|
تقرير الأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال
صالح سليمان عبدالعظيم
الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على قائمة الفئات الأكثر تعرضاً للقهر والاستغلال كونياً يأتي الأطفال والنساء. ويسبق الأطفال النساء من حيث صعوبة تعبيرهم عما يتعرضون له، ناهيك عن مقاومتهم له. فلم نسمع في أية دولة في العالم عن منظمة أنشأها الأطفال بغرض الدفاع عن حقوقهم، كما لم نسمع عن مؤسسة أنشأها الأطفال من أجل التنديد بعمالة الأطفال واستخدامهم في الحروب والنزاعات المسلحة. فالأطفال يمثلون تلك الكتلة التي تعاني في صمت، حيث ينتظرون من البالغين الدفاع عنهم، وتحسين ظروفهم المعيشة. وتلعب المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية دوراً كبيراً ومؤثراً في تناول أوضاع الأطفال حول العالم، والتنديد بأية ممارسات عنيفة واستغلالية تطالهم.
وفي هذا الإطار، جاء تقرير الأمم المتحدة الأخير حول أوضاع الأطفال في العالم معبراً عن المستوى المتدهور عالمياً للأطفال، والعنف الموجه ضدهم في كافة أنحاء العالم. فرغم أن التقرير هدف إلى الكشف عن السبل التي يمكن من خلالها تعزيز حقوق الأطفال في العالم، إلا أنه جاء مُشتملاً على العديد من التوصيفات الخاصة بممارسات العنف ضدهم في أماكن كثيرة من العالم.
وتنبع أهمية التقرير من أنه يتناول كافة أشكال العنف ضد الأطفال، كما أنه يتتبع هذه الأشكال، القديم منها والحديث بدقة كاملة، عبر العديد من الأمثلة المتاحة من العديد من دول العالم. كما أنه لا يقف فقط عند عنف المؤسسات الرسمية مثل دور رعاية الأطفال والإصلاحيات، لكنه يتجاوز ذلك إلى عنف المؤسسات غير الرسمية مثل الأسرة والأقارب. يمتاز التقرير بصورة شمولية تمنحنا امكانية الوقوف عند المخاطر التي تواجه الأطفال عالمياً، كما تمنحنا القدرة على التعامل مع هذه المخاطر التي يواجهها الأطفال، وعلى كيفية إيجاد حلول لها. ومن اللافت للنظر هنا اعتماد التقرير على العديد من شهادات الأطفال في مناطق مختلفة من العالم، وهو ما يعتبر سابقة جديدة من حيث الاستماع إلى أصحاب الشأن أنفسهم، وما يواجهونه من عنف في حياتهم اليومية.
يحدد التقرير المقصود بالطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه." وهو ما يعني هنا أن التقرير يراعي الفروق الكيفية بين بلد وآخر في ما يعنيه القانون بسن الرشد الذي قد يكون سن السادسة عشر أو السابعة عشر أو الثامنة عشر. وفي كل الأحوال تظل مسألة الطفولة واقعة في تلك المساحة العمرية التي تبدأ من لحظة الولادة وحتى سن بلوغ الرشد وفقاً للقوانين المحلية الخاصة بكل بلد. من هنا، فإن مسألة رعاية الطفولة مسألة زمنية طويلة ومعقدة، تحتاج إلى تكاتف الجهود المحلية والقومية والإقيلمية والدولية، وهو ما يؤكد عليه التقرير من بدايته لنهايته.
يعرض لنا التقرير أشكالاً عديدة من العنف من خلال أطر اجتماعية مختلفة تشمل: الأسرة، المدارس، مؤسسات الرعاية البديلة ومرافق الاحتجاز، والأماكن التي يعمل بها الأطفال والمجتمات المحلية، إضافة إلى استخدام الأطفال في الصراعات المسلحة. وذلك من خلال دراسات ميدانية واستبيانات حكومية موسعة حول العالم، إضافة لشهادات الأطفال. يكشف التقرير عن وجود 53000 طفل قد توفوا على مستوى العالم عام 2002 نتيجة للقتل. كما أشار التقرير إلى أن ما يتراوح بين 80 إلى 98 في المائة من الأطفال في العالم يعانون من العقوبة البدنية في منازلهم، وأن ثلث هذه النسبة تواجه عقوبات بدنية قاسية ناتجة عن استخدام أدوات مادية عنيفة للعقاب.
إضافة إلى العقاب البدني المباشر، الذي قد يترك آثاراً جسدية واضحة أو لا يترك أية آثار، أشار التقرير أيضاً إلى عمليات الترهيب الشفاهي أوالبدني التي يتعرض لها الأطفال من البالغين المحيطين بهم. ومن أخطر ما عرض له التقرير تلك الانتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال، حيث كشف التقرير عن وجود ما يقارب من 150 مليون فتاة و73 مليون صبي تحت سنة الثامنة عشر عانوا من علاقات جنسية قسرية، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي أثناء عام 2002. كما يشير التقرير لتلك الانتهاكات الواسعة النطاق التي تتعرض لها الفتيات بخصوص عمليات الختان التي تنتشر بشكلٍ كبير في أفريقيا. كما يكشف التقرير عن انتشار حالات التعرض للزواج المبكر والزواج بالإكراه في مناطق كثيرة من العالم، إما بسبب العادات والتقاليد أو بسبب الفقر وما يفرضه على الأسر الفقيرة من قبول زواج بناتهن دون سن البلوغ مع ما ينتج عن ذلك من انتهاكات لا إنسانية بالغة.
من الجوانب الهامة التي تناولها التقرير الجانب الذي يتعلق بعمالة الأطفال في مناطق كثيرة من العالم، حيث يبين التقرير وفقاً لتقديرات حديثة لمنظمة العمل الدولية أن 218 مليون طفل في عام 2004 قد دخلوا مجال العمل، منهم ما يقارب من 126 مليون طفل في الأعمال الخطرة. وتشير بعض التقديرات من عام 2000 أن 5.7 مليون طفل كانوا يعملون في عمل قسري أو بموجب عقد إذعان، و 1.8 مليون في البغاء وإنتاج المواد الإباحية، و 1.2 مليون كانوا ضحايا الاتجار.
كما يكشف التقرير عن اتساع الأطر الاجتماعية التي تمارس العنف ضد الأطفال. حيث يبدأ التقرير بالأسرة التي يعتبرها من أهم الوحدات الاجتماعية التي يبدأ فيها الأطفال مواجهة العنف الجسدي والجنسي والنفسي. يشير التقرير إلى أن عدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري يتراوحون سنوياً ما بين 133 مليون طفل و 275 مليون طفل على مستوى العالم. ولا يعني التقرير العنف المباشر فقط ضد الأطفال داخل الأسرة والمنزل، ولكنه يعتبر إهمال الأطفال نوعاً من العنف الموجه لهم، بما يعني ارتفاع كبير في نسبة العنف الموجه ضد الأطفال عالمياً من قبل الأسرة. وفي هذا السياق، يعرض التقرير لضرورة تشجيع الوالدين بالأساس على الاقتصار على استخدام وسائل تأديبية خالية من العنف في كافة أشكاله.
يلي الأسرة المدرسة التي يعتبرها التقرير المكان التالي الذي يؤسس لمجالات أوسع وأكثر تنوعاً من العنف، حيث عنف المدرسين من جانب، وعنف الأقران من جانب آخر. ويشير التقرير صراحة إلى العنف الذي يمارسه المدرسون من خلال موافقة صريحة أو ضمنية من وزراء التعليم والسلطات الأخرى التي تشرف على المدارس والمؤسسات التعليمية. كما يمارس بعض التلاميذ العنف ضد التلاميذ الآخرين، وخصوصاً هؤلاء القادمين من أسر فقيرة أو جماعات عرقية مهمشة. وفي هذا السياق يؤكد التقرير على ضرورة منع العقاب البدني في المدارس، ومراقبة كل صور العنف التي تنشأ في محيط المدارس، وعقاب من يمارسها.
لا يقف التقرير فقط عند الأسرة والمدرسة بوصفهما الوحدتين الاجتماعيتين الأكثر تأثيراً وأهمية في حياة الأطفال، لكنه يتعدى ذلك إلى الوحدات المجتمعية الأخرى التشريعية والقضائية والتنفيذية. فالتقرير يرى أن العنف ضد الأطفال يستدعي تكاتف كل القوى والمؤسسات الاجتماعية الرسمية منها وغير الرسمية من أجل القضاء على هذا الظاهرة، أو على أكثر تقدير الحد منها.
من المؤسسات الهامة التي يرى التقرير ضرورة تطويرها من أجل الوصول إلى أوضاع إنسانية للأطفال تلك المؤسسات المختصة برعاية الأطفال أنفسهم، مثل مؤسسات رعاية الأيتام ودور الأطفال ودور الرعاية، إضافة إلى معتقلات الشرطة والسجون ومرافق حبس الأحداث والمدارس الإصلاحية. ويكشف التقرير عن العديد من المخالفات التي يمارسها الموظفون العاملون في هذه الدور والمؤسسات ضد الأطفال والتي تشمل كافة أشكال العقاب البدني، الذي يتسبب في كثير من الإعاقات الجسمانية، كما يشتمل على الاعتداءات الجنسية الصارخة، وبشكلٍ خاص ضد الإناث.
يتناول التقرير أيضاً العديد من الانتهاكات التي يواجهها الأطفال في أماكن العمل ومن خلال العنف المجتمعي، حيث يواجه الأطفال الفقراء أشكالاً من الاستغلال المادي والإيذاء البدني والنفسي أكثر بكثير مما يواجهه أقرانهم الأيسر حالاً. وهنا يشدد التقرير على أن العنف الموجه ضد الأطفال في الدول النامية يبلغ ثلاثة أضعاف مثيله لدى الدول المتقدمة والأكثر دخلاً. فكلما قل الدخل، وساءت الأحوال الاقتصادية، واندلعت الحروب والنزاعات والانقسامات، زاد العنف الموجه ضد الأطفال وتنوعت أشكاله ومضامينه.
رغم الصورة المقبضة التي يقدمها التقرير، فإنه يبرز بعض الجوانب الإيجابية الخاصة بحماية الأطفال، والتي منها توقيع مائة واثنتان وتسعون دولة ومنظمة دولية على اتفاقية حقوق الطفل، والتدابير الصارمة التي تخذتها الكثير من الدول بخصوص عمالة الأطفال، والدور الكبير المؤثر التي تلعبه وسائط الإعلام المعاصرة في رفع الوعى ونشر المعلومات وحشد جهود المجتمع من أجل حماية الأطفال.
ورغم كل هذه الجوانب المبشرة إلا أن التقرير يؤكد على استمرارية العنف وتصاعده ضد الأطفال، حيث ينتهي بتوصية هامة جداً تتمثل في ضرورة العمل على إزالة أسباب العنف ضد الأطفال أكثر من الوقوف فقط عند نتائجه ومظاهرة. وفي ضوء ذلك يجب العمل الفوري على إزالة الأسباب المؤدية للفقر والنزاعات والحروب والتخلف، وتقليل الفجوة بين الدول الفقيرة والدول الغنية. وإلى أن يتم ذلك، سوف يتعرض ملايين الأطفال يومياً لكافة أشكال العنف والإستغلال البدني والنفسي.
#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-
-
من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة
-
ملف التوريث في العالم العربي
-
-هاي- سذاجة أمريكية!!
-
ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
-
يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
-
الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
-
حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
-
الأمريكيون والحيوانات الأليفة
-
المثقف والتحولات العمرية
-
الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
-
!!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
-
الإصلاح السياسي في العالم العربي
-
خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
-
صدام حسين، تاريخ الانقلابات
-
اختزال واقع المرأة العربية
-
-عراق على الوردي وثقافة -الكسار
-
أنماط معاصرة من المثقفين
-
ثقافة المفتاح العربية
-
كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|