لماذا اُعْتُقِلَ مُدير تَطْبِيق تِلِغْرَام

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

الحوار المتمدن-العدد: 8086 - 2024 / 8 / 31 - 16:21
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

اِعْتَـقَلت الحكومة الفرنسية، في يوم 26 غشت 2024، السيد بَافِيل دُورُوف (Pavel Dourov) مدير تطبيـق ""تلغرام"" (Telegram)، عند وُصوله بطائرته الخاصة إلى مدينة بَاريس. وتـعجز الحُكومة الفرنسية حتى على توضيح التُّهَم التي تُوَجِّهُهَا إلى مُدير تَطبيق "تلغرام" (بافيل دوروف، المُختطف في مَطار لُوبُورْجِي LeBourget في فرنسا).
ولا يُمكن فَهْم اعتـقال السيد بافيل دُوروف في مدينة بَاريس، إلّا إذا عرفنا أنّ الدول الغربية الإمبريالية تُحارب كلّ ما هو رُوسِي أو صِينِي، وَبِعُنْصُرِيَة إِمْبِرْيَالِيَة مَفْضُوحَة، وَمَـقِيتَة. كما أنها تُحارب حتّى التطبيـقات الرَّقْمِيَة الروسية والصينية، المستعملة على الإنترنيت (مثل تَطبيق "تلغرام" Telegram، و"في-كونتاكتي" VK الروسيتين، ومثل تَطبيـق "علي بَابَا" AliBaba، وَ "تِيكْتُوك" Tiktok الصينيتَين، الخ). وَكما هو شائع على الإنتـرنيت، تُوجد في كلّ واحد مِن هذه التَطبيـقات صِيغَة مَجَّانِيَّة لِلْعُموم، وَصِيغة مُحسّنة بِالْاِشْتِرَاك المُؤَدَّى عنه.
والسبب الرئيسي في مُحاربة الدّول الغربية للتطبيـقات الرُّوسية والصِّينية هو أن هذه التَطبيقات تَرْفُض الخضوع لتوجيهات الدولة الغربية، وتـرفض ضُغُوطات اللوبي الصهيوني. كما أنّ تَطبيـق "تلغرام" يَرْفُض أيضًا طَلَبَات الدّول الغربية التي تَهدف إلى الوُصُول إلى المُرَاسَلَات الشّخصية المُتَبَادَلة بواسطة هذا التَطبيق. ويرفض تطبيـق "تلغرام" السَّمَاح للدّول الغَربية بِالتَجَسُّـس على مُستعمليه.
ومثلًا بصدد قضية فلسطين، وفيما يَتـعلّق بِالْإِبَادَة الجَارِيَة في قِطَاع غَزَّة، فَإِنّ تطبيـق "تلغرام" يَسْمَح لِمُستـعملي هذا التَطبيق (أفرادًا وَجَماعات) بِتَـرْوِيج أخبار وَمُعْطَيَات مُخالـفة لِلسَّرْدِيَّة التي تُرَوِّجُها الدول الغربية وإسرائيل (على عَكْس تَطْبِيق فَايْسْبُوك). وَتُرِيد الدّول الغربية الْإِمْبِرْيَالِيَة إِمَّا إِخْضَاع تَطبيـق "تلغرام" لِرَغَبَاتِهَا (مثلما أَخْضَعُوا "فَايْسْبُوك" وَمُديرها اتْسُوكَرْبِرْغً Zuckerberg)، وَإِمَّا مَنْعَها.
ومنذ قرابة عَشرة سَنوات، تَشعر الدول الإمبريالية الغربية أنها لَا تَقدر على مُنافسة هذه التطبيـقات الرُّوسية والصِّينية. فَتَلْجَأُ الدول الإمبريالية الغربية إلى اتهام تطبيقات روسيا والصين بِتُهَم غامضة،
وغير مُثْبَتَة. حيث تَدَّعِي الدُول الغربية، وَبِدُون حُجَج، أن «هذه التطبيـقات الرّوسية والصِّينية تُستـعمل لِلتَّجَسّـس على الدول الغربية». كأن التَطبيـقات الغَربية لا تَتَجَسَّـس على مُجمل بُلدان العالم. وعندما تَعجز الدّول الغَربية الإمبريالية عن مُنافسة التَطبيـقات الرُّوسية والصِّينية، فإنها تَلجأ إلى مُضَايَـقَتِهَا، أو إلى مُحاولة مَنعها، بقوانين جائرة (داخل هذه البلدان الغربية الإمبريالية). أين هي إذن المَزَاعِم الغَربية التي تَدَّعِي أنّ «الرَّأْسَمَالِيَة تَتَفَوَّق على الْإِشتـراكية نَظَرًا لما يُوجد فيها مِن حُرّية المُنافسة»، وَتَدَّعِي أن «السُّوق الرَّأْسَمَالِيَة هي التَجْسِيد الوَحِيد وَالْأَمْثَل لِحُرِّيَة المُنَافَسَة» ؟
وَرغم مُضايَقَة الدّول الإمبريالية الغربية لِتَطبيـقات رُوسيا والصِّين، يَنْتَشِر استعمال هذه التطبيـقات (الرُّوسية والصِّينية) بسرعة عَبر كلّ العالم. وَيُعَدُّ مُستـعملوها بِأكثر مِن مِلْيار شَخص. وَتَتَـفَوَّق هذه التَطبيـقات الرُّوسية والصينية على مَثِيلَاتِهَا الغَرْبِيَة في ثَلاثة مَجالات، هي: السُّرْعَة، وَالبَسَاطَة، والْأَمْن.
ولن يُؤَثِّر هذا الاحتجاز المؤقت للسيد بافيل دوروف في باريس على اشتغال تطبيق "تلغرام"، ولا على أمنها المُتَـفَوِّق. ومن الأكيد أن قـيادة تَطبيق "تلغرام" لن تتراجع، ولن تتنازل، عن نقطة قوّتها، وهي أَمْن أو سِرِّيَة المُراسلات عبر تَطبيق "تلغرام".
وقد أنشأ تطبيـق "تلغرام" الأخوان نيكولاي دُورُوف (Nicolai Dourove)، وهو مُتَخَصِّص في الرِّيَاضيات، وفي تَشْفِير الرَّسائل، وبافيل دُورُوف (Pavel Dourove)، وهو مُسْتَثْمِر غَنِي. ومنذ إنشاء تطبيق "تلغرام" في قرابة سنة 2013، ضغطت في البداية الدولة الروسية على الْأَخَوَيْن دُورُوف، وحاولت الدّولة الرُّوسية إرغامهما على تمكين المُخابرات الروسية من قراءة مراسلات بعض الأشخاص الرُّوس الذين يَستـعملون "تلغرام"، والذين تَشُكّ الدولة الروسية في ارتكابهم لأفعال إجرامية. ورفض الإخوان دُوروف هذا الطلب. وَفَرُّوا إلى مدينة لُندن. وأقاما فيها المقر المركزي لشركة تَطبيق "تلغرام". ولما أحسّ الْإِخْوَان دُوروف بتعرضهما للمراقبة وللتجسـس في لندن، فَرَّا إلى مدينة دُبَيْ، وأقاما فيها المَقَرّ المركزي الجديد لـتطبيق "تلغرام".
وَمنذ سنوات، تَفْـعل الدّول الغَربية نـفس الشيء الذي فعلته الدّولة الرُّوسية في البداية، وهو الضّغط على بَافِيل دُورُوف لإجباره على تَمكينها من قراءة رسائل الأشخاص الذين تُريد هذه الدّول الغَربية مُراقبتهم، أو التَجَسُّـس على مُراسلاتهم.
وكان الأخوان نِيكولاي وبَافيل دُوروف قَد أَطْلَقَا تَطبيق "فِي كِي" (VK ou VKontakte) في عام 2006، ثُمّ عَمِلَا على إِنْشَاء Telegram. وَأراد بَافِيل دُوروف إنشاء تَطبيـق "تلغرام" لكي يكون "آمِنًا حقًا، وَمُمتعًا في نفس الوقت". وَاتَّضَحت لِلْمُتَخَصِّصِين أهمية تَطبيـق "تلغرام" Telegram عندما تمّ نشر ما كشفه إدوارد سنودن Edward Snowden عن و "كالة الأمن الـقـومي الأمريكية" NSA، وعن "ابْرِيسْمْ" PRISM، لأول مرة في يونيو 2013.
وَتَتَّهِم فرنسا (وعامّة الغَرب) تَطبيـق "تلغرام" بِكَوْنِه يُسْتَـعْمَل مِن طَرف مَجموعات إجرامية (مثل المافيا، وتُجّار المُخدّرات، الخ). وهذا اِتِّهَام مُخَادِع. وقد أوضح بافل دوروف (شَرِيك في تطبيق "تلغرام") أنه إذا كانت مجموعات إجرامية مثل بعض المَافْيَات Mafia، وبعض تُجار المخدرات، وغيرهم، يستعملون ""تلغرام"" (نظرا لما يجدونه من تفوق أمني في تطبيق "تلغرام"، وذلك بالمقارنة مع التطبيقات الغربية الأخرى)، فإن إدارة "تلغرام" غير مسؤولة عن هذا الاستعمال السَيِّئ. لأنه مِن المَعروف أن جميع تطبيقات الإنترنيت، يمكن أن تستعمل بشكل بناء، أو بشكل سَيِّئ. وهذا أمر واضح، ومفهوم، وموضوعي، وقديم، بالنسبة لكل تطبيقات الإنترنيت.
وإذا كانت الدول الإمبريالية الغربية صادقة، لماذا لم تمنع مثلا التطبيقات الغربية المستعملة في مجال المراسلة، مثل gmail، أو hotmail، أو "وَاطْسَاب" Whatsap بدعوى أن جماعات مجرمة تستعمل هذه الأنظمة في مراسلاتها ؟
وَتُوجد خَلْفِيَّات سِرِّية لـقضية احتجاز بافيل دُوروف. حيث أنّ الأخوين بافيل ونيكولي دُوروف يَهدفان إلى خلـق عملة رَقْمِية جديدة، قد تَكون هي الأَكْثَر قُوّة في العالم، وقد تُـنافس وَتَـقضي على "البِيتْكُويْنْ" (Bitcoin). وقد تُزَاحم الْإِبْتِـكَارَات المُـقْبِلة لِـ "تلغرام" شركة "الْأَيْفُونْ" (iPhone) الْأَمريكية هي نفسها.
إن احتجاز، أو اختطاف، أو اعتقال، بافيل دوروف في مدينة باريس، يفضح بلادة النظام السياسي في فرنسا، الذي يريد أن يكون إمبرياليا أكثر من إمبريالية أمريكا. لكن الحقيقة هي أن مجمل معسكر قطب الدّول الإمبريالية الغربية هو في حالة أُفُول، أو في حالة اِنْحِدَار اِسْتْرَاتِيجِي. وهذا هو السِرُّ في هذه المشاكل.
رحمان النوضة. 27 غشت 2024.

#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات