أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - فضفضة علمانية














المزيد.....

فضفضة علمانية


محمد ساجت قاطع

الحوار المتمدن-العدد: 8090 - 2024 / 9 / 4 - 08:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنّ الوظيفة الأساسيّة للدولة هي توفير الخدمات والسلع العامة لمواطنيها، واحتكار وسائل العنف الشرعيّة والحفاظ على الأمن، وتنظيم الشؤون الاجتماعية والدنيوية للمجتمع... ولا ينبغي للدولة أن تتبنّى رعاية دينٍ أو مذهبٍ أو عقيدةٍ معيّنة، على حساب دينٍ أو مذهبٍ أو عقيدةٍ أخرى، بل ينبغي لها أن تتعامل باحترامٍ وحياديّةٍ مُطلقة مع جميع التوجّهات الدينية والعقائدية لمواطنيها، وأن تضمن لهم حقّ الحريّة في ممارسةِ طقوسهم وشعائرهم الدينية.

وفي الغالب، لا تحتاج الأديان الحقّة والعقائد إلى نظامٍ سياسي لكي يساعدها في الرواج أو اكتساب المشروعية، إنّما تكسب الأديان والعقائد مشروعيتها ونبلها وصدقها وانتشارها ورواجها من خلال ما تحمله من مضامين أخلاقية واجتماعية، يمكن أن تنتفع البشرية بها. على العكس من ذلك، أننا لو أخذنا نظرةً بسيطة على التاريخ ومساراته، وجدنا أنّ الأنظمة السياسيّة التي تبنّت ديناً أو مذهباً أو عقيدة معينة، وأقامت حكماً سياسياً عليه، انعكس ذلك سلباً على هذا الدين أو المذهب أو العقيدة، إذ يكون حينها محلّ نفورٍ وازدراء بسبب المظالم والانتهاكات والطغيان التي تقوم بها تلك السلطة أو النظام السياسي، تحت غطاء هذا الدين المسكين.

وهنا تأتي أهميّة الدولة العلمانية التي تُعنى بفصل الدين عن السياسة، وإبعاد المؤسّسة الدينية عن معترك السياسة، أي تضمن للدين أن يكون بعيداً عن استغلال المشاريع السياسيّة، وتجعله بمنأى عن أن يكون مطيّة يركبها أصحاب المطامح والساعون إلى تحقيق الأمجاد الشخصيّة بواسطة المشاريع السياسيّة. وبما أنّ الدولة العلمانيّة في هذه الحالة، تكون غير متكئة على دينٍ ما في فرض حكمها وكسب مقبوليتها، تكون ساحة الدين خالية من المسؤولية عندما تُقدم هذه الدولة على ممارساتٍ فيها ظلم أو فساد. كما أنّ النظام السياسي في الدولة العلمانية يمكن محاسبته بصورة أسهل وأبسط من الدولة الدينية، لانتفاء الأرضيّة المقدّسة التي يقف عليها في الدولة الدينية.

والدولة العلمانية تعتني بتدبير الأمور الدنيوية والاجتماعية للإنسان، أمّا الدين فيعتني بأموره الأخروية والروحية. إضافة إلى ذلك، أن الإنسان الذي يخسر دنياه لا بدّ له أن يخسر آخرته، لأنّ الإنسان عندما يعيش في ظروف دنيوية صعبة، وفي فقرٍ مدقع، غالباً ما تسوء أخلاقة، فتراه يندفع في الكذب والنفاق والسرقة في سبيل تحصيل ما يمسك بهِ رمقه، ولا يسلم من هذا الانجرار إلّا أصحاب البصيرة العالية من فئة الأنبياء والأولياء، فهؤلاء فئة شاذة وقليلة، والشاذ والقليل لا يُبنى عليه. يقول أبو ذر الغفاري: "إذا ذهب الفقر إلى مكان قال له الكفر خذني معك"، ولو أردنا أن نأتي بالشواهد من أقوال الأولياء والحكماء في هذا الخصوص، لملأنا كتباً كثيرة.

شرعيّةُ الحكومات ومشروعيّتها في الدولة العلمانية مصدرها الشعب لا غير، مع وجود عقد بين المجتمع والحكومة، بما يجعل الحكومة ملزمة ببنود هذا العقد، وفي حال فشلها يحقّ للشعب تغيير هذه الحكومة ليأتي بأخرى، لها القدرة على تلبية متطلباته وطموحاته والالتزام بالعقد المُبرم بينه وبينها. علماً أنّ الحزب الناجح، والذي يمتلك رؤيةً ومشروعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً لإدارة الحكومة، عندما يريد أن يكسب مشروعيّته لا يحتاج إلى دينٍ معيّن أو دعمِ جهةٍ دينيّة معيّنة، بل كلّ ما عليه هو تقديم الرؤية والمشروع الذي لديه ليكسب تأييد الجماهير، ويبقى نجاحه ومشروعيّته متعلّقة بقدرته ومصداقيته في تحقيق رؤيته ومشروعه المزعوم.

أمّا الأحزاب التي لا تملك رؤيةً سياسيّةً واضحة لإدارة الدولة، وخطّة حقيقية لإدارة ثروات البلد ومقدراته، بما يتوافق ويصبّ في مصالح المواطنين، وبما يضمن الحياة الكريمة لهم، بل يكون جلّ مسعاها هو تحقيق المطامح والمصالح الشخصيّة والحزبيّة الضيّقة، ولأنّها عاجزة بسبب فسادها، عن تنفيذ رؤية سياسيّة عامة تُدير بها الدولة بصورة إيجابية وإنتاجية، لتكسب من خلال ذلك الشرعيّة في تسنّم مقاليد السلطة.. ولهذا تحاول كسب المشروعيّة والقبول من الناس عن طريق اللجوء إلى الدين مثلاً، لأنّه يمثل الجانب المقدّس في حياة الناس. والعامة من الناس ينجذبون ويحترمون دعاة التقرّب من الدين أو دعاة الدفاع عنه وحمايته، ويطربون إلى الشعارات الدينية الرنانة. وبذلك يحصل مرتزقة الدين هؤلاء على المشروعيّة والمقبوليّة المطلوبتين، ويحصلون أيضاً على الكثير من المغانم والأموال تحت غطاء المقدّس (الدين). وبفضل المشروعية المكتسبة هذه، يسيطرون أيضاً على جميع مفاصل الدولة ومؤسّساتها ويحتكرون جميع مواردها الاقتصادية والإعلامية والثقافية، ويوظّفونها في خدمة مصالحهم الخاصة.

وحين تخرج ضدّهم شرائح من الناس والمجتمع، ممّن أدركوا أساليب هذه الجماعات وحيلها، مطالبين بالتغيير، لا يجدون إلّا القمع وتشويه السمعة، والاتهامات بالعمالة والتمويل من جهاتٍ خارجية، لأجل ضرب الدين والمذهب والعقيدة وتشويهها!

وهكذا يسبّب هؤلاء أيضاً نقل صورة مشوّهة عن الدين والتعاليم والرموز الدينية، ممّا يدفع الكثير من الناس الذين يرون أنّهم محرومون من حقوقهم في العيش الكريم والحصول على ما يمسكون رمقهم به إلى النفور من الدين. وكلّما استمرَّ هذا الحال (استغلال الدين في السياسة)، ازدادَ عدد المعادين لهذا الدين والخارجين منه، بسبب زيادة الفقر وتردّي الأوضاع المعيشية لغالبية الناس والمجتمع، وذلك في الوقت الذي تمتلئ به كروش السياسيين حتى تكاد أن تنفجر.

وفي نهاية المطاف، يمكن القول إنّ العلمانية تضمن للمقدّس (الدين) عدم تلوّثه بدنس السياسة.

✍️ محمد ساجت السليطي.



#محمد_ساجت_قاطع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطابور الخامس.. تجلياته في سلوك القوى السياسية العراقية
- رأي للدكتور الوردي.. في ثورة العشرين
- قراءة في كتاب جولة في دهاليز مظلمة للسيد محمد حسن الكشميري
- ((ألمانيا المعجزة.. وعملية تدمير الأفكار المدمرة))
- قراءة في كتاب ايامُ بغداد.. لأمين سعيد
- (( قراءة في كتاب العبودية المختارة.. لإتيان دو لا بويسي ))
- أنا بالضد من...، ومع.....
- الاحتجاج الشعبي.. والاستغلال السياسي
- لكي لا يبصق عليك التاريخ!!
- (( قراءة في كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب.. لأبن ا ...
- من هم الهمج الرعاع؟
- الشاعر الذي قتلتْه وردة
- مَنّ يَزِيذُ على إسرائيل.. في الخسة والنذالة؟
- (( حقوق الشيعة.. وجيوب الفاسدين ))
- (( سبب مثالية أفلاطون ))
- (( قراءة في كتاب مسارات الحداثة في الفكر الوطني والقومي.. لر ...
- (( فرح أنطون.. بين الدولة المدنية والدولة الدينية ))
- (( قراءة في رواية المزدوج.. لفيودور دستويفسكي ))
- (( قراءة في كتاب طوبوغرافيا المكان.. لنعيم عبد مهلهل ))
- (( مجالس السُرّاق والفاسدين 2 ))


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - فضفضة علمانية