أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - بيتٌ بلا أسوار














المزيد.....

بيتٌ بلا أسوار


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 8081 - 2024 / 8 / 26 - 16:48
المحور: سيرة ذاتية
    


في عقد الخمسين من القرن الماضي هيأت لي نشأتي في حي (الخمسين حوش) من مدينة المعقل في البصرة أن أكون منذ أيامي الأولى عابراً للطائفية وتداعيات الانحياز الديني أو القومي.
صحيح أن الخمسين حوش كانت تحتوي كما يدل اسمها على خمسين دار, غير أننا, نحن الأطفال حينها, نجحنا أعظم نجاح لتحويل الأسوار التي تحيط بكل بيت إلى أسوار إفتراضية فصار الحي وكأنه بيت واحد. ومثله كانت هناك عشرات الأحياء التي كانت تعيش ذاك الزمن العراقي الواعد رغم همومه وتصدعاته.
في منتصف الخمسينات من القرن الماضي أنشأ المرحوم الباشا سامي فتاح, مدير المواني العام والذي أصبح بعدها وزيرا للداخلية في العهد الملكي, ذلك الحي على أسس عصرية. الحي الذي ضم بيوتا صغيرة كان يعتبر نقلة حقيقية في حياة ساكنية الذين كان أغلبهم يعيش قبله في بيوت طينية متواضعة.
ثم أن تصميم الحي جاء بطريقة تكاملت فيه شوارعه وملحقاته وبيوته بشكل جعلته يبدو وكأنه يضم بيتاً واحداً لا خمسين بيت, فلقد احتوى الحي ساحة لكرة القدم قام أطفال الحي بتطويرها لكي تكون أيضا ساحة للرياضات الميدانية التي تتضمن الركض والقفز في المستطيل الرملي, وما شابه ذلك.
كانت الحدود الخلفية للحي هي نهر صغير يلتف بعد نهاية الحي في تلك الجهة لكي يحيطه من الجهة الأخرى جاعلا الحي يبدو وكأنه جزيرة سياحية يلتحق شارعها الوسطي بالشارع الذي يؤدي إلى أرصفة الميناء البحري, أما بوابة الحي الشمالية فكانت تحتوي على سينما صيفي ومسبح صيفي أيضا, وغير بعيد كان حي (الجاينة كامب:الحي الصيني) قد ضم دارأ للسينما الشتوية, أي المغلقة, يقابلها على الجانب الآخر نادياً عصرياً رائعاً هو نادي (البورت كلب .. اي نادي الميناء الخاص حينها بكبار الموظفين) إضافة إلى نادي آخر لبقية المنتسبين على الجهة الأخرى تقابله ساحة لكرة القدم تابعة لدائرة الموانئ العامة.
وكنا قد أدمنا حضور مبارياتها الدورية, وقد أنجب النادي نفسه لاعبين كبار مثل حمزة قاسم الذي لعب حارساً لمرمى المنتخب العراقي واللاعبين المخضرمين في المنتخب نفسه وهما علاء احمد وهادي أحمد, غيرهم من اللاعبين الكبار الذين كانوا أعضاء بارزين في متخب العراق.
في ذلك الحي الذي كان عبارة عن بيتٍ واحد بلا أسوار, والذي كان يضم عائلات مسلمة ومسيحية وصابئية, كردية وعربية وأرمنية وآثورية, والتي كانت شوارعه ومرافقه قد هيأت لكي تجعلنا, نحن الأطفال حينها, نعيش وكأننا عائلة واحدة, حتى كأنا حولنا بيوتنا وخاصة في العطل المدرسية إلى مكانات للنوم ليس إلا, نلجأ إليها حينما نتعب من اللعب والسباحة والمهرجانات الدورية, في ذلك الحي كان الوقت أسرع من أن يقف لكي يعلمنا الفرق بين المسيحي والمسلم, بين الأرمني والعربي والآثوري, ولذلك لم يكن صعبا أن يتزوج المسلم من مسيحية ويعيشان في نفس الحي أو بالقرب منه . ليس معنى ذلك أن العائلتين كانتا تتقبلان الأمر بشكل سهل, لكن علاقات الشارع كانت قد تغلبت على علاقات البيوت المغلقة ..
لقد نجحنا نحن الأطفال, من مختلف الأديان والأجناس والإعراق, أن نخلق من خلال شارعنا المشترك لغة واحدة مشتركة هي اللغة العراقية الجامعة, التي استطاعت أن تفرض ذاتها على لغات البيوت المختلفة. كان من حق (إيشو توماس) صديقي أن يدخل حديقة داري الصغيرة دون أن يضرب الجرس طلباً لإذن الدخول, ثم إذا به يشاركني أو أشاركه في بيته وجبة الأكل دون دعوة مسبقة.
لقد جعلتني البيئة التي نشأت فيها أقاوم كل أشكال العنصرية والتخلف الديني (لم أذكر الانحيازات الطائفية إذ لم يكن لها أي ذكر في كراريس طفولتنا).
حينما أكتب عن الأكراد والصابئة مثلاً, وعن مختلف الأديان والمذاهب, أقول لمن يظن إنني اكتب بقلم عربي لا يا سيدي إنني أكتب بقلم (خمسين حوشي). وأقول لمن يريدني ان أكتب بقلم شيعي لا يا سيدي أنا أكتب بقلم مَعْقلي (من مدينة المعقل).
كلا القلمين هما قلمان بصريان عراقيان يريان العالم, كل العالم, من خلال بيت في الخمسين حوش.
وهو بيت كان بلا أسوار.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجواهري.. ما بين الشاعر والإنسان
- الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (2)
- الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (1)
- الأيديوغماتية
- حل الدولتين
- عضة كلب
- رغد صدام حسين .. إذا أبتليتم فاستتروا
- مقالتي الألف .. الدم في خدمة الخرافة
- رد على من لا يستحق الرد !
- الوطنية والإسلام السياسي
- خير النساء
- بايدن .. هل كان صهيونياً بحق
- المهدي المنتظر
- الدين السياسي ليس ديناً وليس دولة
- القضية الفلسطينية وصدام الأديان
- فلسطين ومفهوم القضية المركزية
- عن روما القديمة وعن ترامب الآتي وعن مجلس الإنقاذ
- انتحاري على طريقته الخاصة
- القائم من ميتته كي يورثنا الفرحة
- كاريزما الزعيم


المزيد.....




- العثور على 5 من ضحايا حادث يخت صقلية في مكان واحد.. ماذا يعن ...
- الصحة السودانية تعلن حصيلة ثقيلة لضحايا انهيار سد بشكل فجائي ...
- | هل تفضل حياة الصباح أم ليالي السهر؟
- بافل دوروف.. ما خلفيات احتجاز مؤسس منصة تلغرام في فرنسا؟
- بعد هجوم زولينغن.. تدابير أمنية مشددة بمهرجان -أكتوبر فيست- ...
- فيروس شائع قد يكون السبب في بعض حالات العقم بين الرجال!
- خبير يوضح صعوبة إثبات استخدام قوات كييف للأسلحة الكيميائية
- مقتل مسؤول مصري خلال تفقده أحد الحوادث المروعة
- رئيس وزراء قطر يصل إلى طهران
- أول مكالمة.. وزير الخارجية الجزائري يؤكد تطلعه للعمل بشكل وث ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - بيتٌ بلا أسوار