أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جابر احمد - رسالة إلى المؤتمر الثاني لتنمية العدالة التعليمية















المزيد.....


رسالة إلى المؤتمر الثاني لتنمية العدالة التعليمية


جابر احمد

الحوار المتمدن-العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 00:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بقلم: محسن رناني - أستاذ الاقتصاد بجامعة أصفهان وباحث في مجال التنمية
ترجمة: جابر أحمد
تاريخ النشر: 29 ديسمبر 2016

إن هذه الرسالة شأنها شأن الرسائل والمناشدات الأخرى حول أهمية تدريس لغة الأم، إلا أنها ألقيت في سلة المهملات من قبل القائمين على أمور التعليم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفيما يلي الترجمة الكاملة لهذه الرسالة:

لقد بدأنا منذ 110 أعوام، ومع انطلاق الثورة الدستورية ومن مرحلة الصفر في إرساء قواعد الدولة الحديثة والعمل على إدخال مجتمعنا إلى عالم الحداثة. ولكن مع ذلك، لا يزال النظام في إيران - سواء قبل الثورة الإسلامية أو بعدها - بعيدًا كل البعد عن تحقيق الدولة الحديثة، ولا يزال مجتمعنا يعيش حالة من الارتباك. رغم أننا في المرحلة الانتقالية خطونا خطوات للأمام، لكننا لا نزال بعيدين كل البعد عن تحقيق الهدف المنشود. فلا وضع دولتنا الحالي يشبه الدولة الحديثة السائدة، ولا سلوك مجتمعنا هو سلوك المجتمع الحديث.

وللأسف بقينا في هذه الفترة التي مضت، لم نكن نعرف فيها ماذا نريد وماذا لا نريد، لأن من الضروري المعرفة.

إن التخطيط الذي قمنا به لعملية التنمية كان فاشلًا إلى حد كبير. ولعل الخطأ هو أننا لم نفعل شيئًا على الإطلاق سوى استنزاف جزء كبير من مواردنا الطبيعية بما في ذلك المناجم، والنفط، والمياه، والغابات؛ ورغم ذلك، ما زلنا نراوح في مرحلة ما قبل الحداثة. وباختصار: ما زلنا في مرحلة بعيدة كل البعد عن التنمية لأن مواردنا التي من المفترض أن تساعدنا على إنجاز عملية التنمية هي على وشك النفاد.

لقد جربنا جميع المسارات التي اعتقدنا أنها ستقودنا إلى الحداثة والتنمية. فقمنا بتطوير الطرق وبناء الجسور، ومددنا خطوط السكك الحديدية، وجلبنا الكهرباء، وبنينا سدودًا كثيرة، وأدخلنا التعليم الحديث، وفتحنا الجامعات في أغلب الأقاليم وبنينا المدارس في القرى والأرياف النائية. وأدخلنا صناعة المونتاج، وركزنا على الإنتاج الداخلي وقللنا الواردات وشجعنا ودعمنا الصناعات المحلية، وابتعدنا عن تحديد الأسعار، وفرضنا الحصص، وأعطينا الدعم ثم قمنا بتحرير السوق بشكل واسع. وشجعنا الصادرات، وقلصنا الواردات، وعدنا مرة أخرى نحو الاقتصاد المفتوح. لكن رغم كل ما فعلنا، لم يتغير شيء سوى أن مواردنا استنفدت وتدمرت وتبخرت، وحتى لم نعرف أين أخطأنا؟

ولا نعرف من هي الجهة المسؤولة عن ذلك، ولكن كانت النتيجة هي أننا لم ننتج أفرادًا مؤهلين على مدار هذه السنوات يكونون قادرين على دفع عملية التنمية في هذا البلد إلى الأمام. فكنا على الدوام نواجه نقصًا خطيرًا في اليد العاملة الماهرة، وحتى عندما كانت معدلات قبول الطلاب لدينا من أعلى المعدلات في العالم. اعتقدنا أن وجود عدد كبير من الجامعات سيحل مشكلة الموارد البشرية لدينا، لذا قمنا بمضاعفة جامعاتنا بشكل غير معقول. تمام.

لقد أدخلنا قبل سبعين عامًا نظام التعليم الحديث على نطاق واسع، واعتقدنا أن مجرد تخرج أبنائنا من المدارس التقليدية وجلوسهم خلف المكاتب وهم يتكلمون بلغة موحدة يكفي لتربية إنسان حديث وسنكون قادرين على تحقيق عملية التنمية.

واليوم، بقينا ندير مدارسنا بنفس الطريقة التي كانت سائدة في العهود الماضية، وكان خطأنا الأكبر هو أننا ركزنا على تطوير ذاكرة أطفالنا وليس على تطوير شخصياتهم. لقد طورنا نظامًا تعليميًا قائمًا على الذاكرة لمدة سبعين عامًا بشكل ميكانيكي، في حين أن الأشخاص المبدعين والقادرين على تحقيق التنمية يتم تربيتهم عندما يجتازون نظامًا تعليميًا قائمًا على العلاقات. كما قمنا بتخريج أشخاص لديهم مهارات علمية عالية جدًا ولكن يفتقدون إلى إقامة العلاقات الاجتماعية الجيدة.

كما هو معلوم أننا استوردنا النظام التعليمي من الغرب ونفذناه. مع أن الغرب ومنذ أكثر من قرنين أدرك خطأه في هذا المجال وبدأ في بإصلاح نظامه التعليمي الخاص بالأطفال.

ويجب ألا ننسى أن النظام التعليمي القائم على الذاكرة كان ناجحًا في الغرب. وذلك لأن الأسرة الغربية كانت قد مرت بتحولات فكرية واسعة لمدة قرنين من الزمن، وهذا التحول أدى إلى تغيير شامل بالنظام الفكري والسلوكي للأسرة الغربية وأتاح الفرص اللازمة لتربية أطفال لديهم قدرات اتصال قوية وشخصيات ناضجة في الأسرة.

وبالتالي، على الرغم من أن المدرسة كانت تركز على التعليم وعلى الذاكرة، إلا أن ذلك لم يدمر شخصيات أطفالهم.
نحن أيضًا اتبعنا نفس المسار، ولكننا نسينا أن الأسرة في إيران لم تمر بمثل تلك التحولات الفكرية وذلك منذ مائتي عام، وبالتالي لم تُزرع البذور الأولية للقدرات التي من شأنها أن تحقق عملية التنمية في عقول ولغة الأطفال. لذلك تم فقدان الأمل بدور الأسرة وكان علينا أن نعد كل شيء في المدرسة؛ ولكن للأسف، تحولت مدارسنا إلى مصانع تنتج بشكل ميكانيكي أفرادًا متعلمين ذوي ذاكرة وقدرات عقلية قوية. ولكن ما أغفلناه طوال سبعين عامًا هو شخصية الأطفال الذين كنا نتوقع أن يكونوا قادرين على تحقيق عملية التنمية عندما يكبرون، ولكن هذا لم يتحقق لأننا لم نمنحهم الإمكانيات الكافية في طفولتهم لتحقيق ذلك.

وهذا لم يكن خطأنا الكبير الوحيد الذي ارتكبناه، وإنما ارتكبنا خطأ فادحًا آخر وهو أننا استبعدنا نصف سكان بلادنا من المشاركة الفعالة والملائمة في عملية التنمية. وذلك لاعتبارات سياسة خاطئة تمامًا، ولا بل عنصرية، فلم نحاول جمع أو نشر أي إحصاءات رسمية عن نسبة السكان من الأقليات اللغوية والعرقية في بلادنا. ومع ذلك، تشير التقديرات المختلفة إلى أن سكان إيران من غير الناطقين باللغة الفارسية يشكلون ما بين 42 إلى 49 في المائة من السكان. لكننا خلال السبعين عامًا الماضية، أجبرنا أطفال ما يقارب من نصف سكان بلادنا، وهم الأقليات غير الناطقة باللغة الفارسية، على تعلم اللغة الفارسية وذلك منذ الصف الأول الابتدائي وأجبرناهم على تلقي التعليم باللغة الفارسية. في حين أن المرحلة الأولى لعملية التنمية في أي بلد من البلدان تبدأ من مرحلة الطفولة وخلال مرحلة الدراسة الابتدائية وما قبلها.

وكان خطأنا أن كل ما نريده لمستقبل بلادنا يجب أن نزرع بذوره في هذه السن وذلك من خلال الفرض الإجباري للتعليم باللغة الفارسية وفرضه عنوة على الأطفال الذين ليست لغتهم الأم الفارسية. وهذا ما يجعلنا نعرضهم لتوقف يستمر لعدة سنوات وذلك في مرحلة تعد أهم مرحلة من مراحل سنوات حياتهم وهي عملية تكوينهم الاجتماعي. وفي هذا المجال تفيد الإحصائيات أن 67 في المائة من طلاب الصف الأول والثاني الذين يعانون من الفشل ينتمون إلى 9 أقاليم ثنائية اللغة على مستوى البلاد.

فوجود مثل هذه المشكلة يعني أنه عندما يتأقلم الأطفال الإيرانيون من غير الناطقين باللغة الفارسية مع اللغة الفارسية ويتعلمونها، يكونون قد فقدوا مراحل سنوات مهمة من الطفولة، وهي المراحل الحاسمة للتعلم والتدريب على الأمور التي يحتاجون إليها لاحقًا لكي يتسنى لهم المشاركة الفعالة والمستمرة في عملية التنمية.

وبقينا لم ندرك حتى الآن أن لغة الأم ليست مجرد لغة للحديث فقط، بل هي لغة العاطفة، لغة الشعور، ولغة الحياة الفردية. إن لغة الأم هي اللغة الداخلية للإنسان، فعملية التفكير تحدث أولاً باللغة الداخلية لكل فرد ثم تُترجم إلى لغته المنطوقة. من هنا قد أظهرت الدراسات أن الأطفال من الجماعات الثنائية اللغة الذين تعلموا لغتهم الأم جيدًا يكون لديهم دماغ أكثر قدرة على معالجة المعلومات العاطفية وفهم المعاني. في الواقع، فمن خلال عدم تعليم اللغة الأم وفرض اللغة الفارسية على الأطفال الذين ليست لغتهم الأم هي الفارسية، تتوقف في نفس سن الطفولة عملية نضج لغتهم الداخلية ولغة تفكيرهم، ويضطرون لتحمل ضغوط نفسية وعاطفية كثيرة، وبعد تأخير عدة سنوات، يصبحون في النهاية قادرين على التفكير والتحدث باللغة الجديدة المفروضة عليهم. ولكن ما يفقدونه في هذه الأثناء هو الفرص لتنمية أبعادهم التربوية والوجودية التي تشكل قدراتهم الاتصالية والتنموية.

فالنقطة المهمة هي أن اللغة هي ظاهرة أو نظام (عاطفي)، أي أنها ظاهرة تطورت بشكل طبيعي وبدون تدخل بشري واعٍ ووصلت إلى نظام ذاتي الدفع. في الظواهر العاطفية، فتعلمها يتم باستخدامها وتطبيقها، وتحليلها أولاً ومن ثم تحديد مكوناتها ثانيًا. فإذا كانت اللغة ظاهرة عاطفية، فعلينا أن نستخدمها ونزيد من قدرتنا على استخدامها إلى الحد الأقصى، ثم ننتقل إلى تعلمها وتحليلها.

فعندما نخرج الطفل من بيئة لغته (لغة الأم) وندخله في التعليم الإجباري للغة الفارسية، فإنه لم يصل إلى نقطة النجاح في عملية تعلمه العاطفي للغة الأم، أي إلى النقطة التي يكتمل فيها النمو الكامل للتحدث والإدراك. وهذا يعني أن جزءًا من المشاعر والعواطف الذي يجب أن ينضج بشكل كامل بمساعدة اللغة الأم لا يكتمل، وبالتالي يتوقف فعليًا تطور القدرة على التحدث باللغة الأم عند الطفل، مما يعني أن لغته الداخلية التي هي أيضًا لغة تفكيره لا تصل إلى أقصى قدرتها. ثم يُجبر هذا الطفل المسكين على تعلم اللغة الفارسية أولاً، ثم تعزيز القدرة على التفكير باللغة الفارسية ثانيًا.

ولعل هذا هو الخطأ الجسيم الذي ارتكبناه على مدار سبعين عامًا الماضية بحق الأطفال من الأقليات غير الناطقة بالفارسية، ووضعناهم في وضع غير متكافئ في المنافسة للحصول على الفرص الاجتماعية والاقتصادية مع الناطقين بالفارسية.

وفي الواقع، من خلال فرض التعليم باللغة الفارسية، فإننا نقوم عمليًا بإبطاء وإيقاف عملية نضج الذهن والشخصية لنحو نصف سكان البلاد لعدة سنوات، وندمر الفرص لدى الأطفال غير الناطقين بالفارسية لصالح الأطفال الناطقين بالفارسية. وبهذه الطريقة، نقلل من الفرص العامة للمشاركة في عملية التنمية في الأقاليم التي يشكل سكانها الأغلبية من الناطقين بالفارسية. ربما يكون جزء من الفجوة وعدم التوازن التنموي بين المحافظات المركزية وأقاليم الأطراف في بلادنا ناتجًا عن هذه المشكلة. بمعنى أنه على الرغم من تخصيص ميزانيات مناسبة في الماضي لتطوير بعض الأقاليم المحرومة، فإن تلك الأقاليم لا تزال محرومة.

في الواقع، السبب هو أننا، من خلال فرض اللغة الفارسية على أطفال الأقاليم ثنائية اللغة، خلقنا توقفًا لعدة سنوات في عملية تكوين الشخصية والقدرات للأطفال في هذه الأقاليم، وهذا قد يكون بداية لتوزيع غير عادل للفرص بين الموارد، بالإضافة إلى أنواع الظلم السياسي والاجتماعي والثقافي.

من هنا، فإن هذا الشكل من الظلم في مجال التعليم الذي فرضناه بشكل ناعم وبدون ضجيج على الأقليات غير الناطقة بالفارسية في إيران على مدار السبعين عامًا الماضية، هو ظلم مدمر.

فلغة الأم مثل الهندسة المعمارية المحلية. هل من المعقول أن ندمر جميع المنازل الريفية أو المباني المحلية في المناطق المختلفة والمدن التاريخية في البلاد لأن هندستها المعمارية ليست مثل تلك الموجودة في طهران؟ إذا كان الجواب لا، فلماذا إذن نفعل نفس الشيء مع اللغات الأم للأقليات، التي هي جزء من التراث الحضاري وثروة المجتمع بأسره؟ فالقضاء على اللغة الأم لا يختلف عن إبادة الجنس والنزعة العنصرية. فالمجتمع الذي يريد فرض لغته على جميع اللغات الأخرى هو في الحقيقة مجتمع عنصري، كونه يريد فرض لغة يعتبرها متفوقة على لغات الآخرين. ولا يهم إذا كان يريد أن يعطي الأولوية لعرق معين على حساب الآخرين، أو لغة معينة، أو دين معين، أو أيديولوجية معينة، فكل ذلك يعني نوعًا من العنصرية.

أما التناقض الذي نعيشه، فنحن من جهة ننفق الكثير من المال للحفاظ على النقوش والآثار التاريخية البالية، ومن ناحية أخرى ننفق الكثير من المال للحد من إضعاف اللغات الأم الحية للأقليات غير الناطقة بالفارسية في إيران.

إن تدمير اللغة يؤدي إلى تدمير الثقافة، وتدمير الثقافة يؤدي إلى تدمير الهوية. وعندما تُدمر الهوية، يحل محلها الكراهية والعنف. من هنا، تعتبر لغة الأم أداة لتوسيع رأس المال الاجتماعي، وأن تدميرها يعني تدمير رأس المال الاجتماعي. لقد اعتقدنا أنه من خلال تعميم اللغة الفارسية على الأقليات غير الناطقة بالفارسية، سنتمكن من تعزيز التماسك الاجتماعي. ولكن ليس هذا هو الحال. فاللغة المفروضة تخلق نوعًا من المقاومة الداخلية في المتعلم، وتجعله مستعدًا للانتقام من المجموعة التي فرضت عليه تلك اللغة في الوقت والزمن المناسبين.

وبشكل عام، فإن النظام التعليمي الحالي المفروض على القوميات الأخرى في إيران يبدأ فيه التعليم من السنة الأولى من المدرسة الابتدائية، ويتجاهل الاهتمام بتنمية أبعاد الطفل الوجودية في المرحلة التي يجب أن تتشكل فيها القدرات البيولوجية والسمات الشخصية التنموية للطفل، وتتعزز قدراته على التواصل عبر تطوير ذكائه الاجتماعي. فالنظام التعليمي الراهن يشغل الطفل بتعلم أشياء لا يحتاجها في هذا السن المبكر، ويُفرغ طاقته وقدراته في هذا المسار. وفي النهاية، بعد فترة تعليمية مدتها 12 عامًا، يخرج شباب مليئون بالمعلومات العلمية ولكنهم يفتقدون للقدرات اللازمة للتواصل مع شؤون الحياة الإنسانية الغنية.

وللأسف، إن هذه العملية المدمرة تكون أشد قسوة على أطفال الأقليات غير الناطقة بالفارسية. لأن هؤلاء الأطفال في الفترة التي تشكل آخر فرصة لنضج الأبعاد الشخصية والسلوكية للإنسان، يواجهون ثلاث موجات من الضغوط الحياتية والاجتماعية الشديدة في حياتهم: أولًا، الضغط الناتج عن دخول المدرسة والمجتمع الكبير خارج الأسرة؛ ثانيًا، الضغط الناتج عن تعلم لغة غير لغة الأم، وهي الفارسية، التي لم يكن لديهم أي خبرة سابقة عنها؛ وثالثًا، الضغط الناتج عن الدخول في المرحلة التعليمية الرسمية.

أي أن الطفل يجب أن يدخل المجتمع الكبير، ويتعلم لغة غير لغة الأم، وهي الفارسية، لكي يحصل على المعرفة العلمية في نفس الوقت. نتجاهل الكارثة التي تحدث بحق أطفال بلادنا بهذه الطريقة؟ وما الأضرار التي نلحقها بقدراتهم الوجودية والحياتية والاجتماعية؟

فالانفصال عن استخدام اللغة الأم يعني قطع العلاقة العاطفية للطفل مع بيئته، وتقييد قدرته على التعبير عن عواطفه وأحاسيسه. كما تتوقف لديه عملية نضج مفاهيمه وإدراكاته. تمامًا مثلما أن عملية قطع النسل البشري عمل غير أخلاقي، فإن إيقاف أو عدم تعليم اللغة الأم وفرض لغة أخرى على الأطفال يعتبر هو الآخر نوعًا من قتل الشخصية وهو عمل غير أخلاقي تمامًا.

التعليم الإجباري للطفل بلغة غير لغة الأم يؤدي إلى قطع العلاقة التعليمية بين الأم والطفل، وبالتالي يتم تهميش الأم في عملية نضج مفاهيم وإدراك الطفل.

ويستغرق هذا الأمر وقتًا طويلًا، وتضيع الفرص، وتنتج عنه تكاليف نفسية وعاطفية كبيرة يتحمل عبءها هؤلاء الأطفال الأبرياء حتى يتمكنوا من استعادة أنفسهم ووضع عملية نضج مفاهيمهم وإدراكاتهم في مرحلة الإبداع. لأن اللغة هي أداة تكاملية لفهمنا. وقطع اللغة يعني قطع عملية نضج التفكير لدى الأطفال، مما يعتبر ظلمًا وانتهاكًا لحقوقهم الإنسانية.

وعليه، أعتقد أن ما ارتكبناه من أخطاء خلال السبعين عامًا الماضية بحق غير الناطقين بالفارسية ليس استبدادًا سياسيًا فحسب، وإنما هو استبداد لغوي أشد قسوة وألمًا بكثير.

ولا يمكننا الحديث عن عملية تنموية حقيقية في عموم أقاليم البلاد، دون احترام الحياة الطبيعية لجميع الأقليات غير الفارسية ومنحهم حق التدريس بلغاتهم والاعتراف الرسمي بها.

وأن هناك فوائد جمة لهذا التنوع اللغوي، على سبيل المثال، في سويسرا توجد ثلاث لغات رسمية، وفي جنوب أفريقيا هناك إحدى عشرة لغة رسمية.

قد يُقال إن دستورنا ينص على أن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية الوحيدة لدينا، وأن أي تحول في هذا المجال يتوقف على تعديل الدستور. ولكن دستورنا في المادة الخامسة عشرة يسمح بتدريس الأدب باللغة المحلية والقومية في المدارس. ما علينا فعله هو اتخاذ القرار باستغلال هذه الفرصة وتحقيقها.

وعليه، أقترح على منظمي "المؤتمر الثاني لتنمية العدالة التعليمية" أن يولي ميثاق المؤتمر مستقبلًا في سياساته الوطنية تغطية الغالبية العظمى من المدارس الابتدائية في الأقاليم ثنائية اللغة، وهذه سياسة جيدة. ولكن نظرًا للصعوبات المالية التي تواجه الحكومة والتي ستزداد في المستقبل، فإن احتمال تحقيقها صعب، إلا أن هذا هدف وغاية مطلوبة ويحلم بها الجميع.

وهذا الهدف ليس صعب المنال، خاصة إذا تم توفير خدمات تعليمية شاملة في مرحلة ما قبل المدرسة لجميع الفئات السكانية والأعراق المختلفة، وهذا يتطلب تنظيمًا واسعًا ورصد ميزانيات كبيرة ومشاركة واسعة جدًا من قبل القطاع الخاص. ويبدو أن تحقيق ذلك ليس بعيد المنال.

فإذا كانت حكومة الجمهورية الإسلامية ترى نفسها ملتزمة بعملية التنمية، فيجب عليها أن تبدأ بإحداث تحولات جوهرية في مجال التعليم الابتدائي اعتبارًا من العام القادم. ولتحقيق هذا الغرض، يمكننا الاستفادة من القدرات الحالية المتوفرة لدى وزارة التعليم في البلاد. حيث يتمتع جميع الأطفال في سن التعليم الابتدائي بإمكانية الوصول إلى المدارس.

وأهم خطوة يجب اتخاذها في هذا المجال هي اتخاذ قرار بتغيير منهاج نظام التعليم الابتدائي من نموذج قائم على التعليم إلى نموذج قائم على التربية. علينا أن نقبل أن سنوات المدرسة الابتدائية هي سنوات التربية، ويجب أن يصبح التعليم في هذه المرحلة مسألة ثانوية. على الرغم من أنه لا يمكن تحقيق مثل هذا التحول في عام واحد، إلا أنه إذا قبلت وزارة التعليم مبدأ هذا التحول، يمكن أن يتحقق خلال عملية تستمر ست سنوات. على سبيل المثال، يمكن تحويل كل عام دراسي من النموذج القائم على التعليم إلى النموذج القائم على التربية.

قد يكون من الصعب ومكلف تحقيق هذا التحول في جميع أنحاء البلاد وفي نفس الوقت. ولكن يمكن أن تبدأ هذه الحركة في بعض الأقاليم ثنائية اللغة، وبعد تجربة سنة أو سنتين، يمكن تعميمها تدريجيًا على باقي الأقاليم ثنائية اللغة، ثم على جميع الأقاليم في البلاد.

إن تحول نهج نظام التعليم الابتدائي من نموذج التعليم إلى نموذج التربية يتيح الفرصة في المحافظات ثنائية اللغة لتنفيذ البرامج المتعلقة بتربية وتنمية القدرات الشخصية والاجتماعية للأطفال في هذه المحافظات بلغاتهم الأم. قد يكون من المناسب أنه في المحافظات ثنائية اللغة، في السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية، أن يتم التركيز على تربية الأطفال من حيث نمو القدرات البيولوجية والشخصية وتطوير قدرات التواصل الاجتماعي، باستخدام لغاتهم الأم. في هذه الفترة يمكنهم أيضًا تعلم الثقافة والأدب بلغتهم الأم، مما يتيح لهم فرصة الاقتراب من حدود التعرف على لغتهم الداخلية ولغة تفكيرهم. بعد ذلك، من السنة الرابعة، يمكن أن يبدأ تعليم اللغة الفارسية بشكل تدريجي، بحيث يتعلم هؤلاء الأطفال القراءة والكتابة باللغة الفارسية حتى نهاية السنة السادسة الابتدائية، وعند دخولهم المرحلة الإعدادية، يمكنهم متابعة تعليمهم العلمي بالكامل باللغة الفارسية.

بالنسبة لي، فإن أحد المعايير المهمة في الحكم على مدى التزام الحكومات بالتنمية هو طريقة تعاملها مع الأقليات في هذين المجالين، حيث تظهر بشكل واضح شخصية الإنسان وكرامته وحقوقه أمام السلطة والقانون، مما لا يجعله معرضًا للإهانة والظلم. ولكن للأسف، فإننا في العقود الثلاثة الماضية، لم يكن لدينا أي سجل إيجابي في هذه المجالات. ليس لدينا وقت كثير، والآن حان الوقت المناسب لوضع حد لهذا النوع من الظلم.

إن إيران، من حيث التنوع الثقافي والقومي والديني، هي بمثابة لوحة ملونة جميلة، وإن إلغاء أي لون من ألوان هذه اللوحة يعتبر خطوة نحو تشويه جمالية هذه اللوحة، وإن الحفاظ عليها لا يتم إلا عبر تعاون ومشاركة الجميع. لذا في الخاتمة أقول:

عاشت هذه اللوحة
عاش التنوع الثقافي واللغوي

المصدر: قناة تلغرام محسن رناني



#جابر_احمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زوال الحكم الديني في إيران قريبًا أمر حتمي
- وفاة الشاعر الشعبي الأهوازي المخضرم حبيب حيدر مزرعة
- أسباب تراجع خامنئي عن انقلابه على الإصلاحيين
- الأمم المتحدة تكشف جرائم إيران وتدعو لإسقاط النظام
- بزشكيان يكشف مبكرًا عن توجهاته المستقبلية إزاء القوميات والم ...
- عقد مؤتمر للتراث الآري (حضارة الميديين والأخمينيين) في طهران
- مسعود پزشكيان: هل يعتذر للمرأة بعد توليه رئاسة الجمهورية؟
- مقاطعة الانتخابات من قبل غالبية الشعب والأحزاب
- تصريحات الإصلاحيين حول حل مسئلة القوميات في ايران اقوال بلا ...
- فوز الشاعرة والمترجمة الأهوازية غزالة النبهاني بجائزة ناجي ن ...
- مصرع إبراهيم رئيسي: نهاية أحد أكبر جلادي النظام الإيراني
- إقليم الاهواز الإمكانيات والتحديات في ظل الإهمال الحكومي
- السجن خمس سنوات للناشط والباحث الاهوازي حسين فرج الله كعب
- مقتطفات من مذكرات إبراهيم يزدي، أول وزير خارجية إيراني بعد س ...
- نبارك الطبقة العمالية بيوم العمال العالمي
- فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة ...
- ديكتاتورية نظام ولاية الفقيه أمام تنامي الوعي الاجتماعي
- نظام ولاية الفقيه ينتهك السيادة الوطنية لدول الجوار
- إصدار حكما تعزيرا جائرا بحق الفنان الاهوازي المبدع مهدي يراح ...
- المطلوب تفعيل لغات القوميات في مجال الانتاج الادبي


المزيد.....




- ما رد البيت الأبيض على تصريحات بوتين عن كامالا هاريس؟
- هل يمكن لأمريكا إبرام صفقة أحادية مع -حماس- بشأن الرهائن؟.. ...
- بلينكن يعلن عن فحوى محادثاته مع الإسرائيليين والسعوديين بشأن ...
- ثلاثة أسباب لتوسعها.. جماعات متطرفة تهدد غرب أفريقيا
- دراسة: تراجع أعداد الخفافيش تكلفته مميتة على البشر
- بعد تسميته رئيسا جديدا للوزراء في فرنسا.. من هو ميشيل بارنيي ...
- مطلق النار في مدرسة بجورجيا.. تساؤلات بشأن -تحقيقات سابقة-
- بلينكن: هناك قضايا حرجة في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة
- مؤسس تليغرام: كان على فرنسا تقديم شكوى للشركة بدل اعتقالي
- محطة براكة للطاقة النووية.. تفاصيل المشروع الأول من نوعه بال ...


المزيد.....

- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جابر احمد - رسالة إلى المؤتمر الثاني لتنمية العدالة التعليمية