أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صالح سليمان عبدالعظيم - !عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-















المزيد.....

!عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1772 - 2006 / 12 / 22 - 11:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تمنحنا رواية "عمارة يعقوبيان"، سواء من خلال قراءتها أو من خلال مشاهدة الفيلم الذي حمل عنوان الرواية نفسها، صورة صادقة إلى حد كبير عن أوضاع العالم العربي الراهنة، وبشكل خاص تجاه ما يحدث في لبنان. ورغم أن الرواية معنية بالأساس بالواقع المصري المعاصر إلا أنها تنسحب بدرجة كبيرة من الصحة، عبر شخوصها الكثيرين، على مجمل الواقع العربي بدون استثناء. فالرواية في النهاية ما هى إلا مجرد صورة مصغرة، وبشكل تصويري مباشر، لواقع الحياة اليومية المصرية الذي ينسحب بسهولة، وبدرجات متفاوتة، على الواقع العربي الحالي.

فطوال القرن الماضي، وورغم ظهور دولة ما بعد الإستقلال، انتقل العالم العربي من سيئ إلى أسوأ، بالنظر لحجم التأثير الدولي، والقدرة على صياغة القرارت الدولية لصالح المنطقة والقضايا والمشكلات المرتبطة بها. وهو الأمر الذي أدى إلى التدهور المستمر في مكانة العالم العربي، وبشكل خاص تجاه الصراع العربي الإسرائيلي الذي حققت فيه إسرائيل مكاسب كبيرة ومتتالية ومتراكمة على حساب العرب.

وما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن الجميع في العالم العربي في مركب واحد، مثلما هو حال ساكني عمارة يعقوبيان الذين تتابعوا على العمارة من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية والتوجهات والإنتماءات الأيديولوجية المختلفة. فرغم الحملة الشرسة التي يقودها البعض من غلاة الليبراليين الجدد وغيرهم من دعاة الإنغماس القطري، فإن العالم العربي اليوم في أمس الحاجة إلى العودة إلى أطر الوحدة العربية بأشكال جديدة متطورة وحقيقية تناسب طبيعة المرحلة الراهنة والتغيرات المرتبطة بها.

فما يحدث في لبنان الآن لا يخص لبنان وحده كما أعلن البعض، كما أنه لا يقع ضمن مسئوليات حزب الله كما أفتى البعض الآخر، وما يحدث في فلسطين لا يخص الفلسطينيون وحدهم كما قد يتصور البعض. وهكذا فالقضايا المصيرية التي تتعلق بقطر عربي بعينه يجب أن تكون هما عربيا عاماً يهتم به الجميع ويضعونه نصب أعينهم بعيداً عما أصاب العالم العربي من تشرذم وتفتت ومصالح فردية آنية ضيقة. ولعل نماذج وصور التشظي والتفكك التي تقدمها لنا الرواية تمنحنا اقتراباً كبيراً من الواقع العربي الحالي بمآسيه الهائلة، التي يُتوجها ما يحدث في لبنان الآن من قتل وتشريد وتدمير.

فالباشوات الكبار في العالم العربي آل بهم الحال إلى فاترينات الليبرالية الأمريكية يسوقون من خلالها بضاعتهم الجديدة حيث ينفذون وبالحرف الواحد وبهمة لا يحسدون عليها المخططات الأمريكية وتعيلمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. كما أن هؤلاء الباشوات لم يقدموا نخبة تقود التغيير وتنتقل به إلى آفاق وأطر جديدة. كل ما استطاعت قرائحهم أن تقدمه هى تلك الإدعاءات السخيفة بأنهم أقدم القاطنين في المنطقة وأنهم يحمون مقدساتها وأنهم الأولى بالإتباع والتقدير. ومثلما ارتمى ابن الباشا في الرواية صاحب المقولة المتكررة بأنه "أقدم واحد في العمارة" في أحضان الذكريات المصحوبة بإدمان الخمر والنساء، مستدعيا آفاق الماضي الجميل الذي دانت له فيه الثروة والسلطة والمكانة، راح باشوات المنطقة يجترون أطلالهم البائدة، يروجون لها ويستدعونها في كل محفل أو في كل زيارة تدغدغ مشاعرهم إلى أركان البيت الأبيض حيث يقابلون السيد بوش أو وزيرة خارجيته أو حتى نائبه.

مأساة الباشا في الرواية، كما هو الحال في العالم العربي المعاصر، أنه لم يقدم شيئاً للواقع المحيط به، بقدر ما استغل الواقع واستمتع به وبخيراته على أكتاف الفقراء ومن خلال دماء البسطاء المطحونين. نعم كان الماضي جميلاً من وجهة نظر ابن الباشا لأنه احتل الصدارة فيه وقبض على السلطة من خلاله. وهذا هو حال باشوات المنطقة العتاة في الإستمتاع بها والقبض على مقاليد السلطة والتحكم في عباد الله الغلابة.

ومثلما زاحم القاطنون الجدد ابن الباشا في العمارة سواء من خلال رجالات ضباط الثورة أو من خلال تجار الإنفتاح والأثرياء الجدد أو من خلال الفقراء الغلابة الذين اعتلوا سطح العمارة واستغلوها من أجل السكن أو من أجل العمل، فإن باشوات العالم العربي وجدوا أيضا من يزاحمهم مكانتهم ويقاسمهم سلطاتهم، وبالطبع ثرواتهم. ولأن الجزاء من جنس العمل فقد جاء الباشوات الجدد لا يحملون من صفة الباشاوية سوى المال، حيث ارتضى بهم المجتمع غصباً أو كرهاً أو إنتفاعاً أوتملقاً. وتطلعوا إلى العمل السياسي ليضيفوا من خلاله رصيداً سلطويا إلى أرصدتهم البنكية التي حصلوا عليها من خلال تجارة المخدرات والتهريب والعمولات والسمسرة.

لقد تشابهت الصورة الروائية بشكل كبير مع الواقع العربي فيما قدمته لهؤلاء الباشوات الجدد الحاليين الذين راكموا الثروات وتقلدوا المناصب السياسة، وأصبحت لهم الكلمة والنفوذ وفقا لمخططاتهم السياسية الضيقة الخاصة بهم، أو تنفيذاً لإملاءات تفرضها إسرائيل أو أمريكا على المنطقة العربية. وفي الحالتين كانت المصالح العربية هى آخر ما يهم هذه النوعية من باشوات السياسة العرب الجدد. فلم تكن مصادفة أن يتحول ماسح الأحذية المعدم إلى أحد الأثرياء الجدد الذي يجد ضالته من خلال عضويته في مجلس الشعب تحقيقاً لمصالحه الضيقة ودفعاً بالسياسة إلى مستويات فقيرة ومتدنية وحقيرة تصب في غير صالح الوطن والأمة في الوقت نفسه. وهى النظرة الضيقة للمصالح التي تهيمن على العلاقات العربية الآنية التي لا تحكمها سوى المصالح الخاصة الذاتية والرغبة في إرضاء الآخر الأمريكي والظهور أمامه بالمظهر الذي يرغبه هو وليس كما ينبغي أن نكون نحن وبالهيئة التي نحب.

رغم ما تجسده عمارة يعقوبيان من كونها تعبيراً عن مكان واحد متكامل يعيش فيه مجموعة من البشر المختلفي التوجهات والمشارب والتطلعات، فإن الرواية لا تقدم رابطاً يربط فيما بينهم على مستوى العلاقات سوى ذلك التدهور الذي يصيب الواقع الاجتماعي بشكل عام بدرجة كبيرة من الضعف والإنحطاط. فابن الباشا لا يهتم بشيئ سوى ملذاته المادية، والثري الجديد لا يهتم بشيئ سوى تعظيم مكاسبه المادية والسياسية، وابن البواب ليس له من هدف سوى الإنتقام من ضابط الشرطة الذي قاد عملية تعذيبه بعد القبض عليه بسبب انتماءاته الدينية، والمسيحيان الفقيران الممثلان للأقلية القبطية المصرية ليس لهم من هدف سوى ذلك النهم الشره نحو تعظيم مكاسبهما وثروتهما المادية. هذه بعض نماذج سلوكيات قاطني عمارة يعقوبيان التي قد يكسب البعض من ورائها وقد يخسر البعض الآخر، لكنها لن تفيد في النهاية الواقع الاجتماعي المعاش بإجمال، قدر ما تضعفه وتنال من صلابته وقوته وعافيته الاجتماعية.

إن ما قدمته الرواية من نماذج بشرية وسلوكية يتشابه بدرجة كبيرة مع جملة الممارسات العربية الحالية، التي يتوهم البعض من خلالها تحقيق بعض المكاسب الوقتية بينما هو يضرب بممارساته تلك العالم العربي في صميم أمنه ومستقبله. أخطر ما قدمته الرواية على الرغم من تسجيليتها المباشرة، وبنائها المعماري التقليدي، هو تلك العلاقات المفككة الأنانية التي لا يحكمها رابط ولا مصلحة عامة سوى اضعاف الواقع وتشويهه، وهو ما يتشابه مع ما يحدث في واقعنا العربي حيث الممارسات السياسية الحالية لا ترتبط سوى بمصالح وقتية آنية ضيقة لبعض النخب العربية الحاكمة، وبالطبع لصالح إسرائيل وأمريكا ومشروعاتهما التفتيتية الخاصة بالمنطقة العربية.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة
- ملف التوريث في العالم العربي
- -هاي- سذاجة أمريكية!!
- ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
- يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
- الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
- حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
- صدام حسين، تاريخ الانقلابات
- اختزال واقع المرأة العربية
- -عراق على الوردي وثقافة -الكسار
- أنماط معاصرة من المثقفين
- ثقافة المفتاح العربية
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي


المزيد.....




- رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق ...
- محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا ...
- ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة، ...
- الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا ...
- قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك ...
- روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
- بيع لحوم الحمير في ليبيا
- توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب ...
- بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
- هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صالح سليمان عبدالعظيم - !عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-