أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - آرام كربيت - هواجس ثقافية أدب موسيقا ــ 271 ــ















المزيد.....

هواجس ثقافية أدب موسيقا ــ 271 ــ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8080 - 2024 / 8 / 25 - 18:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في فترة دورة الأغرار تم فرزي إلى إدارة الأشغال العسكرية في دمشق بالقرب من إدارة الجمارك.
كنت في الثانية والعشرين من عمري، وكنت أعمل في شركة الرصافة قبل الخدمة الإجبارية.
كنّا بحدود الخمسة وأربعين فني، مساعد مهندس، من سوريا كلها.
كان الطعام كثيرًا، لدى كل واحد عشر أطباق من البيض، والكثير الكثير من الفواكه، والغذاء كان وافرًا، وبالرغم من هذا كان هناك سرقة من القائمين على الخدمة، هذا كان بداية العام 1981.
كنا من كل محافظات سوريا، ومهجعنا كان من البلور القابع على الجبل في منطقة أو ضاحية صحنايا التابعة لريف دمشق.
وكان هناك بلوكوزات، نصف حفرة داخل الجبل يضع الجندي فيها سريره داخله مع سلاحه. وفيه كهرباء.
تعارفنا، نحن الشباب الصغار على بعضنا، وكنا نسهر ونضحك ونلعب كرة القدم أو الورق أو نتنزه بين الأشجار وأحيانًا كنّا ننتظر القطار القادم من الأردن بدخانه وصفيره ، وبطء سرعته، وركابه القلائل الذين كانوا يسلمون علينا.
وكان هناك قسم ينزلون مبيت إلى مدينة دمشق، يبقون هناك ليلة كاملة وفي الصباح يعودون إلى الثكنة.
قالوا لي زملائي مرات كثيرة:
ـ تعال معنا إلى الشام يا آرام، لماذا تبقى وحدك في المهجع أو مع البعض من الزملاء؟
ـ ليس لدي أهل في دمشق، ولا أحب أن اتطفل على أي إنسان.
المهم، قلت سأجرب اليوم الذهاب مع سيارة المبيت، مثلي مثل زملائي إلى مدينة دمشق.
ركبنا السيارة العسكرية الزيل روسية الصنع، وسرنا على بركة الله، عند الحاجز طلبوا من العساكر ورقة الخروج من الثكنة، أذن خروج.
وكل واحد ليس لديه أذن ينزل.
كنت أول النازلين، بطحوني مثل زملائي، ضربونا وحلقوا شعرنا.
قلت في نفسي:
ـ الحظ السيء لا يخطئ، أول مرة أنزل وأغامر، وأول واحد تعرض للضرب والإهانة.
طبعًا الإهانة جزء من سياسة الوطن الذي يقوده حمار.
والحظ قانون علمي، هو الصدفة، بمعنى أن صاحب هذه الصدفة دائما يقع في المجال السلبي لوجوده في هذه الحياة، منذ ولادته إلى حين موت.

المحروم دائمًا على حق، لأنه يرى أعمق مما يراه الأخر.
عندما يقدم إنسان ما في هذه البلاد، على كتابة رواية ما، سيجد أن أهم عنصر في الرواية هو المرأة، بيد أن هذه المرأة محجوبة عن الرجل في الشارع، الكافتيريا، المكان العام.
وممنوع الاقتراب منها الا شرعًا أي أن تكون أخته أو أمه أو زوجته أو أبنته.
كل شيء في حياتنا يمشي ويتحرك ويسير في السر، العمل السياسي، العلاقات العاطفية، ويتخلل هذه السرية الكذب والغش والخداع والنصب والاحتيال وغيره من القذارات.
العلاقة العلنية مع المرأة ممنوع، لهذا نقول:
ـ كيف يمكن لروائي أن يكتب عمله عنها: التقينا، مشينا، دخلنا مطعم، تغذينا أو شربنا القهوة أو الشاي في المقهى أو في جلسة عامة أو خاصة؟
كيف يمكن للرواية أن تكون طبيعية، والحياة التي نعيشها مختلة، يسيطر عليها موسى وعيسى ومحمد، يقررون متن الحدث كله؟
هل نتمايع، عندما نكتب، نمارس التورية كما نمارسها في الحياة، نكذب على أنفسنا وعلى قارئنا، نلتف على الحقيقة؟
هل نلغي المرأة؟
عمليًا هي ملغاة من التداول العلني، نراها كنكرة، كشيء محجوب، كشيء نستطيع أن نلتقي بها في السر.
نراها كغنيمة حرب، مكسب ذكوري، أداة جسد، بمجرد أن تقترب منها، ينتصب عضوك، يتقدمك قبل أن تتقدم منها
هل ما نكتبه عنها حقيقي؟ هل نحبها؟ أم نحب العضو الذي فيها، أو بشكل أصح، هل نحبها أم نحب الأنثى الذي فيها؟
وهذا ينطبق على المرأة أيضًا.
هل يمكن إلغاء المرأة، الموسيقى، الغناء؟ هل يمكن إلغاء الرغبات، الجنس، الحب؟
لمن جاءت الكآبة، ولماذا؟ لماذا يحب الدين الكآبة ويكره الفرح، وهل هناك أحلى وأجمل من فرح الحب ولقاء الحبيب بالحبيب؟
اعتقد أن البلاد الشرقية عامة، والإسلامية خاصة، لا يمكنها إنتاج الأعمال الإبداعية العظيمة، لأن المرأة فيها غائبة، هي النبات والماء والشمس والزرع للحياة، فكيف نفرح دون زوادة.
حقيقة، أشعر بالميوعة، بالخنث عندما أكتب رواية ما، واتحايل على الواقع، عندما أقول: التقيت بالحبيبة في المطعم، وحولي الناس يضحكون أو يقهقهون، كيف تستوي الرواية بالكذب والغش؟.
في أعمال ألف ليلة وليلة، المرأة أهم عنصر في العمل الفني، ولكنها المرأة الأقل مستوى من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تستخدم الرواية الجاريات، من الخارج، من البلدان المهزومة عسكريًا، المستباحات، المباعات في سوق النخاسة، عازفات العود في بيوت الخلفاء، والتجار وعلية القوم، الرقاصات.
الحرائر في الليل، يحررن شبق الخلفاء الجنسي والدوني، والإذلال الساكن في اعماقهم.
في هذا الليل السعيد أو الكاذب، يتحرر الخلفاء والديايثة من أنفسهم، من تبعات الدين والمجتمع، يتعرون من كذبهم على أنفسهم، يمارسون الجنس على حقيقته، وبفنية عالية، بحنكة، وتكون الجارية متقنة عملها، ترفع مستوى الأوركانزم عند الديوث، تتساوى العاهرة مع العاهر الخليفة في الوصال الجنسي المبتذل، المسبق الصنع، المتقن بحرفية عالية، كونه عدة الشغل للوصول للنشوة.
اليوم، في ظل الكبت، تحول الرجل إلى قواد، والمرأة إلى عاهرة، يمارسون الكذب على أنفسهم وعلى الواقع، في ظل واقع يدعوا إلى المكاشفة والتعري المبتذل، يمارسون السرية بأسوأ طريقة وأسلوب، ولا يستطيعون الخروج من تحت دلف ومزراب الدين، ولا يواجهون ثقافة القيد، الثقافة التي خربت كل جميل فينا.
هل أذهب إلى السويد لأكتب رواية عن سوريا؟
بصدق، أشعر بالفقر الثقافي والجمالي والإنساني في داخلي، أنا داخل السور أو السجن أو القيد الاجتماعي والثقافي الذي سور حياتي، حياتنا، مشاعرنا أفراحنا.
عدونا الأول، والأهم هو الثقافة الماضية، هي التي تمسك اللجام، تقيدنا، تمنع عنا التنفس والعيش تحت الشمس.

وقف صدام حسين أما جمهوره في السابق من الأيام، قال:
ـ يكولون أن صدام حسين ما يعرف يحجي؟
وأضاف:
هل تفهمون علي لو لا؟
قالوا بصوت واحد وهادر:
ـ نفهم يا سيدي نفهم.
قال:
ـ خلاص، ما دمتم تفهمون عليه، طز بيهم هؤلاء الذين لا يفهمون علي.
يا هيك الرؤوساء لا بلا، لكنه أقل سوء من هذا الديمغوجي الذي اسمه بشار:
قال:
ـ لا فضل لأبيه عليه في رئاسة الدولة السورية؟
يا أخي، هذا المسطول من أي أسطبل خرج؟
هذا شوية حكي في السياسة العربية الماضية والحاضرة

الزواج عقد عمل بين ذكر وأنثى، غير محدد في العقد نوعية العمل ولا شروط واضحة فيه.
في العام 2012 ـ 2013 تم فرزي إلى مدرسة إعدادية.
كل يوم كان هناك وجبة غذاء شهية للطلاب، وكان يأكل معهم المدرسين والمدرسات.
الصالة كبيرة جدًا تتسع لمئات الطلاب ويقوم على إدارته طاقم كامل يوميًا أثناء فترة الدوام.
كنت معاون مدرس للمدرسة إيفا كارلسون، أبقى معها في الصف إذا أحتاج أي طالب لحل مشكلة ما.
لم أكن مدرسًا في أي يوم من أيام حياتي، لكنهم طلبوا مني أن أذهب للمدرسة فلم أرفض، لأن هناك طلاب عرب وسوريين جدد، يحتاجون إلى المساعدة لحل مشاكلهم.
ليس هذا ما أريد قوله.
كان المطعم يضع صور لنوعية اللحوم التي سيأكلها الطلاب، صورة عجل، خاروف، خنزير، سمك، دواجن، سلطات، نوعية التوابل.
كان هناك بعض الأطفال المسلمين لا يأكلون من طعام الدولة، يشكون في أخلاق الدولة، ربما تغشهم وتطعمهم لحم الخنزير.
كنت أحزن كثيرًا على هؤلاء الأطفال، لأنهم لم يأكلوا من ذلك الطعام اللذيذ والشهي، لاعتقادهم المرضي أن الطعام مدسوس وأنهم مستهدفين في دينهم.
الطفل ليس مريضًا، هذا المرض، الشك المرضي، زرعه الأهل في أبناءهم.

العقلاني، الباحث هو الذي يفكك النص، يجرده من قداسته، يزيحه من موقعه ويدخل عليه معاوله وأزميله ويبدأ بالحفر فيه ليصل إلى جذوره.
لا يهدأ بال الباحث، العقلاني، المفكر إلا بالوصول إلى معرفة حقيقة النص ومن أين جاء ولماذا تلبس بالغائيات الغامضة والمتواري أو الاختباء خلف الحقيقة.
عندما يحول النص إلى موروث وتاريخ وفيه مصالح وغايات، وقتها يشعر أن مهمته وصلت إلى غاياتها العظمى.
المؤمن لا يفكك النص ولا يشك فيه، ولا يراه تاريخيًا.
ويشعر بالألم النفسي والروحي عندما يرى نصه المقدس، ابنه، صلبه، يموت أمام عينيه ولا يقوى على فعل أي شيء.
وإنه أضحى عاريًا من ورق التوت. ولا شيء يستر وجعه وألمه.
الحقائق ستبان مهما طال الزمن، وسيرتقي الإنسان عندما يزاوج أو يطابق الواقع مع الحقائق الخالدة

قبل أن يطلع الضوء من خدره البارد
قبل أن ترتوي الكائنات النائمة بماء الحياة.
يزهو نبيل ويفيض
يقرأ القصائد الغاصة بدروب الورد ورحيق الفرح، يتكلم عن عشق لم يتبرعم، وحب لم يولد، عن ذاكرة مثقوبة ومتناثرة على الطرقات، عن ذاكرة منخورة عند المنعطفات، قال لي:
هل عشقت ؟ قلت له:
ـ ربما! وضحكت. العشق متأصلٌ في الدم في العروق والشرايين، قلبي يتكوّن من ذاكرة متعبة، من سنين مرمية خلف الجدران.
كلانا كان يهجس برائحة المرأة وعطرها الوردي الدامع.
يعود بي إلى الماضي، إلى ينابيع رأس العين عندما كنت أمسك الشمس بيد ودمي العجوز المهروس باليد الأخرى، عارياً تماماً، حاملاً ثيابي المزركشة بيدي، أركض من مكان إلى آخر، أرى فرح ذرات الرمال البيضاء الحنونة كيف تداعب الماء الزلال، كيف تخرج من جوف الأرض برقة ونعومة على الزوايا والقلب. والأسماك العاشقة تلهو مع لغة الصانع البديع لغة الكون الجميل.
كان نبيل يقرأ لي الأشعار عن حبيبة ما، امرأة ما، لها نعومة السماء والمساء، عن رائحة الأشجار المتجذرة في التراب. يتأوه من الصمت البعيد عندما يلقي قصائده المجنونة عن امرأة، عن امرأة ذات لون، ذات شعر متناثر فوق الاصداغ. امرأة القت عليه تحية عابرة وهو في معبر الحياة، تحية غامزة, وربما هامزة, وربما ساخرة، وربما ما بين الثلاثة يسكنها نسغ جاف ونائم، وربما تلفها البراءة والحياء، بيد أنها كانت تعني الكثير الكثير لشاب في مقتبل العمر، في وقت فيضان الروح والجسد، عندما كان نبتة خضراء طافحة بالاندفاع، ولد على صدر الحياة من أجل أن يبقى ويحيا ويعشق.

رحت أروض ذاكرتي الجديدة، أذهب في شرود، أرحل إلى مطارح الزمن المفقود، أداعب الكلمات المتمازجة، الكلمات الكلمات، أحط الرحال عند وجه حبيبتي، أقول لها عندما كنا نلتقي في الخلوات البعيدة عن العيون وهمسات الهامسين والفضوليين:
ـ أنت لي كنسيم الروح الذي يختزن عذوبة الوجود، شهيق العمر وخلود الحياة والزمن.
أسرح مع الأماسي التي ضمتنا، الأماسي الناضحة بالأمل. كان ذلك وقت احتكاك الموت بالحياة، الموج بالصخور الصلبة، العري بالبرد، الحلم بالكابوس.
كنت أقول لها عندما كنا نلتقي:
ـ أنا يا حبيبتي مجدول منك وفيك، أحس بالتمزق والضياع لبعادك عني. أهرب من الجدران الصلبة التي تحاصر روحي وقلبي فألجأ إلى عينيك. أعود لك عندما أشعر بالكآبة والحزن والألم من هذا المكان المقفر.
أكره الأماكن الضيقة التي تأسر روحي وتقيد حريتي.
عندما تشتد علي الأوجاع وتحاصرني الأماسي الحزينة أعود إليك، إلى قلبك الجميل لأبعد عن ذهني الانفعالات السوداوية التي تلتصق بي، لأهرب من البؤس والهمسات الخافتة المكومة داخلي، المتسربلة بقوة من فتحة الجدران وفراغاتها الموحشة.

كانت لي دائماً وجهة نظر حول علاقات البشر مع بعضها البعض، أن لا تفسد السياسة العلاقات الإنسانية، أن توضع جانباً الخلافات الفكرية والسياسية عندما يتعامل الناس مع بعضهم البعض في تسيير شؤون حياتهم اليومية، أن لا تخلط العلاقات الشخصية بالجوانب الأخرى.
لقد ابتليت بلداننا العربية بأنظمة فاسدة ومنحطة على الصعيد السياسي والأخلاقي والروحي، السياسة الفاسدة، تفسد النفوس والأخلاق، تترك بين الناس مسافة وهوة واسعة من الفرقة والتشرذم لا يمكن ترميمها بسهولة ما دام كل واحد متمسك بموقفه، لذا كان تقربي من الجميع ودياً وأخوياً.
كنت أقول أن المستفيد الأكبر من خلافات القوى والأحزاب السياسية المعارضة هو خدمة مجانية للسلطة البوليسية الظالمة، عليهم أن يتفقوا على برنامج سياسي واضح يعمل على تغيير هذا النظام قبل أي شيء آخر.

رحت اروض ذاكرتي الجديدة، أذهب في شرود، أرحل إلى مطارح الزمن المفقود، أداعب الكلمات المتمازجة، الكلمات الكلمات، أحط الرحال عند وجه حبيبتي، أقول لها عندما كنا نلتقي في الخلوات البعيدة عن العيون وهمسات الهامسين والفضوليين:
ـ أنت لي كنسيم الروح الذي يختزن عذوبة الوجود، شهيق العمر وخلود الحياة.
أسرح مع الأماسي التي ضمتنا، الأماسي الناضحة بالأمل، كان ذلك وقت احتكاك الموت بالحياة، الموج بالصخور الصلبة، العري بالبرد، الحلم بالكابوس، كنت أقول لها عندما كنا نلتقي:
ـ أنا يا حبيبتي مجدول منك وفيك، أحس بالتمزق والضياع لبعادك عني، أهرب من الجدران التي تحاصر روحي وقلبي فألجأ إلى عينيك، أعود لك عندما أشعر بالكآبة من هذا المكان المقفر.
أكره الأماكن الضيقة التي تأسر روحي وتقيد حريتي.
عندما تشتد علي الأوجاع وتحاصرني الأماسي الحزينة أعود إليك، إلى قلبك الجميل لأبعد عن ذهني الانفعالات السوداوية التي تلتصق بي، لأهرب من البؤس والهمسات الخافتة المكومة داخلي، المتسربلة بقوة من فتحة الجدران وفراغاتها الموحشة.

الدين قائم على مرتكز بدوي, في زمن الرعي والغزو والبحث عن البقاء على قيد الحياة بكل السبل.
لا يمكن للدين أن ينسجم مع العصر, فكل واحد له سياقه الثقافي والمفهومي. والذين يتمسكون بالدين من موقع عاطفي سيبقون في الماضي مهما تحضروا.
الثقافة, هي حامل المرء, تكوينه النفسي والعقلي وموقعه في هذه الحياة. ومن خلال هذا الحامل يمكننا تقييم المرء, وأين يقف.
المجتمع المتمسك بالقيم الثقافية الرعوية, سيبقى في ذلك الزمن مهما حاول أن يغير جلده.

لماذا زمن الله ثابتًا, في نظر الكثير, باقيًا في مكانه. وزمن الإنسان متحركًا, متصاعدًا, فيها ارتقاء في كل جوانب الحياة.
لماذا يريد هؤلاء أن يشوه الله, إلههم. يجمدوه, يبعدوه عن الزمن المعاصر!
لماذا يتركوه في زمن آخر, زمن مضى ولم يعد؟

عزفنا الموسيقا التركية, اليونانية,ثم الأرمنية, الكردية, الاشورية, السريانية, العربية والفارسية. ثم غنينا, أغاني الغربة, المزارع, أذهبي اذهبي, كارونا, الحبيبة سلمى, الركن السعيد, لا يمكنني اللعب. الأغاني المعبئة برائحة الأشجار والحصاد والبذار. تغلغنا في الأرض والجبال, في الأعشاب البرية. رقصت الطبيعة, وخرجت الشمس من فزعها وغنت. لمحت, عيون قاطع الطريق. رأيته يبكي ويضحك. سحنته مالت إلى اللون الداكن. بان الحزن والألم في عينيه. وصرخ بصوت عالي. كان صوت الريح أو تكسر الصخور عند انزلاقها من أعلى الجبال. توقفنا, وكان في أعلى درجات الشدة, أو السكر. واضطر خلال لحظات أن يعتذر ويفر هاربًا, قال:
ـ هذا كنزكم الثمين, خذوه وأرحلوا من هنا.
وقفت نازلي فاغرة فاهها:
ـ من قصد بالكنز؟
ـ الدودوك.
ـ وشعور والديك؟
ـ فرح والدي بالمخطوط, وحدق في عقب السماء الغائبة, قال:
ـ هذا أشبه بالحلم. شيء لا يصدق. علينا أن نذهب إلى الخان لننام فيه, ونقضي ليلتنا بسلام. الآلهة منحتنا الأمن والراحة والسلام. شكرًا للقدر, أنهم لم يأخذوا هذا الكنز الثمين.
بشغف تسألت نازلي:
ـ ماذا يقصد؟
تنفس بسرعة مخافة أن تضيع الأفكار منه. مضى يسترسل في شغفه.
ـ المخطوط, الذي ذكرته قبل قليل, فيه ثلاثة آلاف أغنية ملحنة ومدونة. إنه شقاء العمر. يجب أن يبقى للأجيال القادمة. إنه يساوي كنوز العالم. لو علموا بمكانه, وقيمته, لأخذوه. إنه تاريخ الاناضول, روحه, قلبه. تاريخ الحجر والنهر والطيور.

الشعب الذي لا يعرف عدوه من صديقه لا يستحق الحياة. يصفق للذي يأتي ويبصق على الذي ذهب. لا عقل, لا منطق يمّكن المرء من معرفة طبيعة الناس, وتحليل هذه الظاهرة.
هذا ليس جديدًا, إنه تاريخ طويل من الخضوع والاستمراء فيه, والعيش في كنفه.
سقطت الطبقة البارحة, انتقلت من يد مجرم إلى آخر:
ـ لماذا أنتم سعداء؟ أين موقفكم, أين موقع وطنكم مما حدث وما سيحدث؟ الا يدعو هذا الأمر للمسألة؟ بلد كلهم ينهار, ويتجه نحو الهاوية, الا يتطلب من الجميع وقفة واحدة دون رمي بعضه بالبيض الفاسد.
أمة لا تقرأ, لا يمكن أن تبدع أو تخرج من العتمة بهذا العقل المغلق.

كنت واقفًا, على مبعدة, لمحت من بعيد فتاة صغيرة, بيدها قنينة, سكبت ما في داخلها فوق جثة امرأة مصلوبة, عارية. وتركتها فارغة وولت هاربة. شممت رائحة كحول. ركضت وراءها, قالت:
ـ الموتى يستحقوق الأحترام والوداع. إنه عنب بلادنا. إنه من الأرض. الأرض كريمة تعطي ولا تأخذ.

بنية النظام السلطوي الدولي قائم على التنسيق الهائل بين أجهزة المخابرات, بحيث أصبح لدينا سلطة علنية وسلطة تحت سلطة, لها صلاحية مطلقة في القتل والتصفية وزرع الخوف والشقاق, ولا تخضع للمحاسبة أو المسألة. ولها موارد مالية هائلة وامكانات مادية غير محدودة وشبكة علاقات واسعة من تحت لتحت دون أن تخضع للنظر, لخريب أي منجز سياسي أو اجتماعي أو إنساني أو اقتصادي يغير او يمس بنية النظام السلطوي الدولي القائم على تناقض حاد بين إرادة ومصالح الناس من جهة والسلطات الفاعلة فيه.
إن النظام السلطوي الدولي لا أخلاقي ولا إنساني. إنه كارثة بامتياز تمس بالصميم بنية حياة الإنسان المعاصر إلى اشعار بعيد.

تذكرت أمي, أخر مشهد لها, وهي ممرغة على الأرض:
ـ دير بالك على نفسك يا ولدي. الحياة لا ترحم. شعرت بالقشعريرة الباردة تتسلل إلى كل أنحاء جسدي. ارجف. ومن عري, صرخت:
اللعنة على كل شيء.
ثم, بكيت حسرة.

رأيته, ذلك الجندي, المثقل بالفرح, يضحك وكأنه في وليمة أو سهرة سكر:
ـ عريها, لنرى اللحم الطري. وأمتدي يده الخشنة إليها. قطعها أربًا أربًا برفقة بقية الجنود. تحولت المسكينة إلى كومة لحم مهروس.
بجانب الشجرة المقصوصة في وسط الساحة, اقتربت مني امرأة نادبة, مربوطة اليدين إلى الخلف, تصرخ:
ـ انقذني يا أخي, من شان الله. وبضربة من نصل السيف فصل رأسها عن جسدها. بقي شعرها في يديه.

المحروم دائمًا على حق، لأنه يرى أعمق مما يراه الأخر.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس سياسية وفكرية وثقافية 270
- هواجس ثقافية سوياسية وأدبية ــ 269 ــ
- هواجس ثقافية وإنسانية 268
- هواجس ثقافية 267
- هواجس ثقافية وسياسية وفكرية وادبية ــ 266 ــ
- هواجس عامة ثقافة فكر أدب وفن 265
- هواجس الثقافة والحب ــ 264 ــ
- هواجس ثقافية أدبية فكرية 263
- هواجس ثقافية وسياسية وفكرية ــ 262 ــ
- هواجس ثقافية متنوعة 261
- هواجس ثقافية 260
- هواجس ثقافية ــ 259 ــ
- هواجس ثقافية ــ 258 ــ
- هواجس ثقافية وأدبية وسياسية ــ 257 ــ
- هواجس ثقافية 256
- هواجس سياسية وفكرية ــ 255 ــ
- هواجس ثقافية وفكرية 254
- هواجس ثقافية وفكرية ــ 253 ــ
- هواجس نفسية وأدبية وفكرية 252
- هواجس أدبية ودينية ــ 251 ــ


المزيد.....




- وسائل إعلام فرنسية تكشف هوية منفذ هجوم على كنيس يهودي جنوب ا ...
- قائد الثورة الاسلامية: المعركة بين جبهة الحق وجبهة الباطل لا ...
- علاء مبارك يعلق على مبادرة جماعة الإخوان المسلمين للصلح مع ا ...
- “افرحوا ماما جابت بيبي” استقبل الآن أقوى أشارة تردد قناة طيو ...
- حدث تردد قناة طيور الجنة وفرح ابنائك.. التردد الجديد لقناة ط ...
- “شغلها لأبناء وأنت مرتاح” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ع ...
- البابا فرنسيس يدين حظر أوكرانيا الكنيسة الارثوذكسية
- حماس والجهاد الإسلامي تباركان الرد النوعي والكبير للمقاومة ا ...
- -رؤية مؤلمة-.. الأمم المتحدة تعلق على قانون -الأمر بالمعروف- ...
- البابا فرنسيس يعلق على الوضع المحيط بحظر الكنيسة الأرثوذكسية ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - آرام كربيت - هواجس ثقافية أدب موسيقا ــ 271 ــ