أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جمال المظفر - قراءة في رواية البلد الجميل... التنافذية والبناء الاسطوري في هيكل الرواية/ الجزء الثاني















المزيد.....

قراءة في رواية البلد الجميل... التنافذية والبناء الاسطوري في هيكل الرواية/ الجزء الثاني


جمال المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 1772 - 2006 / 12 / 22 - 07:15
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تأخذ الخرافة جانباً مهماً وواسعاُ في رواية البلد الجميل للروائي احمد سعداوي من خلال صور سردية ـ اسطورية ـ عائمة على جسد النص ـ الرواية - .
يقول الراوي ”ولأنها محرومة من الأولاد سارعت الى الكتلة اللحمية الهشة لجنينها المجهض وسرطته، أي ابتلعته لتعيده الى بطنها ثانية، وصلّت لله ان يبقيه حياً هناك، وبعد ان أتمت من الحمل سبعة أشهر ولدته من جديد فنزل كأبن تسعة أشهر وعاش ونما فسمته مسروط“.
ان استخدام الخرافة في هذا النص له أكثر من دالة وأشارة مثيولوجية معتمدة عبر الموروث الحكائي المتعمق في المجتمعات الريفية والقروية يشكل خاص، فالكتلة اللحمية هي الجنين الذي يرمز الى ـ الروح ـ التي اقتلعت من رحم الأم واعادت هذا الجزء المفقود من خلال (سرط) أي بلع هذه الكتلة لتعيد دورتها الحياتية في داخل الرحم الذي مازال دافئاًومهيئاً لأستقبال (الكتلة اللحية ) من أجل هيكلتها وتطويعها في الرحم، أي أن عنصر الارادة موجود. ولأن هذه الحالة نادرة الحدوث الا لمن يؤمن ايماناً كاملاً بالاشياء الروحية ورموزها الايحائية، فأن الولادة ستكون معجزة، لأن هناك اعداداً كبيرة من الكتل اللحمية تسقط من ارحام الامهات في دورات المياه أو بين افخاذهن ولكن عنصر الرهبة والخوف أو ـ الرعب ـ الذي هو أعلى درجات الخوف يجعل النساء يخافن لمس هذه الكتل وبالتالي، عدم قدرتهن على (سرط) فلذات أكبادهن الذين لم يتموا بعد دورة حياتهم، فحالة أُم مسروط دالة على التعلق بالشيء او الالتصاق الروحي مابينها وبين هذه الكتلة التي قد تكون مقززة للآخرين، بينما تراه عنصر الحياة وديمومتها، ولأنها محرومة من (الخلفة) فعليها فعل أي شيء من أجل طفل يعيد لها شخصيتها وسط المجتمع الذي يعتبر المرأة عاقراً حتى لو أجهضت عشرات المرات. ولأن (مسروط) كان من المواليد النادرة الحدوث ـ اجهاضياًـ فقد أصبح مصدراً للكرامات في المدينة والمدن المجاورة.
يقول الراوي ”قيل ان الملائكة تحفظه وتسنده، كان كامل النقاء والبراءة، عندما كبر جرت على يديه كرامات كثيرة ولو قال أحد أنه شاهده يرتقي درجات خفيّة في الهواء ليغيب في العتمة لما كذبه أحد، كان يرسل الكلمات من شفتيه وكأنها نزلت تواً من مكان آخر غير بشري“. ان القدرة الآلهية هي التي اعادت الروح الى كتلة اللحم التي لم تكنى بعد (مسروط) وانما حالة (السرط) هي التي اعطته هذا الاسم واعطته المكانة والأهمية.
يقول في مسروط: كانت بصقته شفاء، وصفعته شفاء، ضغطة قدمه الخشنة المفطرة شفاء، وزجره شفاء، عصاه.. أقدم صيدلية في العالم. لو نظرنا الى هذه الجمل (عصاه.. أقدم صيدلية في العالم) و(بصقته شفاء) لوجدنا ان القدرة الألهية قد منحته القابلية على التداخل روحياً مع الجسد المريض ـ الروح ـ وعلاجها روحياً من خلال مويجات باراسايكولوجية تخترق الاجزاء المصابة وتزيلها .. كل شيء في مسروط له القابلية على الشفاء (النظرة ـ البصقة ـ الزجرة ـ الضربة .... الخ). لقد كانت هناك حكايات وممارسات خرافية في القرى والأرياف حيث يذهب الناس بأطفالهم أو مرضاهم الى (السيد) الذي منحه الله القدرة على شفاء الناس وأن لديه كرامات تشفي المريض وترقي الممسوس وتداوي الجرب، حتى يصل الأمر بان يبصق (السيد) في فم الطفل أو المريض لأن (بصقته) عنصر شفاء، وغالباً مايلجأ الناس الى هذه الحالات عندما يعجز الطب عن العلاج، مثلما يلجأ الناس الى الصلوات والدعاء وزيارة قبور الأئمة والأولياء والصالحين، وهناك العديد ممن يلجأون الى التعاويذ او الرقي لشفاء المرضى وخصوصاً الممسوسين أو الذين يعانون من الصرع والذي يعزوه الناس الى ان الجن يتلبس اجساد ابنائهم وبامكان (السيد) ان يطرد هذه الروح المتلبسة من داخل الجسد.
وفي مكان آخر يقول الراوي ”مرة قرأت عن تلك المهندسة التي تعرضت لتيار كهربائي شديد القوة، فأصيبت أصابة بالغة، حملت على اثرها الى المستشفى وبعد شهور شفيت بأعجوبة ولاحظت وهي تخرج من المستشفى الى الشارع انها قادرة على رؤية ماوراء الأشياء، ارعبتها هذه القدرة الغريبة التي اكتسبها بصرها، ترى الراكبين الى الحافلة من الجهة الثانية، وترى من خلال السياج العالي للمدرسة الداخلية التلاميذ وهم يلعبون، ترى الكسوة الداخلية لأمراة عجوز، تتوهم الدخول الى حديقة عامة، فتصطدم بالحائط“. هذه الصورة الفلمية هي ايحاءات روحية تدمج مابين الواقع والخيال، الخرافة والأسطورة، هي لم تصطدم بالحائط، انما الروح هي التي تجتاز الحائط، مثلما يفعل الدراويش عندما تخترق اجسادهم المدي والسيوف. الاختراق هو اختراق افتراضي يقع ضمن دائرة الخيالات. والغريب في الأمر ان (مسروطاً) رزق بولد أسماه (فرج) ولكن هذا الولد كان (حرامياً) وقتل الشيخ بعصاه التي ورثها عن أبيه، ولأن العصا التي يحملها موروثة عن (مسروط) لم يتوقع أحد ان الأبن حرامي أو أنه قتل الشيخ بها. وفي انتقالة سردية الى ـ أدوات الخرافة ـ وهي ان العرب كانت تسمي عبيدها بأسماء مملوحة، وابناءها بأسماء مستقبحة معللة ذلك بان عبيدهم لهم وابناؤهم لاعدائهم، لكن ذلك لايفسر كل الاسماء الغريبة التي يحملها الكثيرون من الرجال في مدينتنا شبه الريفية. وفي مزاوجة مابين الميثولوجيا العربية والغربية يؤكد الراوي على ان الهنود الحمر حين يولد لهم مولود ينظرون حولهم ويستلمون أية اشارة طبيعية أو حادثة مصاحبة ليشتقوا منها أسم المولود الجديد، وهم بذلك ينساقون مع نظرتهم للحياة، هذه الرواية ذات المكنونات الأسطورية والغيبية تفعل فعلها في ثقافات مختلفة وليست التسمية سوى أثرها. ولتفادي الحسد تسمي العائلة مولودها الذكر بنفس الآلية ولكن الهدف يختلف (جليب، جريدي، زبالة، جحيش). وتتوالى هذه الخرافات عبر متوالية الجد والأب والأبن :
مسروط ـ فرج (الحرامي) ـ كشاش .
فالأب فرج الحرامي سلك نفس ما سلكته جدته في تسميتها لمسروط اذ سمى المولود الذكر (كشاش) جد حلمي البطل الأصلي في الرواية، وكشاش تعني مايجمع بعد كش للغرف وباحات البيت من تراب وفضلات وقشور ثم يرمى، ويسمى في لهجة الجنوبيين(كشاش)، وهو الذي جاء بعد خمسة أخوة لم يرهم أبداً، وكانت الأم تخاف الحسد كثيراً لأن من أخذ الخمسة قادر على اخذ السادس.
يقول الراوي: ان الاسم القبيح الذي اطلقه الأب أنقذه بعد ان كان من الممكن ان يكون قبراً آخر بجوار قبور اخوته الرضع. في هذه الرواية الممتعة تدخل الخرافة كائناً وجودياً وبأسلوب يجعل المعتقد الشائع مساراً في ثقافة الآخرين.



#جمال_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتابات للعقل الباطن
- من ينصف المظلومين
- أنشودة الخريف
- سمرقند .. نكهة أنثى أم قطعة سكر
- لثغة النهد الامازيغي
- عازف الناي/ قصة قصيرة
- رحلة الى الخليج
- الوطن في حقيبة سفر
- أمراء الثقافة..لا دعاة للتطبيع والمجون السياسي
- قراءة في رواية البلد الجميل: التنافذية والبناء الاسطوري في ه ...
- إسهال سياسي
- نشيدنا الوطني: لا كهرباء بعد اليوم
- رسالة الى امرأة تتشظى
- حوارية الرأس المقطوع
- مثقفون على خط الفقر
- البصرة ذاكرة المدن اللامرئية
- للحرب نشوة
- أعدموا الزعيم مرتين
- مشا عر مضطربة
- طقوس روحانية


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جمال المظفر - قراءة في رواية البلد الجميل... التنافذية والبناء الاسطوري في هيكل الرواية/ الجزء الثاني