|
هل اتخذت مكانك في الطابور؟
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بين القطرية والطائفية..عافاكم الله تقول النكتة المصرية القديمة أن طابورا من "المغفلين" سقطوا في حفرة!. ورغم أن هذه النكتة أضحكتني كثيرا عندما كنت صغيرة،حيث كنت أتخيل منظر هؤلاء "المغفلين" يسقط الواحد منهم تلو الآخر في نفس الحفرة، دون أن يتعظ مما حدث لسابقه؛ إلا أن عودتها للذهن الآن تمتزج بمرارة في الفم وغصة في الحلق وتسبب وجعا في القلب، وسط ما نشهده من تردي شعوبنا العربية واحدا تلو الآخر في نفس الحفرة المهلكة التي طالما رددنا وردد قبلنا كثيرون تحذيرات بشأنها. الجميع يتجه الآن مغمض العينين مغيب العقل مسلوب الإرادة نحو هوة الطائفية البغيضة. ففي فترات المد القومي بعد انتصار حركات التحرر الوطني وفي الستينيات من القرن العشرين، كنا نتعلم في دروس التاريخ ، كيف فشلت سياسة "فرق تسد" التي اتبعها الاستعمار القديم لبذر بذور الفتنة بين أبناء الوطن الواحد؛ وكيف نجحت اللحمة المتينة بين نسيج الوطن في دحر أطماع المستعمرين. وحلقت بنا الأحلام إلى تمتين اللحمة بين أبناء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وكثر الحديث عن الوحدة العربية والتكامل العربي حتى لقد وصل الحلم بالبعض إلى اختيار اسم الدولة العربية الواحدة، فتحدث عن "الولايات العربية المتحدة"!. وإذا بالحلم يسفر بعد حوالي نصف القرن من الأناشيد الحماسية والخطب الرنانة عن هوة سحيقة، تهددنا جميعا بالوقوع فيها واحدا بعد الآخر؛ بعد أن انتشرت نزعات القطرية الشعوبية المريضة؛ وحلت المشاعر السلبية محل روح المحبة النابعة من شعور جمعي بالانتماء لوطن واحد "من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر"؛ وبتنا نرى تنابذا غريبا يتنافى مع دعوة نبيلة قالها نبي كريم قبل أربعة عشر قرنا "دعوها فإنها منتنة".. فمن يلق نظرة سريعة على منتديات الإنترنت العربية التي يؤمها شبابنا وأبناؤنا؛ سيذهل من كم المشاعر السلبية المتبادل بين أبناء الشعب العربي الذي كنا نحلم به واحدا. ففي هذه المنتديات حيث يتستر الجميع وراء أسماء مستعارة؛ لا تكثر المشاركات ويحلو الحديث إلا عند نشر خبر عن حالة انحراف (أخلاقي بالذات) ظهرت في هذا البلد أو ذاك؛ فتسن أنياب الشماتة ويتبارى الجميع في سب أبناء الشعب الذي وقعت فيه الحادثة؛ ناسبين إليه كل العيوب الأخلاقية الممكنة، كما لو أن مرتكب الحادث ارتكبه بسبب انتمائه لجنسية معينة، وليس لأسباب نعرفها جميعا ونعاني منها جميعا ـ من المحيط إلى الخليج ـ سواء كانت أسبابا اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية؛ وتستحق التصدي لها بالبحث والدراسة والسعي للعلاج؛ لا بالشماتة، وكل يحاول إنكار وجودها في مجتمعه وإلصاقها بغيره: فمن حوادث اختطاف واغتصاب تنشر على البلوتوث في السعودية (وآخرها حادثة فتاة القطيف) أو حوادث الاعتداء على الخادمات في عدد من دول الخليج: إلى حادثة التحرش الجنسي وسط زحام إحدى دور السينما في القاهرة؛ إلى حوادث جرائم الشرف في الأردن وفلسطين، إلى حوادث اغتصاب في دارفور.. وآخرها خبر نقله موقع العربية نت عن حالات اعتداء على محارم .. ما أن ينشر خبر عن حادثة كهذه؛ إلا ووجدت من ينشر النار في الهشيم ويدخل هذه المنتديات متسترا بالاسم المستعار لينهال سبا على شعب بكامله انحرف بعض أبنائه؛ ويتناسى الجميع أن الله لم يخلق بعد شعبا من الملائكة، وأننا جميعا في قارب واحد؛ نتشارك نفس الواقع ونفس الثقافات ونفس الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع تفاوتات نسبية؛ تجعل البعض يعلن دون حدود عما يحدث فيه من تجاوزات ويكشفها إيمانا بأن حل المشكلات يكمن في كشفها ومواجهتها، بينما البعض مازال يتحفظ على نشر العيوب إيمانا بفكرة الستر.. لكن الحصيلة في النهاية واحدة والواقع واحد في العالم أجمع وليس منطقتنا فحسب. ما يميز منطقتنا فقط هو ذلك السم الذي صار يسري في نفوس أبنائها فيشيع المشاعر السلبية بين أبنائها تجاه بعضهم البعض؛ فإذا نال أحدهم جائزة، تجد من يقول أن سبب نيله الجائزة هو أن لجنة التحكيم يسيطر عليها "لوبي" من جنسيته، ومن يحصل على منصب حتى وإن كان مؤهلا له، فلن يعدم من يشكك في كفاءته مشيرا إلى أنه نال المنصب لوجود "لوبي" مماثل في إدارة المؤسسة. ولأن سموم الكراهية لا تقف عند حد، فهي تتجاوز المشاعر القطرية لتجدها تستشري بين أبناء القطر الواحد؛ بدأت أولا بالنكات والسخرية من أبناء أقاليم معينة (الصعايدة والبورسعيدية مثلا في مصر، وأبناء حمص في سوريا، وأبناء الخليل في فلسطين وفي السعودية أهل مكة وأبناء نجد والقطيف ...وقس على ذلك التنابذ والسخرية بين أبناء الأقاليم في كل قطر عربي)؛ ثم انتقلت إلى الطوائف الدينية أو المذهبية أو العرقية؛ فإذا بالنار تشتعل بين العرب والأكراد ثم بين الشيعة والسنة في العراق؛ ورغم أن كثيرين رددوا في بداية اندلاع الأزمة "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" وتحدث كثيرون أيضا عن سياسة "فرق تسد" ومخططات الاستعمار، وضرورة توحيد الصفوف؛ إلا أن "الطابور" مازال يسير مغيبا نحو نفس "الحفرة"؛ فإذا ببوادر فتنة بين السنة والشيعة في لبنان، ونذر فتنة بين المسلمين والمسيحيين تطل برأسها كل حين منذ السبعينيات في مصر حتى الآن، وتقارير تنشر مؤخرا للتحذير من بوادر ظهور ما يسمى بخطر"التشيع" في مصر، وفي السودان الذي مازالت جراحه تنزف من فتنة الصراع بين الشمال والجنوب ومن فتنة دارفور وفتنة تطل برأسها في الشرق؛ وتحفل مواقع الانترنت بتنابذ بين الشيعة من أهل المنطقة الشرقية في السعودية ومواطنيهم من السنة.... وهكذا تسري سموم الفتنة، لنتساقط دون أن ندري واحدا وراء الآخر في نفس الهوة.. ألا من فرصة نلتقط فيها الأنفاس؛ ونعيد فيها الحسابات لنحاول تنشيط غدد المحبة في نفوسنا لتطلق ترياقها المعالج من سموم الكراهية التي تؤذي الجسد الواحد..وتمرض نفوس الكارهين بأكثر مما تصيب المكروهين؟ أتمنى أن يراجع كل منا نفسه مع بداية عام جديد يتزامن مع عيد الأضحى المبارك وعيد الميلاد المجيد، وأن يعودها على محبة خلق الله جميعا على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ومللهم ونحلهم؛ ويسعى لتخليصها بقدر الإمكان من مشاعر سلبية تمرر النفس وتميت القلب، ويحرص على توجيه هذه المشاعر بقوة نحو الطامعين الحقيقيين في أوطاننا، مدركا أننا نواجه بالفعل مدا استعماريا طامعا في منطقتنا؛ يستلزم تنحية مخلصة وصادقة لكل الخلافات القطرية والدينية والمذهبية وتوحيد الصفوف لصد هذه الأطماع..
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بينوشيه.. رجل زعم السيطرة على أوراق الشجر
-
ليس دفاعا عن الوزير.. لكن رفضا لاحتكار الدين
-
تأملات في مسألة طرح ورقتي نقد جديدتين ..سقى الله أيام -أم مئ
...
-
بعد تساقط الأقنعة تباعا.. الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكي
...
-
بعد تساقط الأقنعة تباعا.. الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكي
...
-
بعد تساقط الأقنعة تباعا.. الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكي
...
-
الفساد.. غول يتهدد الأخضر واليابس
-
مطلوب وقفة من القانونيين والمجتمع المدني العربي
-
البابا.. وسيناريو الإلهاء المتعمد
-
كوراث القطارات المصرية عمدا مع سبق الإصرار والترصد
-
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 2-2
-
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 1-2
-
حزب الله.. والتكفيريون
-
السلطان عريان
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن 2-2
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن (1-2)
-
الطلاب.. رافد يدعم التغيير ولا يقوده
-
حنانيك يا موت..غاب نهار آخر..
-
الصهيونية: عنصرية مع سبق الإصرار والترصد والممارسة 2-2
-
(لصهيونية: عنصرية مع سبق الإصرار والترصد والممارسة (1-2
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|