أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خليل إبراهيم كاظم الحمداني - هل اصبحت حقوق الإنسان... رفاهية لم تعد الدول تتحملها؟ ماذا لو انسحبت الدول من معاهدات حقوق الإنسان؟















المزيد.....

هل اصبحت حقوق الإنسان... رفاهية لم تعد الدول تتحملها؟ ماذا لو انسحبت الدول من معاهدات حقوق الإنسان؟


خليل إبراهيم كاظم الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 8091 - 2024 / 9 / 5 - 02:57
المحور: حقوق الانسان
    


في عام 2007، بينما كانت شعارات الحرية والكرامة تتردّد في الأروقة الدولية، أظهرت فرنسا وجهها الآخر بوقاحة لا مثيل لها، حيث قامت بتجاهل فاضح لمبادئ حقوق الإنسان التي تُفاخر بها أمام العالم. ففي زيارة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى ليبيا، لم يكن الهدف من الزيارة سوى إبرام صفقات تجارية مع النظام الليبي المعروف في حينها بانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان. "الوقت ليس وقت حديث عن حقوق الإنسان بل وقت الصفقات"، بهذا المعنى كانت عناوين الصحف الفرنسية في ذلك الوقت، مُعلنةً وعلى لسان ساركوزي بصراحة لا تعرف الحياء عن التخلي عن قيم الجمهورية الفرنسية في سبيل حفنة من العقود التجارية المربحة.
وقد كان في حكومة ساركوزي آنذاك وزيرة دولة لحقوق الإنسان، ولكن حتى وجودها لم يكن كافيًا لردع الحكومة عن بيع مبادئها الأساسية لصالح مصالحها الاقتصادية. هذا الموقف المثير للجدل أظهر بجلاء كيف يمكن للضغوط السياسية والاقتصادية أن تسحق مبادئ حقوق الإنسان تحت وطأة المصالح الضيقة. فتضارب المصالح الذي تجسّد في تلك الصفقة المخزية يعكس بوضوح كيف يمكن للدول أن تبيع ضمائرها بأبخس الأثمان.
في ظل هذه الخلفية المظلمة، يصبح الانسحاب من معاهدات حقوق الإنسان أكثر من مجرد قرار سياسي؛ إنه انتكاسة أخلاقية وتاريخية تقود العالم إلى حافة الهاوية.
إن انسحاب الدول من معاهدات حقوق الإنسان هو ليس مجرد خطوة قانونية أو سياسية، بل هو تمزيق لنسيج الأخلاق والقيم التي تربط البشرية ببعضها البعض. هذا الفعل ليس فقط تراجعًا عن التزامات دولية، بل هو تراجع عن المبادئ الأساسية التي قام عليها المجتمع الدولي بعد أن دفع أثمانًا باهظة من دماء الملايين، خاصة في أعقاب الصراعات والحروب التي مزقت العالم في القرن العشرين. أي محاولة للخروج من هذه المعاهدات ليست سوى إعلان حرب على الإنسانية نفسها، وإشارة واضحة على نية ارتكاب انتهاكات بشعة بحق الأفراد والمجتمعات تحت ستار السيادة الوطنية.
1) تراجع عن حماية واحترام الكرامة الإنسانية: انسحابٌ من ضمير البشرية
عندما تقرر دولة الانسحاب من معاهدات حقوق الإنسان، فإنها تخلع عن نفسها عباءة الكرامة التي تستر جميع الشعوب المتحضرة. هذا القرار لا يمكن اعتباره مجرد إجراء إداري أو سياسي، بل هو طعن مباشر في ضمير البشرية وفي القيم التي تحملها الإنسانية جمعاء. إنّ حقوق الإنسان ليست مجرد كلمات أو نصوص جامدة، بل هي تجسيد لمبادئ العدل والمساواة والحرية التي لا يمكن التفريط فيها أو تجزئتها تحت أي ذريعة كانت.
الدول التي تسعى للتحرر من هذه الالتزامات تحاول أن تتخلص من القيود التي تفرضها عليها القوانين الدولية، ولكن في الحقيقة، هي تقيد نفسها في أغلال من الظلم والقمع. هي تسعى لإطلاق يدها في الانتهاكات دون خوف من المساءلة أو العقاب، وهو ما يشكل تهديدًا وجوديًا للسلم والأمن الدوليين. فمن خلال انسحابها، تُعلن هذه الدول أن مصلحة النظام الحاكم فوق مصلحة المواطنين، وأن السلطة فوق القانون.
2) الاستقلال الزائف: وهم السيادة المطلقة
أولئك الذين يدّعون بأن الانسحاب من معاهدات حقوق الإنسان سيمنح الدولة سيادة مطلقة هم في الحقيقة يعيشون في وهم كبير. السيادة لا تعني الاستبداد أو التحرر من الالتزامات الأخلاقية والقانونية، بل تعني القدرة على حكم الدولة بشكل عادل ومسؤول وفقًا للمعايير الدولية التي ارتضتها الدول الحرة. الانسحاب من هذه المعاهدات ليس سوى هروب من المسؤولية ومحاولة لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان تحت ستار "الخصوصية الثقافية" أو "الدينية".
3) خرافة "التضاد الثقافي": عندما تصبح حقوق الإنسان عدوًا للدين والعادات
في عالم تزداد فيه الابتكارات العلمية والتكنولوجية، لا يزال هناك من يحاول إقناعنا بأن حقوق الإنسان تتعارض مع الدين أو العادات أو البنية الثقافية للمجتمعات. هذه الحجة المتكررة، التي باتت أشبه بنكتة باهتة، يُروّج لها أولئك الذين يسعون إلى تبرير انتهاكاتهم البشعة تحت عباءة "الخصوصية الثقافية". فهل أصبحت حقوق الإنسان، التي وُضعت لحماية كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، فجأةً تتعارض مع القيم الدينية السامية؟ أم أن الأمر مجرد حيلة خبيثة لستر ممارسات القمع والاضطهاد؟
إن القول بأن حقوق الإنسان لا تتوافق مع "الثقافة" أو "الدين" ليس سوى هروب جبان من المساءلة الدولية ومحاولة لتكريس الاستبداد. هؤلاء الذين يتذرعون بهذه الحجج الواهية يحاولون أن يقنعونا بأن العبودية مثلاً كانت جزءًا من "الثقافة" يومًا ما، وأن التعذيب يمكن أن يكون "تراثًا"، وأن اضطهاد المرأة ليس سوى ممارسة "تقليدية" يجب احترامها ! ! ! لكن الحقيقة الفاضحة هي أن هذه الحجج ليست إلا ستارًا دخانيًا يُستخدم لتبرير انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وكأن العالم لم يعد يتسع للقيم العالمية التي تجمعنا كبشر. فالإنسانية ليست ملكية خاصة لثقافة أو دين بعينه، بل هي إرث مشترك يتجاوز الحدود والجغرافيا، ويعبر عن القيم الأساسية التي يتفق عليها كل عقل واعٍ.
فدعونا نسأل: أي ثقافة هذه التي تبرر الظلم والقهر؟ وأي دين يدعو إلى انتهاك حقوق الإنسان؟ إذا كانت هناك ثقافات أو تفسيرات دينية تبرر هذه الانتهاكات، فقد حان الوقت لمراجعتها، لا لمعاداة حقوق الإنسان.
لذا، فلنقطع الطريق على هذه الخرافات التي لم تعد تقنع أحدًا. إن محاولة تصوير حقوق الإنسان كعدو للثقافة والدين هو مجرد خدعة رخيصة تهدف إلى تبرير القمع، وليس شيئًا أكثر من ذلك.
4) عواقب وخيمة على المجتمع الدولي
إنّ تداعيات الانسحاب من معاهدات حقوق الإنسان لن تقتصر على الدولة المنسحبة وحدها، بل ستمتد آثارها إلى المجتمع الدولي بأسره. ستبدأ هذه الدول في ممارسة انتهاكات واسعة النطاق، وسرعان ما ستنضم إليها دول أخرى ترى في هذا السلوك ملاذًا من الانتقادات الدولية. ستصبح الانتهاكات "المؤسسية" أكثر انتشارًا، وستشهد المحاكم الدولية والمجتمع الدولي عجزًا عن التدخل لحماية الضحايا.
العالم، كما نعرفه اليوم، قد يتفكك إلى دويلات تتصارع على السلطة والموارد، تتجاهل فيها أبسط معايير حقوق الإنسان. وسنشهد تراجعًا مريعًا عن المكتسبات التي تحققت عبر عقود من النضال من أجل الكرامة الإنسانية.
5) النظام الدولي في خطر
إن خروج دولة واحدة من معاهدات حقوق الإنسان يفتح الباب أمام سلسلة من الانسحابات التي قد تؤدي في النهاية إلى انهيار النظام الدولي القائم على القوانين والاتفاقيات الدولية. إنّ هذا النظام لم يتشكل من فراغ، بل جاء نتيجة لتجارب إنسانية مريرة، تهدف إلى تجنب تكرار الفظائع والانتهاكات التي شهدها العالم في الماضي.
إن انهيار هذا النظام سيعني عودة العالم إلى حقبة الفوضى والاضطرابات، حيث تسود قوانين الغاب، وحيث تصبح الحقوق مسألة نسبية تخضع لأهواء الحكام والطغاة. لن تكون هناك محاكم دولية قادرة على حماية الضحايا، ولن يكون هناك مجتمع دولي يستطيع أن يفرض العقوبات على الدول المنتهكة.
6) تهديد للسلام والأمن الدوليين
إن الانسحاب من معاهدات حقوق الإنسان لا يمثل فقط تهديدًا داخليًا بل هو تهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين. إن الدول التي تتخلى عن التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان تمهد الطريق لانتشار الفوضى والاضطرابات ليس فقط داخل حدودها، بل يتعدى ذلك إلى الإقليم والعالم بأسره.
في عالم متشابك ومترابط، تصبح انتهاكات حقوق الإنسان في دولة ما أزمةً دوليةً تؤثر على الجميع. قد تؤدي مثل هذه الانتهاكات إلى نشوب نزاعات مسلحة، وتدفقات غير مسبوقة للاجئين، وزعزعة استقرار مناطق كاملة. لن تكون أي دولة بمنأى عن هذه التداعيات، مهما كانت قوتها أو ثروتها.
7) إضعاف القيم الإنسانية المشتركة
الانسحاب من معاهدات حقوق الإنسان يرسل رسالة واضحة بأن القيم الإنسانية المشتركة لم تعد ذات أهمية. إن هذه القيم، التي تشمل الكرامة والحرية والمساواة، هي التي تجمع البشرية بغض النظر عن اختلاف الثقافات والأديان والأعراق.
عندما تقرر دولة أن تتخلى عن هذه القيم، فهي لا تتخلى عن التزاماتها فقط، بل تتخلى عن إنسانيتها. إنها تسير في طريق يعيد العالم إلى العصور المظلمة، حيث كان الإنسان مجرد وسيلة لتحقيق مصالح القوى المتسلطة، حيث كانت الحياة تُسحق تحت وطأة الطغيان والقهر.
8) الخلاصة: ضرورة الحفاظ على الالتزامات الدولية
في خضم هذا العالم المضطرب، لا يمكن لأي دولة أن تعيش في عزلة. إن التعاون الدولي القائم على احترام حقوق الإنسان هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات المشتركة، سواء كانت هذه التحديات في مجال الأمن أو التنمية أو البيئة.
الانسحاب من معاهدات حقوق الإنسان هو بمثابة إطلاق النار على أقدامنا. إنه تدمير ذاتي لا يعود بالفائدة على أي طرف. وحده الالتزام الجماعي بالقيم والمبادئ الإنسانية هو ما سيضمن مستقبلًا أكثر عدلًا وأمنًا واستقرارًا للبشرية جمعاء.



#خليل_إبراهيم_كاظم_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثمار الظلم: كيف تؤثر انتهاكات حقوق الإنسان على مستقبلنا؟
- -نهج حقوق الإنسان: هل هو الإطار المثالي لتحقيق العدالة الاجت ...
- وعدٌ مُلزمٌ أم حبرٌ على ورق؟ دوافع انضمام الدول لمعاهدات حقو ...
- الصوت العربي في تشكيل إطار حقوق الإنسان مساهمات في صياغة الإ ...
- برئاسة عربية لمجلس حقوق الانسان .. قرارات استثنائية لقضايا ع ...
- فلسطين الأم الحالمة وبشارات وداع رمضان
- العنف ضد المرأة ... والعناية الواجبة
- الوثائق المتعلقة بحقوق الانسان .....محنة التوافق واختباء الم ...
- ملفات حقوق الانسان الساخنة.. لا تصلح في المناطق الدافئة مطال ...
- الحق في الحياة.. الحق في جودة الحياة محنة الكشف ودهشة الاكتش ...
- الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الانسان
- حقوق الانسان المتأصلة.. حقوق الانسان العالمية ضد فكرة المنحة ...
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ...
- نساء ساهمن في تشكيل عالمنا الحقوقي نون النسوة وصياغة المعايي ...
- الدورة العادية الخمسين لمجلس حقوق الانسان صراع أولويات الاهت ...
- حقوق النساء والفتيات في العراق والاليات الدولية لحماية حقوق ...
- الالتفاف على آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان .... آلية ا ...
- مؤشر التشريعات الجندرية ...وصفة جاهزة للرقابة والرصد
- الطفولة في البلدان العربية ... مؤشرات حقوق الطفل بين الاستبا ...
- السياسة وحقوق الإنسان.. ورطة العرب في ضياع بوصلة الفصل بين ا ...


المزيد.....




- الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة ...
- الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد ...
- الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي ...
- الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خليل إبراهيم كاظم الحمداني - هل اصبحت حقوق الإنسان... رفاهية لم تعد الدول تتحملها؟ ماذا لو انسحبت الدول من معاهدات حقوق الإنسان؟