميت»، تتزايد باستمرار مقارنة بتلك المستثمرة في «العمل الحي»، أي أجور العمال. وبما أن المزيد والمزيد من كتل رأس المال تنشط من خلال عمل أقل فأقل، ولكن في الوقت نفسه فإن العمل البشري وحده هو الذي يخلق القيمة، فإن حصة فائض القيمة بالنسبة إلى رأس المال المستثمر تتناقص – يميل معدل الربح إلى الانخفاض مع تطور الرأسمالية.

هل كانت القوانين الرأسمالية تعمل في الاتحاد السوفييتي؟

إذا كان الاتحاد السوفييتي رأسماليًا، فلا بد أن كل هذه القوانين قد عملت في الاقتصاد السوفييتي. وأكثر من ذلك، لا بد أن هذه القوانين تهيمن وتحدد الأداء الأساسي للاقتصاد السوفييتي وتطوره. ومع ذلك، يظهر التحليل أن هذا ليس الحال مع أي من هذه القوانين الاقتصادية.

لم يكن للتناقض الأساسي الرأسمالي بين الإنتاج الاجتماعي والملكية الخاصة أي تأثير في الاتحاد السوفييتي. في الاشتراكية، كما هو الحال في الرأسمالية الناضجة، يتمتع الإنتاج بطابع اجتماعي، أي أنه يعمل فقط كسياق اجتماعي، كمجموع أجزائه. ومع ذلك، وعلى النقيض من الرأسمالية، فإن التملك هو أيضًا اجتماعي، لأن المنتجات مملوكة للدولة، والتي بدورها تخصصها لمجالات الاستثمار والاستهلاك. بالضبط كان هذا هو الحال في الاتحاد السوفييتي: كانت الشركات ومنتجاتها مملوكة للدولة، وكان توزيعها وإنتاجها خاضعين لخطة مجتمعية مركزية شاملة.

كانت هناك ملكية خاصة وإنتاج خاص في الاتحاد السوفييتي، لكن نطاقهما كان محدودًا للغاية: كان هناك إنتاج خاص قانوني على شكل قطع صغيرة من الأرض كانت تخضع لرقابة صارمة بموجب القانون، وكان معظمها يعمل للاستهلاك الشخصي. كان عمل الفنانين أيضًا خاصًا جزئيًا. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك مأزق قانوني بالنسبة لمختلف الخدمات، مثل اعمال التصليح ، والتي غالبًا ما كانت تُقدم بشكل خاص. وأخيرًا، بالطبع، كانت جميع أشكال النشاط الاقتصادي الإجرامي "خاصة"، مثل الابتزاز، والدعارة، والسلع المسروقة، والتقطير غير المشروع، وما إلى ذلك. ومع ذلك، فإن الغالبية المطلقة من الإنتاج في الزراعة والصناعة والخدمات تم التخطيط لها بشكل مباشر من قبل الدولة (هانسون 2003، ص 13). وقد نمت هذه الأشكال من الأنشطة الاقتصادية الإجرامية بشكل كبير في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات. لقد أصبحت مشكلة أكبر من أي وقت مضى بالنسبة للاقتصاد المخطط لأنها، أولاً، أدت إلى استنزاف دائم للموارد من الاقتصاد الرسمي المخطط (كان الشكل الأكثر أهمية للجريمة الاقتصادية هو سرقة وبيع ممتلكات الدولة)، وثانياً، مكنت من ظهور برجوازية صغيرة (غير شرعية) طورت اهتمامًا بإعادة تقديم الرأسمالية. ومن الصعب بطبيعتها تقدير حجم هذه الأنشطة، لكن جميع التقديرات تتفق على أنها وصلت في نهاية المطاف إلى أبعاد هائلة و اصبحت تزداد قوة بعد الخمسينيات. في كتابهما المتميز، يعزو روجر كيران وتوماس كيني دورًا حاسمًا لهذه التطورات في خلق الشروط المادية المسبقة للثورة المضادة (كيني و كيران 2010، ص 62 وما يليها).

ومع ذلك، فإن الشركات المملوكة للدولة لم تكن ملكًا لمسؤولي الحزب ولا لمديري المصانع، الذين وصفهم أنصار SCT بأنهم "البرجوازية الجديدة". ويقوم مديرو المصانع بإدارة المصانع فقط بصفتهم ممثليهم القانونيين في إطار أحكام القانون والخطة ووفقا لمؤسسات الرقابة العمالية. لم تكن الشركات ملكًا لهم، ولم يكن بإمكانهم التصرف بحرية في أصولهم. ولم يتمكنوا من بيع الشركات، أو نقلها إلى موقع إنتاج آخر، أو إلى صناعة أخرى، أو حتى إلى بلد آخر، وبالتأكيد عدم توريثها إلى أحفادهم. لذا، إذا ادعى بلاند أن ملكية الشركة انتقلت إلى أعضاء مجلس الإدارة نتيجة لإصلاحات عام 1965، فهذا غير صحيح تمامًا.

تم تعيين المديرين أنفسهم وفصلهم من قبل الدولة وكان لديهم وظيفة الموظفين التنفيذيين (القانون الخاص بمؤسسة الإنتاج الحكومية الاشتراكية لعام 1966، من الآن فصاعدا: القانون الأساسي لعام 1966، ص 23). لقد اختلفوا عن المديرين في الرأسمالية، الذين يلعبون دور "موظفي الرأسماليين"، حيث لم يتم تعيينهم من قبل أصحاب الاسهم، حيث يتعين عليهم زيادة عوائدهم، ولكنهم كانوا مسؤولين أمام الدولة والحزب عن تنفيذ الخطة.

تم تحديد أنشطة الشركة بشكل أساسي من خلال الخطة المركزية، مع وجود مجال أكبر إلى حد ما للمناورة للمدراء بعد عام 1965. المادة 29 من "النظام الأساسي لمؤسسة الإنتاج الحكومية الاشتراكية" لعام 1966، والتي نظمت واجبات الشركات بعد اصلاحات كوسيجين ينص على ما يلي: "إن فشل المؤسسة في تنفيذ خطط التسليم والمهام الخاصة بها يعد انتهاكًا صارخًا لانضباط الدولة، والذي سيتم محاسبة المسؤولين عنه وفقًا للإجراءات المعمول بها" (النظام الأساسي لعام 1966، ص 16).

وفيما يتعلق بصياغة الخطط، نصت المادتان 43 و44 على ما يلي: “ إن المؤسسة، انطلاقاً من الأرقام المستهدفة، سوف تضع – بمشاركة واسعة من عمالها ومستخدميها، ومع مراعاة احتياجات الاقتصاد الوطني – علاقاتها مع عملائها ومنظماتها التسويقية والتجارية، وشروط مواصلة تطوير هذه العلاقات – وضع خطط طويلة الأجل وسنوية تغطي جميع عملياتها، وفقًا لمؤشرات ثابتة. ستقوم الهيئة العليا، جنبًا إلى جنب مع المؤسسة، بفحص واعتماد أهداف الخطة طويلة الأجل والسنوية للمؤشرات الثابتة . (نظام 1966، ص 17). وبعبارات بسيطة، كان هذا يعني ما يلي: تم تعيين اهداف للشركة من قبل هيئة التخطيط. ثم قامت بوضع خطط ذات فترات مختلفة لتحقيق الأهداف. تم تأكيد هذه الخطط (أو لا) من قبل هيئة التخطيط الحكومية وأصبحت بعد ذلك إلزامية للعملية. وكان مدير المصنع مسؤولاً قانونياً وبالتالي خاضعاً للمساءلة.

حتى بعد عام 1965، ظل عدد من مؤشرات الخطة إلزاميًا تمامًا للمؤسسات، بما في ذلك حجم الإنتاج المباع، وحجم الاستثمارات المركزية، وأهداف تطوير التكنولوجيا الجديدة، وتخصيص المدخلات المادية للإنتاج، وصناديق الأجور (أي مجموع الأجور المستحقة) وأرباح التشغيل. فقط على أساس الالتزام الصارم بهذه المبادئ التوجيهية يحق للشركات وضع خطط مستقلة لأهداف أخرى (Bor 1967، ص 33). حقيقة أن الإصلاح جعل حجم المبيعات بدلاً من حجم الإنتاج هو المؤشر المركزي لا يعني أي زيادة كبيرة في استقلالية اتخاذ القرار بالنسبة للمؤسسات، لأن كل الإنتاج تقريبًا تم تخصيصه بالفعل لهدف بأسعار ثابتة و لذلك فان المؤسسة نادرًا ما تتمكن من الاختيار بين عدة عملاء (هانسون 2003, p. 106).

من حيث المبدأ، تم وضع خطط مختلفة وفقًا للقطاع الاقتصادي (الصناعة، البناء، تطوير التكنولوجيا، إلخ)، ودرجة التجميع (مصنع، مزرعة جماعية، جمعية، وزارة، إدارة، إلخ) والمدة ("التشغيل"، أي يوم واحد إلى عدة أشهر؛ "مستمر" لمدة سنة إلى سنتين، "طويل الأجل" لمدة 5-7 سنوات، "عام" لمدة 15-20 سنة). كانت جميع أنواع الخطط هذه بالطبع مرتبطة ببعضها البعض، ولا يمكن أن تتعارض مع بعضها البعض، وبالتالي شكلت نظام خطة واحد (بور 1967, p. 38). من حيث المبدأ، كان التخطيط في إنتاج السلع الاستثمارية مخططًا بدقة ومحددًا بالتفصيل. ومن ناحية أخرى، في صناعة السلع الاستهلاكية، كانت الشركات تتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية في اتخاذ القرار فيما يتعلق بنطاق الإنتاج، دون الحاجة إلى موافقة الهيئات العليا على كل خطوة. ولم يتم إعطاؤهم سوى أرقام مستهدفة أكثر إجمالية (أي أكثر عمومية)، والتي يمكن تقسيمها بالتفصيل بواسطة الشركات نفسها. وبطبيعة الحال، كانت الشركات العاملة في صناعة السلع الاستهلاكية أيضًا خاضعة بشكل ملزم للخطة المركزية (بور 1967، ص 47).

ومن ثم فإن تأكيد بلاند بأن الخطة المركزية لم تعد ممكنة في الاتحاد السوفييتي هو تأكيد كاذب تمامًا ولا ينشأ من تصريحات المؤلفين السوفييت، الذين اقتبس منهم هذه الخطة. في الواقع، يعبر هؤلاء المؤلفون فقط عن حقيقة أن صلاحيات اتخاذ القرار الموسعة للشركات الفردية جعلت من الصعب وضع خطة مركزية وأدت حتما إلى تناقضات. بالطبع، إنهم لا يشككون في الحقيقة المعروفة بأن الخطة المركزية في الاتحاد السوفييتي استمرت مع ذلك في تنظيم الإنتاج ووضع معايير ملزمة للشركات.

حول مفهوم "رأسمالية الدولة"

والآن أصبحت هذه الحقائق معروفة على نطاق واسع، ولهذا السبب يلجأ أنصار SCT إلى البناء المفاهيمي لـ "رأسمالية الدولة". من المفترض أن هذه إلى حد ما ليست رأسمالية طبيعية، لأنه من الواضح أنه لم يكن هناك رأس مال خاص. ولذلك يتحدث ديكهوت عن دور الدولة كـ "رأسمالية جماعية". وهكذا استولت الدولة على "فائض القيمة" ووزعته على "البرجوازية الجديدة" من المديرين والموظفين. هل يمكن أن يكون هناك مثل هذه "الرأسمالية"؟

مع هذا، أجاب ماركس على هذا السؤال بوضوح: « من الناحية النظرية، ليست المنافسة سوى الطبيعة الداخلية لرأس المال، وهدفها الأساسي، الذي يظهر ويتحقق كتفاعل بين رؤوس الأموال العديدة بعضها البعض، والميل الداخلي كضرورة خارجية. رأس المال موجود ولا يمكن أن يوجد إلا بعدد من رؤوس الأموال (…)” (راجع MEW 42، ص 327، ترجمة المؤلف.). يؤكد ماركس هنا بحق: لا يمكن أن تكون هناك رأسمالية بدون رأسماليين خاصين. إن منافسة رأس المال ليست جانبا هامشيا من نمط الإنتاج الرأسمالي ، وهي ليست شيئا يمكن للرأسمالية أيضا الاستغناء عنه. فقط من خلال المنافسة بين "رؤوس الأموال المتعددة" يمكن لقانون القيمة أن يؤكد نفسه على الإطلاق. القيمة ليست مجرد مقياس لمقارنة المنتجات المختلفة مع بعضها البعض؛ فهو القانون الأساسي الذي يحدد التبادل بين منتجي القطاع الخاص، أي المنتجين المعزولين والمتنافسين في السوق. فقط من خلال التفاعل بين رؤوس الأموال المتنافسة يمكن لوقت العمل الضروري اجتماعيا أن يؤكد نفسه كمقياس للتبادل. وفقًا لماركس، لا تحدث هذه العملية بشكل واعٍ، بل كقانون أعمى: « إن النسب المختلفة، التي يتم فيها اختزال أنواع العمل المختلفة إلى عمل بسيط كوحدة قياس، يتم تحديدها من خلال عملية اجتماعية خلف ظهر المنتجين » (راجع MEW 23، ص 60، ترجمة المؤلف). وبالتالي فإن CMT هو بالضرورة نمط إنتاج فوضوي بدون مركز تخطيط واعي بسبب قوانينه الأساسية. إن التخطيط المركزي لفوضى الاقتصاد الكلي غير ممكن إلا في نطاق محدود للغاية، بمعنى أن شروط المنافسة تخضع لشروط إطارية معينة. ومن ناحية أخرى، فإن إلغاء المنافسة يعني حتما إلغاء الرأسمالية. لا يمكن للدولة أن تعمل كرأسمالية جماعية إلا إذا كان هناك أيضًا رأسماليون أفراد تتحد مصالحهم الفردية المتنافسة في الدولة لتشكل مصلحة جماعية. وهذا يعني بوضوح أنه لا يمكن أن تكون هناك "رأسمالية دولة" بهذا المعنى، أي بدون رأس المال الخاص. إن الرأي القائل بأنه بمساعدة الدولة سيكون من الممكن التغلب على الطابع الفوضوي ل CMT (وبالتالي ميله إلى التسبب في أزمة) دون التغلب على الرأسمالية في حد ذاته يتوافق مع الفكرة التحريفية لـ "الرأسمالية المنظمة" كما دعا إليها رودولف هيلفردينغ . وهكذا أعلن هيلفردينغ أمام مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1927: “إن الرأسمالية المنظمة تعني في الواقع الاستبدال الرئيسي للمبدأ الرأسمالي للمنافسة الحرة بالمبدأ الاشتراكي للإنتاج المخطط ” (مقتبس من زيلكنات 2017، ترجمة المؤلف). ومن المعروف أن هذا الرأي شكل الأساس النظري لابتعاد الاشتراكية الديمقراطية عن النضال من أجل الثورة.

القيمة والقيمة الفائضة

لم يلعب قانون القيمة سوى دور ثانوي في الاقتصاد السوفييتي: في اقتصاد الظل غير الرسمي، أي على وجه التحديد حيث فقدت سلطة الدولة السيطرة؛ وغير ذلك في الاقتصاد الرسمي المخطط ، فقط إلى الحد الذي يستطيع فيه المنتجون أنفسهم أن يقرروا تبادل منتجاتهم. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال إلا إلى حد محدود للغاية، حيث تم تحديد حجم التبادل وموضوعه وأسعاره من قبل الدولة: بعد اصلاحات كوسيجين، تمكنت الشركات من أن تقرر بنفسها أي المدخلات المادية التي ترغب في شرائها و ما هي الكميات، ولكن الأسعار لا تزال ثابتة مركزيا. وكان مجال المناورة المتاح للمديرين محدودًا أيضًا بسبب حقيقة أن حجم المبيعات (حتى عام 1965 كان حجم الإنتاج)، والكميات المادية للسلع الرئيسية في مزيج المنتجات، ومجموع مبالغ الاستثمار المركزية التي تلقتها الشركة والعديد من العناصر الأخرى كانت لا تزال محددة مركزيًا (هانسون 2003، ص 103). وهذا يعني أن الشركات كانت قادرة أن تقرر بنفسها كيفية تحقيق الأهداف فقط، وليس اختيار تحقيقها من عدمه.

يعبر قانون القيمة عن نفسه في حقيقة أن القيمة، أي وقت العمل الضروري اجتماعيا للسلعة، تحدد سعرها. وفي الاتحاد السوفييتي، كانت الأسعار، كما ذكرنا سابقًا، جزءًا من الخطة المركزية. أصدرت لجنة تخطيط الدولة Gosplan ولجنة الدولة للأسعار قواعد عامة ملزمة لحساب التكاليف والأسعار. كما أكدوا أسعار الجملة والتجزئة للسلع والخدمات الرئيسية. ومع ذلك، فإن العديد من أسعار الجملة (للتجارة بين المؤسسات ) تم تحديدها محليًا أيضًا من قبل مجالس وزراء جمهوريات الاتحاد أو اللجان الإقليمية للسوفييتات. وفي بعض الحالات، تحدد الشركات نفسها أسعار الجملة وفقًا للقواعد الموضوعة (بور 1967, ص. 171f). وقد جمع هذا بين التسعير المركزي واستقلالية معينة للجمهوريات والشركات. ومع ذلك، فإن المتطلبات تعني أن الانحرافات الكبيرة في التسعير، والتي كان من شأنها أن تزعج بشدة التوازن المخطط له، كانت بالكاد ممكنة. أهم القرارات والأطر اتخذتها الخطة الحكومية. في ظل هذه الظروف، لا يمكن لقانون القيمة أن يلعب دورًا مهيمنًا، بل دورًا ثانويًا بشكل واضح.

ولأن الأسعار لم يتم تحديدها من قبل السوق، أي ليس من خلال قانون القيمة، بل مركزيًا، فقد ظل مستوى الأسعار على حاله لفترة طويلة. التضخم منظم من الرأسمالية الاحتكارية، لأن رأس المال الاحتكاري يمكن أن يفرض زيادات ثابتة في الأسعار. الأسعار لم ترتفع في الاتحاد السوفياتي. كانت أسعار التجزئة لجميع السلع الاستهلاكية في عام 1975 أعلى بنسبة 1٪ فقط مما كانت عليه في عام 1955 (زيمانسكي 1979، ص. 43). ويتوافق هذا مع معدل تضخم سنوي يزيد قليلاً عن 0%. وفي الاقتصاد الرأسمالي، فإن مثل هذا التضخم المنخفض، وخاصة على مدى فترة 20 عاما، من شأنه أن يشكل مشكلة اقتصادية كبرى لأن مثل هذا المستوى قريب بشكل خطير من الانكماش. ومن الواضح أن هذه المشكلة لم تكن موجودة في الاتحاد السوفييتي، لأن الأسعار لم يتم تعديلها على مدى فترات طويلة من الزمن.

هل تم إنتاج وتوزيع فائض القيمة بالمعنى الماركسي في الاتحاد السوفييتي؟ يمكن بالفعل العثور على إجابة هذا السؤال في الفقرة السابقة. فائض القيمة يفترض وجود القيمة، لأن فائض القيمة ليس سوى الفرق بين قيمة السلع المنتجة وقيمة رأس المال المدفوع، أي الإنفاق على الآلات والمواد الخام والأجور وما إلى ذلك. فائض القيمة هو هدف الإنتاج في الرأسمالية لأن المؤسسات الرأسمالية تضطر باستمرار بسبب المنافسة إلى التراكم، أي إلى التوسع وتحسين إنتاجها باستمرار. في الاقتصاد المخطط مركزيا دون الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، لا يوجد أساس لإنتاج فائض القيمة. إذ لا يزال يتعين على المؤسسات أن تنتج فائضًا، لكن مقدار هذا الفائض يتم التخطيط له ولا يتشكل بواسطة قانون القيمة، أي عن طريق المنافسة. إن إنتاج الفائض، بالمصطلحات الماركسية، المنتج الفائض، ضروري في كل مجتمع يتم فيه “الإنتاج على نطاق واسع” (ماركس)، أي مزيد من تطور المجتمع.

ولا يتخذ هذا المنتج الفائض شكل فائض القيمة إلا في ظل ظروف محددة للغاية. أي إذا كان أولاً يتخذ شكل القيمة، أي إذا تم إنتاج فائض المنتج للبيع في السوق، وثانيًا إذا كان الإنتاج والاستملاك منفصلين. لذلك، لا يمكننا الحديث عن فائض القيمة إلا إذا كانت هناك برجوازية تسمح للعمالة المنفصلة بإنتاج فائض الإنتاج ثم تستولي عليه بنفسها. وفي الاتحاد السوفييتي لم يتم استيفاء أي من هذه الشروط. كان "الربح" في الاتحاد السوفييتي في الأساس مقدارًا محاسبيًا من التخطيط وليس، كما هو الحال في الرأسمالية، تعبيرًا عن استغلال طبقة لطبقة أخرى. ولم يكن الربح بالمعنى الماركسي، التعبير النقدي عن فائض القيمة. كانت مثل هذه "الأرباح" موجودة في مؤسسات الاقتصاد السوفييتي المخطط منذ البداية. ولم يتم إدخالها فقط منذ في عام 1965، رغم أنها تحولت عندها فقط إلى أحد مؤشرات التخطيط المركزي. في الاتحاد السوفييتي، تم تعريف "الربح" على أنه الفرق بين سعر المنتج وتكاليف الإنتاج التي تتكبدها المؤسسة (بور 1967, ص 182). ومع ذلك، كانت أسعار المنتجات وحجم المنتجات المباعة وكذلك تكاليف الإنتاج جزءًا من الخطة. إذا تم تحقيق هذه الأهداف، فسيتم حساب "الربح" تلقائيًا.

وبما أنه لم يكن هناك فائض قيمة في الاتحاد السوفييتي، فلم يكن من الممكن أن يكون هناك "رأس مال" بالمعنى الماركسي. وبطبيعة الحال، واصلت الشركات الاستثمار وتوسيع إنتاجها. ومع ذلك، فهذا شيء تفعله المؤسسات الاشتراكية حتماً. ولكن لم تكن هناك رغبة في تجميع المزيد والمزيد من الأرباح كغاية في حد ذاتها.

حول دور "الربح" في الاتحاد السوفييتي – هل كانت هناك "برجوازية جديدة"؟

من بين مؤيدي SCT، نشأ ارتباك أيديولوجي كبير من حقيقة أنه من خلال اصلاحات كوسيجين، أصبح "الربح" مرة أخرى هدفًا مركزيًا لتحقيق الخطط التشغيلية. ولكن، كما تبين، فإن ما يسمى هنا "الربح" لم يكن ربحا بالمعنى الرأسمالي، كما حلله ماركس في "رأس المال". كما تم تخطيط كمية "الربح" مركزيًا في الاقتصاد المخطط، أي منحها للشركات. وبطبيعة الحال، لم يتم الاستيلاء على "الربح" أو تجميعه من قبل القطاع الخاص. وتم تحويل جزء كبير منه إلى ميزانية الدولة. تم استخدام الجزء المتبقي في الشركة لدفع المكافآت للعمال والمديرين، والمزايا الاجتماعية والثقافية للعمال، وكذلك جزء من الاستثمارات. ومع ذلك، استمر تنفيذ غالبية الاستثمارات من خلال الخطة المركزية. وكان من المقرر أن يتم تطبيق اللامركزية على 20% فقط من الاستثمارات الإنتاجية، أي أن تقوم بها الشركات نفسها، على الرغم من أنها كانت أقل في الواقع لأسباب مختلفة. أما نسبة الـ 80% المتبقية من الاستثمارات فقد تمت بشكل مباشر من قبل سلطات التخطيط (شرودر 1971، ص 44). ويحاول بلاند إثبات العكس هنا من خلال الإشارة إلى أنه حتى الاستثمارات المركزية تم تمويلها جزئيًا من أموال الشركات الخاصة (بلاند 1995، الفصل 28). ومع ذلك، فهو يتجاهل القضية الأكثر حسمًا: وهذا يعني أن 80٪ من الاستثمارات، بما في ذلك تلك الاستثمارات التي تم تمويلها من الأموال المتراكمة للمؤسسات، تم تخطيطها مركزيًا بشكل مباشر وأن 20٪ فقط كانت خاضعة لاستقلالية معينة في اتخاذ القرار للمؤسسات – ولكن هذا أيضًا في إطار مواصفات خطة ملزمة شاملة ومفصلة.

وهكذا تم استخدام "ربح" الشركات بشكل أساسي لتمويل ميزانية الدولة والنشاط الاستثماري المخطط مركزيًا بدلاً من الاستيلاء عليه من قبل الأفراد.

أوضح إيفسي ليبرمان، الأب الروحي لإصلاحات كوسيجين، الأهمية الجديدة المرتبطة بـ "الربح" على النحو التالي: " لماذا أختار الربح كمؤشر؟ لأن الربح يعمم جميع جوانب العملية، بما في ذلك جودة المخرجات. يجب أن تكون أسعار السلع الأفضل أعلى بشكل مماثل من أسعار السلع التي عفا عليها الزمن وغير المناسبة للغرض منها" . (ليبرمان 1965، ص 38و). ليبرمان محق في أن "الربح" في ظل نظام التخطيط الجديد كان يهدف إلى تحقيق الهدف المتمثل في دمج مكاسب الجودة والإنتاجية بشكل أفضل في تخطيط الإنتاج. وهو محق أيضاً في أن هذا الدور الجديد "للربح" لا يعني إعادة تقديم الرأسمالية. وحقيقة أن الإصلاح سار رغم ذلك في الاتجاه الخاطئ هي قصة أخرى (انظر القسم 3).

ولم تقم وكالات التخطيط المركزي بتوزيع الفائض المنتج على مختلف القطاعات والشركات وفقا لمعايير الربح، كما يحدث حتما في ظل الرأسمالية، ولكن وفقا لمعيار المنفعة الاجتماعية. منذ الخمسينيات، على سبيل المثال، تم استثمار المزيد والمزيد من الموارد في الزراعة من أجل حماية الإمدادات الغذائية للمجتمع في ضوء مشاكل الكفاءة المزمنة فيها (هانسون 2003، ص 113).

أعطت اصلاحات كوسيجين للمزارعين الحق في بيع الفائض من الآلات والمعدات وغيرها من المواد وتوجيه جزء من العائدات إلى صندوق للاستثمارات الإنتاجية. وكان الهدف من هذا الإجراء هو تقليل القدرات الإنتاجية غير المستغلة وتحويلها إلى استثمارات إنتاجية. ومع ذلك، فإن هذا الحق لا ينطبق على وسائل إنتاج الشركة بشكل عام، ووفقًا للنظام الأساسي للشركة، لم يكن ممكنًا إلا إذا لم تقم السلطات العليا نفسها بتخصيص المواد الفائضة بالفعل (القانون الأساسي لعام 1966). لم يتجاوز حجم هذه المبيعات أبدًا 1٪ من إجمالي نقل سلع رأس المال في الاقتصاد السوفيتي (زيمانسكي 1979، ص. 44). وهذا يعني أن أكثر من 99% من وسائل الإنتاج وزعت مركزيًا من قبل الدولة. وعلى الرغم من أنه يتعين على الشركات الآن أن تدفع مقابل هذه الأموال من الصندوق أيضًا، إلا أن الأسعار لم يتم تحديدها في السوق، كما تم تحديد نطاق وتكاليف الاستثمارات إلى حد كبير من خلال مواصفات الخطة. وهكذا فإن "شراء" وسائل الإنتاج من قبل المؤسسات كان في الأساس عملا إداريا ضمن إطار التخطيط المركزي. في ظل هذه الظروف، من الصعب أن يؤخذ على محمل الجد، ادعاء بلاند أن وسائل الإنتاج أصبحت سلعة.

ويجب أيضًا رفض الحجة القائلة بأن مدراء الإدارة قد استولوا على"فائض القيمة" من خلال المكافآت (بلاند 1995, الفصل 18, ديكهوت 1988, ص123). كان المدراء، كما تبين، موظفين في الجهاز الاقتصادي للدولة ويتقاضون أجورهم من الدولة مقابل عملهم. ومن حيث المبدأ، ينطبق الأمر نفسه على العمال اليدويين في المصنع. وكانت رواتب المديرين في المتوسط أعلى من رواتب العمال الصناعيين، ولكن ليس بشكل كبير. في منتصف الستينيات، حصل المدير الرئيسي للمصنع، دون احتساب المكافآت، على 190-400 روبل شهريًا. وكان هذا أعلى بمقدار 1.2 إلى 2.7 مرة من متوسط راتب العامل. ومع ذلك، كانت هناك أيضًا اختلافات في الأجور بين العمال اليدويين. حصل عامل منجم على 210 روبل، أكثر من المديرين الإداريين للعديد من الشركات. في عام 1956، كانت نسبة الـ 10% العليا من الموظفين تكسب 4.4 أضعاف ما تحصل عليه نسبة الـ 10% الأدنى، وفي عام 1964 كان 3.6 فقط، وفي عام 1970 3.2 (زيمانسكي 1979, p. 63f). لم يتم تضمين مكافآت أعضاء مجلس الإدارة هنا، ولكنها كانت تمثل حوالي 25-30٪ فقط من دخلهم، لذا فهي لا تغير ترتيب حجمها بشكل أساسي. بالإضافة إلى ذلك، حصل العمال أيضًا على مكافآت للأداء الجيد، والتي شكلت جزءًا مهمًا من دخلهم. ولذلك لا يمكن افتراض أن المكافآت ستغير الصورة بشكل جذري (زيمانسكي 1979، ص 69). لو كان المدراء "برجوازيين جدد"، لكان من الغريب جدًا أنهم لم يكسبوا أكثر بكثير من عمالهم، وأن دخلهم يقترب باستمرار من دخل العمال بدلاً من استخدامهم لسلطتهم لإثراء أنفسهم.

فهل كان الحزب وموظفو الدولة هم "البرجوازية الجديدة" التي استولت على فائض القيمة؟ وهذا أيضاً لا يمكن المطالبة به بجدية. يكسب وزير اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في المتوسط أربعة أضعاف ما يكسبه العامل العادي (زيمانسكي 1979، p. 66). ولم تكن هذه الاختلافات غير ذات اهمية، ومن الطبيعي أن تؤدي إلى اختلافات في مستويات المعيشة. وفي ألمانيا الاتحادية اليوم، فإنها تتوافق تقريباً مع حجم الفارق في الدخل بين العامل الذي يتقاضى أجراً زهيداً في قطاع الخدمات الاجتماعية وطبيب اقدم يعمل في أحد المستشفيات. لن يعلن أي ماركسي أن هذه الاختلافات صغيرة أو غير ذات اهمية، ولكن بالمثل لن يصف أي ماركسي الأطباء العاملين في الدولة بأنهم "البرجوازية الجديدة" التي استولت على فائض القيمة. في الاتحاد السوفيتي، أعلى الرواتب، التي كانت تُدفع لعدد قليل جدًا من الأشخاص، لم تُدفع للمسؤولين ولا للمديرين، بل للفنانين والعلماء المشهورين بمبلغ يصل إلى 1500 روبل (زيمانسكي 1979، p. 64).

على أية حال، فإن الاختلافات في الدخل في الاتحاد السوفييتي ليست ذات معنى إلا إلى حد محدود. وهي تميل إلى الظهور في الإحصاءات أعلى مما كانت عليه في الواقع، لأن العديد من السلع الاستهلاكية الأساسية، مثل الغذاء والإسكان، كانت مدعومة بشكل كبير من قبل الدولة وتم توفير العديد من الخدمات مثل التعليم والصحة والثقافة والرياضة ورعاية الأطفال، وما إلى ذلك. إما مجانًا تمامًا أو بسعر رخيص جدًا. كان هذا "الأجر الاجتماعي" يمثل 23% من دخل العمال في عام 1940، مقارنة بـ 35% في الستينيات (زيمانسكي 1979,ص 67f). أدى هذا إلى تسوية الاختلافات في الدخل، لأن الجميع كان لديهم إمكانية متساوية في الوصول إلى هذه الضروريات اليومية.

وفي بعض الأحيان يتم طرح حجة معاكسة: فوفقاً لهذا الادعاء، كانت الفوارق الاجتماعية في الاتحاد السوفييتي في الواقع أكبر مما توحي به الفوارق في الدخل، لأن الموظفين كانوا يتمتعون بامتياز الوصول إلى السلع الاستهلاكية "الفاخرة" مثل السيارات. ومع ذلك، إحصائيا، لا توجد علامات على مثل هذا التأثير. على سبيل المثال، يمتلك مديرو المصانع سيارة بمعدل 2.5 مرة أكثر من العامل في الصناعة، وهو ما يتوافق تقريبًا مع فرق الأجور (زيمانسكي 1979، ص. 68).

لا يعد التفاوت الاجتماعي سمة خاصة للرأسمالية، فقد كان موجودا في جميع المجتمعات المتقدمة وحتى في المجتمعات البدائية. من وجهة النظر الماركسية، فإن الأمر الحاسم هو الشكل الذي يتم من خلاله إعادة إنتاج عدم المساواة، أي طريقة الاستيلاء على فائض الإنتاج. فهل التوزيع غير العادل هو تعبير عن علاقات الملكية الاستغلالية أم أنه ظاهرة محدودة ومؤقتة في مجتمع اشتراكي لم يكتمل بعد؟ في المجتمعات التي تقوم على الاستغلال، يتم إنتاج عدم المساواة باستمرار من جديد على وجه التحديد من خلال الاستغلال، ولأن الطبقة المستغلة تسيطر أيضًا على الدولة. و لكن في الاتحاد السوفييتي حدث التفاوت من خلال الخطة وتم تقليص التفاوتات تدريجياً. أولئك الذين يقولون بأن الدخول غير المتكافئة دليل على وجود طبقة مستغلة، لم يقولوا وداعًا للماركسية فحسب بإعلانهم أن مستوى الدخل وليس العلاقة بوسائل الإنتاج هو المعيار الحاسم، بل يجب عليهم أيضًا أن يتوصلوا إلى نتيجة أنه في فترة ستالين كانت "البرجوازية الجديدة" أكثر وضوحا بكثير مما كانت عليه في وقت لاحق في عهد بريجنيف، عندما كان عدم المساواة الاجتماعية أقل بكثير.

هل كانت قوة العمل سلعة في الاتحاد السوفييتي؟

السمة المركزية لـ CMP هي أن قوة العمل تصبح سلعة. وفي هذا الصدد، تختلف الرأسمالية عن أنماط الإنتاج الاستغلالية الأخرى. في الرأسمالية، يضطر العمال إلى بيع قوة عملهم لأنهم لا يملكون وسائل الإنتاج. ينشأ سوق عمل يلتقي فيه مشترو وبائعو قوة العمل مع بعضهم البعض. يضبط سوق العمل هذا من خلال قوانين المنافسة وتوازن القوى بين الطبقات، ولهذا السبب لا يمكن أن يتبع دفع الأجور خطة مركزية. في الاقتصادات الرأسمالية، هناك بطالة هيكلية، أو، كما قال ماركس، "جيش احتياطي صناعي". هذا الجيش الاحتياطي تنتجه الرأسمالية لأن رأس المال يبحث باستمرار عن فرص استثمارية مربحة ولكنه لا يجد ما يكفي من هذه الفرص لتوظيف جميع البروليتاريين الباحثين عن عمل. لا يمكن للتوظيف الكامل أن يحدث إلا في حالات استثنائية تاريخيا، عندما يصبح تراكم رأس المال القوي بشكل استثنائي ممكنا بسبب مجموعة مواتية للغاية من العوامل المختلفة. وحتى حينها، في هذه المرحلة من النمو، سوف يتم الاعداد للأزمة الحتمية القادمة، وهو ما سيؤدي الى طرد العمال إلى الشوارع.

إن الجيش الاحتياطي ضروري أيضًا لرأس المال لخفض أجور الطبقة العاملة بأكملها من خلال منافسة العاطلين عن العمل.

لم يكن هناك جيش احتياطي صناعي في الاتحاد السوفيتي. كانت البطالة غير الطوعية للأشخاص الأصحاء معدومة تقريبًا في الاتحاد السوفيتي. وقد بلغت حوالي 0.5% من السكان العاملين، وهو ما يعتبر عمالة كاملة من الناحية الاقتصادية البرجوازية. علاوة على ذلك، كانت ذات طبيعة قصيرة الأجل حصرا: العامل الذي يضطر إلى تغيير وظيفته لأي سبب من الأسباب يمكن اعتباره عاطلا عن العمل لفترة قصيرة جدا حتى يجد وظيفته الجديدة. لقد كان ذلك النوع من البطالة الذي لا يمكن تجنبه في ظل الاشتراكية ولم يكن مشكلة اجتماعية. لم تكن البطالة طويلة الأمد وعلى نطاق أوسع موجودة في الاتحاد السوفييتي لأن هدف الإنتاج لم يكن الربح بل تلبية الاحتياجات الاجتماعية. ولذلك لم يكن هناك فائض دائم في العمل، بل على العكس من ذلك، كان هناك نقص دائم. لم تؤد الزيادات في إنتاجية العمل إلى طرد العمال إلى البؤس، كما هو الحال في الرأسمالية، ولكنها خدمت ارتفاع مستوى المعيشة بشكل مطرد، وخفض ساعات العمل، وتحسين الدفاع الوطني، وما إلى ذلك. واعتبرت البطالة الطوعية طفيلية اجتماعية وغير قانونية (هانسون 2003، ص 172، 241).

بالنسبة لكل مواطن في الاتحاد السوفيتي، كان الحق في الحصول على وظيفة منصوص عليه في الدستور وتم تنفيذه في الممارسة العملية. ولكن لم يتم منح الحق في أي وظيفة فحسب، بل كان الحق في الاحتفاظ بوظيفة معينة مضمونًا إلى حد كبير ولا يخضع إلا لبعض القيود. إن الفصل من الوظيفة، والذي لا يعني البطالة، ولكن النقل إلى وظيفة أخرى، لم يكن ممكنا إلا في ظل ظروف معينة: على سبيل المثال، إذا تمت تصفية الشركة وبالتالي نقل العمال إلى وظيفة أخرى، إذا لم يقم العامل بشكل منهجي بتنفيذ الواجبات أو التغيب عن العمل بشكل مفرط. ومع ذلك، حتى في ذلك الوقت، لم يكن بإمكان مدير المصنع أن يطرد العامل ببساطة، كما هو الحال في الرأسمالية، بل كان عليه الحصول على موافقة اللجان المحلية ولجان العمل التابعة للنقابة. وحتى ذلك الحين، يمكن للعامل أن يستأنف أمام محكمة العمل لاستعادة وظيفته. لم تكن محاكم العمل، كما هو الحال في البلدان الرأسمالية، أدوات لفرض الحكم الطبقي على العمال. لذلك، في حوالي 50% من الحالات، فاز العمال بالمحاكمة وفي هذه الحالة تمت إعادتهم إلى مناصبهم (زيمانسكي 1979،ص 49f).

كل هذه الحقائق تجاهلها بلاند عندما ادعى، بالإشارة إلى النظام الأساسي للمؤسسات ، أن فصل العمال في الاتحاد السوفييتي أصبح ممكنًا. إلا أنه ينص بوضوح على ما يلي: "يقوم المدير (...) بتعيين الموظفين وفصلهم وفقاً لتشريعات العمل" (نظام 1966، ص 23). ومع ذلك، فإن تشريع العمل هذا على وجه التحديد هو الذي "يتجاهله" بلاند، وهو الذي لم يسمح بالفصل من العمل كما هو الحال في الرأسمالية.

نظرًا لعدم وجود سوق عمل في الاتحاد السوفييتي (أي لا توجد منافسة بين العمال على الرغم من حرية اختيار الوظيفة)، بل كان هناك مطالبة بالعمل راسخة قانونًا ومُنفذة فعليًا، نظرًا لأن العمال لم يكونوا يعتمدون على بيع قوتهم العاملة وبالتالي على تعسف الرأسماليين، بل جعلوا عملهم متاحًا للمجتمع و"يُكافأون" عليه بحصة من الثروة الاجتماعية المتزايدة باستمرار، لا يمكن القول إن قوة العمل كانت سلعة. إن ما كان يُدفع على شكل "أجور" كان يشبه من الناحية الشكلية فقط الأجر الرأسمالي، لكنه كان شيئًا مختلفًا تمامًا من وجهة نظر اجتماعية واقتصادية.

التركيز والمركزة ودورات الأزمات؟

ولأنه في الاتحاد السوفييتي لم يكن هناك أي مساحة قانونية لعمل قانون القيمة، فمن المؤكد أن قوانين الرأسمالية القائمة على هذا القانون لم يكن من الممكن أن تتطور - ولا حتى إلى درجة ما. إن قانون القيمة، حيث يمكن أن ينتشر فعليًا، يؤدي بالضرورة إلى تركيز رأس المال و مركزته: فبعض المؤسسات تنجح في تجميع رأس المال، بينما تفشل شركات أخرى (التركيز)؛ يؤدي التطور غير المتكافئ إلى إمكانية الاستيلاء على رأس المال من مؤسسات أخرى (المركزة). في الاتحاد السوفييتي، كانت كافة القرارات الخاصة بدمج أو تقسيم وحدات الإنتاج (على سبيل المثال، إنشاء جمعيات الإنتاج) قرارات سياسية بحتة لا تهدف إلى تحقيق أي أرباح احتكارية، بل إلى تسهيل تخطيط الإنتاج. وكان إنشاء مجموعات المشاريع الكبيرة في الاتحادات الصناعية، والذي صدر مرسوم به في عام 1973، يهدف فقط إلى إدخال درجة أخرى في التسلسل الهرمي للتخطيط. ومن ثم كان من المفترض أن تتولى جمعيات الإنتاج أو الاتحادات الصناعية بعض تفاصيل التخطيط للشركات التي تضمها، والتي كان يعتقد أنه من الصعب التخطيط لها على المستوى المركزي. بالإضافة إلى ذلك، سبق للعديد من الشركات أن أنتجت الأجزاء والمكونات الخاصة بها بسبب صعوبات التوريد بدلاً من شرائها من شركات أخرى.

كان على الجمعيات الآن أن تحقق إمكانية تنظيم إمدادات الشركات بشكل أكثر كفاءة داخل الجمعية، وبالتالي يمكن للشركات التركيز مرة أخرى على مهامها الخاصة (هانسون 2003، ص 144). من الواضح أن هذه كانت تغييرات (رُجحت بانها معقولة) في نظام التخطيط، والتي كانت على مستوى عام للغاية فقط ،لها شبه بالميل الرأسمالي نحو تركيز رأس المال ومركزيته: بمعنى أن تطور القوى الإنتاجية يرافقه جماعية متزايدة للانتاج بغض النظر عن نمط الإنتاج السائد. حقيقة أن هذا كان شيئًا مختلفًا تمامًا عن التركيز والمركزة الرأسمالية تظهر أيضًا من خلال حقيقة أن التكامل الاكبر للإنتاج لم يكن مصحوبًا بتخفيض عدد الموظفين الإداريين، أي "الرأسماليين" المزعومين. على العكس من ذلك، في الفترة 1966-1985 ارتفع عدد منشآت وزارة الصناعة من 31 إلى 57 وعدد موظفي الإدارة بنسبة 82% (شرودر 1990، ص 38).

يشير بلاند بحق إلى أن تركيز الإنتاج في الاتحاد السوفييتي كان اكبر بكثير منه في الدول الرأسمالية الغربية. وهو يعتبر هذه الحقيقة دليلاً على الطابع الرأسمالي الاحتكاري الناضج للاتحاد السوفييتي. لكن في الواقع، يثبت العكس تمامًا: كان الاتحاد السوفييتي دائمًا عند مستوى تطور قوى إنتاج أقل بكثير مما عليه، على سبيل المثال، الولايات المتحدة أو ألمانيا أو اليابان. لو كان الاتحاد السوفييتي رأسماليًا، لكان من المتوقع في ظل هذه الظروف أن تكون درجة تركيز الإنتاج أيضًا أقل بكثير مما هي عليه في البلدان الرأسمالية، لأن تركيز ومركزة رأس المال يحركه بشكل أساسي تطور القوى الإنتاجية وفقا لقوانين حركة الرأسمالية. حقيقة أن عدد الشركات في الاتحاد السوفييتي كان أصغر ولكن حجمها وعدد العمال لكل مؤسسة أعلى مما هو عليه في الدول الغربية يرجع على وجه التحديد إلى أنه كان اقتصادًا مخططًا مركزيًا وليس اقتصادًا رأسماليًا.

وبما أن وسائل الإنتاج في الاتحاد السوفييتي لم تتحول إلى رأس مال، على الأقل ليس بالمعنى الذي يستخدمه ماركس لهذا المصطلح، وبما أنه بالتالي لم يكن من الممكن أن يكون هناك ميل نحو التركيز والمركزة، لم يتطور أي رأس مال احتكاري بالطبع. في الرأسمالية، الاحتكار هو مرحلة في تطور رأس المال تظهر من خلال القوانين الاقتصادية لحركة الرأسمالية ويصبح الشكل السائد للملكية الرأسمالية وعلاقات الإنتاج. ويختلف رأس المال الاحتكاري عن رأس المال غير الاحتكاري في قدرته على رفع الأسعار بشكل دائم ضمن حدود معينة بسبب سيطرته على مناطق معينة من الإنتاج والتوزيع. وبالتالي يمكن أن يفرض تدفق القيمة الفائضة من رأس المال غير الاحتكاري إلى رأس المال الاحتكاري وتحقيق ربح احتكاري متزايد بشكل دائم. لكن في الاتحاد السوفييتي، كانت الأسعار مخططة مركزيًا وثابتة ولم ترتفع بشكل دائم. كما تم تخطيط "الأرباح" مركزيًا. رأس المال الاحتكاري لا يمكن تصوره في ظل هذه الظروف.

في الرأسمالية، بسبب القوانين الاقتصادية السائدة، هناك أزمات دورية. في الرأسمالية، ينتج تراكم رأس المال باستمرار عوامل تقف في طريق المزيد من التوسع الاقتصادي (الزيادات في أسعار رأس المال الثابت والأجور، وعدم التناسب بين القطاعات، والإنتاج بما يتجاوز الطلب الاجتماعي، وما إلى ذلك). ولذلك فإن كل صعود يتبعه أزمة وتراجع. وفي هذه الحالة، يتم تدمير رأس المال في شكل سلع ونقود، ويتم دفع جزء من الطبقة العاملة إلى الجيش الصناعي الاحتياطي. ولو كان الاتحاد السوفييتي رأسمالياً أو أصبح رأسمالياً في مرحلة ما، لكانت قد تطورت فيه أيضاً دورة أزمة. على أية حال، فإن الفترة ما بين عام 1956 ونهاية الثمانينات هي فترة أطول من أن تمثل فترة ازدهار رأسمالي متواصل. ومع ذلك، فإن الحقائق واضحة. ارتفع الناتج الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي كل عام تقريبًا منذ نهاية الحرب حتى عام 1990. ولم يؤدي فشل المحاصيل الحاد بسبب العوامل المناخية إلى الركود إلا في عامي 1963 و1979 (هانسون 2003، ص 241). لم تكن هناك دورة اقتصادية في الاتحاد السوفييتي، ولا أزمات اقتصادية، بل كان هناك نمو خطي إلى حد ما (انظر الرسم البياني 1). هذه العبارة وحدها كافية لإثبات أن الاتحاد السوفييتي لم يكن من الممكن أن يكون مجتمعًا رأسماليًا بالمعنى الماركسي. وعلى العكس من ذلك، فإن الادعاء بأن الاتحاد السوفييتي كان رأسماليًا، يعني في الأساس أن الرأسمالية الخالية من الأزمات ممكنة. ومع ذلك، لا يوجد أساس نظري أو تجريبي جدي لهذا الموقف البرجوازي.

https://drive.google.com/file/d/1gXx7xGaqELQhR01C9OHCbVsx3wEBOimD/view?usp=share_link
او من صفحة المقالة الاصلية هنا

https://kommunistischepartei.de/diskussion/was-the-soviet--union--state-capitalist-and-social-imperialist/


الشكل 1: الناتج القومي الإجمالي السوفييتي 1940-1992، منقول من هانسون 2003، ص. 242.

وحيث لا يوجد تبادل للسلع بين المؤسسات المستقلة ولا توجد منافسة بين المؤسسات، لا يوجد أيضًا مجال لتقارب معدلات الربح إلى معدل ربح متوسط. وكان «معدل الربح» في الاتحاد السوفييتي، كما ذكرنا، كمية ذات صلة بالتخطيط المركزي وليس قانونًا أعمى. ولأن "أرباح" و"معدلات ربح" الشركات كانت قيما حسابية تم تحديدها سياسيا في نهاية المطاف، وبالتالي لم تكن تعبيرا عن فائض القيمة الذي استولت عليه الطبقة الحاكمة، لم يكن هناك ميل لمعدل الربح إلى الانخفاض في الاتحاد السوفييتي. سواء ارتفع معدل الربح أو انخفض في فترة معينة كان قرارًا تخطيطيًا. من ناحية أخرى، في الرأسمالية، من المستحيل تحديد معدل الربح سياسيًا لأنه يعتمد على ديناميكيات استغلال رأس المال، والذي باعتباره قانونًا أعمى يقع إلى حد كبير خارج نطاق السلطة السياسية ويتم تحديده من خلال كلية قوانين نمط الإنتاج الراسمالي– القوانين التي لم يكن لها أي تأثير في الاتحاد السوفياتي.

وبالتالي يمكن تلخيص نتيجة الدراسة بإيجاز: لم يكن الاتحاد السوفييتي مجتمعًا رأسماليًا. لم يكن "رأسمالية دولة"، ولا "رأسمالية بيروقراطية"، ولا أي شكل آخر من أشكال الرأسمالية.

5. هل كان الاتحاد السوفييتي "إمبريالياً اشتراكياً"؟
السؤال

بعد القطيعة بين الحزب الشيوعي السوفييتي والحزب الشيوعي الصيني وكذلك حزب العمل الألباني، دافعت القيادة الصينية والألبانية، وكذلك القوى السياسية الموجهة نحوهما، عن أطروحة "الإمبريالية الاشتراكية " السوفييتية. إن الادعاء بأن الاتحاد السوفييتي لم يكن رأسماليًا فحسب، بل كان إمبرياليًا أيضًا هو نتيجة منطقية لـ SCT. وفقا للفهم الماركسي اللينيني للرأسمالية، فإن الرأسمالية تنتج حسب قوانينها الإمبريالية باعتبارها أعلى مراحلها. لو كان الاتحاد السوفييتي رأسماليًا في الواقع، لكان من المتوقع أن يكتسب سمات إمبريالية.

وهذا بالطبع يجب إثباته من خلال البنية الاقتصادية للاتحاد السوفييتي. لا يمكن الحديث عن الإمبريالية بشكل ذي معنى دون رأس المال الاحتكاري، لأن الاحتكارات، كما أوضح لينين، هي عوامل التوسع الدولي لرأس المال، وهي سبب ركوده والتعبير عن تعفن نمط الإنتاج الرأسمالي. وكما تبين، فإن بلاند، على سبيل المثال، يحاول اكتشاف القوانين الرأسمالية لحركة تركيز ومركزة رأس المال في الاتحاد السوفييتي. وقد اشرنا إلى المناورات الملتوية الساذجة التي يلجأ إليها و دحضناها في الفصل السابق. وقد تبين مع هذا أيضًا كيف تنهار المحاججات حول رأس المال الاحتكاري السوفييتي تلقائيًا.

عندما يُطلق على الاتحاد السوفييتي اسم الإمبريالية، غالبًا ما يتم استخدام حجج اقتصادية أخرى، خاصة ادعاء الاستغلال الاقتصادي للبلدان الأخرى. تستفيد الدول الإمبريالية من استغلال العمالة في البلدان الرأسمالية الأقل نموا بسبب الأرباح الاحتكارية الإضافية. ومن خلال المواقع الاحتكارية لرأسمالها والتطور الأعلى للقوى الإنتاجية، وهما عاملان مترابطان بشكل وثيق، يمكنهم إحداث نقل مستمر للقيمة من البلدان الأقل نموا إلى المراكز الإمبريالية. ومن أجل الحفاظ على معدلات الربح الاحتكارية المتزايدة، يتقاتل الإمبرياليون فيما بينهم من أجل أسواق البيع، والإمدادات الرخيصة من المواد الخام وفرص الاستثمار. ووفقاً لادعاءات أطروحة الامبريالية الاشتراكية SIT، فإن الاتحاد السوفييتي فعل الشيء نفسه تماماً: كان لدى "الإمبريالية الاشتراكية " للاتحاد السوفييتي أيضاً " الرغبة في التوسع الاقتصادي، وتصدير رأس المال وإخضاع البلدان الأخرى، والرغبة في العدوان والحرب، تقسيم جديد للعالم ” (راجع ديكهوت 1988، ص 203).

ولذلك فإن التأكيد على أن الاتحاد السوفييتي قد استغل اقتصاديًا البلدان الواقعة ضمن "منطقة نفوذه" يجب أن يتم فحصه بشكل منفصل.

هل تم "استغلال" أوروبا الشرقية من قبل الاتحاد السوفييتي؟

يجب إثبات هذا الاستغلال قبل كل شيء من خلال العلاقات التجارية بين الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية. تم دمج هذه البلدان اقتصاديًا مع الاتحاد السوفيتي في مجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة (كوميكون)(CMEA أو Comecon) وكان أهم الشركاء التجاريين للاتحاد السوفيتي. في الواقع، يؤكد ديكهوت، على سبيل المثال، على الاستغلال الاقتصادي لأوروبا الشرقية من قبل الاتحاد السوفييتي: فقد أصبحت هذه البلدان، حسب قوله، "مستعمرة للإمبريالية الاشتراكية " (راجع ديكهوت 1988، ص 218، ترجمة المؤلف).

توجد الآن العديد من الدراسات البرجوازية الغربية حول العلاقات الاقتصادية داخل كوميكون CMEA. ومع ذلك، فإن الاقتصاديين البرجوازيين، أي المعارضين السياسيين للاتحاد السوفييتي، لم يجدوا أي علامات على "استغلال" أوروبا الشرقية من قبل الاتحاد السوفييتي. على العكس من ذلك، كان هناك اتفاق واسع النطاق بينهم على أن الاتحاد السوفييتي قبل في الواقع تكاليف اقتصادية هائلة لدعم حلفائه في أوروبا الشرقية (كرين 1986, 60). في منطقة كوميكون CMEA، لم تكن التجارة تتم على أساس أسعار السوق العالمية الرأسمالية، بل على أساس نظام معقد لتحديد الأسعار.

أولاً، ساهم هذا النظام في تفضيل أسعار السلع الصناعية المصنعة ودفع أسعار المواد الخام ومصادر الطاقة إلى الانخفاض. ومع ذلك، استورد الاتحاد السوفييتي بشكل رئيسي المنتجات الصناعية من أوروبا الشرقية وصدر بشكل رئيسي المواد الخام ومصادر الطاقة إلى هذه البلدان. وبالتالي فإن تكوين تجارتها الخارجية كان له الهيكل المعاكس تمامًا لملامح التجارة الخارجية النموذجية للدول الرأسمالية المتقدمة. في السوق العالمية الرأسمالية، تطورت أيضًا شروط التبادل التجاري بين السلع الصناعية والمواد الخام لصالح السلع الصناعية، والتي كانت آلية مهمة يمكن من خلالها للدول الإمبريالية المتقدمة تعزيز هيمنتها الاقتصادية. ومع ذلك، في منطقة كوميكون، لم تتطور الأسعار وفقًا لقوانين السوق الرأسمالية ولكن تم التفاوض عليها سياسيًا، كان هذا الاتجاه أكثر شيوعًا وبالتالي أقل ملاءمة للاتحاد السوفيتي (لافين 1983, 136 هانسون 2003, ص. 156).

ثانياً، كان هناك توجه نحو تطوير أسعار السوق العالمية من خلال مواءمة أسعار التجارة داخل منطقة كوميكون مع متوسط أسعار التجارة العالمية في السنوات الخمس السابقة. ونتيجة لهذا فإن تقلبات الأسعار القصيرة الأجل لم تسود إلا بطريقة هادئة وبفارق زمني. على وجه الخصوص، كان هذا يعني أن الاتحاد السوفييتي لم يكن قادرًا إلا على الاستفادة، إلى حد محدود للغاية، من الزيادات السريعة في أسعار النفط في عامي 1973 و1979/1980 في تجارته مع أوروبا الشرقية، بينما نجت بلدان أوروبا الشرقية من جزء كبير من عبء ارتفاع أسعار النفط. وينطبق هذا بشكل خاص على جمهورية ألمانيا الديمقراطية وتشيكوسلوفاكيا، التي استمرت في الحصول على النفط الرخيص بنفس الأسعار التي كانت عليها قبل عام 1975 على أساس الاتفاقيات المبرمة في 1966/1967. ونتيجة لذلك، خسر الاتحاد السوفييتي أرباح التصدير الضخمة التي كان سيحققها لو أنه باع النفط في السوق الرأسمالية العالمية بدلاً من ذلك (لافين 1983, 138). لكنه لم يستفد حتى بشكل كامل من التحسينات في شروط التجارة التي كان من الممكن أن يحققها الاتحاد السوفييتي في إطار قواعد كوميكون. بالنسبة لصيغة الأسعار المتحركة الموصوفة أعلاه، كان يجب أن تسمح للاتحاد بتحسين شروط التبادل التجاري (غير المواتية للغاية) بنسبة 40٪ في الفترة 1975-1980، في حين أن التحسن الحقيقي كان 21٪ فقط (لافين 1983، 139). ومع ذلك، في الفترة السابقة (1955-1974)، تدهورت معدلات التبادل التجاري للاتحاد السوفييتي بنسبة 20% بسبب تطور أسعار مجموعات السلع المختلفة، بحيث أدت زيادة أسعار النفط إلى تقريبا استعادة نفس المستوى السابق لعلاقات التبادل. (لافين 1983، ص 136).

تم إنشاء هذا النظام التجاري داخل كوميكون في منتصف الخمسينيات. منذ نهاية الحرب، كان هناك نظام مختلف يتم بموجبه تبادل البضائع وفقًا لمتوسط وقت العمل. ومع ذلك، أدى هذا النظام إلى علاقات تبادل غير مواتية إلى حد ما لدول أوروبا الشرقية وسبب بعض الاستياء في هذه البلدان، ولهذا السبب تم استبداله بالنظام الجديد الذي استفادت منه دول أوروبا الشرقية بشكل واضح (زيمانسكي 1989، p. 105).

كان للاتحاد السوفييتي في معظم الأوقات فوائض تجارية هائلة مع دول أوروبا الشرقية. وبلغت هذه 2.5 مليار روبل في الفترة 1966-1970، وفي الفترة 1971-1973 كان هناك عجز قدره حوالي 1.7 مليار روبل للاتحاد السوفييتي، ثم في الفترة 1975-1980 فوائض هائلة بلغت حوالي 6 مليارات روبل. بحلول عام 1981، وصل الفائض السوفييتي إلى أكثر من 3 مليارات روبل أو 13% من الصادرات السوفييتية. لكن هذه الفوائض لم تكن بأي حال من الأحوال تعبيراً عن هيمنتها الاقتصادية على حساب الدول الأخرى، كما هو الحال في الدول الرأسمالية المتقدمة (مثل ألمانيا). ذلك أنها لم تؤد إلى نقل القيمة من أوروبا الشرقية إلى الاتحاد السوفييتي. تمت تسوية التجارة في منطقة كوميكون بعملة كوميكون غير القابلة للتحويل، ولهذا السبب كانت الفوائض التجارية السوفييتية خارج منطقة كوميكون عديمة القيمة. لذا، فطالما أن الشركاء التجاريين في أوروبا الشرقية لم يوازنوا الفوائض السوفييتية المتراكمة مع الفوائض التجارية الخاصة بهم - وهو ما لم يحدث أبدًا - فإن الفوائض التجارية السوفييتية لم تكن سوى تحويلات اقتصادية هائلة إلى دول كوميكون الأخرى (لافين 1983, 140).

الآلية الأخرى التي فضلت دول أوروبا الشرقية اقتصاديًا على حساب الاتحاد السوفيتي كانت القروض بالروبل السوفيتي. وكقاعدة عامة، تم منح هذه القروض على أساس طويل الأجل وبأسعار فائدة منخفضة للغاية. وفي كثير من الأحيان كان السداد قابلاً للتفاوض، أو يمتد لفترات أطول أو يتم إلغاؤه تمامًا. إن حجم هذه القروض، التي استفادت منها البلدان المتلقية على حساب الاتحاد السوفييتي، ارتفع بسرعة: من إجمالي نحو 4 مليارات روبل من القروض السوفييتية غير المسددة لأوروبا الشرقية في عام 1977 إلى 14.6 مليار روبل في عام 1983. واستفادت جمهورية ألمانيا الديمقراطية وجمهورية بولندا الشعبية من هذا. أخيرًا، نظرًا لتزايد الأنشطة المناهضة للشيوعية في البلاد في عام 1981، تلقت جمهورية بولندا قرضًا كبيرًا بالعملة الأجنبية (أي الغربية) من بنوك كوميكون والاتحاد السوفيتي. ولأن الاتحاد السوفييتي نفسه كان عليه أن يكسب هذه العملات الأجنبية من خلال صادراته الخاصة، فقد كانت هذه حالة ملحوظة بشكل خاص من الدعم الاقتصادي (كرين 1986, 32).

على الرغم من أن الأداء الاقتصادي للاتحاد السوفييتي كان متخلفًا عن أداء الولايات المتحدة، فقد قدم الاتحاد السوفييتي مساعدات اقتصادية لأوروبا الشرقية وكوبا وحدهما تجاوزت بكثير إجمالي المساعدات الاقتصادية المقدمة من الولايات المتحدة لجميع البلدان، وذلك بفضل الظروف التجارية والائتمانية المواتية. في الفترة 1971-1983، تدفق ما مجموعه 153.6 مليار دولار أمريكي من الاتحاد السوفييتي إلى حلفائه في أوروبا الشرقية وكوبا، ولكن فقط 109.83 مليار دولار أمريكي كمساعدات اقتصادية من الولايات المتحدة لجميع حلفائها(كرين 1986, p. 14, كلاهما أرقام بأسعار عام 1984). كما استفادت دول اشتراكية أخرى، مثل فيتنام الشمالية، من هذه المساعدات الاقتصادية من الاتحاد السوفيتي. ووفقاً لتقدير تم الاستشهاد به كثيراً، فإن التكاليف الإضافية التي تحملها الاتحاد السوفييتي في التجارة مع دول أوروبا الشرقية (أي الفوائد التي حصلت عليها تلك الدول) في الفترة من 1970 إلى 1984 بلغت حوالي ثلث إلى نصف إجمالي حجم تجارة الصادرات السوفيتية. تم انتقاد هذه الأرقام جزئيًا باعتبارها مرتفعة جدًا، لكن التقديرات الأقل تظهر أيضًا أن الاتحاد السوفيتي قبل تكاليف هائلة لدعم الدول الحليفة اقتصاديًا (كرين 1986، p. 6).

ويتهم ديكهوت الاتحاد السوفييتي بتصدير رأس المال إلى البلدان التي يفترض أنه "أخضعها" من خلال مشاريع استثمارية مشتركة. ويعتقد أن هذا دليل على أن الاتحاد السوفييتي يتصرف بنفس الطريقة التي تتصرف بها الدول الإمبريالية. في الواقع، لم يصدر الاتحاد السوفييتي رأس المال. شارك في مشاريع استثمارية تم تنفيذها بالتعاون مع الدول الحليفة، إلا أن المنشآت الإنتاجية التي أنشأتها أصبحت ملكاً للدولة التي بنيت فيها عند الانتهاء من المشروع. على أية حال، فإن معظم هذه المشاريع كانت في الاتحاد السوفييتي نفسه: وكانت هذه المشاريع بشكل أساسي إنشاء قدرات إنتاجية لاستخراج الموارد، والتي شاركت فيها دول أوروبا الشرقية وتم تعويضها عن استثماراتها في شكل إمدادات مجانية من المواد الخام. وفي معظم الحالات، استفاد الجانبان من هذه المشاريع. ولم يكن لديها سوى القليل من القواسم المشتركة مع صادرات رأس المال الإمبريالية (كرين 1986, p. 11).

ويدرك أنصار SIT، بطبيعة الحال، أن الاتحاد السوفييتي، على عكس الدول الإمبريالية، لم يطور رغبة داخلية في تصدير رأس المال لأن اقتصاده كان يتبع قوانين مختلفة تمامًا. ومع ذلك، فإنهم يحرفون الحقائق وفقًا لتصوراتهم الأيديولوجية المسبقة من خلال تقديم الإقراض باعتباره الشكل الرئيسي لتصدير رأس المال السوفييتي (ديكهوت 1988، ص 225). ومع ذلك، كما ذكرنا من قبل، منح الاتحاد السوفييتي قروضًا بأسعار فائدة منخفضة جدًا وعلى أساس طويل الأجل. ولم يكن مهتمًا بالأرباح المالية، أو على الأكثر بشكل ثانوي للغاية، بل بتعزيز التنمية الاقتصادية لحلفائه. وبطبيعة الحال، كان هذا أيضًا في مصلحته، حيث أراد الاتحاد السوفييتي تجنب الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار بين حلفائه. وينعكس هذا الدافع أيضًا في حقيقة أنه بعد كل أزمة سياسية في إحدى دول أوروبا الشرقية، زاد الاتحاد السوفييتي بشكل كبير من إمداداته إلى تلك الدولة: في عام 1957 إلى بولندا والمجر، في عام 1968 إلى تشيكوسلوفاكيا ، في عامي 1971، 1976، في 1980/81 مرة أخرى إلى بولندا، والتي، كما ذكرنا سابقًا، كانت مدعومة أيضًا بقرض كبير في عام 1981 من أجل تثبيت النظام في ضوء نمو معارضة الثورة المضادة (كرين 1986، ص 32).

أخيرًا، يزعم أنصار SIT أن الاتحاد السوفييتي "أجبر" حلفائه على التخصص في سلع معينة مع تطوير اقتصاد متوازن وشامل لنفسه (ديكهوت 1988، ص 219). وهذا الوصف أيضاً لا يمكن الدفاع عنه. بادئ ذي بدء، لم يجبر أي شخص دول أوروبا الشرقية في كوميكون على التخصص في إنتاج ما. لم تكن هناك سوى اتفاقيات تخصص غير ملزمة تهدف إلى تحقيق تقسيم أكثر كفاءة للعمل داخل كوميكون. ثانياً، لم يؤد تقسيم العمل هذا إلى "اقتصاد شامل" في الاتحاد السوفييتي، بل إلى التخصص في إمدادات النفط والغاز والمواد الخام الأخرى. وثالثًا، من الواضح أن الاتفاق على تقسيم العمل ليس مثل "الاستغلال"، خاصة إذا كان، كما هو الحال في كوميكون، يفيد جميع المشاركين (كرين 1986, p. 12). بين الدول الاشتراكية، وعلى هذا النحو فهمت دول كوميكون نفسها، ليس من المرغوب فيه أو من الممكن بالضرورة أن تقوم كل دولة بتطوير كل فرع من فروع الإنتاج بشكل مستقل. بل على العكس من ذلك، فإن هذا من شأنه أن ينطوي على تكاليف باهظة وخسائر في الكفاءة. وبالتالي، كان من مصلحة جميع البلدان المعنية، وليس فقط الاتحاد السوفييتي، أن تتمكن من الحصول على مجموعات معينة من السلع من حلفائها بشروط مواتية بدلاً من إنتاجها بنفسها.

لذا لا يمكن أن يكون هناك ادعاء جدي بأن الاتحاد السوفييتي استغل أوروبا الشرقية اقتصادياً. خلاصة القول هي أن العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد السوفييتي والدول الحليفة له كان لها تأثير قوي لصالح الأخيرة وعلى حساب الاتحاد السوفييتي. وكانت القيادة السوفييتية مستعدة إلى حد كبير لتحمل هذه التكاليف من أجل تحقيق الاستقرار لحلفائها اقتصاديًا وسياسيًا، وبالتالي إظهار تفوق الاشتراكية على العالم الخارجي. ومع ذلك، فإن مدى نزف الاتحاد السوفييتي حتى الموت من خلال مساعداته الاقتصادية السخية كان يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه عبء لا يطاق في الثمانينيات. وفي قمة كوميكون عام 1984، أعلن الوفد السوفييتي أنه يريد تغيير علاقاته الاقتصادية مع أوروبا الشرقية. وقبل كل شيء، دعا إلى تغيير علاقات التبادل غير المواتية للغاية لصالح الاتحاد السوفييتي وخفض الفوائض التجارية السوفييتية. وعلى الرغم من المساوئ التي واجهها الاتحاد السوفييتي، لم يتم إجراء أي محاولة لتغيير نظام تحديد الأسعار في كوميكون (كرين 1986, p. VI).

هل تم "استغلال" الدول الأخرى من قبل الاتحاد السوفييتي؟

اتبعت التجارة مع الدول الحليفة خارج أوروبا الشرقية نمطًا مماثلاً. لأسباب تتعلق بالمجال المتوفر، دعونا نقتصر على مثال كوبا: فقد اشترى الاتحاد السوفييتي نسبة كبيرة من الصادرات الكوبية، والتي كان معظمها يتكون من السكر. ومن ناحية أخرى، قام الاتحاد السوفييتي بتزويد العديد من المنتجات الصناعية. وهكذا، على عكس أوروبا الشرقية، كانت التجارة السوفييتية الكوبية تشبه التبادل النموذجي بين البلدان الرأسمالية المتقدمة والمتخلفة. والفارق هنا أيضاً هو أنه لم تكن هناك علاقة استغلالية، ولم يكن هناك تبادل غير متكافئ لصالح الاتحاد السوفييتي. ففي مبادلاته مع كوبا، دفع الاتحاد السوفييتي أسعاراً كانت في بعض الحالات أعلى بكثير من أسعار السوق العالمية. وفي الفترة 1960-1970، كانت الأسعار المدفوعة أعلى دائمًا من أسعار السوق العالمية، باستثناء عام 1963. وفي عام 1968، كانت الأسعار أعلى بخمسة أضعاف ونصف من سعر السوق العالمية. ومن خلال دفع ثمن ثابت لكوبا، عمل الاتحاد السوفييتي على حماية البلاد إلى حد كبير من التقلبات المدمرة في السوق العالمية. بالنسبة للاتحاد السوفييتي، كانت هذه التجارة غير مواتية للغاية لأنها دفعت أسعارًا مرتفعة للكوبيين، ولأنها سجلت فائضًا تجاريًا ثابتًا ولأن سفنها اضطرت في كثير من الأحيان إلى حمل بضائع إلى كوبا أكبر بكثير مما يمكنها إعادته إلى الاتحاد السوفييتي. ونتيجة لذلك، ظل جزء كبير من سعة الشحن لسفن الشحن السوفيتية غير مستخدم. تم تعويض العجز التجاري الدائم لكوبا مع الاتحاد السوفيتي عن طريق القروض السوفيتية بشروط مواتية. في عام 1972، تمت إعادة التفاوض على الديون: الآن، أصبح على الكوبيين سداد ديونهم القديمة وكذلك القروض الجديدة و لكن ابتداء من عام 1986 وعلى مدى 25 عاما، ودون الحاجة إلى دفع أي فوائد. (تسوخاس 1980، ص 330). بالإضافة إلى ذلك، دعم الاتحاد السوفييتي تنمية الاقتصاد الكوبي بطرق أخرى، على سبيل المثال عن طريق إرسال متخصصين والمساعدة في تطوير قطاعات صناعية معينة وتحسين أساليب التخطيط (تسوكاس 1980، ص 340 وما يليها). فهل تم استغلال كوبا من قبل الاتحاد السوفييتي؟ هل حل الاتحاد السوفييتي محل الولايات المتحدة كقوة إمبريالية جديدة في كوبا؟ يصعب ادعاء ذلك.

في مقابلة أجريت معه عام 1974، قدم فيدل كاسترو التقييم الصحيح التالي: « كيف يمكن مقارنة العلاقات التي لدينا مع الاتحاد السوفييتي بتلك التي كانت قائمة مع الولايات المتحدة؟ لقد منحنا الاتحاد السوفييتي شروط سداد ميسرة، وساعدنا في الحصول على الائتمان في أماكن أخرى، وكان يولي لنا أكبر قدر من الاهتمام في الأمور المالية. فيما يتعلق بالولايات المتحدة... كانوا يملكون الاقتصاد الكوبي... السوفييت لا يملكون منجماً واحداً في كوبا، أو مصنعاً واحداً، أو مطحنة سكر واحدة. بحيث تكون كل الموارد الطبيعية وكل الصناعات وكل وسائل الإنتاج في أيدينا ”. (نقلا عن تسوخاس 1980، ص 328).

هذا لا يعني أن العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد السوفييتي لم تكن لها أيضًا جوانب مشكوك فيها. كان للتخصص العالي في إنتاج السكر مزايا اقتصادية من ناحية، مثل أي تخصص، ولكنه زاد أيضًا من الاعتماد على السوق السوفيتية، وهو ما شعر به الكوبيون بشكل مؤلم للغاية عندما انقطعت بين عشية وضحاها العلاقات التجارية لاحقًا في عهد غورباتشوف. ومع ذلك، كل هذا لا علاقة له بـ "الاستغلال".

كيف كانت علاقات الاتحاد السوفييتي مع الدول الرأسمالية؟ كما قدم الاتحاد السوفييتي مساعدات اقتصادية لبعض الدول الرأسمالية المتخلفة. وكانت هذه بشكل أساسي دولًا قريبة من الاتحاد السوفييتي (الهند، إيران، سوريا، تركيا، إلخ) أو دول كانت حكوماتها معارضة سياسيًا للإمبرياليين الغربيين (مصر، الجزائر، تشيلي، إلخ). وقد اتخذ أكثر من 95% من هذه المساعدات المقدمة إلى البلدان الرأسمالية شكل اعتمادات التصدير، أي تسليم البضائع مقابل دفع لاحق، والتي يمكن أن تمتد عادة على مدى 12 عاما، ولكن من الممكن في كثير من الأحيان تأجيلها مرة أخرى حتى في ذلك الحين. هنا أيضًا تم إلغاء الديون في كثير من الأحيان. كقاعدة عامة، كان سداد القروض ممكنًا في شكل منتجات من تلك الشركات التي تم بناؤها من الصفر بمساعدة سوفيتية. وكان لهذا أيضًا ميزة أن هذه البلدان كان لديها سوق مبيعات لبضائعها، وهو الأمر الذي لم يكن ممكنًا في كثير من الأحيان في السوق العالمية الرأسمالية. ويتناقض النهج السوفييتي مع "المساعدات الاقتصادية" التي تقدمها الدول الغربية، التي تطالب بسداد القروض بالدولار. وقد أجبر هذا البلدان المتخلفة على توجيه اقتصاداتها نحو التصدير إلى الدول الرأسمالية المتقدمة (زيمانسكي 1979، p. 152f).

بالإضافة إلى ذلك، عرض الاتحاد السوفييتي أيضًا بشكل عام شروطًا سخية نسبيًا في تجارته مع الدول الرأسمالية المتخلفة. على سبيل المثال، كانت الصادرات الهندية إلى الاتحاد السوفييتي مقابل أسعارًا أعلى من تلك التي تدفعها السوق العالمية (زيمانسكي 1979, p. 157ff). قدمت جمهورية الصين الشعبية نفسها على أنها القوة الرائدة لشعوب "العالم الثالث" التي تناضل من أجل تحريرها وشوهت علاقات الاتحاد السوفييتي مع هذه البلدان ووصفتها بأنها "إمبريالية اشتراكية ". لكن في الواقع، لم تظهر المساعدات الاقتصادية الصينية للدول النامية أي فرق نوعي مقارنة بالمساعدات السوفيتية (زيمانسكي 1979، ص 156). وفي كلتا الحالتين لا يمكن الحديث عن الإمبريالية.

وفي تجارته الخارجية مع الجزء غير الاشتراكي من العالم، كان الاتحاد السوفييتي بالطبع خاضعًا أيضًا لقوانين الرأسمالية العالمية. على سبيل المثال، لم يتمكن من خفض أسعار صادراته بشكل تعسفي، لأنها، على العكس من ذلك، اضطرت إلى دفع أسعار السوق لوارداتها من البلدان الرأسمالية. وقد استفاد الاتحاد السوفييتي من بعض الفسحة ليقدم لشركائه التجاريين في "العالم الثالث" أفضل الظروف الممكنة. ومع ذلك، فإن تجارتهم الخارجية لم تتم بالكامل خارج ظروف السوق العالمية المعينة التي تهيمن عليها الإمبريالية. ومع ذلك، فإن الاتحاد السوفييتي لم يقم بإنشاء هذا النظام الاقتصادي الإمبريالي؛ بل على العكس من ذلك، فقد تبنى قضية الإطاحة بهذا النظام. إن مستغلي شعوب العالم والمدافعين عديمي الضمير عن النظام الاستغلالي العالمي كانوا وما زالوا الدول الإمبريالية وليس الاتحاد السوفييتي.

السياسة الخارجية للاتحاد السوفياتي

دعم الاتحاد السوفييتي الحركات حول العالم التي تمردت ضد استغلال ونهب الطبقة العاملة وغيرها من الطبقات المضطهدة. ودعم نضال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والشيوعيين في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري الرجعي، بما في ذلك تدريب الوحدات المسلحة. وينطبق الشيء نفسه على حركة التحرير الأنغولية MPLA، التي تلقت، وفقًا لتقديرات وكالة المخابرات المركزية، 4 مليارات دولار أمريكي كمساعدات عسكرية من الاتحاد السوفيتي في 1975-1985 ودعمًا من ما يصل إلى 1700 مستشار عسكري لنضالها ضد جنوب إفريقيا وحلفائها (CIA 1985). ، ص7). كما حظي النضال التحرري للشعب الفيتنامي ضد الإمبريالية الأمريكية بدعم قوي. وفقًا لوكالة المخابرات المركزية، زودت موسكو فيتنام الشمالية بمعدات عسكرية بقيمة 1.4 مليار دولار أمريكي (CIA 1971) في الفترة من 1965 إلى 1970 فقط لبناء نظام الدفاع الجوي الخاص بها. أصبح الدفاع الجوي لفيتنام الشمالية قويًا جدًا لدرجة أن الولايات المتحدة خسرت أكثر من 3700 طائرة مقاتلة وأكثر من 4800 طائرة هليكوبتر قتالية في الحرب الجوية ضد فيتنام الشمالية وفي حرب فيتنام (فيلدباور 2013، ص 60). بالإضافة إلى ذلك، تم تسليم كميات كبيرة من الدبابات والمدفعية والطائرات والمروحيات وأسلحة المشاة والذخائر إلى فيتنام الشمالية، مما زود حركة التحرير في فيتنام الجنوبية بهذه الأسلحة ومكنت أخيرًا من الانتصار على الإمبريالية الأمريكية والديكتاتورية في فيتنام الجنوبية. يمكن بسهولة متابعة قائمة الأمثلة التي دعم فيها الاتحاد السوفييتي وبنى حركات تقدمية ومعادية للإمبريالية وثورية بجهد كبير.

بالطبع، سوف نجد أيضًا أمثلة لقرارات السياسة الخارجية للقيادة السوفيتية تستحق المسائلة . ولا يمكن مناقشة هذه الأمور هنا بالتفصيل. يستطيع الشيوعيون، بل ويجب عليهم، أن ينتقدوا حقيقة أن السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي، مثلها مثل الدول الاشتراكية الأخرى، كانت في كثير من الحالات غير متسقة. في الواقع، تواجدت اعتبارات سياسات القوة لتعزيز مصالح الدولة الخاصة بهم مع الاهتمام بدعم الحركات الاشتراكية أو المناهضة للإمبريالية. ولم تكن هذه الأمور متطابقة دائما، وكثيرا ما كان الجانب الأول يفوق الجانب الثاني ــ ولكن هذا لم يكن جديدا، لأنه منذ بداياته كان على الاتحاد السوفييتي أن يقدم تنازلات في السياسة الخارجية، وكان لبعض هذه التنازلات عواقب مريرة على المتضررين. وكان هذا هو الحال في التعاون مع تركيا الكمالية، تعاون الاتحاد السوفييتي هذا جعل التطهير العرقي ممكناً؛ كان هذا هو الحال أيضًا مع الحرب الأهلية اليونانية، حيث امتنع الاتحاد السوفييتي عن الدعم العسكري للشيوعيين وامتنع عمومًا عن التكتيكات الهجومية في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وفي بعض الحالات، دعمت موسكو أيضًا حركات التحرر الوطني البرجوازية مثل حكومة عبد الناصر في مصر، وحزب البعث في سوريا، وسوكارنو في إندونيسيا، وما إلى ذلك، وهو ما بررته أيضًا النظرية التحريفية المتمثلة في "طريق التطور اللارأسمالي"، والتي بموجبها يجب أن يكون الطريق إلى الاشتراكية ممكنا دون دكتاتورية البروليتاريا وقيادة الحزب الشيوعي. ومع ذلك، لا يمكن الادعاء بأن الاتحاد السوفييتي خان الحركات الثورية في العالم ككل، حيث وقف عادة إلى جانب حركات التحرر. والحديث عن تصرفات السياسة الخارجية الإشكالية للاتحاد السوفييتي لا علاقة له على الإطلاق بـ "الإمبريالية".

هل كانت هناك "إمبريالية اشتراكية سوفيتية"؟

إن الإشارة إلى أن الاتحاد السوفييتي سعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة في فيتنام وكوبا ودول أخرى من العالم الثالث لا يمكن استخدامها كحجة للامبريالية الاشتراكيةSIT. فمن ناحية، سيكون من الصعب إثبات بشكل مقنع أن الاتحاد السوفييتي تصرف فقط من منطلق مصلحته الذاتية، وأن القناعات الأيديولوجية والسياسية لمن يتصرفون لم تلعب دوراً في ذلك، أو كانت مجرد ذريعة لتبرير سياسة خارجية توسعية. بشكل عام، ليس هناك ما يشير إلى أن كوادر القيادة السوفيتية في ذلك الوقت، مثل بريجنيف وكوسيجين وغروميكو وأندروبوف، و غيرهم، لم يكونوا مقتنعين أيضًا بالفكرة الشيوعية، وإن كان ذلك بالفعل بتأثيرات تحريفية واضحة وميل نحو تناقص شدة هذه القناعات. ثانيًا، يجب على أنصار SIT أن يشرحوا سبب ميل الاتحاد السوفييتي، في سعيه لتحقيق مصالحه الخاصة، إلى الوقوف إلى جانب النضالات العالمية من أجل التقدم والتحرر، في تناقض صارخ مع الولايات المتحدة (أو غيرها من القوى الإمبريالية الرائدة). التي دعمت الرجعية والفاشية في كل مكان تقريبًا، دون استثناء تقريبًا، إن لم تكن تمارسها بنفسها. إذا أخذ المرء نظرية لينين حول الإمبريالية على محمل الجد، فإن الإمبريالية تعني سياسيا "الحث على العنف و الرجعية" (LW 22، ص 273). إن الطابع الرجعي للإمبريالية "في الداخل" و"الخارج" هو في الواقع قانون ضروري لأن رأس المال الاحتكاري يعبر عن التقادم التاريخي لنمط الإنتاج الرأسمالي ويكثفه بشكل دائم. فهو ينتج الركود والإفراط في التراكم والعقبات التي تعترض التقدم التقني، ولهذا السبب فإن التوسع إلى بلدان أخرى، وبالتالي الصراع مع الاحتكارات المتنافسة، يشكل عواقب ضرورية. إذا تم مساواة الاتحاد السوفييتي في بنيته الاجتماعية بالدول الإمبريالية أو مجرد نسخة "رأسمالية الدولة" منها، فلا بد أن تتجسد فيه العواقب السياسية نفسها: الدعم الكامل والمستمر للرجعية العالمية والهجوم المستمر على مستويات معيشة العمال في بلدانهم. وكما تبين، فإن الاتجاه السائد في الاتحاد السوفييتي كان عكس ذلك تماما. وهذا دليل آخر على أن الاتحاد السوفييتي لم يكن بأي حال من الأحوال إمبريالياً.

إن SIT مبنية على نقص مذهل في الفهم النظري ونبذ التحليل الماركسي. إن عدم فهم الفرق النوعي بين النظام الاجتماعي السوفييتي والإمبريالية، بغض النظر عن كيفية تقييم قيادة سياسية معينة أو بعض التدابير السياسية في الاتحاد السوفييتي، يدل على فهم متخلف خاصة للرأسمالية والإمبريالية.

وكما تبين، فإن الاتحاد السوفييتي كان يتبادل بشكل رئيسي المواد الخام مع المنتجات المصنعة صناعياً في تجارته الخارجية. في حين أن البلدان الإمبريالية المتقدمة تصدر بضائع معقدة وكثيفة رأس المال والتكنولوجيا، فإنها تتلقى من البلدان المتخلفة قبل كل شيء الموارد والسلع ذات مستوى التصنيع المنخفض. وهذا يمكنها من تحقيق أرباح احتكارية عالية. لذا، إذا اعتقد المرء أن "الإمبريالية" يمكن تحديدها قبل كل شيء في العلاقات التجارية، فيجب على المرء أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أن الاتحاد السوفييتي، باعتباره القوة الرائدة في منطقة كوميكون، قد تم "استغلاله" من قبل جمهورية ألمانيا الديمقراطية، و جمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية و جمهورية بولندا الشعبية وليس العكس. من الواضح أن هذا القول سيكون ساذجًا أيضًا. والسبب هو أن الاستغلال لا يمكن أن يحدث إلا على أساس العلاقات الطبقية العدائية، في حين أن قوانين اقتصادية مختلفة تماما عملت في بلدان كوميكون. ومن ثم فإن التأكيد على أن الاتحاد السوفييتي "استغل" حلفائه ليس له أي علاقة بالواقع على الإطلاق. ومن خلال تشويه الحقائق المناهضة للسوفييت، فإنه يصب في مصلحة البرجوازيين المناهضين للشيوعية، وخاصة القوميين في أوروبا الشرقية.

6. هل كان الاتحاد السوفييتي "دكتاتورية"؟

السؤال

لا يستطيع الماركسيون أن يتخذوا نهجا محايدا طبقيا في التعامل مع مسألة ما إذا كانت الدولة "ديكتاتورية" أم لا. بالمعنى الأساسي، كل دولة هي دكتاتورية طبقية، والفرق الأساسي بينهما يعتمد على مسألة أي طبقة تمارس السلطة عليها. هذا لا يعني أنه لا توجد أيضًا اختلافات مهمة، على سبيل المثال بين الديمقراطية البرجوازية أو النظام العسكري والفاشية، لكن كل هذه الأشكال تشترك في أنها تعبر عن دكتاتورية رأس المال على الطبقة العاملة. أما الاشتراكية، من ناحية أخرى، فهي دكتاتورية البروليتاريا، وبالتالي حكم المنتجين المباشرين، العمال. وهكذا تفترض الاشتراكية وجود مجتمع ديمقراطي بمعنى مختلف تماما عن الديمقراطية البرجوازية، أي بمعنى السيطرة الشاملة للجماهير على الحياة الاجتماعية والإنتاج والدولة. ومع ذلك، كثيرا ما نسمع أن الاتحاد السوفييتي كان ديكتاتورية لم تكن فيها حرية رأي ولا ديمقراطية. يُزعم أنها كانت سلطوية (أو "شمولية") بشكل خاص في عهد ستالين. يمثل هذا الرأي الدعاية البرجوازية السائدة ، لكن التيارات التروتسكية المختلفة تدعمه بشكل أساسي. من ناحية أخرى، فإن الماويين أو التيارات الأخرى الموالية إما إلى ماو أو أنور خوجا، تتمسك في الغالب بموقف مفاده أنه حتى وفاة ستالين في الاتحاد السوفيتي كانت البروليتاريا تمارس السلطة، ولكن بعد ذلك ألغيت الديمقراطية البروليتارية.

في الاتحاد السوفييتي تحت قيادة ستالين، كانت هناك بالفعل، على عكس دعاية "الدكتاتورية الشمولية"، أشكال متعددة من التعبئة الجماهيرية، ومناقشة مفتوحة حول بناء الاشتراكية والمشاركة (للحصول على وصف أكثر تفصيلاً ومراجع الأدبيات المقابلة، انظر كوبي 2015). وهذا لا يمكن عرضه هنا، وليس هذا هو الموضوع الذي نناقشه هنا. وبدلا من ذلك، فإن القضية هنا هي ما إذا كانت البروليتاريا قد حُرمت من السلطة في الاتحاد السوفييتي بعد عام 1956.

لقد رأينا أنه في الاتحاد السوفييتي بعد عام 1956، لم تكن البرجوازية في السلطة، لأنه لم تكن هناك برجوازية على الإطلاق. ويدرك العديد من التروتسكيين هذه الحقيقة، لكنهم ما زالوا ينكرون أن الطبقة العاملة حكمت الاتحاد السوفييتي - ففي حين ظلت الأسس الاقتصادية للاشتراكية على حالها، زُعم أن السلطة السياسية كانت تمارس من خلال البيروقراطية. لتحدي هذه التأكيدات، من الضروري إلقاء نظرة فاحصة على أشكال السلطة وصنع القرار السياسي في الاتحاد السوفييتي.

المشاركة السياسية في الاتحاد السوفيتي

من المعروف في الاتحاد السوفييتي أنه لم يكن من الممكن الاختيار بين عدة أحزاب في الانتخابات. فالناس لم يصوتوا للأحزاب، بل لصالح أو ضد المرشحين. وفي كل حالة، تم ترشيح مرشح واحد لشغل أحد المناصب. كان هذا الإجراء هو نفسه قبل عام 1956، حيث فشلت محاولة ستالين وبعض قادة الحزب لإجراء انتخابات مع العديد من المرشحين المتنافسين في عام 1936 (غيتي 1991).

في المجتمع البرجوازي، تخضع المسائل الأساسية للحياة الاجتماعية لمتطلبات تراكم رأس المال، ولهذا السبب فإن الحكم الشامل للجماهير على جميع مجالات الحياة غير ممكن على الإطلاق. "الديمقراطية" البرجوازية، أي الوهم بأن الناس في المجتمع الرأسمالي هم الذين يقررون العمليات السياسية، لا يمكن أن تتولد إلا عن طريق العمليات الانتخابية الرسمية، ووفقا للفهم البرجوازي، تتكون أساسا من العملية الانتخابية نفسها أو من الاختيار بين الأحزاب البرجوازية المختلفة. . ومن وجهة النظر هذه، بطبيعة الحال، يجب أن يبدو النظام السياسي في الاتحاد السوفييتي غير ديمقراطي على الإطلاق.

هل يعني الإجراء الانتخابي الموصوف تلقائيًا أن القرارات في الاتحاد السوفييتي لم يتم اتخاذها بشكل ديمقراطي؟ إن نظرة على مسار العمليات السياسية في الاتحاد السوفييتي لا تدعم هذا الاستنتاج. لنبدأ بانتخابات السوفييتات. بادئ ذي بدء، كان هناك أيضًا عنصر المشاركة الديمقراطية في العملية الانتخابية نفسها، حيث كان من الممكن أيضًا التصويت ضد مرشح ما. وإذا رفضت أغلبية الناخبين مرشحاً ما، فلا يتم انتخابه، ويجب شغل المنصب بمرشح آخر في عملية انتخابية جديدة. وفي عام 1965، تم رفض 208 مرشحين للسوفييتات المحلية بهذه الطريقة.

ولكن الأهم من ذلك، أنها كانت مجرد خطوة أخيرة في عملية اختيار أطول بكثير. وتم ترشيح المرشحين في اجتماعات العمال ومنظماتهم الجماهيرية، بعد أن تمكنوا من عرض ومناقشة مواقفهم السياسية. وكان لكل شخص في هذه الاجتماعات الحق في اقتراح المرشحين. لم تكن هذه العملية مقتصرة على الاتحاد السوفييتي، ولكنها وجدت أيضًا في دول اشتراكية أخرى، بما في ذلك جمهورية الصين الشعبية (زيمانسكي 1979, S 81f).

ومع ذلك، لم تكن انتخابات السوفييت سوى واحدة من آليات عديدة للسيطرة الديمقراطية. وهكذا، كان عمل السوفييتات مدعومًا ومراقبًا من قبل لجان دائمة شارك فيها العديد من الأشخاص وكان لهم تأثير على عملية صنع القرار. وهكذا، تم التعبير عن العديد من الآراء وأخذها في الاعتبار في المناقشات داخل السوفييت قبل اتخاذ قرار ملموس (زيمانسكي 1979، p 82).

وكانت المنتديات الرئيسية للنقاش العام والنقد وتكوين الرأي هي وسائل الإعلام، مكملة بالمجلات والمؤتمرات المتخصصة. وكانت الصحيفتان الوطنيتان "برافدا" و"إزفستيا" بمثابة منتديات مهمة للمواقف المتضاربة. بشكل عام، كانت الصحافة السوفيتية مليئة بالمناقشات العامة حول مجموعة واسعة جدًا من المواضيع: من الإصلاحات الاقتصادية والقانونية إلى مشاكل الزراعة والتلوث البيئي إلى انتقاد المسؤولين والإدارة الاقتصادية غير الكفؤة. والحقيقة أنه لا يمكن التعبير عن كل المواقف في الصحافة، وهي نقطة الانطلاق للاتهامات البرجوازية بانعدام حرية التعبير: تم استبعاد وجود الحزب الشيوعي، والاشتراكية كنظام، والشيوعية كهدف، وشخصيات كبار قادة الدولة والحزب إلى حد كبير من الانتقادات. لكن التدابير السياسية الفردية لم تكن كذلك (زيمانسكي 1979، p. 83f). وصلت هذه المناقشات إلى عمق البنية الاجتماعية السوفيتية. أتيحت الفرصة للجميع للمشاركة فيها. لم يكن من الممكن نشر جميع الرسائل الموجهة إلى المحرر والمقالات من الجماهير، لأن عددها كان كبيرًا جدًا. وفي عام 1970 وحده، تلقت صحيفة برافدا حوالي 360 ألف رسالة، بينما تلقت صحيفة إزفستيا حوالي 500 ألف رسالة. وإذا لم يتم نشرها، أحالتها الصحف إلى جهات الدولة المعنية، التي تأثرت بالانتقادات وألزمت قانونًا بالرد على الاقتراحات والشكاوى خلال 15 يومًا. ومع ذلك، لم تكن الصحف مجرد منتديات ووسطاء للنقاش العام، بل مارست النقد بنفسها. بحث الصحفيون بنشاط عن الفساد وعدم الكفاءة من جانب الإدارة أو مسؤولي الحزب والدولة وتابعوا الأدلة المهمة من الجماهير. وكثيراً ما كانت للشكاوى عواقب، بما في ذلك الملاحقة الجنائية والإجراءات التأديبية ضد المسؤولين. وقد أثارت محاولات قمع الانتقادات فضيحة في الصحافة (زيمانسكي 1979، p. 85).

وبينما كانت الصحف الكبرى تدار بالطبع من قبل هيئة تحرير دائمة، أنتج العمال صحفهم الجدارية الخاصة بهم، والتي تم عرضها في المحلات التجارية والمنشآت الصناعية والمؤسسات التعليمية والمزارع، للتعبير عن آراء واقتراحات وانتقاد الجماهير (زيمانسكي 1979، ص 86).

ولذلك كانت عملية صنع القرار في الأساس على النحو التالي: كان هناك اقتراح تشريعي، ثم فترة من المناقشات العامة واسعة النطاق، ثم تم اعتماد نسخة منقحة من القانون، والتي تنفذ نتائج النقد (زيمانسكي 1979, p. 84) ).

لقد ظهرت الدساتير السوفييتية، التي أرست أسس النظام السياسي والاجتماعي، نتيجة لعمليات مناقشة ديمقراطية واسعة النطاق. كان هذا هو الحال مع دستور عام 1936، حيث شارك حوالي 51 مليون شخص في 500 ألف اجتماع لمناقشة الدستور، وأجروا مناقشات حية ومثيرة للجدل، وتمكنوا من تحقيق العديد من التغييرات على المسودة (غيتي 1991، ص 24 وما يليها). لكن هذا كان صحيحًا أيضًا في عام 1977، عندما أصبح الاتحاد السوفييتي، وفقًا لبلاند وآخرين، منذ فترة طويلة «دولة فاشية». وبعد نشر مشروع الدستور، جرت مناقشة شعبية شاملة شارك فيها أكثر من 140 مليون شخص. وأسفرت هذه المناقشات عن نحو 400 ألف تعديل مقترح، أدت إلى تغييرات في النص الدستوري النهائي. على وجه الخصوص، تم انتقاد أن إمكانيات المشاركة الديمقراطية كانت قليلة جدًا، مما أدى إلى توسيع واضح لإمكانيات المشاركة في النسخة النهائية: تم توسيع السلطة الجماعية في المعمل إلى المستوى ما بين الشركات، وتم التأكيد على وظيفتها التعليمية و طبيعة دورها المشترك المحدِّد (هوهمان /سيدنستشر 1980، ص. 20؛ 25).

تمت محاكمة الانتهاكات البسيطة للقانون في المحاكم المحلية (ما يسمى بمحاكم الرفاق) التي أنشئت عام 1959 وتتكون من مواطنين منتخبين من قبل المنظمات الجماهيرية. وكانت الظروف المعيشية في المجمعات السكنية تدار من قبل السكان أنفسهم من خلال لجان منتخبة. وكانت السوفييتات خاضعة لسيطرة لجان الرقابة الشعبية، التي كانت مهمتها تفتيش الشركات والمؤسسات العامة والكشف عن الانتهاكات. تم إنشاء هذه اللجان على جميع المستويات من قبل السوفييت و دعمت بسلطة الدولة. في الفترة 1975-1976 كان هناك بالفعل 9.4 مليون شخص يعملون في هذه اللجان، بينما في الفترة 1963-1964 كان هناك 4.3 مليون فقط (زيمانسكي 1979، ص 87).

لقد رأى جيش الاتحاد السوفييتي نفسه جهازًا للدفاع عن سلطة العمال والفلاحين، وفي وقت صراع النظام، أصبح أيضًا على نحو متزايد جزءًا من القوى الثورية العالمية ولمساعدة حركات التحرر على نطاق عالمي (زيمانسكي. 1989، ص 112). بالإضافة إلى الجيش النظامي، كانت هناك أيضًا أشكال أكثر مباشرة لتسليح الطبقة العاملة في شكل الميليشيات الشعبية والشرطة الشعبية. منذ الخمسينيات، مُنحت هذه الوحدات صلاحيات متزايدة وتزايدت أعدادها. في عام 1970، كانت الميليشيا الشعبية تتألف من ستة ملايين مواطن سوفييتي متطوع تحت السلاح (زيمانسكي 1989، ص 87). وفي دول أوروبا الشرقية الأعضاء في حلف وارسو، كان عمال المصانع مسلحين أيضًا، مثل "المجموعات القتالية للطبقة العاملة" في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

وتزايدت مشاركة العمال والفلاحين في مختلف أجهزة السلطة السوفييتية بشكل مطرد. ارتفعت حصة العمال والفلاحين العاديين في نواب مجلس السوفييت الأعلى (وفقًا للتعريف الضيق للمجموعتين) من 11% في 1954/1955 إلى 36% في 1972/1973. وارتفعت نسبة العمال بين سوفييتات المدن من 27.7% إلى 59.5%. وفي الحزب ارتفعت نسبة العمال من 32% إلى 40.7% (هوغ 1976، ص 11). وفي الوقت نفسه، استمر مستوى تعليم هذه المجموعات السكانية في الارتفاع بشكل حاد، مما أدى إلى تحسين ظروف المشاركة السياسية، وخاصة بالنسبة للعمال الصناعيين والفلاحين (هوغ 1976، ص 13). تم تعيين الحكومة أيضًا بشكل أساسي من الطبقات العاملة: من بين 47 وزيرًا في حكومة الاتحاد السوفييتي في عام 1966، جاء 40٪ من البروليتاريا الصناعية، و27٪ من الفلاحين؛ كان آباء 15% منهم موظفين من مستوى منخفض و18% فقط جاءوا من المثقفين. كانت اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي مكونة من حوالي 90٪ من الأشخاص ذوي الخلفية الاجتماعية المتواضعة (زيمانسكي 1979، p. 74).

ولذلك يفترض علماء السياسة البرجوازيون الغربيون أن المشاركة السياسية للجماهير في النظام السوفييتي اتجهت إلى الزيادة خلال هذه الفترة. ويخلص جيري هوغ إلى أن العديد من أشكال المشاركة في الاتحاد السوفييتي يمكن مقارنتها بأشكال المشاركة في “الديمقراطيات” البرجوازية في الغرب (Hough 1976, p. 14f). ومع ذلك، فهو يتجاهل الفرق الأساسي بين النظامين: في البلدان الرأسمالية، لا تعني المشاركة سوى الاندماج السياسي في النظام الاستغلالي، حيث أن القرارات المركزية تتبع قيود تراكم رأس المال ويتم اتخاذها من قبل عدد صغير من أعضاء الطبقة الرأسمالية. الطبقة الحاكمة. لا يمكن أبدا إلغاء العداء الطبقي والسيطرة الطبقية من خلال "الديمقراطية" البرجوازية. ومن ناحية أخرى، في الاتحاد السوفييتي، كما تبين، لم تكن هناك طبقة مستغلة للسيطرة على أجهزة الدولة. وهكذا كان لديمقراطية المصانع طابع مختلف تمامًا: لم تكن تتعلق بإنشاء "السلام الاجتماعي" لجعل العمليات الرأسمالية أكثر سلاسة، بل كانت تتعلق بإنخراط الجماهير في إدارة الإنتاج الاشتراكي. كان التخطيط المركزي موجهًا بشكل عام نحو الاحتياجات الاجتماعية، وحقيقة أن هذا الطابع تم الحفاظ عليه أيضًا في الحالات الفردية الملموسة كان يجب ضمانه من خلال حقوق السيطرة للعمال في المصنع.

مشاركة العمال في الشركات

من المؤكد أن سيطرة العمال على الإنتاج كانت منقوصة في كثير من النواحي، ولكنها كانت حقيقية ومختلفة جوهرياً في طبيعتها عن "القرارات المشتركة في اماكن العمل" في بعض البلدان الرأسمالية. كانت النقابات العمالية آلية مركزية للرقابة العمالية. لم تكن العضوية فيها إلزامية، إلا أن حوالي 95% من جميع العمال كانوا أعضاء في النقابات (زيمانسكي 1979، ص 55). وكانت اللجنة النقابية المنتخبة من قبل العمال تتمتع بصلاحيات واسعة. ولم يكن فصل العمال ممكنا إلا بموافقة صريحة (هوهمان /سيدنستشر 1980، ص 27). نظمت اللجنة اجتماعات عامة ومشاورات إنتاجية ومؤتمرات ناقش فيها العمال جوانب من حياة الشركة. واضطرت الإدارة إلى فحص الانتقادات والاقتراحات الواردة من اجتماعات العمال المختلفة خلال فترة زمنية محدودة ومن ثم الإبلاغ عن أي تغييرات تم تنفيذها. أبرمت النقابة اتفاقية جماعية مع الإدارة تم فيها الاتفاق على ظروف العمل والمشاركة والظروف الاجتماعية والسكنية للعمال والعديد من القضايا الأخرى. كان التنفيذ إجبارياً على الإدارة وتمت معاقبة المخالفات، بينما لم يترتب على العمال والمنظمات النقابية سوى "التزامات سياسية أخلاقية" دون أي التزام قانوني. وقد نشأ هذا الاختلال في التوازن لأن الاتفاقيات الجماعية كان المقصود منها في المقام الأول أن تكون أدوات لسيطرة العمال على الإدارة، وليس العكس.

تتمتع اللجنة بحقوق واسعة النطاق في الانتقاد وتقديم المقترحات، وفي بعض المجالات كان لها الحق الوحيد في اتخاذ القرارات: وينطبق هذا في المقام الأول على إدارة الضمان الاجتماعي، وأنشطة الترفيه والتسلية، والأحداث الثقافية والرعاية الطبية، وكلها كانت ممولة من أموال الشركة (هوهمان /سيدنستشر 1980، ص 31f؛ 35؛ زيمانسكي 1979، p. 53f).

فرض النظام الأساسي للشركة التزامات بعيدة المدى على كل شركة: " سوف توفر المؤسسة لنقابة المعمل أو المصنع أو اللجنة المحلية للنقابة، مجانًا، المباني و الساحات والهياكل والحدائق والمتنزهات المملوكة أو المستأجرة من خلالها، المخصصة للأنشطة الثقافية والتعليمية والصحية والتربية البدنية والرياضية بين موظفي المؤسسة وعائلاتهم، بالإضافة إلى معسكرات الرواد الشباب (...) ستوفر المؤسسة مجانًا: مؤسسة الصرف الصحي-الطبية الخاصة بها (المركز) - المبنى، مع التدفئة والإضاءة والمياه والحماية والتنظيف والإصلاحات؛ المطعم ومؤسسات تقديم الطعام الأخرى الموجودة على أراضيها أو التابعة لها والتي تخدم موظفيها" (القانون 1966، ص 14).

كان على الشركات أن تضع خطط التطوير الفني (خطط OTM) التي تتضمن، من بين أمور أخرى، ما هي السلع الجديدة التي سيتم إنتاجها، وما هي الآلات التي سيتم إدخالها، والتي سيتم تحديثها، وما هي ظروف العمل التي يجب أن تسود، وما إلى ذلك. تم وضع الخطط في مكان العمل نفسه وشارك جميع المستخدمين . ثم قام المستخدمون أيضًا بدراسة المقترحات الخاصة بالابتكارات التقنية وذهب أهمها إلى مؤتمرات الإنتاج. تمت بعد ذلك مناقشة مسودة خطة المصنع في مكان العمل، وفي اجتماعات المستخدمين وفي مجموعات الحزب قبل تقديمها إلى الإدارة للموافقة عليها (Bor 1967، ص 51و).

شارك العمال ومنظماتهم (المنظمات النقابية، المنظمات الحزبية، المنظمات الجماهيرية) في وضع خطط الإنتاج للشركات وإجراءات تنفيذ الخطة من خلال مشاورات الإنتاج الدائمة، والتي كانت إلزامية في جميع الشركات الكبرى (هوهمان /سيدنستشر 1980، ص 39). كما قدمت مؤسسات أخرى، مثل كتائب العمل وحركة التخطيط المضاد، أشكالًا أخرى من السيطرة العمالية والتقرير المشترك (هوهمان /سيدنستشر ،ص 29f؛ 46f).
وهكذا تم تنظيم سيطرة العمال على الشركات من خلال عدد كبير من الآليات. ولم يتم إلغاؤه في عام 1956، بل جرت محاولات لتوسيع نطاقه. في عام 1957، أعيد تقديم مؤتمرات الإنتاج، وأعطيت الخلايا الحزبية داخل الشركات المزيد من النفوذ تجاه الإدارة، ومنحت النقابات العمالية الحق في إبرام اتفاقيات جماعية للشركات (زيمانسكي 1979، ص 54 وما يليها).

وبشكل عام، فإن دراسة النظام السياسي وآليات اتخاذ القرار الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي تؤدي إلى استنتاج مفاده أن الموقف الذي اتخذه المؤلفون المناهضون للسوفييت (سواء من اليسار أو اليمين) بأن الاتحاد السوفييتي كان دكتاتورية بيروقراطية لطبقة فوق وضد الشعب لا يمكن الدفاع عنها. من المؤكد أنه كانت هناك عيوب في ممارسة الرقابة العمالية على الدولة والاقتصاد، سواء في نص القانون أو في تنفيذه الفعلي. إن الأسئلة المتعلقة بأين كانت الديمقراطية البروليتارية محدودة في الاتحاد السوفييتي، وأين أصبحت طقوسًا رسمية، وما هي أسباب ذلك على التوالي، وكيف ساهمت هذه التطورات السلبية في تدمير الاتحاد السوفييتي، يجب فحصها بشكل شامل ونقدي وصادق. . ومع ذلك، فإن وجهة النظر المشوهة المناهضة للشيوعية بأن الاتحاد السوفييتي كان مجرد "ديكتاتورية بيروقراطية" أو أنه أصبح كذلك في عام 1956، تتناقض تمامًا مع مثل هذا التحليل العلمي.

في الأساس، على الرغم من هذه القيود، كانت المؤسسات السياسية في الاتحاد السوفييتي هي تلك التي أعطتها الطبقة العاملة لنفسها لإنشاء بنية فوقية إنتاجية وسياسية لمصلحتها الخاصة.

7. ما هو نمط الإنتاج السائد في الاتحاد السوفييتي؟

السؤال

لقد أوضحت الفصول السابقة لماذا لا يمكن اعتبار الاتحاد السوفييتي دولة رأسمالية حتى بعد عام 1956. ومع ذلك، فقد ترك الأمر مفتوحًا حتى الآن حول نمط الإنتاج الذي كان سائدًا بالفعل في الاتحاد السوفييتي. من الواضح أن الاتحاد السوفييتي لا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال بأنه رأسمالي. فهل كان بالتالي بشكل تلقائي اشتراكية؟ أم أنه كان تحت سيطرة نمط إنتاج آخر، ربما لا يزال غير معروف، لم يكن رأسماليًا ولا اشتراكيًا؟ يبدو أن الموقف الثاني، على سبيل المثال، يتمسك به ليبويتز عندما يرى أن الاتحاد السوفييتي ليس اشتراكيًا، لكنه يدعي أنه كانت هناك “علاقات إنتاج الطليعة ”Vanguard Relations of Production ، شكلتها هيمنة الحزب الشيوعي (ليبويتز 2012).

لا يمكن الدفاع عن مثل هذا الموقف إلا إذا أمكن تبرير ظهور طبقة حاكمة جديدة مع "البيروقراطية". إذا لم يكن الأمر كذلك، إذا لم تكن هناك طبقة غير طبقة المنتجين المباشرين الذين يحكمون وسائل الإنتاج، إذا لم يتم استغلال الطبقة العاملة، فيجب علينا أن نفترض علاقات إنتاج اشتراكية.

مسألة البيروقراطية السوفيتية

من يدعي أن "البيروقراطية" وصلت إلى السلطة عام 1956 (أو في وقت آخر) يجب عليه أولا أن يجيب على السؤال التالي: ما هو الفرق الأساسي بين البيروقراطية قبل عام 1956 وبعده، حتى يمكن الحديث عن تغير في ظروف الإنتاج؟ والسلطة السياسية؟ ولم يكن من الممكن أن يتم ذلك بمجرد تغيير شخصيات القيادة وتغيير المسار الأيديولوجي. بتعبيرات الماركسية، فإن السلطة السياسية والاقتصادية مترابطتان بالضرورة، أي أن صعود طبقة جديدة إلى السلطة يجب أن يتم التعبير عنه أيضًا في اضطرابات اقتصادية جوهرية، كما كان الحال مع الثورات البرجوازية أو ثورة أكتوبر. وكانت هذه الاضطرابات الجوهرية على وجه التحديد هي التي لم تحدث في عام 1956 والسنوات اللاحقة، كما هو موضح أعلاه. وعلى الرغم من وجود تغييرات ذات صلة في نظام التخطيط، إلا أنها حدثت في إطار الاقتصاد المخطط مركزيًا.

في بعض الأحيان يتراجع ممثلو اطروحة راسمالية الدولة SCT إلى حقيقة أن استيلاء مجموعة تحريفية حول خروتشوف على قيادة الحزب يعني الانفصال عن الاشتراكية وبالتالي الانتقال إلى نوع من رأسمالية الدولة. غير أن هذا الرأي لا يعدو كونه مثاليا خالصا. الاشتراكية ليست مجرد نظام أفكار، بل هي نمط إنتاج. ليس من الممكن الإدلاء ببيانات ذات معنى حول شكل من أشكال المجتمع من خلال الإشارة فقط إلى أفكار القادة السياسيين. وعلى العكس من ذلك، لم يكن أحد ليتحدث عن دكتاتورية البروليتاريا في ظل حكومات الجبهة الشعبية في إسبانيا أو فرنسا لأن الأحزاب الشيوعية كانت منخرطة في الحكومة. والأمر الحاسم هو الأساس الاقتصادي، الذي يعبر عنه البناء الفوقي.

إذن، ما هي "البيروقراطية" في الاتحاد السوفييتي؟ لم تكن مالكة لوسائل الإنتاج، ولم تكن طبقة خاصة بها. مثل العمال الصناعيين، تم توظيف "البيروقراطيين" من قبل الدولة. وبسبب دخولهم المرتفعة، يمكن للمرء أن يتحدث عن طبقة اجتماعية (أو عدة طبقات) تتمتع بسلطات معينة في اتخاذ القرار. فهل يتناقض هذا بشكل أساسي مع ادعاء الاتحاد السوفييتي بأنه كان مجتمعاً اشتراكياً؟

فقط ممثلو المفهوم الطوباوي للاشتراكية هم من يستطيعون الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب. لأنه صحيح أنه في الاشتراكية يجب إلغاء الفروق الاقتصادية بين المهام الإنتاجية والإدارية تدريجيا، ولكن من الواضح أيضا أن هذا لا يمكن أن يحدث على الفور وأن هناك العديد من الأنشطة التي تتطلب معرفة متخصصة.

في كل دولة سابقة، كانت البيروقراطية تخدم دائمًا أهداف تلك الدولة وطابعها، لذلك كانت مرتبطة ببرنامج سياسي معين بمحتوى طبقي معين. وينتج هذا المحتوى عن نمط الإنتاج السائد، حتى لو كان هناك مجال لنماذج مختلفة وفصائل متنافسة. في الاتحاد السوفييتي، كان نمط الإنتاج المهيمن هو الاقتصاد المخطط مركزيًا، كما عملت الطبقة الإدارية أيضًا على تحقيق أهداف هذا النمط من الاقتصاد. ولم تفعل ذلك دائمًا بكفاءة ونكران الذات، لكنها فعلت ذلك لأنه كان عليها أن تفعل ذلك. وإذا ظهرت مصالح، منذ فترة معينة، بين صفوف هذه الطبقة التي تسعى إلى العودة إلى الرأسمالية، فإن هذا لا يتعارض مع القول بأن طبيعة الطبقة البيروقراطية تتمثل في القيام بمهام إدارية للاقتصاد المخطط. على العكس من ذلك، تطورت هذه التطلعات المؤيدة للرأسمالية على وجه التحديد باعتبارها تناقضًا أساسيًا مع نظام الاقتصاد المخطط المهيمن. لأن نشاط "البيروقراطية" في النظام السوفييتي لم يخدم إثراءها الذاتي، ولم يكن في الأساس قرارًا حرًا لها، بل أملته أشكال مختلفة من الرقابة العمالية وأهداف التخطيط المركزي.

هل كان الاتحاد السوفييتي اشتراكياً؟

بالنسبة للماركسية، الاشتراكية ليست حالة منتهية، بل هي عملية تطورية تتقدم باستمرار. كما تعمد الاتحاد السوفييتي وصف نفسه على أنه اشتراكي وليس شيوعيًا لتوضيح الفرق بين المرحلة المبكرة من تطور المجتمع الجديد وهدف التطور. وصف ماركس الاشتراكية بأنها مجتمع “ كما يخرج من المجتمع الرأسمالي، أي اقتصاديا ومعنويا وروحيا، ولا يزال يعاني من كل النواحي من آثار المجتمع القديم الذي يأتي من رحمه” (راجع MEW 19، ص 21، مترجم من قبل المؤلف). ومع ذلك، فقد تم بالفعل التغلب على الرأسمالية هنا، وتم مشركة وسائل الإنتاج وإدارتها وفقًا لخطة مركزية. إن القانون الاقتصادي الأساسي لنمط الإنتاج الاشتراكي هو الزيادة المخططة مركزيا لقوى الإنتاج بهدف تلبية الاحتياجات على مستوى أعلى من أي وقت مضى.

تم استيفاء هذه المعايير في الاتحاد السوفييتي حتى نهاية الثمانينيات: ظل الاتحاد السوفييتي اقتصادًا مخططًا مركزيًا، وتم تحقيق جماعية وسائل الإنتاج الحاسمة، وكان التخطيط موجهًا نحو الاحتياجات الاجتماعية. وكانت هناك أوجه قصور عديدة، سواء في إعداد وتنفيذ الخطط أو في قضايا الديمقراطية البروليتارية وغيرها من المجالات. لم يكن الاتحاد السوفييتي مجتمعاً اشتراكياً "مثالياً"، لكن لا يوجد شيء من هذا القبيل في الواقع. ومع ذلك، كان مجتمعًا اشتراكيًا، دولة عمالية واقتصادًا مخططًا مركزيًا، حيث كانت احتياجات المجتمع، وخاصة العمال الصناعيين والفلاحين، هي هدف الإنتاج. وبما أن الإنجازات الأساسية للثورة ظلت سليمة بعد عام 1956، وشهدت مزيدًا من التطور في كثير من النواحي على الرغم من التوجيهات التحريفية الخاطئة بشأن قضايا أخرى، فقد كان لا يزال من الممكن تصحيح أوجه القصور والتطورات غير المرغوب فيها من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وقد تم بذل مثل هذه الجهود مرارا وتكرارا.

ففي نهاية المطاف، لم يكن الحزب الشيوعي السوفييتي كتلة تحريفية متجانسة، بل كان متناقضا في داخله. وقد نتج ذلك عن حقيقة أنها من ناحية ادعت أنها الطليعة في مجتمع اشتراكي، ولكن من ناحية أخرى في مجالات مختلفة (الاستراتيجية السياسية، فهم الدولة، الإمكانية المزعومة للتنمية السلمية في ظل الإمبريالية، مسائل السياسة الاقتصادية ، الخ.) قد تعارضت مع الماركسية اللينينية. وبالتالي، لم يكن المسار السائد خاليًا من الجدل، ولم يكن المسار الذي أدى في النهاية إلى استعادة الرأسمالية واضحًا. وهكذا، في عام 1983، ظهر مقال بقلم إجناتوفسكي، وهو موظف مهم في هيئة التخطيط المركزي "جوسبلان"، في الجريدة المركزية النظرية للحزب. دعا إجناتوفسكي إلى عودة شاملة إلى أهداف التخطيط من الناحية المادية، وانتقد استخدام مقاييس القيمة كمؤشرات للتخطيط، وجادل بشكل عام ضد استخدام آلية السوق في الاشتراكية. لم تكن مثل هذه المواقف حالات معزولة، حتى لو بقيت ضمن الأقلية (هانسون 2003، ص 167).

وهكذا ظلت مهمة الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي هي النضال من أجل الخط الصحيح لبناء الاشتراكية، بل وأكثر من ذلك عندما كان توجه قيادة الحزب خاطئا. وكانت مهمة الشيوعيين هنا أيضًا هي النضال ضد التشوهات الانتهازية والتحريفية للماركسية اللينينية، وفي الوقت نفسه الدفاع عن النظام الاشتراكي الذي استمر في الوجود في الاتحاد السوفييتي. كانت هذه، في نهاية المطاف، أوجه قصور في تنفيذ الاشتراكية كان من الممكن تصحيحها في إطار الاشتراكية – على النقيض تمامًا من الرأسمالية، التي لا يكون السؤال فيها هو كيفية تصحيح بعض أوجه القصور، بل كيفية الإطاحة بالنظام ككل من خلال ثورة.

وأخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن هناك فرقا بين القوى والاتجاهات التحريفية والمضادة للثورة. التحريفية تعني التخلي عن المكونات الأساسية للماركسية اللينينية. وبهذه الطريقة تمثل عقبة أمام بناء الحركة الشيوعية والاشتراكية وتهيئ أرضية مواتية للثورة المضادة في المجتمعات الاشتراكية. لكن هذا لا يعني أن الحزب الشيوعي الذي تتخلله الانحرافات التحريفية يمكن بسهولة تقييمه على أنه "حزب مضاد للثورة". بدلا من ذلك، من المهم أن نفهم تناقضات مثل هذه الأحزاب، وأن نفهم الانحطاط التحريفي ليس كلحظة فريدة بل كعملية تدريجية، وأن نحارب التحريفية وفقا لذلك دون رمي الطفل مع ماء الاستحمام. وينطبق هذا أيضًا على الحزب الشيوعي السوفييتي و الحزب الاشتراكي الموحد (SED) في جمهورية ألمانيا الديمقراطية: فبينما انتشرت وجهات النظر التحريفية في هذه الأحزاب، استمرت لعقود من الزمن في التوجه نحو البناء والدفاع من حيث المبدأ عن الاشتراكية. وبشكل عام، استمرت هذه الأحزاب في كونها أحزابًا ثورية، على الرغم من تقويض هذا الطابع الثوري بشكل متزايد. ولم يكن الأمر كذلك حتى النصف الثاني من الثمانينيات عندما فرضت القوى المضادة للثورة وجودها في هذه الأحزاب، واتخذت المسار نحو الرأسمالية.

8. الاعتبارات الختامية

1987-1991: الثورة المضادة الحقيقية

لقد ألغيت الرأسمالية في روسيا وفي الاتحاد السوفييتي لاحقاً بحلول ثورة أكتوبر، ولم ترفع رأسها القبيح مرة أخرى حتى نهاية الثمانينيات. وقد لاحظ شعب الاتحاد السوفييتي هذا الاختلاف جيدًا. وبينما كان هناك تغيير أيديولوجي في عام 1956، ظلت الاشتراكية في مكانها ووفرت ظروف معيشية محسنة باستمرار للسكان. وعلى الرغم من حدوث تراجع تدريجي في بعض المناطق وعدم قدرة السلطة الاشتراكية على التكيف مع الظروف المتغيرة، إلا أن هذا التطور ظل متناقضا. لقد حدث توسع الإنجازات الثورية في بعض المجالات (على سبيل المثال، توسيع الحقوق الاجتماعية والفرص الرسمية للمشاركة الديمقراطية) بالتزامن مع النكسات في مجالات أخرى.

كان الوضع في نهاية الثمانينات مختلفاً تماماً. بعد أن انتصرت المجموعة المضادة للثورة في قيادة الحزب حول غورباتشوف وياكوفليف في الصراعات داخل الحزب، اتخذت "الإصلاحات" منذ عام 1987 على نحو متزايد طابعًا مؤيدًا صريحًا للرأسمالية ومعاديًا للاشتراكية. وفي ذلك العام، تبنى "قانون نشاط العمل الفردي" شكلاً جديداً من أشكال "التعاونيات"، والذي كان في الواقع يمثل تشريعاً مستتراً للمؤسسات الخاصة، وبالتالي إعادة تقديم الاستغلال. وقد تزايد بسرعة عدد هذه الشركات، التي غالبا ما تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوسط الإجرامي. وبحلول نهاية عام 1988، كان عدد العاملين قد وظف حوالي مليون عامل، وبحلول نهاية عام 1989 كان عددهم خمسة ملايين (2010 كيران/ كيني، ص 139). في ديسمبر 1987، قرر المكتب السياسي أن الدولة لن تشتري في المستقبل جميع المنتجات من الشركات الصناعية، بل 50٪ فقط. وكان لا بد من بيع النصف الآخر في السوق من يوم لآخر. وهكذا أغرقت قيادة الحزب الاقتصاد الوطني في الفوضى وفي دوامة هابطة شديدة لن يتعافى منها (كيران/كيني 2010، ص 160). على المستوى السياسي، كان مؤتمر الحزب التاسع عشر في يونيو 1988 بمثابة علامة فارقة حاسمة في الثورة المضادة: فقد تم إضفاء الشرعية على الأحزاب المناهضة للشيوعية، وتم إلغاء الدور القيادي للحزب الشيوعي السوفييتي، وأعطي غورباتشوف صلاحيات تنفيذية جديدة ليحكم بشكل رسمي. وبعد بضعة أشهر، تم حل أمانة سر اللجنة المركزية، مما حرم قيادة الحزب من قدرتها على العمل. (كيران/كيني 2010، ص 149). في السياسة الخارجية، تم إسقاط الدول الحليفة وتم تقديم تنازلات أحادية تلو الأخرى للإمبريالية الأمريكية. وفي 25 ديسمبر 1991، تم رفع العلم الأحمر فوق الكرملين للمرة الأخيرة. لقد نجحت مجموعة يمينية في قيادة الحزب الشيوعي، فيما فشل هتلر وأجيال من الإمبرياليين الغربيين: لقد تم حل الاتحاد السوفييتي، أول وأقوى وأكبر وأطول دولة اشتراكية في التاريخ، إلى الأبد. . وقد دفعت الطبقة العاملة فاتورة ذلك، التي لم تنجح في الدفاع عن دولتها: فمع الرأسمالية، عادت البطالة إلى الظهور على الفور. ومع الثورة المضادة في التسعينيات، سقط 150 مليون شخص في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي بين عشية وضحاها تقريبًا تحت خط الفقر (كيران/كيني 2010، ص 10).

التحريفية "المناهضة للتحريفية"

إن الموقف "المناهض للتحريفية" المفترض للمجموعات التي تحلل الاتحاد السوفييتي باعتباره "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكية " يثبت أنه موقف تحريفي في الواقع. أساس هذه الأطروحات هو الفهم الخاطئ وغير الكافي لماهية الرأسمالية والإمبريالية. إن أي شخص يعتقد أنه يكتشف "الرأسمالية" في الاتحاد السوفييتي لا يمكن أن يكون قد طور هذا الموقف إلا بسبب الجهل التام بالظروف الاجتماعية الحقيقية في تلك الدولة، أو بسبب فهم زائف وغير ماركسي للرأسمالية. ويذهب نبذ الماركسية إلى أبعد من ذلك لدى بعض دعاة هذه الأطروحة إلى أن المفهوم الماركسي لأسلوب الإنتاج الرأسمالي قد تم في الواقع التخلي عنه تماما واستبداله بمفهوم يعتبر "الرأسمالية" شعارا فارغا من المضمون لجميع البلدان التي تعتبر مرفوضة سياسيا. تُستخدم المقارنات السطحية للرأسمالية، مثل استخدام "الأرباح" و"الأجور" و"الأسواق" وما إلى ذلك، كدليل على وجود "رأسمالية الدولة"، على الرغم من أنها تحتوي على محتوى اجتماعي مختلف تمامًا، وظيفة اقتصادية مختلفة تمامًا على أساس نمط الإنتاج الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي. وهذا الرأي برجوازي في جوهره لأنه لا يتخذ كنقطة انطلاق المفهوم الماركسي لأسلوب الإنتاج، الذي يسمح بتحليل قوانين التشكيلة الاجتماعية على أساس علاقات الملكية السائدة فيه؛ وبدلاً من ذلك، يستخدم هذا الرأي مفهومًا مشابهًا للرأسمالية لذلك الموجود في المفهوم البرجوازي “اقتصاد السوق”. في هذا التفكير البرجوازي، بدلاً من التحليل الشامل لقوانين بنية وتطور نمط الإنتاج، يتم التركيز فقط على الآليات الفردية (الأسواق، المنافسة، إلخ)، دون وضعها في سياق العلاقات الاجتماعية، أي استغلال طبقة لأخرى. وبالمثل، تخلط اطروحة رأسمالية الدولة SCT بين بعض التغييرات في آلية التخطيط بسبب إصلاحات كوسيجين (ترقية مؤشر الخطة "الربح"، وتعزيز العلاقات بين المؤسسات، وما إلى ذلك) والانتقال إلى الرأسمالية، على الرغم من انه من الواضح أن أسس نمط الإنتاج الاشتراكي قد استمرت في الوجود.

إن مفهوم الاشتراكية الكامن وراء هذه الأفكار خاطئ أيضًا، لأنه يعتمد على مفهوم أخلاقي للاشتراكية باعتبارها مجتمعًا مثاليًا، حيث لم يعد نمط الإنتاج المهيمن يُستخدم كعنصر تمييز حاسم. وهكذا، هناك في الأساس انتكاسة الاشتراكية العلمية الى الخلف، إلى الأفكار الاشتراكية الطوباوية.

ولأن هذه الأطروحات بحد ذاتها تحريفية، فليس لديها ما يساهم في فهم تاريخ الحركة الشيوعية وأسباب انتشار التحريفية فيها. بل على العكس من ذلك، فهم يقفون في طريق التحليل العلمي والنقد الذاتي لتاريخ الشيوعية. ومن خلال عدم الاعتراف بالاشتراكية السوفييتية على هذا النحو، فمن المستحيل أيضًا تحليل وتصنيف الأخطاء في بناء هذا المجتمع الاشتراكي بشكل صحيح. وهذا أيضًا يجعل من المستحيل طرح السؤال حول كيفية تجنب مثل هذه الأخطاء وكيف يمكن العثور على إجابات أفضل لمشاكل معينة في المستقبل.

وبما أن اطروحة الاشتراكية الإمبريالية SIT و اطروحة رأسمالية الدولة SCT لا علاقة لهما بالواقع التاريخي، فإنهما بالطبع غير مقبولين للجماهير ويصبحان متورطين في تناقضات واضحة: كيف يمكن أن تكون هناك دول "رأسمالية" مزعومة لم تعرف على مدى عقود أزمات ولا بطالة و لا تنطبق فيها القوانين الرأسمالية الأخرى أيضًا، وحيث أفادت التنمية الاقتصادية الجماهير، والتي عززت المساواة بين الجنسين والقوميات ولم تشجع الرجعية والحرب في جميع أنحاء العالم، بل حركات التحرر الثورية؟ إذا كان من المفترض أن يكون كل هذا ممكنًا في دولة "رأسمالية"، أو "إمبريالية اشتراكية "، أو حتى "فاشية"، فلماذا تكون هناك حاجة إلى الاشتراكية على الإطلاق؟

العواقب السياسية لأطروحة رأسمالية الدولة والإمبريالية الاشتراكية

ومن الناحية السياسية، تؤدي هذه الأطروحات إلى سحب التضامن النقدي من أول وأهم دولة بروليتارية في التاريخ وإلى موقف مريح بعدم الاضطرار بعد الآن إلى الدفاع عن الاشتراكية السوفييتية ضد أعدائها. لكن الاتحاد السوفييتي، و جمهورية المانيا الديموقراطية في المانيا، لا يزالان العدوان المفضلين للبرجوازية وأسوأ كوابيسها، وليس بدون سبب. لقد تم سحق سلطة رأس المال في هذه البلدان، وتم إثبات إمكانية وجود مجتمع مختلف وأفضل بكثير على الرغم من كل عيوبه. كانت مكاسب الاشتراكية السوفييتية للطبقة العاملة هائلة واستمرت في التوسع حتى الثمانينيات. ففي الفترة 1950-1980، زاد نصيب الفرد من استهلاك السلع الاستهلاكية بنحو 3% سنوياً. ارتفع توافر الغذاء للشخص الواحد من متوسط 2030 سعرة حرارية للشخص الواحد في عام 1929، قبل إنشاء الاقتصاد المركزي المخطط، إلى 3400 سعرة حرارية في عام 1970 (آلن 2003, p. 132f 136). كان لكل فرد وظيفة آمنة، وحقوق شاملة في العمل، وعطلات مضمونة مع أنشطة ترفيهية منخفضة التكلفة، ومستقبل آمن. تم تخفيض أسعار المساكن والضروريات اليومية بشكل كبير حتى يتمكن الجميع من تحمل تكاليفها. وكان التعليم والرعاية الصحية مجانيين وعلى مستوى عال. كان مستوى تعليم المواطنين السوفييت هو الأعلى في العالم من حيث عدد الكتب المملوكة والمقروءة، وتكرار الزيارات إلى المتاحف والمسارح والحفلات الموسيقية، وما إلى ذلك. وقد تم القضاء فعليًا على الأمية، التي كانت منتشرة في كل مكان في عام 1917، من قبل الاتحاد السوفييتي في الثمانينات. بشكل عام، على الرغم من بعض التجاوزات السلبية، كان مجتمعًا يتمتع بمساواة اجتماعية عالية (كيني/كيران2010، ص 2 وما يليها). لقد تحقق كل هذا على الرغم من أن الاتحاد السوفييتي شهد أفظع الحروب والدمار في تاريخ البشرية، ثم اضطر بعد ذلك إلى الدخول في سباق تسلح دام أربعة عقود من الزمن ضد القوة العسكرية الرائدة في العالم. ولم يكن أي بلد رأسمالي ليجعل مثل هذه الإنجازات ممكنة. إنها فريدة من نوعها تاريخيا والتفسير الوحيد المعقول هو تفوق الاشتراكية كنظام.

ولم يكن الاتحاد السوفييتي "إمبريالية جديدة" أيضًا، بل ظل حليفًا للحركة الشيوعية العالمية، وحركات التحرر الثورية والمناهضة للإمبريالية، والحركة العمالية وغيرها من القوى التقدمية في العالم حتى سحقته الثورة المضادة. حتى مستوى المعيشة المرتفع نسبيًا للطبقة العاملة في عقود ما بعد الحرب في أوروبا الغربية كان، من بين أمور أخرى، نتيجة لوجود الاشتراكية: لأن الاشتراكية كانت موجودة كنموذج مضاد حقيقي في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي. كان على الإمبرياليين تقديم تنازلات اجتماعية للطبقة العاملة من أجل قمع النفوذ الشيوعي في الطبقة. ومن المهم أيضًا أن الموقف العدائي للإمبرياليين تجاه الاتحاد السوفييتي لم يتغير بشكل جذري بعد عام 1956. فالاستراتيجيون المناهضون للشيوعية في واشنطن وبون ولندن وغيرها، على عكس أنصار الحزب الشيوعي الصيني على سبيل المثال، كانوا يدركون جيدًا أن الاتحاد السوفييتي كان لا يزال دولة اشتراكية وأن وجوده في حد ذاته يشكل تهديدًا قاتلًا للإمبريالية. وفي حين أن جزءًا كبيرًا من التيارات الموجهة نحو الصين أو ألبانيا لا تزال متمسكة بالمواقف الخاطئة ل SCT وSIT اليوم، إلا أن الأفراد والمنظمات نأوا بأنفسهم عنها فيما بعد. ومن الأمثلة الإيجابية في هذا المعنى الثوري الأمريكي الشهير هاري هايوود، الذي انتقد في الثمانينيات ورفض خط ماو والحزب الشيوعي الصيني باعتباره مثاليًا، والذي بموجبه تمت استعادة الرأسمالية في الاتحاد السوفيتي وتطورت إلى "إمبريالية اشتراكية " والعدو الرئيسي للشعوب (هايوود 1984).

إن كل من لا يحارب الدعاية المناهضة للشيوعية ضد الاتحاد السوفييتي وجمهورية ألمانيا الديمقراطية والدول الاشتراكية الأخرى بشكل هجومي، بل ينسحب منها بترديد الافتراءات المناهضة للشيوعية، يترك النضال من أجل الذاكرة التاريخية لأكاذيب وتشويهات الطبقة الحاكمة. إن أي شخص يساوي بشكل جدي بين الاتحاد السوفييتي والفاشية وألمانيا النازية على وجه الخصوص (راجع بلاند 1995، الفصل 37) يتفوق حتى على أكثر المتغيرات اليمينية لنظرية "الشمولية". إن هؤلاء، من بين كل الناس، الذين يصورون أنفسهم كمدافعين عن خط ستالين، قد سحبوا في الواقع دعمهم للعمل العملاق الذي قامت به الجماهير وملايين الشيوعيين تحت قيادة ستالين. وبدلاً من الوقوف إلى جانب هؤلاء الشيوعيين الذين قادوا النضال من أجل تصحيح التطورات الزائفة في التضامن النقدي، ركزوا على الإطاحة "الثورية" بـ "البرجوازية الجديدة" المفترضة، أي الإطاحة بالحزب الشيوعي السوفييتي وسلطة العمال. . ومنهم من يتهم شعب وشيوعيي الاتحاد السوفييتي، الذين أطاحوا بالنظام الفاشي، وحرب الإبادة التي خاضها هذا النظام في ألمانيا و منظومة شبَه مصانع القتل الجماعي و ضحايا لا يمكن تصورها ، بأنهم هم أنفسهم قد خلقوا دولة فاشية من نوع الفاشية الألمانية. وفي أسوأ الحالات، وقفت هذه القوى علنًا إلى جانب الثورة المضادة واحتفلت بسحق الاشتراكية على يد الإمبريالية في 1989-1990 كعمل تحرري (على سبيل المثال، MLPD، انظر أعلاه). ومن ثم فإنهم يتفقون بشكل موضوعي حول هذه المسألة مع المراكز الإمبريالية الغربية، التي تحتفل بشكل مفهوم بتدمير الاتحاد السوفييتي حتى اليوم باعتباره انتصارًا ذا أبعاد تاريخية. هذه الحقيقة هي أيضًا السبب وراء قيام المخابرات الألمانية ودول أوروبا الغربية الأخرى بالترويج بنشاط لانتشار مختلف التيارات "المؤيدة للصين"، أي التيارات المناهضة للسوفييت من أجل إلحاق الضرر بالاتحاد السوفيتي وجمهورية ألمانيا الديمقراطية باعتبارهما عدوهما الرئيسيين. بينما في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، اعترضت المخابرات الألمانية الغربية حوالي 17 مليون مادة مطبوعة من جمهورية ألمانيا الديمقراطية كل عام لكونها تشكل تهديدًا للدولة، فقد شجعت هذه الدولة على وجه التحديد نشر المواد الدعائية الصينية بين الشيوعيين في ألمانيا الغربية (جاكوبي 2017). ).

خاتمة

يجب انتقاد ومحاربة التحريفية، التي فرضت نفسها بشكل متزايد في الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية العالمية والتي لا تزال تميز العديد من الأحزاب الشيوعية في العالم. إنها عقبة، إن لم تكن العقبة الأساسية بشكل عام، أمام إعادة بناء الحركة الشيوعية ومحاولة تجديد الاشتراكية. ومع ذلك، فإن هذا ينطبق بشكل خاص على نسخة التحريفية التي تم تحليلها وانتقادها في هذا النص: التحريفية المناهضة للسوفييت التي يروج لها الحزب الشيوعي الصيني وحزب العمل الألباني في شكل أطروحة رأسمالية الدولة. . فإذا رأت قوة ما نفسها كحزب شيوعي ولكنها غير قادرة على التمييز بين المجتمع الاشتراكي والمجتمع الرأسمالي، فلابد من التشكيك في أساسها العلمي. إن إعادة بناء الحزب الشيوعي لا يمكن أن تتم على أساس غير علمي مثل أطروحة رأسمالية الدولة، ولكن فقط من خلال التطبيق العلمي ومواصلة تطوير الماركسية اللينينية.

إنها ليست مسألة إنكار المزايا التاريخية للحزب الشيوعي الصيني في البناء الاشتراكي في الصين أو دور ماو في الثورة الصينية. الأمر نفسه ينطبق على أنور خوجة وألبانيا. ولا يتعلق الأمر أيضًا بوصف جميع القوى السياسية، التي تتجه نحو ذلك، بشكل عام بأنها معادية للثورة.
ولكن عندما نأوا بأنفسهم عن المنهج العلمي للماركسية، فلا بد من انتقادهم بسبب ذلك.

وأخيرا، فإن إعادة بناء حزب ماركسي لينيني تفترض النقد الذاتي لتيارنا و لأخطاء الحزب الشيوعي السوفييتي والأحزاب الشيوعية المرتبطة به. يجب تنفيذ هذا النقد الذاتي، الذي يجب أن يتضمن أيضًا تحليل أسباب الثورة المضادة، وما زال هناك الكثير مما يتعين القيام به في هذا المجال.

ولكن تلك التيارات التي، بعد الحزب الشيوعي الصيني وحزب العمل الألباني، تبنت موقفا عدائيا تجاه الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية الأخرى أو دافعت عن الأطروحات التحريفية حول "رأسمالية الدولة" و"الإمبريالية الاشتراكية "، يجب عليها، اكثر من غيرها، أن تمارس النقد الذاتي الشامل. وهذا يشمل، قبل كل شيء، تطوير وجهة نظر ماركسية علمية حول البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية والدول الاشتراكية الأخرى، والاعتراف بالاشتراكية في هذه البلدان كواقع تاريخي، والدفاع عنها في تضامن نقدي ضد افتراءات الخصم الطبقي. .

المصادر:

* Adam, Jan 1989: Economic Reforms in the Soviet -union- and Eastern Europe since the 1960s, St. Martin’s Press, New York.
* Allen, Robert C. 2003: Farm to Factory. A Reinterpretation of the Soviet Industrial Revolution, Princeton University Press: Princeton and Oxford.
* Bland, Bill 1995: The Restoration of Capitalism in the Soviet -union-, online: http://www.oneparty.co.uk/html/book/ussrindex.html
* Bor, Mikhail 1967: Aims and Methods of Soviet Planning, Lawrence and Wishart, London.
* Brar, Harpal 2007: Die Wirtschaftsgeschichte der Sowjet-union- von Mitte der 50er Jahre bis zum Ende – Grundrisse der ökonomischen Zerstörung des Sozialismus in der UdSSR, offen-siv: Niederlagenanalyse, S. 159-176
* CIA 1971: Memorandum: Soviet Military Aid to North Vietnam, 13.10.1971, online unter: https://www.cia.gov/library/readingroom/docs/DOC_0000483947.pdf.
* CIA 1985: Soviet Military Support to Angola: Intentions and Prospects, online unter: https://www.cia.gov/library/readingroom/docs/DOC_0000261290.pdf
* Cliff, Tony 1955: State Capitalism in Russia, online at: https://www.marxists.org/deutsch/archiv/cliff/1955/staatskap/index.htm
* Crane, Keith 1986: The Soviet Economic Dilemma of Eastern Europe. A Project AIR FORCE report prepared for the United States Air Force.
* Dickhut, Willi 1988: Die Restauration des Kapitalismus in der Sowjet-union-, Neuer Weg Verlag und Druck GmbH Düsseldorf.
* Feldbauer, Gerhard 2013: Vietnamkrieg, PapyRossa.
* Furr, Grover 2014: Khrushchev’s Lies, Das Neue Berlin.
* Getty, J. Arch 1991: State and Society under Stalin: Constitutions and Elections in the 1930s, Slavic Review 50 (1), 18-35.
* Hanson, Philip 2003: The Rise and Fall of the Soviet Economy. An Economic History of the USSR from 1945, New York.
* Haywood, Harry 1984: China and its Supporters Were Wrong About USSR, The Guardian 11.4.1984, online unter: https://www.marxists.org/archive/haywood/1984/04/11.htm
* Höhmann, Hans-Hermann/Seidenstecher, Gertraud 1980: Partizipation im System der administrativen Planwirtschaft von UdSSR und DDR, in: Höhmann, Hans-Hermann (Hrsg): Partizipation und Wirtschaftsplanung in Osteuropa und der VR China, Verlag W. Kohlhammer GmbH, Stuttgart, S. 9-52.
* Hough, Jerry 1976: Political Participation in the Soviet -union-, Soviet Studies 28:1, S. 3-20
* Huar, Ulrich 2002: Stalins Beiträge zur politischen Ökonomie des Sozialismus, offen-siv 8/02.
* Jacoby, Mascha 2017: Post aus Peking, Die Zeit, 9.4.2017.
* Keeran, Roger/ Kenny, Thomas 2010: Socialism betrayed. Behind the collapse of the Soviet -union-, iUniverse, New York Bloomington.
* Kommunistische Partei Perus (Leuchtender Pfad) 1988: Über den Marxismus-Leninismus-Maoismus, online unter: https://mlmtheorie.wordpress.com/2016/07/10/ueber-den-marxismus-leninismus-maoismus/ .
* Kommunistischer Aufbau 2016: Über die Zerstörung des Sozialismus und die Restauration des Kapitalismus in der Sowjet-union-, online unter: http://komaufbau.org/restaurationdeskapitalismus/
* Kontorovich, Vladimir (1988), ‘Lessons of the 1965 Soviet economic reform’, Soviet Studies, vol. 40 no. 2 (April), pp. 308-17.
* Kubi, Michael 2015: Die Sowjetdemokratie und Stalin. Theorie und Praxis in der Sowjet-union- 1917-1953, offen-siv, Hannover. Online unter: https://www.offen-siv.net/Buch-Kubi-Stalin.pdf.
* Lavigne, Marie 1983: The Soviet -union- inside Comecon, Soviet Studies 35 (2), 135-153
* Lebowitz, Michael A. 2012: The Contradictions of Real Socialism. The Conductor and the conducted, Monthly Review Press, New York.
* Lenin, Wladimir: Der Imperialismus als höchstes Stadium des Kapitalismus, LW 22.
* Liberman, Evsei G. 1962: Plan, Profits, Bonuses. Problems of Economics 8 (3), S. 3-8 (im Original erschienen in: Pravda 9.9.1962).
* Liberman, Evsei G. 1965: Are we flirting with capitalism? Profits and “profits”, Problems of Economics 8 (4), S. 36-41 (im Original erschienen in: Soviet Life, Juli 1965).
* Marx, Karl: Das Kapital, Band I, MEW 23.
* Marx, Karl: Grundrisse der Kritik der Politischen Ökonomie, MEW 42.
* Marx, Karl: Kritik des Gothaer Programms, MEW 19, S. 13-32.
* MLPD: Party programme of the MLPD (German), online unter: https://www.mlpd.de/partei/parteiprogramm.
* Schnehen, Gerhard 2016: Chruschtschows Wirtschafts- und Agrarpolitik in der Zeit, als er Partei- und Regierungschef der UdSSR war (1953-1964), offen-siv 4/2016, S. 43-72.
* Schroeder, Gertrude E. 1971: ‘Soviet Economic Reform at an Impasse’. Problems of Communism, July-1971, S. 36-46.
* Schroeder, Gertrude E. 1990: Economic Reform of Socialism. The Soviet Record, Annals of the American Academy of Political and Social Science, 507 (1), 35-43.
* Spanidis, Thanasis 2017: Die Diskussion um den Klassencharakter der VR China: Ausdruck der weltanschaulichen Krise der kommunistischen Weltbewegung, online unter: http://wieweiter.net/die-diskussion-um-den-klassencharakter-der-vr-china-ausdruck-der-weltanschaulichen-krise-der-kommunistischen-weltbewegung/
* Statute on the Socialist State Production Enterprise (1966), Problems in Economics 8 (9), S. 11-26
* Szymanski, Albert 1979: Is the red flag flying? The Political Economy of the Soviet -union-, Zed Press, London.
* Tsokhas, Kosmas 1980: The Political Economy of Cuban Dependence on the Soviet -union-, Theory and Society 9 (2), 319-362
* Zilkenat, Reiner 2017: Hilferdings Märchen, junge Welt 22.5.2017.



#دلير_زنكنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر أحفاد العائلة البارزانية عصر الظلامية والنهب
- اليسار ليس مفهوماً
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ...
- التحالف الخياني النازي الصهيوني
- خمسة حقائق يجب معرفتها عن الشيوعية فريدا كاهلو
- خطاب خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي : ال ...
- التحرر المنقطع: المرأة والعمل في ألمانيا الشرقية
- الأزمة المتكاملة في الولايات المتحدة وصنمية النقاء
- الأسس الأيديولوجية للإرهاب الصهيوني
- بونابرت الإسرائيلي
- المادة في حركة: دور الفلسفة الديالكتيكية في العلوم
- مسائل المادية: دور الفلسفة في العلم
- صديق انصار تعدد الاقطاب دوغين يناور عبر تناقضات بريكس
- العلاقات بين الاحزاب الشيوعية و الطليعية في النضال من أجل وح ...
- خونة الثورة الإسبانية. الانقلاب التروتسكي في برشلونة في مايو ...
- الديمقراطية الغربية من الداخل
- ألكسندر دوغين هو النبي الرجعي للقومية الروسية المتطرفة
- خطاب استقالة من الشعب اليهودي
- الكتائب الدولية في إسبانيا و الاممية البروليتارية
- كوبا: الإنجازات ومفترق الطرق


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - دلير زنكنة - هل كان الاتحاد السوفييتي -رأسمالية دولة- و-إمبريالية اشتراكية -؟