أسعد أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في القرآن العربي وردت عبارات واضحة و صريحة عن تخصيص نبوة النبي محمد الي العرب أي القبائل المستوطنة الموجودة في الجزيرة العربية و المنحدرة من نسل محدد و يتكلمون جميعهم اللغة العربية التي عبّروا بها عن منطقهم و مفاهيمهم و ثقافتهم كما وردت في معلقاتهم و أشعارهم قبل و بعد زمن كتابة القرآن. و في الزمن الذي ظهر فيه النبي محمد بينهم كانت نصوص و تعبيرات رسالة القرآن الموجهة اليهم محددة بالوقت و الظروف البيئية و القبلية و الاجتماعية التي كانوا يعيشون فيها و بلسانهم أي لغتهم دون لغات بقية الشعوب التي أحاطت بهم , ففي سورة يوسف 2 "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" و هذا بيان من القرآن بأن العرب لم يكونوا يعقلون الامور الالهية التي كانت قبل ظهور النبي محمد , و ذلك لأن هذه الامور (مثل دعوة إبراهيم و من بعده الاسباط و إعطاء الشريعة عن يد موسي و قيام مملكة إسرائيل بيد داود و سليمان و نبوات الانبياء ثم إنجيل المسيح) كانت كلها قد كُتِبَت باللغات العبرية و الارامية و اليونانية , و يبدو أن ترجمة العقائد و التعاليم الدينية الي العربية ـ إن وجِدَت ـ كانت ضعيفة و لم تكن مفهومة للعرب مما أدي الي نشوء الكثير من الانحرافات الدينية بينهم . و بالرجوع الي ما جاء في سورة طه 113 "وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا و صرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون" نجد أن الآية هنا تُرجِع سبب عدم تقوي العرب و إنحرافهم عن الدين الصحيح لله إلي أنه لم يكن عندهم كتابا عربيا يخاطب مداركهم بحسب بيئتهم و ثقافتهم و كان هذا عذرهم في ضعف ديانتهم فجاء النبي محمد في القرآن بوعيد أي بتهديد عربي لعلهم يخافون و يتقون .أما في سورة الرعد 37 فقال"و كذلك أنزلناه حكما عربيا" أي أن أحكام القرآن و شريعته تتماشي مع و تناسب البيئة و المجتمع و العقلية العربية مما يفيد إختصاص العرب بالقرآن و رسالة النبي محمد دون غيرهم من الامم التي لا تتكلم العربية و عوائدهم و ثقافتهم غير عوائد العرب خاصة المسيحيين من أهل الشام و الاقباط المصريين و أهل العراق الآشوريين الذين كانت ثقافتهم مختلطة بالثقافة اليونانية الهيلينية حتي أن القرآن قال عن الذين إدّعوا إن النبي محمد ينقل القرآن عن الشعوب الاخري فقال في سورة النحل 103 "و هذا لسان عربي مبين" و في سورة الشعراء 191 -198 "و إنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين و انه لفي زبر الاولين أو لم يكن لهم ءاية أن يعلمه علمؤا بني اسرائيل و لو نزلناه علي بعض الاعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين" و هكذا يُطَمئن القرآن العرب إلي إختصاصهم به دون غيرهم فإن بقية الشعوب الاخري إذا ما قرأ أحد عليهم القرآن فبحسب ما جاء في النص السابق فإن هؤلاء الشعوب لن يفهموه لخلاصة و سلامة كلماته العربية التي كُتِب بها و إختلافها عن بقية اللغات الاخري التي يتحدث بها هؤلاء الشعوب غير العربية . فهكذا تقف اللغة العربية حائلا بين رسالةالنبي محمد و بين إدراك و فهم الامم المحيطة بالجزيرة العربية المدعوين أعجميين لسبب عدم فهمهم للغة العربية بينما هم مدركون و مؤمنون بالامور التي وردت في القرآن و التي كانت في الكتاب الذي بين أيديهم من قبل أن يأتي النبي محمد بالقرآن , فرسالة القرآن لا تختلف عن ما قبله من الكتاب لكن الإختلاف في اللغة فقط و في محدودية قدرتها علي التعبير . فقد كان علماء بني اسرائيل (وطبعا من بعدهم تلاميذ أو حواريو المسيح و كلهم كانوا يهودا) كلهم كانوا يُعَلّمون هذه الشعوب الامور الالهية بلغاتهم , أما القرآن فموجه من النبي العربي محمد إلي العرب بلغتهم و بلسانهم و بحسب مفاهيمهم و مداركهم المختلفة عن بقية الشعوب و بلسان العرب و ليس فيه جديد من الاحكام الدينية عن ما سبقه من الكتب , كما جاء في سورة الزمر 28 "قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون" أي أن اللكنة أو الهجة التي يُقرأ بها القرآن ـ و ليست اللغة فقط ـ هي لكنة أعرابية صميمة . و في سورة فصلت 3 "كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون" و في سورة الاحقاف 12 "و هذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا" أي أن القرآن جاء به النبي محمد باللسان العربي لغة و لهجة ليصَدّقَ به علي الكتاب السابق و هو التوراة و الانجيل , فتوضح لنا كل هذه الايات و العديد الاخري منها تخصيص الرسالة الي العرب بلغتهم و بلهجتهم و أهم مبادئ هذه الرسالة هو أن تصادق علي ما قبلها من التوراة و الانجيل.
و بالتالي فان الشعوب التي حول الجزيرة العربية الذين لا يعلمون لغة العرب لا تعنيهم رسالة القرآن و النبي محمد في شئ , ليس فقط لانهم لا يعرفون اللغة العربية بل لان القرآن أيضا يحوي نفس الرسالة التي في الكتاب المقدس و التي بُلّغت اليهم من قبل و قبلوها و لكن جاءت في القرآن بعقلية و لغة عربية موجهة الي العرب , و هي رسالة معروفة و مقبولة و يؤمن بها الشعوب التي تحيط بالجزيرة العربية قبل العرب , و الرسالة موجودة في الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد و الذي قال عنه القرآن في سورة البقرة 144 "و الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم" و كلام القرآن الي النبي محمد أنه هو الذي ينبغي أن يتأكد من صحة القرآن و ذلك بأن يسأل الذين يقرأون الكتاب من قبله ليتأكد من صحة رسالته و مطابقتها للكتاب المقدس فيقول القرآن في سورة يونس 94 "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" فبهذا يكون كل تفسير للقرآن لا يطابق الكتاب المقدس فهو تفسير باطل و القول بان القرآن يغير ما قبله قول باطل فكلام الله لم يتغير و علي العرب أن يفسروا قرآنهم بما يوافق الكتاب المقدس الذي كان بين يدي النبي محمد و قت كتابة القرآن .
لأن القرآن الذي أتي به النبي محمد يحوي نفس الحقائق التي في الكتاب الذي بين يديه إنما أتي القرآن باللغة العربية ليكون للعرب الناطقين بها كما جاء في سورة الاحقاف 12 " و هذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا" لأن العرب تفرقوا في الاديان و تشعبوا فيها بين الصنمية الوثنية و بين الكفر و الشرك و بين النصرانية التي تشبه المسيحية و غيرها من المذاهب و الاديان فلما أراد النبي محمد توحيد القبائل العربية تحت برنامجه السياسي في عاصمة واحدة هي يثرب قال لهم في القرآن لمّا إدّعي العرب أنهم آمنوا من قبل فقال في سورة الحجرات 14 "قالت الاعراب ءامنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا" أي ليس فقط أن يؤمنوا بالحقائق الالهية كما هي في الكتاب الذي سبق القرآن بل أن يخضعوا لاركان الاسلام الخمسة التي حددها لهم النبي محمد ضمانا لوحدتهم في الديانة و عدم تفرقهم
و يقر القرآن بأن كل رسول يرسل فإنما الي أُمّةِ يكون منها و تكون رسالته إليها بلسانها أي بلغتها فيقول في سورة إبراهيم 4 "و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء و يهدي من يشاء" و هذا بيان صحيح إن القرآن العربي مرسل إلي العرب بلسانهم و ليس القرآن و لا النبي محمد مرسل إلي أي قوم آخرين بل إلي العرب ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين كما جاء في سورة مريم 97 "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوما لدا" أما باقي الشعوب و الامم فقد أرسلت إليهم رسلا يتكلمون بالسنتهم كما جاء في سورة يونس 74 "ثم بعثنا من بعده رسلا الي قومهم فجاؤهم بالبينات" و في سورة يونس 47 " و لكل أمة رسول" و القرآن واضح في أن النبي محمد رسالته موجهة إلي العرب من دون باقي الامم كما جاء في سورة التوبة 128 "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم"
فكانت رسالة النبي محمد في القرآن باللغة العربية و هدفه أن يخرج العرب من التفرق و التشتت الديني و يدعوهم الي نبذ الاصنام و البعد عن الشرك و العودة الي دين الله و التمسك بدين إبراهيم الحنيفي الذي رفض الاصنام و تمسك بالله الواحد الذي دعاه فترك أرضه و هاجر إلي الارض التي أعطاه الله إياها و من سلالته جاء معظم الانبياء مثل موسي و داود و سليمان و دين عيسي التوحيدي و إنجيله الذي ثبته الله بأن توفاه علي الصليب (المائدة 117) و بعثه من الموت حيا(مريم 33) و رفعه اليه( آل عمران 55) مطهرا إياه من الذين كفروا (آل عمران 55) و يبين للمؤمنين به أن يسلموا إلي الله(آل عمران 52) و يؤمنوا بكفارته عنهم(النساء 159) لان الله جعله وجيها في الدنيا و في الاخرة (آل عمران 45) و الذين يتبعوه قال عنهم القرآن إن الله جاعلهم فوق الذين كفروا الي يوم القيامة(آل عمران 55)
هذا هو الدين الذي إعتنقه النبي محمد عن إبراهيم و عن المسيح عيسي إبن مريم و قصد أن يوحد الجزيرة العربية كلها عليه بلسان عربي في قرآن عربي و هو الدين الذي أرسل به النبي محمد كتبه الي ملوك الروم و الحبشة و مصر فهل إتبع العرب الاسلام كما قصده النبي محمد في القرآن العربي؟
#أسعد_أسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟