أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - -سميرة- العسراء … وأغسطس!














المزيد.....


-سميرة- العسراء … وأغسطس!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8083 - 2024 / 8 / 28 - 11:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



قبل أن يُلملِمَ "أغسطس" أوراقَه ويتوكأ على عصاه ويمضي إلى جوف كهف الزمان، دعوني أُلوِّح معكم لسيدة جميلة كان لها مع شهر أغسطس حكايتان. الأولى لها علاقةٌ بميلادها، والثانية كتبتْ نهايتَها المفجعة التي هزّت أركان العالم في خمسينيات القرن الماضي.
جميلةُ الوجه والعقل، العالمة الوطنية "سميرة موسى" ابنة محافظة الغربية، أول عالمة ذرة مصرية، وأول معيدة في كلية العلوم بجامعة "فؤاد الأول"، التي غدت "جامعة القاهرة”. وُلِدَت في الربيع شأنَ الزهور في ١٧ مارس ١٩١٧، ثم خطفها الموتُ غِيلةً وغدرًا في أوج إشراقها ونصوعها العلمي؛ لأن عقلَها الفذّ كان خطرًا على تجارة السلاح العالمية التي تُدرُّ مليارات الدولارات على أصحابها. قرر سَدنةُ تجارة السلاح العالمي إخمادَ صوت عالمة الفيزياء والطاقة النووية المصرية حين أوشكت أبحاثُها وتجاربُها المعملية على ابتكار قنبلة ذرية من مخلفات المعادن الرخيصة، ما سوف يسمحُ للدول الفقيرة بإنتاجها، فيختفي تفوُّقُ الدول القوية على الدول المستضعفة. وهذا عينُ ما ترفضه قوى الاستقواء والاستعمار والتسيُّد. فتقرّر تصفيةُ ذلك العقل المصري النيّر قبل تحقيق الحُلم. وتمت الجريمةُ الخسيسةُ في أمريكا يوم ٥ أغسطس١٩٥٢، وهي في الخامس والثلاثين من عمرها. هذه حكايتها الأولى مع "أغسطس" الذي كتب نهاية تلك الأسطورة المصرية الخالدة، التي لو كان كُتب لأبحاثها النجاة وتحققت تجاربها العلمية المعملية الخطيرة، لتغيّر وجه العالم، وسادَ السلامُ. لأن احتكار القوة في يدٍ باطشة، يجعل موازين العدالة تختلُّ فتعمُّ الفوضى ويسودُ التجبّر، وتشتعلُ الحروبُ وتنتشرُ المجاعاتُ والاسترقاق. أما لو تعادلت موازينُ القوى في يد الجميع، اختفى الجبروتُ والطغيان، وترك العالمُ فكرةَ الاستعمار والرغبة في التملّك، ليتوجه نحو السلام والبناء والارتقاء بالإنسان.
كان حُلم الصبية الوطنية، أن تدخل مصرُ حقل التسلّح النووي ليكون لها مكانٌ على خارطة التقدم العلمي، حيث الكلمةُ العليا للأقوى سلاحًا وعِلمًا وصناعةً. كانت تدرك أن امتلاك السلاح النووي هو أرضية تحقيق السلام من منطلق القوة، لا الضعف، في عالم متوحّش أشعل حربين عالميتين هائلتين دمرتا شطرًا كبيرًا من العالم. خافت على مصر من مصير اليابان، في هيروشيما وناجازاكي عام ١٩٤٥، المدينتين اللتين دكّتهما القنبلة الذرية الأمريكية دكًّا.
وبعد قيام دولة إسرائيل المحتلّة على أرض فلسطين عام ١٩٤٨، وإصرارها على الانفراد بالتسلّح النووي في المنطقة العربية، خافت "سمير موسى" على وطنها؛ وقررت أن يكون لمصر ظهيرٌ نووي تردُّ به الأذى عن نفسها وعن المنطقة العربية؛ فأسّست "هيئة الطاقة الذرية"، ونظّمت وفودًا مصرية للسفر في بعثات علمية لدراسة علوم الذرّة. وواصلت المناداة بالتسلح النووي للوقوف على أرض النديّة أمام الكيان الصهيوني الاستعماري الآخذ في الاستقواء بقوتي: السلاح النووي والدعم الأمريكي. ونظّمت في كلية العلوم مؤتمرًا عالميًّا شارك فيه عددٌ من علماء العالم، أطلقت عليه: “مؤتمر الذرّة من أجل السلام"؛ لتنشر فكرتها أمام العالم: "تطويع الذَّرّة لعلاج الإنسان من السرطان، وليس لقتله بالقنبلة الذرية”.
وكان لابد للعدو من وضع نهاية لتلك الحياة الثرية الحافلة بالعلم والوطنية والامتياز العقلي. بعد استجابة د. "سميرة موسى" لدعوة من أمريكا لإجراء أبحاثها في معامل جامعة "سان لويس" بولاية ميسوري الأمريكية، حاولوا استقطابها للبقاء هناك للتدريس. ولكنها رفضت وأصرت على العودة لمصر، الوطن العزيز. وقبل عودتها لمصر بيومين، زارت معمل نوويّ في ضواحي كاليفورينا. وصرّحت للصحف بتصريح خطير قالت فيه: (لو كان بمصر معملٌ مثل هذا؛ لانجزتُ الكثيرَ لبلادي. وحين أعود سأنشئ مثله لتطوير تجارب الطاقة النووية لخدمة قضية السلام من منطلق القوة.) فور خروجها من المعمل، دهم سيارتَها لوري ضخم فسقطت مهشمةً في واد سحيق. تُرى كيف كان وجهُ مصرَ العلميّ والنوويّ، لو عاشت تلك الفتاةُ الجميلةُ بضعَ سنواتٍ أخرى؟ هيهات! عقلُها كان خطرًا على تُجار السلاح بوجه عام، والعدوّ الصهيوني بوجه خاص، فوجب تصفيتُه، فقُطفت زهرةُ روحها الوطنية في عزّ نداوتها.
أما حكايتها الثانية مع شهر أغسطس، فلأن ١٣ أغسطس هو "اليوم العالمي للعُسر، أو مستخدمي اليد اليسرى". وكانت جميلتُنا "عسراءَ"، تستخدمُ يدَها اليسرى في الكتابة والحياة. وكانت واحدةً من النماذج "العسراء" الجميلة الذي يقصُّها عليّ أبي، حين كنتُ أعود إليه من المدرسة باكيةً بسبب تنمّر زملاء الفصل عليّ لأنني أكتبُ باليسرى وأعجز عن الكتابة بيدي اليمنى! فحوّل أبي الجميلُ خجلي إلى فخرٍ، وشعور بالتميز. رحم الله عظيمة مصر العسراء "سميرة موسى"، ورحم أبي، وأسكنهما مُقامًا عَليًّا.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “سُميّة رمضان-… والذين معها
- أقدمُ لكم ... أبي
- “العيال فهمت- … إشراقةُ المسرح الكوميدي
- حاجة تخوّف… المعذّبون أمام المرآة!
- “جريمة بيضاء-… في محكمة الضمير!
- ماكبث… إلكترا … رؤى حداثية مدهشة
- “سميحة أيوب”... إشراقة مهرجان المسرح المصري
- -شلبي- … الناس ال كلّ حاجة
- -ماسبيرو- … هرمُ مصرَ الرابع
- الموتُ … الفقدُ…. غيابُ الأمل
- ١٨٠ درجة … -لا تُهمِلِ الموهبةَ التي فيك-
- محمود العلايلي إليك (سنبلةَ) القمح
- هدايا لم تُفضّ أغلفتُها بعد
- هداياك التي لم تفضّ أغلفتَها بعد (١)
- النبلُ … صوتُ الدفاع عن حقّ الآخر
- فتحُ الكنائس للمذاكرة… هل ثمرة المُحبّ جريمة؟!!
- المذاكرةُ في بيوت الله… من دفتر المحبة
- هكذا وجدنا آباءنا … فتركناه مفتوحًا!
- الفرنسيسكان … رُعاة العلم والفنون
- أخبرني أحدُ العارفين: طفلُكِ اختاركِ!


المزيد.....




- استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان ...
- حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان ...
- المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
- حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب ...
- ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر ...
- ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين ...
- قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم ...
- مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط ...
- وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - -سميرة- العسراء … وأغسطس!