أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هاني عبيد - انتشار المسيحية في جنوب الجزيرة العربية - الجزء الثالث















المزيد.....


انتشار المسيحية في جنوب الجزيرة العربية - الجزء الثالث


هاني عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8078 - 2024 / 8 / 23 - 12:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنتشار المسيحية في جنوب الجزيرة العربية
الجزء الثالث

المسيحية في جنوب شبه الجزيرة العربية
إذا كانت اليهودية قد إنتشرت في جنوب شبه الجزيرة العربية عن طريق الهجرة والتجارة فإن المسيحية قد إنتشرت عن طريق التبشير والتطبيب وإجتراح العجائب والمعجزات لقوم سادت بينهم الديانات الوثنية وعبادة الأصنام.
فالتبشير كان الأساس الذي مارسه المسيحيون (إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم) - متى 28: 19 ، (إذهبوا في الأرض كلها، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين ) مرقس 1615:.
وتُشير بعض المصادر المسيحية والمصادر الإسلامية إلى دور العبيد من الحبشة والذين كان يجلبهم التجار إلى جنوب شبه الجزيرة العربية وكان معظمهم يدين بالمسيحية حيث لعبوا دوراً في نشر ديانتهم بين أسيادهم.
إن الروايات المتعلقة بدخول المسيحية إلى شبه الجزيرة العربية مختلفة وأحياناً يشوبها الغموض وأحياناً أخرى تكون متضاربة. ويذكر محمد هتبيلة ]5[ أن "دخول النصرانية إلى نجران كان بطريق الصدفة لا عن طريق التبشير المخطط له والمدعوم من حكومة ومؤسسات كنسية تملك الخطط والوسائل المالية والبشرية لتنفيذ مشاريعها"، وهذا رأ ي ليس له أي سند تاريخي. فمن المعلوم أن انتشار المسيحية في القرون الأولى تم على أيدي أفراد مبشرين ولم تكن حينها المؤسسات الكنسية قد إمتلكت الموارد المالية والبشرية الكافية للقيام بهذه المهمة.
شكل نصارى عرب نجران الذين اعتنقوا المسيحية عن طريق التبشير الذي قام به بعض النساك والرهبان النصارى (أساقفة الخيام أو أساقفة أهل الوبر) أكبر قوة دينية داعمة للديانة النصرانية في جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام حيث كانت نجران من أهم مناطق النفوذ الديني المسيحي في جنوب الجزيرة العربية بعد خلاصهم من الإخدود ] 14[.
هناك عدة روايات حول دخول المسيحية اليمن، وقبل أن نستعرضها نُشير إلى أن بعض المصادر العربية تروي أن بداية المسيحية كانت عندما إعتنق أحد ملوك حمير وهو عبد كلال بن مثوب على يد رجل من غسان قدم إليه من الشام، إلاّ أن هذا الملك أخفى ديانته عن قومه وكان ذلك في عام 275م ]18[.
تتوزع المرويات المتعلقة بدخول المسيحية أراضي جنوب شبه الجزيرة العربية حسب المصدر المعتمد. فالمصادر اليونانية تُشير إلى بعثة القيصر قسطنطيوس، بينما المصادر النسطورية تتحدث عن تاجر اسمه حيان، والمصادر الحبشية تُشير إلى قديس اسمه أزقر Azqir، أما المصادر الإسلامية فهي رواية ابن اسحق ونقل عنه ابن هشام، ثم يذكر الطبري روايتان متعلقتان بفيمون والأخرى بعبدالله بن ثامر، وسنستعرض ما ذُكٍر في هذه المصادر.
رواية ابن اسحق
يذكر ابن اسحق أن موقع ذلك الدين (ويقصد المسيحية) بنجران، وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان، وأهلها وسائر العرب كلها أوثان يعبدونها، وذلك أن رجلاً من بقايا أهل ذلك الدين يقال له فيميون، وقع بين أظهرهم، فحملهم عليه، فدانوا به.
وحسب ابن اسحق فقد كان فيميون رجلاً صالحاً يتجول بين القرى ولا يأكل الا من كسب يديه وكان يعمل بالطين، وكان يُعظّم يوم الأحد. وفي إحدى قرى الشام كان يعمل متخفياً ففطن له رجل اسمه صالح وأحبه وكان يتبعه دون أن يراه. وفي أحد ايام الأحد تبعه صالح دون أن يراه فيميون وأقبل تنين (حية بسبعة رؤوس) فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخافها عليه فعيل عوله (غلب عليه صبره): فصرخ يا فيميون، التنين قد أقبل نحوك فلم يلتفت حتى أكمل صلاته وأنصرف وعرف أنه قد عُرف، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه، فقال له: يا فيميون، تعلم والله أني ما أحببت شيئاً قط حبك، وقد أردت صحبتك والكينونة معك حيث كنت. وهكذا صحب صالح فيميون. وكان يُنسب لفيميون بعض العجائب في القرية ولما أدرك فيميون أن الناس على علم بأمره غادر القرية وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب، فعَدَوا عليهما فاختطفتهما سيارة من بعض العرب، فخرجوا بهما وباعوهما بنجران، وأهل نجران يعبدون نخلة لها عيد في كل سنة. واشترى رجل فيميون والذي كان يتعبد ليلاً فأعجب سيده بما كان يفعل فسأله عن دينه فأخبره وقال له أن النخلة لا تضر ولا تنفع ولو دعوت عليها لأهلكتها، فقال سيده أفعل وإن نجحت نعبد ما تعبد. فقام فيميون وصلى ودعا عليها فجاءت ريح فأقتلعتها من أصلها. وهكذا يروي أبن اسحق دخول المسيحية إلى اليمن.
رواية ابن هشام
ثم يروي ابن هشام عن ابن اسحق فيقول:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لَبِيَدٍ مَوْلَى الْأَخْنَسِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ:
أَنَّ مَوْقِعَ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ كَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُونُ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ إلَّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ، وَكَانَ بَنَّاءً يَعْمَلُ الطِّينَ وَكَانَ يُعَظِّمُ الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلِّي بِهَا حَتَّى يُمْسِيَ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ، فَأَحَبَّهُ صَالِحٌ حُبًّا لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ، فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُونُ: حَتَّى خَرَجَ مَرَّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدْ اتَّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيونُ لَا يَدْرِي، فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ، لَا يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ. وَقَامَ فَيْمِيُونُ يُصَلِّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التِّنِّينُ- الْحَيَّةُ ذَاتُ الرُّءُوسِ السَّبْعَةِ فَلَمَّا رَآهَا فَيْمِيُونُ دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ، فَعِيلَ عَوْلُهُ، فَصَرَخَ: يَا فَيْمِيُونُ، التِّنِّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، وَأَمْسَى فَانْصَرَفَ. وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ، وَعَرَفَ صَالِحٌ أَنَّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ، فَقَالَ (لَهُ: يَا) فَيْمِيُونُ، تَعْلَمُ وَاَللَّهِ أَنِّي مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ حُبَّكَ، وَقَدْ أَرَدْتُ صُحْبَتَكَ، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ، فَقَالَ: مَا شِئْتَ، أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّكَ تَقْوَى عَلَيْهِ فَنَعَمْ، فَلَزِمَهُ صَالِحٌ. وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ، وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ الْعَبْدُ بِهِ الضُّرُّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ، وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرٌّ لَمْ يَأْتِهِ، وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُونَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا دَعَاهُ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ الْبُنْيَانَ بِالْأَجْرِ. فَعَمَدَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثوبا، ثمَّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُونُ، إنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتَّى تَنْظُرَ إلَيْهِ، فَأُشَارِطُكَ عَلَيْهِ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ حُجْرَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِكَ هَذَا؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ انْتَشَطَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ عَنْ الصَّبِيِّ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُونُ، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى، فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. فَدَعَا لَهُ فَيْمِيُونُ، فَقَامَ الصَّبِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَعَرَفَ فَيْمِيُونُ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ، فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ وَاتَّبَعَهُ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشَّامِ إذْ مَرَّ بِشَجَرَةِ عَظِيمَةٍ. فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا فَيْمِيُونُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا زِلْتُ أَنْظُرُكَ وَأَقُولُ مَتَى هُوَ جَاءٍ، حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَكَ، فَعَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَقُومَ عَلَيَّ، فَإِنِّي مَيِّتٌ الْآنَ، قَالَ: فَمَاتَ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَتَبِعَهُ صَالِحٌ، حَتَّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ، فَعَدَوْا عَلَيْهِمَا. فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيَّارَةٌ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَخَرَجُوا بِهِمَا حَتَّى بَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ، وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَهَا عِيدٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلَّقُوا عَلَيْهَا كُلَّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ، وَحُلِيَّ النِّسَاءِ، ثُمَّ خَرَجُوا إلَيْهَا فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا. فَابْتَاعَ فَيْمِيُونُ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ. فَكَانَ فَيْمِيُونُ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ- أَسْكَنَهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ- يُصَلِّي، اُسْتُسْرِجَ لَهُ الْبَيْتُ نُورًا حَتَّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ، فَرَأَى ذَلِكَ سَيِّدُهُ، فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ، وَقَالَ لَهُ فَيْمِيُونُ: إنَّمَا أَنْتُمْ فِي بَاطِلٍ، إنَّ هَذِهِ النَّخْلَةَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهَا إلَهِي الَّذِي أَعْبُدُهُ لَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ دَخَلْنَا فِي دِينِكَ، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَامَ فَيْمِيُونُ، فَتَطَهَّرَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا، فَاتَّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الْأَحْدَاثُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ دِينِهِمْ بِكُلِّ أَرْضٍ، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ.
ويذكر ياقوت الحموي هذه الحادثة بقوله: أن أهل نجران عاصمة بلاد الحميريين أطبقوا على أتباع دين عيسى على أثر مشاهدتهم التي إفتعلها فيمون إذ بصلواته أرسل الله ريحاً زعزغاً فجفت النخلة التي كانوا يعبدونها من جذورها. وكان هذا فيمون أسيراً نصرانياً إبتاعه عبدالله بن تامر أحد أشراف نجران.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ.
ثم يتابع ابن هشام عن ابن اسحق رواية فيميون وأمر عبدالله ابن الثامر فيقول:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَحَدَّثَنِي أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ أَهْلِهَا:
أَنَّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَانَ- وَنَجْرَانُ: الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى الَّتِي إلَيْهَا جِمَاعُ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ- سَاحِرٌ يُعَلِّمُ غِلْمَانَ أَهْلِ نَجْرَانَ السِّحْرَ، فَلَمَّا نَزَلَهَا فَيْمِيُونُ- وَلَمْ يُسَمُّوهُ لِي بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، قَالُوا: رَجُلٌ نَزَلَهَا- ابْتَنَى خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ وَبَيْنَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الَّتِي بِهَا السَّاحِرُ، فَجَعَلَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ غِلْمَانَهُمْ إلَى ذَلِكَ السَّاحِرِ يُعَلِّمُهُمْ السِّحْرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ الثَّامِرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الثَّامِرِ، مَعَ غِلْمَانِ أَهْلِ نَجْرَانَ فَكَانَ إذَا مَرَّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَجَعَلَ يَجْلِسُ إلَيْهِ، وَيَسْمَعُ مِنْهُ، حَتَّى أَسْلَمَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَعَبَدَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى إذَا فَقِهَ فِيهِ جَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَكَانَ يَعْلَمُهُ، فَكَتَمَهُ إيَّاهُ، وَقَالَ (لَهُ):
يَا بن أَخِي، إنَّكَ لَنْ تَحْمِلَهُ، أَخْشَى عَلَيْكَ ضَعْفَكَ عَنْهُ. وَالثَّامِرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَظُنُّ إلَّا أَنَّ ابْنَهُ يَخْتَلِفُ إلَى السَّاحِرِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغِلْمَانُ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنَّ بِهِ عَنْهُ. وَتَخَوَّفَ ضَعْفَهُ فِيهِ، عَمَدَ إلَى أَقْدَاحٍ فَجَمَعَهَا، ثُمَّ لَمْ يُبْقِ للَّه اسْمًا يَعْلَمُهُ إلَّا كَتَبَهُ فِي قِدْحٍ ، وَلِكُلِّ اسْمٍ قِدْحٌ، حَتَّى إذَا أَحْصَاهَا أَوْقَدَ لَهَا نَارًا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْذِفُهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا، حَتَّى إذَا مَرَّ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ، فَوَثَبَ الْقِدْحُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ تَضُرَّهُ شَيْئًا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ أَتَى صَاحِبَهُ فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الِاسْمَ الَّذِي كَتَمَهُ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَكَيْفَ عَلِمْتَهُ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ، قَالَ: أَيْ ابْنَ أَخِي، قَدْ أَصَبْتَهُ فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِكَ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلَ.
ويقول ابن هشام أن ابن الثامر هو من دعا أهل نجران إلى المسيحية حيث يروي عن ابن اسحق فيقول:
فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ إذَا دَخَلَ نَجْرَانَ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا بِهِ ضُرٌّ إلَّا قَالَ (لَهُ) يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتُوَحِّدُ اللَّهَ وَتَدْخُلُ فِي دِينِي وَأَدْعُو اللَّهَ فَيُعَافِيكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟
فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُوَحِّدُ اللَّهَ وَيُسْلِمُ، وَيَدْعُو لَهُ فَيُشْفَى. حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِنَجْرَانَ أَحَدٌ بِهِ ضُرٌّ إلَّا أَتَاهُ فَاتَّبَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ حَتَّى رُفِعَ شَأْنُهُ إلَى مَلِكِ نَجْرَانَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ (لَهُ): أَفْسَدْتَ عَلَيَّ أَهْلَ قَرْيَتِي، وَخَالَفْتَ دِينِي وَدِينَ آبَائِي، لَأُمَثِّلَنَّ بِكَ، قَالَ: لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَجَعَلَ يُرْسِلُ بِهِ إلَى الْجَبَلِ الطَّوِيلِ فَيُطْرَحُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَجَعَلَ يَبْعَثُ بِهِ إلَى مِيَاهٍ بِنَجْرَانَ، بُحُورٍ لَا يَقَعُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَلَكَ، فَيُلْقَى فِيهَا فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. فَلَمَّا غَلَبَهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ: إنَّكَ وَاَللَّهِ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى قَتْلِي حَتَّى تُوَحِّدَ اللَّهَ فَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ بِهِ، فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ سُلِّطْتَ عَلَيَّ فَقَتَلْتنِي. قَالَ: فَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَشَهِدَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصَا فِي يَدِهِ فَشَجَّهُ شَجَّةً غَيْرَ كَبِيرَةٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَلِكُ مَكَانَهُ، وَاسْتَجْمَعَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، وَكَانَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَمَ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَحُكْمِهِ، ثُمَّ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَبَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
ويورد ابن اسحق الرواية التالية التي حدثت في عهد عمر بن الخطاب بأن رجلاً من أهل نجران حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبدالله بن تامر مدفوناً فيها وكان جالساً فيها واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها في يده، فإذا أخرت يده عنها تنبعث دماً وإذا أرسلت يده ردها عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكنوب فيه "ربي الله"، فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره، فكتب إليهم عمر "أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه"، ففعلوا ] 15[.
المصادر السريانية
فهناك مرويات تقول بأن أصل وجود المسيحية في هذه المناطق يعود إلى توما Thomas وهو في طريقه للهند. إن المصادر السريانية تذكر أن فيميون هو حيّان الذي تنصر في القسطنطيينية وعاد إلى اليمن فنشر الدين المسيحي بين اسرته وتنصر الكثير من أهل نجران.
وهناك تضارب في جنسية الخصي الذي عمده فيلبس، فأعمال الرسل (8:27) تذكر أن جنسيته حبشية "وإذا رجل خصي يعمل وزيراً للشؤون المالية عند كنداكة ملكة الحبشة" (والمعروف أن كنداكة هو لقب الملكات الحاكمات أو مُسمى يعني الزوجة الملكية الأولى في حضارة كوش الأفريقية القديمة ببلاد السودان والتي عُرِفت باسم الحضارة الأثيوبية أو أثيوبيا)، بينما يؤكد المطران أغناطيوس يعقوب الثالث في كتابه "الشهداء الحميريون في الوثائق السريانية" أن هذا الخصي كان وزيراً لقنداقة ملكة سبأ. ويضيف المطران أن برتولماي الرسول Bartholomew (اسمه في المصادر العربية ابن ثلماء) كان أول من دعا إلى النصرانية في نجران والحجاز وهو في طريق للهند وترك لهم نسخة من إنجيل متى باللغة السريانية الفلسطينية التي عُرِفت بالعبرانية وذلك في القرن الأول الميلادي. كما يزعم البعض أن مار ماري وصل نجران في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني. أما بنتيتوس Pantaeus أستاذ مدرسة الإسكندرية فيعتقد أنه توغل في تلك البلاد في أواخر القرن الثاني ووجد مسيحيين هناك يحتفظون بنسخة من الإنجيل الذي تركه لهم برتولماي.
وفي عام 225م ضمت نجران واليمامة إلى أبرشية قطر. وفي القرن الرابع أنشأ عبد يشوع الناسك ديراً باسم مار توما زاره في عام 390 مار يونان الناسك أحد تلاميذ أوجين فوجده آهلاً بمئتي راهب.
أما المصادر اليونانية فتذكر أنه في عام 354 بعث القيصر قسطنطينوس الأريوسي إلى البلاط الحميري وفداً برئاسة ثيوفلوس السيلاني الهندي فنصر الملك وبنى في بلاد حمير ثلاث بيع كما أكد المؤرخ فيلوسترجيوس: اثنتين في جنوب شبه الجزيرة العربية – ظفار وعدن – والثالثة بالقرب من فم الخليج العربي. وكانت ثاوغنسطا راهبة أسيرة وأصبحت مبشرة نشطة في جنوب الجزيرة العربية، بينما تم تعيين ثيوفلوس أسقفاً في جنوب شبه الجزيرة العربية.
وقد تنصر كثير من ملوك اليمن مثل عبد كلال بن يثوب وغيرهم. ويؤكد عرفان شهيد أن هذه السفارة هي دليل على الوجود المسيحي في جنوب الجزيرة العربية في القرن الرابع الميلادي.
ولا بد أن نُشير إلى أن بعض الباحثين يشككون في تحقيق بعثة ثيوفلوس فوزاً سياسياً بسبب تعاظم النفوذ اليهودي في البلاط الحميري حيث كان ملوك حمير يرون في بيزنطة حليفاً لأكسوم عدوتهم التقليدية ولتدخل الفرس في شؤون اليمن ]13[.
وتورد بعض المصادر البيزنطية أن الأمبراطور أنستاس أنستاسيوس (491م – 518م) أرسل بعثة برئاسة الأسقف سيلفانوس Selvanus إلى اليمن في محاولة لنشر النفوذ البيزنطي عن طريق نشر الديانة المسيحية.
وعندما إنعقد مجمع نيقية الأول في عام 325م ظهر اسم أسقف اليمن ماركيانوس Marqianos ضمن الأساقفة الحضور. وفي عام 354م أصبح الأسقف ثيوفيلوس Theophilus مسؤولاً عن منطقة جنوب الجزيرة العربية وعن الكنائس الثلاثة هناك وهي كنائس ظفار وعدن وكنيسة الخليج الفارسي. وهناك روايات حول عذراء مسيحية أسرت على حدود الأمبراطورية الرومانية وتذكرها المصادر بالراهبة ثيوجنوستا Theognosta والتي قُدٍمّت هدية لملك اليمن وأجترحت المعجزات بشفائها الكثيرين وعلى يديها تنصر ملك الهند وصار شعبه مسيحياً، وعلى إثر ذلك طلب من الأمبراطور هونوريوس Honorius (395-423)م أن يُعيّن لهم أسقفاً فتم تعيين الأسقف ثيونيوس Theonius أسقفاً على منطقة جنوب الجزيرة العربية ] عبد العزيز[.
من الوقائع السابقة نستطيع أن نستنتج أن المسيحية لم تنتشر بسرعة كبيرة في اليمن وإنما آمن بها نفر قليل وكانت الجماعات المسيحية منتشرة ومتفرقة ولم تُشكل ثقلاً سياسياً أو دينياً في القرون الثلاثة الميلادية الأولى، بدلالة أن نجران كانت تتبع أبرشية قطر، وكذلك، إرسال القيصر قسطنطينوس بعثة تبشيرية إلى البلاط الحميري.
ويذكر أغناطيوس يعقوب الثالث وفيي أوائل القرن الخامس، عرف في نجران تاجر وثني معتبر اسمه حيّان، سافر ذات يوم إلى القسطنطينية في تجارة، وعاد إلى بلده، ثم شخص إلى بلاد فارس، ومر بالحيرة حيث ألف النصارى وعرف مقالتهم، وتنصر واعتمد. ولما عاد إلى نجران، أوقف قومه على بطلان الشرك، وهذى إلى النصرانية اسرته وخلقاً من أهل نجران والبلاد الحميرية الأخرى المتاخمة للحبشة أيضاً. أما عنايته بنشر الدين المسيحيي في بلاد الحميريين، فقد اكدتها حفيدته الشهيدة النجرانية حبصة ابنة حيان الصغير. وهو الذي سماه مؤرخو العرب فيميون. وفي هذا القرن أزهر الدين المسيحي في نجران خاصة، بعد أن تنصرت قبيلة الحارث بن كعب اليمنية الكبيرة".
الرواية الحبشية
تعزو الرواية الحبشية إنتشار المسيحية في اليمن إلى قديس اسمه أزقير Azqir أستشهد في نجران على إيدي اليهود، وهناك وثيقة حبشية تروي إستشهاده وتتكون من مقدمة وأربعة فصول حيث تقول الرواية أته قام بإنشاء قبة في نجران رفع عليها الصليب وبشر بالمسيحية في نجران، وذلك في أيام الملك شرحبيل ينكف ملك حمير، فاستاء من ذلك (ذو ثعلبان) (وذو فيفان) وأرسلا رجالهما إلى المدينة لهدم الكنيسة، وانزال الصليب والقبض على القديس ففعلوا وألقوا به في غياهب السجن، وفي أثناء اقامته فيه هدى قوم من السجناء إلى النصرانية بفعل المعجزات التي قام بها، فغضب الملك شرحبيل عليه وحاجه في دينه وفتح له أبواب اليهودية، فأبى أزقير، واحتال عليه الملك بالذهب والفضة فقال له أزقير: الذهب والفضة فانيان أما كرستس ساكن السماء فباق وهنا لم يطق أحبار اليهود عليه صبراً، فحرضوا عليه الملك فأمر بإرساله إلى نجران لقتله، فلما بلغ المدينة قتله اليهود فمات شهيداً في سبيل الله ] 29,19[.
أصبحت المسيحية في القرن الخامس الميلادي ديانة منتشرة في جميع أرجاء اليمن، فقد حكمت نجران طبقة مسيحية برجوازية تؤدي الجزية للملك الحميري، وذلك منذ القرن الخامس. وكان المذهب السائد فيها هو النسطورية، إلاّ أن الاضطهاد الذي شن على المنوفيزيين أصحاب الطبيعة الواحدة في عهد الإمبراطوريين يوستيني الأول (518-527) ويوستنياس الأول (527-565) أدى إلى تدفق هؤلاء نحو منطقة نجران، حتى أضحت المونوفيزية فيها المذهب السائد، فتكونت فيها أبرشية تابعة لبطريركية الإسكندرية ]14[.
في بداية القرن السادس أصبحت نجران كرسياً أسقفياً دلالة على مكانة المسيحية فيها، وشكلت خطراً على الديانة اليهودية بحيث نشب نزاع مسلح بين أنصار الديانتين، وسوف نعود إلى ذلك لاحقاً.
إن المرويات والقصص التي ذكرناها سابقاً تُبين أن المسيحية دخلت نجران عن طريق التبشير، وقد يكون الأشخاص المذكورين في تلك الروايات هما أسماء مختلفة لشخص واحد أو أثنين، وإن المسيحية قد لاقت مقاومة من جانب أتباع الديانة اليهودية ولم يستتب لها الأمر إلا بعد إنتصار الحبشة وتأسيس حكم موالٍ لها في نجران والمناطق المحيطة بها.
ومصدر آخر في هذا المجال يتعلق برواية من العصر العباسي والتي تُشير إلى أن المسيحية استوطنت في جنوب شبه الجزيرة العربية وتستند إلى قصة فيميون Phemion والتي تمت ترجمتها إلى الأثيوبية من المصادر العربية. فقد نشر كونتي روسيني Conti Rossini ترجمة النص Acta Azir من وثيقة محفوظة في المتحف البريطاني.



#هاني_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتشار المسيحية في جنوب الجزيرة العربية- الجزء الثاني
- انتشار المسيحية في جنوب الجزيرة العربية
- استراتيجيات الدول الكبرى في فلسطين عشية قرار التقسيم
- هزال النظرية الإفتصادية
- سبعون عاماً على النكبة
- تأسيس الجامعات
- شواهد مسيحية في اليمن
- مسيحيون وليس نصارى
- جامعة سالرنو الطبية
- السريان ودورهم الحضاري في التاريخ
- العودة إلى قرار التقسيم
- التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل
- التاريخ المنسي - الولايات المتحدة الأمريكية - 8
- التاريخ المنسي - دور بريطانيا - 7
- تاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. صفقات الأسل ...
- التاريخ المنسي - قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، ستالين وف ...
- التاريخ المنسي. قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل. موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل- موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي- قرار التقسيم وإنشاء دولة إسرائيل، موقف الاتح ...
- التاريخ المنسي-قرار التقسيم وإنشاء إسرائيل. موقف الاتحاد الس ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقع رويسات العلم بالاسلح ...
- بيان عن إحراق جنود إسرائيليين نسخة من القرآن الكريم وتدنيس ا ...
- فرنسا تفتح تحقيقا بالإرهاب بعد هجوم ضد معبد يهودي
- الداخلية الفرنسية تلغي تصريحا لمظاهرة مؤيدة لفلسطين بعد انفج ...
- أجمل برامج تعليمية وترفيهية على تردد قناة طيور الجنة الجديد ...
- فرنسا تحقق في هجوم على كنيس يهودي بعد إصابة ضابط شرطة
- 3 شهداء بقصف الإحتلال منطقة حكر الجامع في دير البلح وسط قطاع ...
- فتح تحقيق بشبهة الإرهاب بعد انفجار أمام معبد يهودي بفرنسا
- سلاح وعلم فلسطيني.. كاميرا ترصد مشتبها به في انفجار الكنيس ا ...
- اضبطها الآن.. تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد على نايل سات ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هاني عبيد - انتشار المسيحية في جنوب الجزيرة العربية - الجزء الثالث