لم يكن نصيب الطبقة العاملة والحركة العمالية في العراق منذ 35 سنة، في ظل النظام البعثي الفاشي، غير القمع المتواصل وفرض اشد ظروف الاضطهاد والاستغلال على جماهير العمال وتجويعهم وحرمانهم من ابسط الحقوق والحريات .
لقد سلب النظام من العمال حقهم في الاعتراض بوجه استغلالهم والنضال من اجل تحسين حياتهم و ظروف عملهم، وحول النقابات العمالية الى ادوات قمع بوجه العمال و ادمجها بآلته القمعية الدموية. وفي السياق نفسه في الثمانينات سلب كل حقوق العمال من القطاع العام وذلك بذريعة تحويلهم الى موظفين. فبالاضافة الى مسؤوليي القطاع العام، كان الراسماليون في القطاع الخاص والمختلط يلجأون وبكل بساطة الى اجهزة الامن لمساعدتهم في قمع و اعتقال العمال المحتجين.
ان تحطيم القيم و التقاليد البعثية فيما يخص المنظمات الجماهيرية للعمال و طرد عناصر البعثية من الادارات السابقة وحل جميع النقابات التابعة للنظام هي من اولى المهام والاهداف للحركة العمالية و"اللجنة التحضيرية لتشكيل المجالس والنقابات في العراق ". فلا يمكن للنشطاء والقادة العماليين وجماهيرالعمال الرضوخ لاساليب بيروقراطية وفوقية موروثة عن البعثيين ، كتلك التي يروج لها النقابيون في الحزب الشيوعي العراقي. ان "اللجنة التحضيرية" ماضية في تقوية و تسيير حركة عمالية قوية و حركة لانشاء المجالس والنقابات في العراق. ان تطور هكذا حركة هي الكفيلة وحدها بفتح المجال امام الطبقة العاملة لان تتحول الى قوة فعالة ومتدخلة تفرض الاصلاحات الاقتصادية على البرجوازية وتكون قوة مؤثرة في ترسيم الحياة السياسية للبلاد.
ان البرجوازية واحزابها الان وفي المستقبل ايضا، لا تتردد في اشاعة الاكاذيب وايجاد العوائق الادارية واختلاق التبريرات حول شرعية تاسيس هذه المنظمة الجماهيرية او تلك، ولكن كل تلك المحاولات مصيرها الفشل طالما ان هنالك ارادة و عمل مباشر للعمال ومبادرة من القادة العماليين و العمال الاشتراكيين وطالما ان هنالك استراتيجية فعالة لتطوير نضالات العمال في العراق. ان نقطة البدء في اي تحرك للتنظيم الجماهيري للطبقة العاملة في العراق هو بالرجوع لجماهير العمال انفسهم في المعامل و الشركات و الادارات و المؤسسات و البدء بالعمل لقلب كل تلك الاوضاع التي فرضت عليهم لحد الان. ان " اللجنة التحضيرية لتاسيس المجالس و النقابات العمالية في العراق " تنطلق عن هذا المبدء و تسعى لتطبيقه.
ان كثيرا من الاحزاب التي كانت تشكل احزاب المعارضة البرجوازية في العراق، خاصة احزاب القوميين العرب والاكراد و كذلك الحزب الشيوعي العراقي وضباط و مسؤولو النظام امثال العلاويين و السامرائيين، ساهمت مباشرة وبدرجات مختلفة وتحت ذرائع شتى وفي ازمنة مختلفة في دعم النظام البعثي و تثبيت اركان حكمه القمعي. ان جميع تلك الاحزاب و كذلك الاحزاب الاسلامية و الجماعات الرجعية الاخرى المنضمون في المؤتمر الوطني العراقي، هي قوى داعمة للراسمالية وللاضظهاد الاقتصادي الشديد والمهلك للطبقة العاملة. انهم بالاساس لا يريدون ان يغيروا شيئا من الاوضاع المفروضة على العمال التي اوجدها وادامها النظام البعثي. فاذا لم يتحرك العمال لفرض ارادتهم علىالادارة الامريكية وقوى الاحتلا ل، فان امريكا وتلك الاحزاب والقوى، يحبذون جميعا التمتع بما اوجده النظام البعثي من قمع و اضطهاد للطبقة العاملة ومن واقع الاجور المتدنية وساعات العمل الطويلة وظروف العمل القاسية.
وفي الوقت نفسه، فان الادارة الامريكية و تلك الاحزاب و القوى البرجوازية لا تريد ترك العمال وشانهم لكي يطوروا نضالهم و منظماتهم الجماهيرية الخاصة بهم، و لا تشاء تطور التقاليد النضالية الراديكالية والشيوعية العمالية داخل الحركة العمالية و جماهيرالطبقة العاملة. فهم خائفون من ان تكتسب تلك التقاليد الاعتبار والنفوذ الواسع و العميق داخل العمال وفي سير تشكيل منظماتهم و تطور نضالاتهم . فرغم جميع ادعائاتهم في الظاهر بموت "الشيوعية" و"عدم جدوى" النضال الشيوعي، فانهم وراء الكواليس وفي القاعات المغلقة سيخططون لكيفية وضع العوائق امام اي تطور جدي لتقوية صفوف العمال و اي تحول يساري و شيوعي عمالي يحدث داخل صفوف الطبقة العاملة ونضالها وعلى صعيد المجتمع ايضا.
ان احدى الطرق المتبعة لدى البرجوازية للوقوف بوجه التطورالاشتراكي للحركة العمالية والتيار الشيوعي العمالي هي الاستناد على التيار الاصلاحي داخل الطبقة العاملة للوقوف بوجه المد الراديكالي و الشيوعي العمالي. غير ان هذا التيار داخل الطبقة العاملة في العراق ضعيف لا بسبب عدم توفر نشطاء وقادة عماليين يودون كسب تحسينات واصلاحات اقتصادية و اجتماعية و سياسية للطبقة العاملة، بل بسبب كون التيارالاجتماعي الاصلاحي والاحزاب الاصلاحية البرجوازية لم تكن لها آفاق للنمو و التطور في العراق ولم يكن لها دور اساسي في ترسيم مجمل النظام السياسي فيه. وبالتالي فانها لم تستطع ان تشكل و تدمج في الية عملها السياسي نقابات عمالية اصلاحية قوية وانما تبنت اشكالا ميتة و كارتونية لتلك النقابات كما قام بها الحزب الشيوعي العراقي .
وعلاوة على ذلك ورغم ابتعاد الحزب الشيوعي العراقي ومنذ سنوات طويلة عن الانخراط في محاولات العمال لتاسيس النقابات فهو الان ونيابة عن الاحزاب و القوى القومية والرجعية المتواجدة في الساحة يحاول بشتى الطرق وضع العوائق امام اي تحرك مستقل لجماهير الطبقة العاملة لتاسيس مجالس و نقابات عمالية مبنية على الارادة المباشرة لجماهير العمال. انه يريد تشكيل نقابات خالية من الحياة، منذالبداية، وباسلوب بيروقراطي وفوقي ومطرز وفق الاهداف السياسية للتيار الاصلاحي القومي- الاسلامي الذي يمثله الحزب الشيوعي العراقي الان. انه في مسعاه هذا يستنجد بالبيروقراطيين النقابيين السابقين الموالين له وباساليب عمل فوقية و بيروقراطية تذكرنا باساليب البعثيين. انهم وفي كل الاحوال لايريدون تحرير الطاقة النضالية للعمال بل ان جل اهتمامهم هو تأطير الحركة العمالية ومنظماتها الجماهيرية في اطار البيروقراطية والنقابية الموروثة عن عهد البعثيين، ولكي تخدم تلك المنظمات الجماهيرية للعمال مصالح "الوطن" و" الامة" على حساب عرق و حياة جماهير العمال. فشغلهم الشاغل، في التحليل الاخير، هو جر الطبقة العاملة الى ان تعيش بهدوء و تقبل بصمت ما فرضها عليها النظام البعثي البائد دون احداث اي تغيير جدي في حياتهم ونضالهم .
ان المشاريع والافاق السياسية التي يقدمها الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الاخرى البرجوازية هي افاق ومشاريع سياسية مفلسة وتشكل ادامة للوضع الحالي. ليس لهذه الاحزاب اي حل اوبديل للخروج من الاوضاع و السيناريوهات السوداء التي تهدد المجتمع العراقي. ان النقابات التي تتشكل حول افاق سياسية و اقتصادية مفلسة هي بمثابة اصدار امر موتها منذ البداية و ربط مصيرها بمصير احزاب مفلسة سياسيا والتي هي نفسها تكمل لوحة الوضع الماساوي الحالي. ان الطبقة العاملة بحاجة الى اختيار حزبها السياسي بحزم و تصعيد النضال بالارتباط مع الحزب الذي يمثل مصالحها الطبقية واهدافها التحررية. ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي هو حزب الشيوعيين العماليين داخل الطبقة العاملة وهو يناضل من اجل جماهير العمال و التحرر النهائي للمجتمع العراقي من براثن نظام العمل الماجور. ان الطبقة العاملة هي طبقة اجتماعية قوية و متطورة في العراق ولا يمكن لها ان تنصت بسهولة للحزب الشيوعي العراقي الذي لم يكن غير حزب يتعايش بارتياح مع ما يفرضه القوميون العرب والاكراد والاسلاميون و غيرهم من جرائم ضد الجماهير في العراق. وهو في هذه الايام يدخل في تحالفات دون اي تردد مع نفس تلك الاحزاب و القوى و كذلك مع امريكا و قوات الاحتلال. وهو الذي دافع في البداية عن الحصار الاقتصادي على العراق و سجل تاريخا مخزيا من التحالف مع البعثيين.
ان الطبقة العاملة و الحركة العمالية في العراق تستطيع ان تتبنى افقا شيوعيا تحرريا و ان تتقدم بنضالها وفقه. فليس هنالك من مبرر لايلاء الاهتمام بالذرائع البرجوازية و الاكاذيب "التقليدية" المحافظة والتي تريد التقليل من سرعة هذه الحركة بحجة كسب الصفة "الرسمية" و "الشرعية" . ان "الشرعية" و "الرسمية" هي ما يقوم به العمال انفسهم لتشكيل مجالسهم و نقاباتهم. و ان "اللجنة التحضيرية" بحاجة الى ان تبادر الى الاتصال بجميع المعامل و المؤسسات بشكل فعال و منظم كي تقوم هي بدورها في انشاء المجالس والنقابات . هناك اوضاع انتقالية و تحركات و مبادرات تعقد عليها الآمال فلا يمكن التقليل من شانها. ان مصير الطبقة العاملة ومستقبل نضالها القادم مرتبط بمدى تطورها اليوم في الارتقاء بنضالها ووحدتها. نحن العمال الشيوعيون، وفي الوقت الذي نناضل من اجل توحيد صفوف العمال و تنظيمهم في المجالس والنقابات ، ندعوكذلك جميع الشخصيات النقابية المعروفة ونشطاء الحركة العمالية الى لعب دورها في دفع هذه المبادرة الى الامام و الى العمل على تقوية الحركة العمالية في العراق . نحن في الحزب الشيوعي العمالي العراقي ندعم " اللجنة التحضيرية لتشكيل المجالس والنقابات في العراق " وفي الوقت نفسه ندعم نضال العمال ومكتسباتهم التي يحرزها العمال في مجرى نضالهم من اجل تحقيق ابسط التحسينات و الاصلاحات في حياتهم وعملهم.