|
العقيلة زينب .. ودورها الاعلامي في واقعة الطف
عبد الحسين العطواني
الحوار المتمدن-العدد: 8083 - 2024 / 8 / 28 - 13:01
المحور:
المجتمع المدني
د . عبد الحسين العطواني مما لاشك فيه ان للاعلام وقع خاص في الحياة الاجتماعية ، فقد يساهم في افشال السلطات ، وقد يسقط انظمة ويستبدل اخرى ، وبأمكانه تغيير انماط الحياة بسبب تأثيره المباشر والفعال في الناس ، ودوره في تغيير مشاعرهم وأرائهم وتوجهاتهم ، لذا فالملاحظ في النهضات الفكرية والمبدئية ، ان الاعلام يتقدم على اولوياتها ويتصدر اهتماماتها ، بل ويشكل اخطر واهم اسلحتها ، ولا تكون الثورات والحركات الاجتماعية والمبدئية مثمرة ولن يكتب لها النجاح الا من خلال ايصال مضامينها ومبادئها الى اكبر عدد ممكن من الناس ، عبر اعتماد سلاح الاعلام ، فهو كلمة السر في نجاح الثورات ، واذا نظرنا الى تاريخ الثورات ، وحركات التحرر ، ورفض الاستعباد ، فلن نجد حركة ، او نهضة نالت من الشهرة والمجد والخلود مثلما نالته حركة الامام الحسين ( عليه السلام ) في عاشورا ، ومثلما حازت عليه من سعة وأمتداد على صعيد الزمان والمكان والقبول . فقد استغرب المعاصرون لاخذ الامام الحسين ( عليه السلام ) معه الاطفال والنساء تتقدمهم العقيلة زينب (سلام الله عليها ) الى مكة ومنها الى كربلاء ، تاركا المدينة ، بعد ان هدده واليها ، اما ان يبايع ( يزيد بن معاوية ) او يهدر دمه وكانت رحلة الحسين الى مكة بداية نهضته ، واعلانا واعلاما صريحا بعدم اعترافه بشرعية خلافة يزيد ، واغتصاب ذلك المنصب الخطير ، وهو الذي افتقد كل شروط الولاية ، كالعلم ، والاستقامة ، فعندما سمعت السيدة زينب ( سلام الله عليها ) نصيحة عبد الله بن عباس للامام الحسين (عليه السلام ) لايأخذ النساء والعيال معه الى العراق ، اعترضت عليه باكية ، وقالت ( يا ابن عباس ، تشير على شيخنا وسيدنا ان يخلفنا ها هنا ويمضي وحده ؟ ، لا والله ، بل نحيى معه ، ونموت معه ، وهل ابقى لن الزمان غيره ؟ ) . ان رد العقيله زينب فيه اشارة واضحة الى الاستنفار التام ، والتسليم الكامل لامر الله تعالى ، وفيه دلالة واضحة على ان شأن النساء ودورهن في نهضة الامام الحسين ( عليه السلام ) لايقل اهمية وخطورة عن دور الرجال، وحينما سؤل الحسين عن سبب اصطحابه النساء والاطفال معه الى كربلاء ، كانت اجابته المشهورة والموجزة ( شاء الله ان يراهن سبايا ) ، فكل ما يرتبط بالمشيئة الآلهية ، فهو غاية في السداد والاحكام . حيث اجتماع المسلمين وقدومهم من كل صوب وحدب لاداء مراسم الحج والعمرة ، ووصل الحسين الى مكة في شهرشعبان فبقي ( عليه السلام ) في مكة مدة اربعة اشهر تقريبا ، يدعو ويعلن ويبلغ الى ان اختار الوقت الانسب لهذه النهضة والتحرك نحو الكوفة ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة عام 61 . ويروي الباحثون ( ان خروج الامام الحسين ( عليه السلام ) في يوم التروية ( 8 ذي الحجة اكبر صدى اعلامي ، واكبر تأثيرا وابلاغا لنداء الاسلام واشد وقعا في نفوس المسلمين ) لان مفهوم الحج تحت سلطة الحكومة الاموية يفقد روحه ومصداقيته ، ويعود ليصبح كحج الجاهلية الاولى ماقبل الاسلام والحقيقة المبدئية والرسالية لنهضة الامام الحسين ( عليه السلام ) في عاشورا تجعل من الاعلام ضرورة حيوية لايمكن اغفالها فقد قرر الامام ( عليه السلام ) تكثيف المجهود الاعلامي لاجل توضيح الامور للامة الاسلامية ، والتركيز على نشر الحقائق بين المسلمين ، فاختار الزمان والمكان بدقة وحنكة لبث رسالته الاعلامية) . وبناء على ذلك فقد اولت السيدة زينب اهمية قصوى للجانب الاعلامي من بعد استشهاد اخيها الحسين في انجاح العملية الاعلامية في معركة عاشورا ، فقد كانت العقيلة زينب من اشرف نساء عصرها وأشدهن وثاقة بين الناس ، فهي وليدة الاكارم ، وام المكارم ، وصاحبة المكرمات ، فقد اكتسبت العلوم الاسلامية من جدها وأبيها ، وامها ، واخويها الحسن والحسين ( صلوات الله عليهم اجمعين ) فهي عاشت في الكوفة مع زوجها وابيها وعائلتها لمدة اريع سنوات تقريبا ، ويذكر انها اقامت المجالس لتعليم النساء العلم ، وتفسير القرآن ، وتميزت العقيلة زينب بمميزات وعناصر نفسية ، مكنتها من القيام بدورها الرسالي في اعلام الناس بحقيقة الموقف ، وماهية الواقعة بنجاح ، فكلما كانت الرسالة الاعلامية قوية في محتواها ، ومدى ايفائها بحاجات الجماهير الفكرية والعاطفية والاجتماعية ، كلما كانت ناجحة ومؤثرة : فالرسالة الاعلامية الناجحة هي تلك الرسالة القائمة على القوانين المنطقية بحيث تتناغم مع العقل والمنطق البشري ، فقد كانت العقيلة زينب على ثقة ويقين تامين بسمو الهدف الذي خرجت من اجله برفقة اخيها ، ذلك سبب صبرها وصمودها ونجاحها في تغيير المناخ الاعلامي الذي كان سائدا منذ سنوات . وقد حاول الاعلام الاموي التعتيم على هوية اهل البيت ( عليهم السلام ) والتشويش على الوعي الجماعي للامة ، غير ان موكب السبايا بقيادة العقيلة زينب استطاع احباط هذا التاأثير السام للاعلام الاموي . . فعندما كان الحسين يلفظ انفاسه الاخيرة ايسا من كل الرجال كان قلبه مطمئا بان اخته زينب ستحمل رايته وستنصبها في كل مكان ، حتى لايبقى على وجه الارض شخص واحد لم يسمع بأسم الحسين ، ولم يروي قصة عاشورا ، واستطاعت السيدة زينب ان تخاطب كل جمهور بأسلوب يتناسب معه ، ويضمن وصول الرسالة الاعلامية التي تحملها لهم ، فكانت انموذجا راقيا للشخص الواثق برئيه .
فقد استخدمت العقيلة زينب ( سلام الله عليها ) هنا عدة اساليب بليغة ومؤثرة ، مثل اسلوب الاستهلال المؤثر من خلال ندبها لجدها رسول الله محمد ( ص ) قائلة ( يامحمداه ) موقظة بذلك المشاعر ومؤنبة للضمائر ، واسلوب الندب والرثاء ، فقد صورت المشهد في كربلاء ، وماجرى على حرم وعيال الامام الحسين من بعد مقتله قائلة : (بأبي من جده محمد المصطفى ، بأبي من جده رسول إله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبى ابن من ردت له الشمس وصلى ) ، فأصبحوا بعد سماعهم لكلمات العقيلة زينب كأنهم قد ادركوا توأ بشاعة ما اقترفوه من جرائم ، وفداحة، وما وقعوا فيه من مآثم ، فأيقنو بهلاكهم ، وادركو سوء عاقبتهم . في الشام كانت زينب غريبة واسيرة ، وكانت مظلومة ، ومكظومة ، وكانت محرومة ، ومهظومة ، لكنها لم تكن ابدا مهزومة ، وكذلك فقد مددت قامتها كأنها الطود ورفعت صوتها ، كأنه الرعد ، وصرخت في وجه الطاغوت يزيد قائلة : ( اني لاستصغر قدرك وأستعظم تقريعك ) . وكذلك قالت له ( كيد كيدك ، واسع سعيك ، فو الله لاتمحو ذكرنا ، ولاتميت وحينا ) . الرسالة الاولى الى اهل الكوفة كشفت فيها حقيقة مآلهم وما صنعوه ، فقد الهبت اسماعهم بتلك الخطبة العصماء التي بينت حقيقة غدرهم ومكرهم وخذلانهم لاهل بيت رسول الله ، ويذكر المؤرخون ان اهل الكوفة كانوا بين حائر بما يجيبون ، وبين باك ، ونادم . والرسالة الثانية اطلقتها بكل قوة وصلابة بوجه الحكام الامويين مثل ) بن زياد ( في الكوفة ، و)يزيد ( في الشام ، ولم تأل جهدا في فضح حقيقتهم امام الناس ، وادانتهم بالجريمة النكراء ، فقد انتصرت العقيلة زينب في معركة الاعلام ، ونشر الوعي ، فلم تجزع ، ولم تضعف ، ولم تهن بنت اكمل نساء العالمين ، وحفيدة خير خلق الله اجمعين . وكان دورها تمثل في خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية طاغية الشام ، حيث اظهرت قوة المنطق ، وفصاحة البيان ، اذهلت الحضور بأجمعهم واذهلت يزيد نفسه ، فهي اول من خطب من اهل البيت بعد الواقعة مباشرة اذ هيأت اسماع المتلقين ، وقلوبهم لتلقي خطبة الامام السجاد ، وما تلاها من خطب وكلمات ، لذا فأن تأثر اهل الكوفة لم يكن مستغربا وهم يسمعون كلامها فهم على ثقة كبيرة بها وصدقها ، وعلى ثقة تامة بمقامها ومنزلتها عند الله ورسوله ، حتى انهم ظلوا بين كلامها وخطبتها حيارى لا يدرون مايفعلون .فهي تتمتع بقدرة فائقة على الاقناع بسبب انتمائها الى هذا البيت الطاهر، فقد نقل احد الرواة اثناء سماعه خطبتها : ( فو الله لقد رأيت الناس حيارى ، وقد وضعوا ايديهم في افواههم ، ورأيت شخصا واقفا الى جنبي يبكي حتى اخضبت لحيته ، وهو يقول بأبي انتم وامي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونسائكم خير النساء ، ونسلكم- خيرنسل لايخزى ولا يبزى ) . كانت تتمتع بصلابة وقوة وربطة جأش يفتقر لها حتى الرجال ، فمن يكون في موقف العقيلة زينب وهي لم تزل مفجوعىة بأعز الناس على قلبها امامها وسيدها واخيها الحسين ، ومصابها بمقتل ولديها ورؤسهم مقطعة بالرماح ، فلو كان اي شخص اخر غيرها ، لما امكنه ان يقف تلك الوقفة الشامخة التي وقفتها في مجلس ( ابن زياد ) وهو يسألها : (كيف رأِيت صنع الله بأخيك )، فأجابته بجواب العارف والذائب في حب الله ، (وما رأيت الا جميلا ) ، لقد تميزت واقعة الطف بنجاح اعلامي غير مسبوق . ان الظروف التي كانت تحيط بالرسالة الاعلامية للعقيلة زينب كانت ظروفا استثنائية وغريبة ، فمن جهة كانت الرزايا والمصائب تحيط بموكب السبايا فكان اهل البيت ( عليهم السلام ) يعيشون اصعب واشد الظروف ، وكانت الاجواء المحيطة مشحونة بالخوف والترقب ، لكنها في نفس الوقت كانت مساعدة جدا في عملية اقناع المتلقين والمخاطبين ، من خلال ماجرى من فاجعة غير مسبوقة ، ومنها اسست السيدة زينب رسالتها في الزمان والمكان المناسبين ، فضلا عن عمق الواقعة العاطفي المخزون في ضمير الامة ، اوجد الاسلوب الاعلامي المؤثر ، تلك الاسلوب العملي التطبيقي ، وبالتالي فان الدور البارز لشخصية السيدة زينب في نجاح العملية الاعلامية اوجد الاسلوب الاعلامي المؤثر ، هو الاسلوب العملي التطبيقي لما تمتلكه من دوور حيوي واهمية بالغة ، وتدمير ما احرزه يزيد من انتصارات وألحقت به الهزيمة والعار، فكانت مؤهلة للقيام بهذا الدور الكبير لايقاظ الضمائر الميتة من سباتها العميق ، فقد ورثت الخطابىة من جدها رسول الله امام الفصاحة ، ومن والدها امام نهج البلاغة ، فقد كانت السيدة زينب تمتاز بقوة القلب ، وثبات القدم ، والايمان الصادق ، والعقيدة الراسخة ، والصبر على المكاره والفجائع الدامية ، والحوادث المذهلة . واخيرا نستشهد بأحد الباحثين حين قال : ( ماذا كان يكون الحال لو قتل الحسين ، ومن معه من الرجال جميعا الا ان يسجل التاريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر اعدائه ، فيضيع كل اثر قضيته ... مع دمه المسفوك في الصحراء) . السلام على الحسين ، وعلى علي بن الحسين ، وعلى اولاد الحسين ، وعلى اصحاب الحسين ، وعلى بطلة كربلاء وصوت الحق ، وصانعة الاعلام عقيلة الطالبيين زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) .
#عبد_الحسين_العطواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الارهاب وآثاره الاجتماعية
-
وسائل التواصل الاجتماعي .. ومميزاتها
-
الاتصال باللغة الصامتة
-
الاعلام الجديد ونفاعلاته
-
الاعلام الجديد وتفاعلاته
-
الحوثيون : بين عاصفة الحزم - وضرب المصالح الاسرائيلية
-
اللوحات الورقية
-
عملية طوفان الاقصى .. والموقف العربي المتخاذل
-
تبعية الاعلام .. وتداعيات تأثيراته
-
احداث القدس .. وابطال المقاومة الفلسطينية
-
موقف العشيرة من ابنائها اوقات النزاع
-
موقف القبائل من السلطات .. ومشيخة التسعينات
-
صور التآمر وأدوات تنفيذه
-
الازمة الاقتصادية بين ضعف السلطة .. ومصادر التمويل
-
افي لذكرى الاولى لشهداء قادة النصر
-
حقوق المواطن .. بين النهب وصراع المتنفذين
-
تشكيل الحكومة العراقية ومرحلة البناء
-
الكليات الاهلية العراقية
-
المفاعل النووي الإيراني والحشود الأمريكية
-
مشاركة القطاع الخاص في مجال الكهرباء وآليات التنفيذ
المزيد.....
-
الاحتلال يعلن اعتقال 30 مواطنا خلال اقتحام قرية عارورة شمال
...
-
مخيم نور شمس للاجئين معقل للمقاومة يزعج إسرائيل
-
إسرائيل تشتري حملة إعلانات رقمية لتشويه سمعة الأونروا على جو
...
-
الأمم المتحدة تدين العملية الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتل
...
-
مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان:العملية الاسرائيلية في ال
...
-
العفو الدولية تدعو الاتحاد الأوروبي لعدم الاستثمار في المستو
...
-
الأمم المتحدة تدين العملية الإسرائيلية في الضفة
-
-اختفاء وقود واحتيال-.. تحقيق لبرنامج الأغذية العالمي بشأن ع
...
-
محافظ طوباس:المحافظة تنسق مع الصليب الاحمر والمؤسسات الدولية
...
-
اعتقالات وخطف ودفع الفدية.. ظروف قاسية يواجهها الصحفيين في ا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|