عمار علي
الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لقد مرت على العراق ازمنة. غزو و قحط وفقر واوبئة وحروب داخلية وخارجية وسجون ومنافي وحصارات, ولكن لم تتخلل الشخصية العراقية وصمدت بوجه هذه الازمنة المرة, بل وكانت تعيش حالة من التضامن الاجتماعي بين مختلف الاطياف الدينية والطائفية والعرقية, وعاشت في وحدة وطنية متماسكة,ارعبت مختلف الانظمة التي حكمت هذه البلاد ,وكان نضال الشعب العراقي محط اعجاب كل الاحرار بالعالم . ولم يعرف الفرد العراقي اي فكر طائفي او عنصري ولم يتعرض المجمتع لاي هجمة تهدد وحدته. الا في هذه المرحلة المرعبة.
وأن العنف الدائر بالعراق ألان .هوعدوان وقح على حياة الناس جميعا. بدون مبرر, ولايستند هذا الموت اليومي المجاني على اي فقه اخلاقي , وضعي أوديني ولا حتى على اي عرف آخر سوى طغيان روح الطائفة التي تسسللت الى نسيج هذه الشخصية, وتحول الى بنية ثقافية- سياسية نفسية تاسست تحت منظومة ايدلوجية محكمة. جوهرها تخريب العالم الجواني للفرد وتحويله الى مسخ تحركه الغرائز والمصالح الفردية التي يحققها عبر ابشع الوسائل وقتل روح الجماعة التي تأسس لثقافة التفكير الجمعي التي تهدد مستقبل الاستبداد. وقد مزقت هذه المنظومة البناء الداخلي للفرد العراقي فعلا وهزمت قيمه التي اسسها عبر حقب تاريخية طويلة. التي كونت هذه الشخصية الطيبة والمتسامحة . والتي عاشت عبر سنوات طويلة بسلام ومودة بين مختلف الاطياف التي تشكل النسيج المجتمعي.
ولكن بعد ان تكون هذا الانشطار الطائفي الذ ي ظهر بقوة في نسيج هذا البناء الاجتماعي ,بعد سقوط النظام,و التي يبدوا أن هذه الطائفية كانت راكدة في اعماق المتجمع غذها الاستبداد والتهميش والفقر , وتحولت الى هوية مقدسة راسخة, تتحرك في احشاء المجتمع بهدوء ولكن بحقد , وقد ظهرت تجلياته بألاعمال الرهيبة لهذه الطوائف من خلال المذابح و فنون القتل والتعذيب الاخرى. وبنيت و استندت هذه الهوية الجديدة على أيديولوجيا مغلقة مستحكمة جوهرها الفكري هو العداء المذهبي والفقهي والاجتماعي .وصارت آلية تقوم على اساسها كل المشاريع اللاحقة التي تجذر هذه العصبيات المقيتة.وكانت المحاصصة احدى تجليات هذه الظاهرة. و كان لضعف الدولة وغيابها دورا خطيرا.في خلق مناخ سياسي محتقن وشديد التعقيد, يقوم على أستقطابات سياسية و دينية وطائفية وعرقية عميقة . مدعومة بقوى مسلحة.تزاحم الدولة وتلغيها .عبر مليشيات وعصابات خارجة عن القانون .تفرض هيمنتها وتسن قوانينها التي تخلخل بنية المجتمع وتعمل على تفكيكه,.بشكل يومي وعنيد.
هذا الاستقطاب الذي غدا الممر الامن, الذي تسلل من خلاله السرطان الطائفي المرعب داخل جسد المجتمع الواهن. ليهدد بناء هيكل الدولة, التي تستعيد أنفاسها بعد غيابها القسري تحت أحذية الطاغية .
لقد غدى الموت بالعراق ممارسة يومية تستهدف الجميع. وبطرق متعددة,على أثراغتيال. انفجار مسجد, ضريح ولي او أمام وحتى قبر عادي لاي كائن ينتمي الى طائفة ما سوف يشعل حريق, كنيسة, رصاصة طائشة, اختطاف, سيارة مفخخة, بهيمة مزنرة بالديناميت.او عن طريق التطهير الطائفي الاسود والقتل من خلال الهوية. المستشري هذه الايام في ثنايا البلاد.
مشهد يومي مرعب, لحشد من الجثث المعذبة, الموثوقة الايدي, المقطوعة الروؤس يتم العثور عليها (صدفة) وهنا أوكد على كلمة (صدفة) مرمية في أماكن مجهولة او على قارعة الطريق.او طافية على الانهار. وأخير الاختطاف الجماعي وفي وضح النهار, وهذا يشكل تحدي واستخفاف بالحكومة بشكل سافر.
غدت شوارع البلاد تحت عنف المليشيات الى ساحات حرب طائفية و أغتيالات , وعبث مدمر بحياة البشر, وعدوانية لاتطاق. يقودها رعاع الفقه المذهبي الاسود.
جثث لبشر مغدورين بطريقة سافلة. تعذيب وحشي ,لأ شباع الرغبات السادية المتجذرة بالحقد. ايغال في تنكيل الضحية وتدميرها, وسحق كرامتها , ومن ثم اطلاق الرصاص عليها وحز رأسها , والتمثيل بها . وتشويها حتى يكتمل مشهد الرعب الذي يترك انفعالا عاطفيا مشحون بالخوف , و حتى تصبح اشد ايلاما ورعبا من القتل العادي لكي يتسلل الخوف والفزع الى الشارع المشحون اصلا بوقائع الموت اليومي الرهيب . و في نفس الوقت هو تعبير دوني عن مشاعر الحقد والسادية عند هؤلاء المسخ المنتمين الى عالم الجريمة السافل. مشهد يثير الاحزان و الفزع والاضطراب. واي وحشية تحرك هذه الكائنات ؟
مالذي يجري بالعراق ؟
في هذا المناخ المحبط والمريض.
يتبادر الى الذهن سؤال ذات طبيعة اجرائية وفكرية, لاأجد الاجابة عليه أزاء هذه الحالة وهذا الاسلوب من القتل.. والغموض الذي يكتنف الحالة بالعراق.
وهو سؤال موجه الى الحكومة العراقية الصامتة عن فصول الالم الدامية ,والمنشغلة بترتيب المحاصصة. بأحتفالية يومية سوداء ,والركض خلف الامتيازات الفردية والفئوية .
لماذا هذا السكوت المخزي عن هذه الجرائم ؟ ولماذا لاتشير الى الجهات التي ترتكب هذه الاعمال الدنيئة بالاسم وتقدمهم الى محاكمة علنية ليعرف الجميع عن المسوؤل عن هذا الخراب ؟.ولماذا تقدم فقط مبررات سهلة وتحمل التكفيريين والزرقاويين والصدامين وغيرهم.هذه الافعال الشنيعة؟
هل جيش المهدي وقوات بدر بريئة من هذه الاعمال؟ وكيف يتسنى لنا معرفة هذا اذا لم تعلن الحكومة عن المجرمين ؟ الكل ملثم والكل يرتدي السواد والكل يسبح بحمد الله والكل يستند للاسلام كمرجعية.
وفي نفس الوقت اوجه السؤال الى علماء الاجتماع بالعراق لدراسة هذه الظاهرة المخيفة والتي تهدد بنية المجتمع العراقي , وتنسف القيم الاجتماعية التي تعرضت وتتعرض الان الى هزات عنيفة .
هل هذه جرائم جنائية ؟ اقصد هل هذه الجرائم تقوم بها عصابات مافيا منظمة أم انها مليشيات تابعة للاحزاب والتي بدأت القتل على الهوية .ومعروف ان القتل على الهوية تمارسة أطراف معروفة الانتماء والمنهج المذهبي والسياسي. يعني ان المتتبع للاحداث يعرف من الذي يقوم بالقتل على الهوية ومع هذا والحكومة صامتة صمت القبور.
هل هذه الحالة هي جزء من سمات العنف عند الشخصية العراقية؟
أم هي حالة محدودة عند بعض الأفراد المصابين بعقد نفسية؟
ام هي خلل في بنية المجتمع العراقي الثقافية؟
ام هي حرب طائفية عابرة يجب حشد كل القوى والطاقات من اجل أيقاف عجلتها الدامية؟
أطرح هذه الاسئلة للبحث والتقصي . ومعرفة أسباب العنف المنفلت بالعراق وعن قسوةالاساليب العنيفة بالقتل. كل هذه الاحتمالات ممكنة , ولكني أظن أن هناك شيء اكبر يحرك كوامن هذه الارواح الميتة والتي ترتكب هذه الجرائم بدم بارد ونشوة عارمة بالتنكيل الى حد قطع راس الضحية ببرود أعصاب وتشفي.
هوالاعتماد على فقه وتأويل وقراءات خاطئة للنص الديني, و من خلال حشد المغفليين لهذه الفكرة المجنونة فكرة القتل والتدمير, من خلال أغوائهم بالعالم الاخر مغسولا من كل ذنب وخطيئة.
لقد حرمت الشرائع والاديان العنف لما يخلفه من اذى وأهانة للفرد . لذلك يجب على الحكومة ان تفرض وجودها الفعلي بقوة القانون والسلاح. وعلى رجال الدين العقلانين محاربة العنف وتكفير من يمارسه فكرا ودعاية وتنظيم.
لا شك أن الاحتلال شجع على بروز هذه الظاهرة. من خلال اجندته الخاصة المرتبطة بالحرب على الارهاب, وغض النظر عن صعود الفكر الطائفي التكفيري الذي أدى الى حالات من الاحتدام والعنف.
و لكنه لم يستطع التحكم بحركة الارهاب داخل العراق, فأدى هذا ألتدهور الى تفاقم الازمة الامنية التي تحولت الى بدايات حرب اهلية ظهرت بوادرها الحقيقة والاولى بالتطهير الطائفي و باسلوب القتل على الهوية.
لقد خرج الموت من اقبية التعذيب البعثية الى الشوارع والساحات ليعلن حرب التفخيخ الطائفية
القذرة.بعثيون معممون ,وآخرون بكوفيات وهابية , ومليشيات تتلفع بالسواد المرعب ولحى وخواتم وجهل يؤثث لامارات اسلامية مغلقة ومشيدة على فقه الموت .
ألامن والاستقرار هما من المقومات الاساسية في المجتمع. وتلعب الدولة الدور الابرز في الحفاظ على ترسيخهما..بالقانون والقوة وبدعم القوى المساندة لأستعادة دور الدولة وتفعيل عملية المصالحة الوطنية لانها افضل الحلول لهذه الازمة ..
وعلى الحكومة ان تحترم حرمة الدم العراقي المهدور بلا سبب سوى نزعات الطوائف المستشرية في جسد عراقنا المذبوح.
الرحمة على هذه الارواح المغدورة والخزي للقتلة .
#عمار_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟