آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 8088 - 2024 / 9 / 2 - 16:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مهدت نتائج تنفيذ الصفحة الأولى من مؤامرة سقوط مدينة الموصل العراقية و المتمثلة بخلق حاجز نفسي و طائفي بين الجيش العراقي و سكان المدن و المناطق ذات الغالبية من العرب السنة الى انهيار تام لمعنويات منتسبي الجيش العراقي للوحدات العسكرية المتواجدة في تلك المدن و المناطق و بدأت المرحلة الثانية لمؤامرة سقوط مدينة الموصل المتمثلة بخروج هذه المدينة و مدن عراقية اخرى عن سلطة الحكومة الاتحادية .
لم يكن التغيير الذي تم في العراق في 2003 بأسقاط نظام البعث الصدامي انقلابا عسكريا أو ثورة شعبية و إنما تم بواسطة قوة احتلال اجنبية حلت محل المؤسسة العسكرية و الأمنية العراقية التي كانت تمسك السلطة في معظم مدن و مناطق العراق , و كانت الطريقة التي اتبعها المحتل الأمريكي بتشكيل هيكل لجيش عراقي جديد هي المشكلة و السبب الأساسي في كل ما حدث من انهيار للعديد من قطعات الجيش العراقي و خروج الموصل و مدن اخرى عن سلطة الحكومة الاتحادية خلال الأيام الأولى من تنفيذ الصفحة الثانية لمؤامرة سقوط الموصل , حيث اعتمد المحتل الأمريكي في بناء هيكل الجيش العراقي الجديد على اسس المحاصصة الطائفية و القومية , طبيعة هذا الهيكل الجديد للجيش العراقي هي التي ساهمت في تفكك و انهيار العديد من قطعاته العسكرية .
لقد كانت حصة الأكراد من الجيش العراقي فرقتين من اصل 15 فرقة عسكرية يتشكل منها الجيش العراقي في تلك الفترة و كان تواجد احدى هاتين الفرقتين في الموصل و الأخرى في كركوك .
في الساعات الأولى لبدأ الصفحة الثانية من مؤامرة سقوط الموصل تلقت الفرقتين الكورديتين الأوامر من رئيس اقليم كوردستان السيد مسعود البرزاني بترك مواقعهم و الانسحاب بشكل فوري و سريع باتجاه إقليم كوردستان و مسح شعار الجيش العراقي من على جميع أليات تلك الفرقتين و استبداله بشعار البيشمركة الكوردية مع رفع علم اقليم كوردستان بدل علم جمهورية العراق , أما المنتسبين لهاتين الفرقتين من العرب و الذي لم يكن عددهم يتجاوز ال 10% من اجمالي عدد منتسبي تلك الفرقتين فقد تم تسريحهم من الخدمة العسكرية بأمر من قادة تلك الفرقتين و اعطائهم ملابس عربية ( الدشاديش ) ليرتدوها و يعودوا الى بيوتهم في محافظات العراق المختلفة فكان مصير هاتين الفرقتين الكورديتين هو التحاقهما بالبيشمركة الكوردية بكامل معداتها العسكرية من أسلحة و أليات و كل شيء , بسبب نظام المحاصصة التي تشكل بموجبها الجيش العراقي بعد 2003 التي جعلت قادة هاتين الفرقتين و 90% من ضباطها و جنودها من القومية الكوردية و مرتبطين بأحزاب كوردية لذلك كانوا يطيعون الأوامر العسكرية في تحركات وحداتهم العسكرية الصادرة من رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود البرزاني و ليست الأوامر الصادرة من القائد العام للقوات المسلحة العراقية لذا استجابت هاتين الفرقتين لأوامر السيد مسعود البرزاني و تركوا ساحة المواجهة في اليوم الأول من بداية الصفحة الثانية من مؤامرة سقوط الموصل , فرقتان عسكريتان يفترض انهما جزء من الجيش العراقي لا تطيع أوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية , هنا تكمن المهزلة ... !!
حين تترك فرقتان عسكريتان من الجيش العراقي من اصل اربع فرق عسكرية كانت مكلفة بحماية محافظتي الموصل و كركوك فإن ذلك لا يتسبب فقط في إحداث خلل كبير في جبهة المواجهة و إنما يتسبب ايضا في انهيار معنويات باقي القطعات العسكرية المتواجدة معهم في تلك الجبهة .
نظام المحاصصة لم يعطي فقط للأكراد حصة من الجيش العراقي بل اعطى ايضا حصة للعرب السنة فجعل غالبية منتسبي بعض الفرق العسكرية من العرب السنة ضمن هيكل تنظيمي للجيش العراقي يتوافق مع متطلبات المحاصصة الطائفية و القومية التي فرضها المحتل الأمريكي للعراق , تلك المحاصصة التي تشبث بها و دافع عنها قادة بعض الأحزاب المشاركة في العملية السياسية التي جرت في العراق بعد التغيير في 2003 .
من بين حصة العرب السنة من الفرق العسكرية كان هنالك فرقة متواجدة في الموصل , في الساعات الأولى من بدأ المرحلة الثانية من مؤامرة سقوط الموصل تفككت هذه الفرقة بعد هروب قائدها و بعض من ضباطها الى إقليم كوردستان .
مجرى الاحداث في تلك الأيام الصعبة جعلت من جنود الوحدات العسكرية لا يخشون فقط الدواعش و المجاميع المسلحة التي اشتركت معهم في عملية اجتياح مدينة الموصل بل اصبحوا يخشون حتى الناس العاديين من سكان مدينة الموصل و المدن العراقية ذات الغالبية من العرب السنة فخلعوا ملابسهم العسكرية لإخفاء انتمائهم للجيش العراقي و تركوا وحداتهم العسكرية و توجهوا نحو بيوتهم الكائنة في محافظات العراق المختلفة .
أما منتسبي الشرطة المحلية للمحافظات ذات الغالبية من العرب السنة فقد اعلن معظمهم البراء من الحكومة العراقية في بغداد , و لكي تكون صورة هذه الشرطة المحلية واضحة يمكن تناول حال منتسبي الشرطة المحلية لمحافظة نينوى و البالغ عددهم بحدود 26 الف منتسب يوم سقوط مدينة الموصل , لقد ترك هذا العدد الهائل من الشرطة جميع مراكز و معسكرات الشرطة في عموم محافظة نينوى لتسقط هذه المراكز و المعسكرات بسهولة و دون اية مواجه أو قتال بيد تنظيم داعش و الفصائل المسلحة المشاركة معه في هذه المؤامرة حتى صارت مهمة جمع الغنائم من الأسلحة و الأليات و المعدات العسكرية صعبة لضخامة حجمها .
ادى مسلسل الأحداث خلال تنفيذ المرحلة الثانية من مؤامرة سقوط الموصل الى فقدان القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية اي سلطة على قطعات الجيش العراقي أو على الشرطة المحلية في مدينتي الموصل و كركوك تبعها انهيار تام لمعظم القطعات العسكرية للجيش العراقي و الشرطة العراقية في مدن و مناطق العرب السنة تقريبا من شمال بغداد صعودا الى محافظات الموصل و صلاح الدين و كركوك و الأنبار .
رغم أن الدستور العراقي ينص بوضوح على ان البيشمركة الكوردية هي جزء من منظومة القوات المسلحة العراقية إلا أن الأحزاب الكوردية التي تمسك بالسلطة في اقليم كوردستان كانت تصر و لازالت تصر على ابقاء البيشمركة الكوردية خارج سلطة و قيادة القائد العام للقوات المسلحة العراقية الذي هو حسب الدستور العراقي رئيس وزراء الحكومة الاتحادية .
لقد اصرت الأحزاب الكوردية على إبقاء البيشمركة الكوردية تحت سلطة رئيس اقليم كوردستان معتمدين على تفسير مشوه للنظام الفدرالي و على دعم المحتل الأمريكي للعراق .
في حقيقية الأمر , كان واجب البيشمركة الكوردية ليس تعزيز النظام الفدرالي في العراق بل تحقيق الهدف القومي للأحزاب الكوردية في تأسيس الدولة الكوردية المستقلة ضمن حدود افتراضية رسمها قادة هذه الأحزاب بعد انتزاع اكبر قدر ممكن من اراضي عراقية يطلقون عليها مناطق متنازع عليها , خصوصا محافظة كركوك التي فيها حقول نفط كبيرة , حيث تتم السيطرة على تلك المناطق من قبل البيشمركة الكوردية بالاعتماد على ميزان القوى العسكرية المتحققة على الأرض بين ميليشيا البيشمركة الكوردية و القوات المسلحة العراقية بعد نجاح مؤامرة سقوط الموصل .
في الجانب الآخر من المشهد المؤلم الذي رافق سقوط الموصل انتبه رئيس الوزراء نوري المالكي لخطورة سقوط مدينة سامراء بيد داعش و ما سيؤدي اعادة تفجير مرقدي الأماميين علي الهادي و الحسن العسكري و هما من المراقد المقدسة لدى الشيعة الى اندلاع فتنة طائفية كبرى جديدة بين العرب الشيعة و العرب السنة فسارع بطلب الدعم الفوري من ميليشيا عصائب اهل الحق الشيعية لحماية تلك المراقد من السقوط بيد تنظيم داعش التكفيري حيث استجابت عصائب اهل الحق فورا لذلك الطلب و ارسلت في الليلة الأولى بعد سقوط مدينة الموصل حوالي 1200 من اقوى عناصرها من النخبة المقاتلة التي لديها , و فعلا نجحت عصائب اهل الحق في حماية العراق من شرور فتنة طائفية كان مخطط لها أن تحدث لتحقيق كامل اهداف مؤامرة سقوط الموصل .
في تلك الأجواء الكارثية تدخلت المرجعية الدينية الشيعية العليا الممثلة بمرجعية السيد السيستاني فأصدر تلك الفتوى الشهيرة " الجهاد الكفائي " , و على اثر تلك الفتوى تشكل الحشد الشعبي الذي ادى الى تضخم حجم و قدرات الميليشيات الشيعية في العراق بعشرات المرات عن ما كانت عليه قبل نكسة 10 حزيران 2014 .
ظهور الحشد الشعبي كان أمرا مهما بالنسبة الى شيعة العراق , إذ إن المسألة كانت إما الحياة او الموت , فداعش تعتبر كل شيعي هو مرتد عن الإسلام و عقوبته هو الموت , حتى لو كان هذا الشيعي طفل رضيع عمره يوم واحد , و المعروف أن داعش اباحة قتل حتى الجنين في رحم امه إن كان شيعيا ... !
لذا كان تشكيل الحشد الشعبي و بالأعداد الضرورية فقط و ربطه عسكريا بالقائد العام للقوات المسلحة عامل مهم و حاسم للتهدئة و منح الحكومة العراقية القدرة على ضبط ايقاع غضب الشيعة الذي تصاعد الى قمته خصوصا بعد أن وصلت الأخبار الى المناطق الشيعية بأن داعش و بعض المتحالفين معها بدأوا بحملة ابادة للشيعة في الموصل و مناطق اخرى سيطرت عليها داعش منها ما حدث من المجزرة التي اطلق عليها مجزرة سبايكر التي راح ضحيتها المئات من الشيعة , بحملة اعدامات فورية لهم على اساس الهوية .
بعد نجاح الخطوات الأولى للمرحلة الثانية من مؤامرة سقوط الموصل أي في اليوم التالي لبداية النكسة في 10 حزيران 2014 ظهرت ملامح التعايش السلمي بين ميليشيا البيشمركة الكوردية و داعش الإرهابية حيث بدأت عملية تقاسم الغنائم من اسلحة و معدات و أليات تركتها الوحدات العسكرية المنحلة من الجيش العراقي و الشرطة المحلية لمدينة الموصل و كذلك تقاسم السيطرة على المناطق التي فقدت الدولة العراقية السيطرة عليها , و قد كانت حصة البيشمركة الكوردية كل المناطق التي كانت تطالب بها الأحزاب الكوردية و التي كانت تعتبرها مناطق متنازع عليها مع الحكومة الاتحادية في بغداد و التي تشمل محافظة كركوك الغنية بالنفط و سهل نينوى و مدينة سنجار و مدن و مناطق اخرى , أما المتبقي من تلك المناطق التي خرجت عن سلطة الدولة العراقية فكانت من حصة داعش التي مدت نفوذها و سيطرتها عليها تدريجيا بعد تصفية ليس فقط سلطة الدولة العراقية عليها و انما انهت وجود الفصائل المسلحة التي كانت شريكة لها في تنفيذ المرحلتين الأولى و الثانية لمؤامرة سقوط الموصل .
لقد عاشت قوات داعش و قوات ميليشيا البشمركة الكوردية حالة من التعايش و تقاسم الغنائم من عدوهم المشترك الجيش العراقي و الشرطة العراقية منذ اللحظات الأولى لسقوط مدينة الموصل حتى وصل الأمر الى تقلص المسافة بين ارهابي داعش و ميليشيا البيشمركة الكوردية في تلك الفترة الى بضعة امتار مما يدلل على أن العلاقة بينهما كانت كما يقول المثل سمن على عسل .
" يتبع "
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟