أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن انقسام عقيم يلازم السوريين














المزيد.....

عن انقسام عقيم يلازم السوريين


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8082 - 2024 / 8 / 27 - 12:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الواضح أن الانقسام الأساسي الذي ظهر في سوريا وسط المهتمين بالشأن العام مع بدايات الثورة السورية، بقي على حاله، رغم ما مر من سنين وما كشفه الزمن من حقائق مخيبة لطرفي الانقسام. هذه حال محبطة لأنها تقول إننا أمام كتل "فكرية" قليلة الحياة، وإن كانت كثيرة الصخب.
إذا وضعنا جانباً الاصطفافات ذات المنشأ النفسي أو الهوياتي أو تلك القائمة على مصالح مباشرة، وبحثنا عن جذر سياسي للانقسام السوري العنيد، نجد أن هناك منظورين متباينين لرؤية ما عاشته سوريا منذ مطلع 2011، تفصل بينهما هوة لا تُردم. يستند كل منظور منهما إلى حقيقة ثابتة، ويغض النظر عما عداها، أو يغطي ما عداها بشتى صنوف التعمية. ولذلك يتعذر "النقاش" بين أصحاب هذين المنظورين، وإن حدث فإنه يكون شبيهاً بنطح الصخر، أو شبيهاً بحرب بين جزيرتين تفصل بينهما مسافة أبعد من المدى المجدي للأسلحة المتوفرة فيهما، فيملئون الدنيا ضجيجاً، فيما تبقى كل جزيرة آمنة مطمئنة على حالها.
المنظور الأول، يمكن أن نسميه منظور رفض الخارج، يستند إلى تاريخ طويل من السياسات الاستعمارية (تقسيم ونهب ثروات وتغذية صراعات داخلية وبينية وزرع وتمكين ومساندة لا حدود لها للدولة الصهيونية التوسعية وتزويدها بسلاح نووي بعيد عن الرقابة ... الخ) التي ساهمت بدور كبير في وصول مجتمعاتنا إلى المأزق الذي تعيشه، ليخرج هذا المنظور بنتيجة تقول إن تدخل الدول الاستعمارية لا يكون إلا من أجل المزيد من التخريب والإضعاف، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على الخارج في تحقيق ما هو في صالح بلداننا.
لا ينكر أصحاب هذه النظرة سوء الوضع الداخلي، وربما يسهبون أكثر من غيرهم في وصف الحال المتردي للبلاد في ظل الاستبداد وحكم الطغمة التي حولت علاقتها بالدولة إلى ما يشبه الملكية الخاصة، ولكنهم يرون إن كل تعاون ممكن مع الخارج بغرض إصلاح الداخل إنما هو جريمة أو حتى خيانة. وهكذا يركز هؤلاء على حقيقة ثابتة (عدم اكتراث الخارج بمصالحنا الوطنية بل حرصه على إضعافنا)، ويعطونها الأولوية، ويخالفون إلى حد العداء من يبدّي عليها أي حقيقة أخرى.
المنظور الثاني، ويمكن أن نسميه منظور رفض الداخل، يستند، بدوره، إلى تاريخ طويل من القمع والفساد وسياسات التمييز الهوياتي والتفكيك المجتمعي على يد الطغمة الحاكمة التي لا سبيل مفتوحاً إلى تغييرها أو تعديلها أو حتى ممارسة الضغط عليها لإصلاح أو تعديل سياساتها أو تخفيف قبضتها الأمنية وتجاوزات أجهزتها ... الخ. يرى أصحاب هذا المنظور أن الواقع السياسي والاقتصادي الذي تفرضه طغمة الحكم، يستوجب الخروج على "النظام" الذي يعالج كل خروج عليه بعدائية قصوى يستخدم فيها كل ما تحوزه الدولة من قدرات، فيصل بالبلاد وبالمجتمع إلى المزيد من الضعف والتفكك. وعليه، يكون الخلاص من حكم الطغمة التي تسيطر على الدولة هو الخطوة الأولى والأساسية. ودون أن ينكر هؤلاء ما للخارج من مصالح وغايات تختلف عن مصالح وغايات "الشعب"، يرون أنه من غير الممكن تحقيق تغيير جدي في النظام بدون مساندة خارجية من الدول القادرة.
هكذا يركز أصحاب هذا المنظور على الخراب الذي يسببه "الاستعمار الداخلي" ويعطون محاربته الأولوية، ويبدو لهم أن كل من يتجاوز على هذه الأولوية إنما يصب في خدمة "النظام" ويساهم في استمراره.
يمكن لكل من هذين الطرفين الإسهاب في "نقد" الطرف الآخر انطلاقاً من حقيقته الثابتة التي ليست محط جدل، دون أن يقدم نقده ومحاجاته أدنى فائدة، سوى تكرار والتشديد على ما هو معروف، ودون أن يسعى أصلاً إلى فتح آفاق وأبواب جديدة، أو أن يطرح على نفسه مهمة الخروج من هذا العقم. والواقع أن طرفي هذا الصراع "الفكري" يستشعرون العقم الذي هم فيه، ويعالجون عجزهم بانفعالية وبلا عقلانية على شكل حماس زائد لفكرتهم، وكيل اتهامات قصوى لمخالفيهم من وزن الارتهان والخيانة والطائفية ... الخ، ما يجعل هذا "النقد" وسيلة لشحن النفور المتبادل وتعزيز الانقسام العقيم.
إذا تجاوزنا عن وجود من يجادل في أن الغرب (الدول الديموقراطية) لم يكن في الماضي، وليس هو الآن، سبباً رئيسياً في خرابنا، وتجاوزنا عن وجود من يجادل في أن الاستبداد هو الوسيلة المثلى للحكم في مجتمعاتنا، يكون الفالق الرئيسي بين جبهتي هذا الجدال العقيم هو "اختيار" إحدى الحقيقتين المذكورتين وتجريد السلاح ضد أنصار الحقيقة الأخرى. ورغم الهوى الانقسامي الذي يشكل جزءاً من طبيعتنا، فالحقيقة هي إن ثبات هذا الانقسام لا يعود فقط إلى ذاتية معينة عند المنقسمين، بل يعود أيضاً، وبدرجة أكبر وأثقل، إلى واقع عالمي متراكب شديد التعقيد والعسر، يكون فيه الخارج متحكماً في تغيير الداخل، إلى حد قريب من وضع الناس أمام خيارات أحلاها مر. ومن الطبيعي أن لا تكون للخارج الأولويات نفسها التي يلتزمها ويسعى إليها المطالبون في التغيير، بل أن تكون له بالأحرى أولويات معاكسة. ومن الطبيعي أيضاً أن الخارج، إذا ساهم في التغيير، كما حصل في ليبيا ومصر مثلاً، سيكون لاعباً مهماً فيما بعد التغيير، بما قد يجعل التغيير قليل المعنى إن لم يكن نكوصياً.
إذا تعذر التوليف بين هاتين النظرتين، وتعذر بينهما النقد الرصين، يمكن لنا الأمل بأن يدرك كل طرف في الانقسام حدوده، وأن يكف، على الأقل، عن تغذية التنافر والعداوات بالتوبيخ والحماس الأرخميدي وكيل الاتهامات، وليسأل كل طرف نفسه، لو افترضنا أنه أتيح له، بقدرة قادر، أن يلغي وجود الطرف الآخر بالكامل، أو أن يجعله ولياً حميماً، هل يعتقد أن المسألة السورية ستجد حلها عندئذ؟ وإذا كان يعتقد ذلك، هل له أن يرسم الطريق الذي يراه إلى هذا الحل؟



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفكار في النقاش السوري العام
- سأبقى أذكر ذلك المساء المختلف في السجن
- غزة، التنافر بين الحق وتمثيله
- دروس قاسية تنتظر الفرنسيين
- القضاء الدولي، مقايضة شعوب بأفراد
- لا تقاطع مخبراً في السجن
- عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية
- الحرب على غزة تتحول حرباً على الديموقراطية
- جديد وثيقة المناطق الثلاث في سوريا
- الأبواب الحديدية
- الثقافة بوصفها خديعة
- في معنى استمرار الثورة السورية
- حين تصبح الهوية عبئاً (المثال السوري)
- غزة بوصفها مرآة عصرنا
- عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا
- -أبناء التهمة- الإسلامية
- ليس دفاعاً عن الإسلاميين
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 1
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 2
- في الشخصية السياسية لرياض الترك


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن انقسام عقيم يلازم السوريين