خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8077 - 2024 / 8 / 22 - 14:04
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
في أعماق الحياة، حيث تتداخل تجاربنا اليومية مع قوى الخير والشر، تتجلى أمامنا مواقف تتطلب منا اتخاذ قرارات حاسمة، قرارات تنبع من أعماق نفوسنا، وتحدد مسار أرواحنا. في مثل هذه اللحظات، قد نجد أنفسنا في مواجهة اعتداء أو ظلم يمسنا في صميم كرامتنا، ويثير فينا مشاعر تتراوح بين الألم والغضب. لكن في خضم هذا الصراع الداخلي، تأتي كلمات الله كمرشد ودليل، توضح لنا الطريق وتضبط ميزان العدل في قلوبنا: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم."
إن هذه الآية الكريمة ليست مجرد دعوة للرد بالمثل، بل هي مبدأ أساسي في مفهوم العدل الإلهي. فهي تؤكد أن الرد على الظلم ليس فقط حقًا، بل هو واجب إذا ما تم ضمن حدود الإنصاف والعدل. إن العدل في هذا السياق ليس انتقامًا أو تشفيًا، بل هو تحقيق توازن يعيد الأمور إلى نصابها، ويمنع تكرار الظلم.
الآية تدعونا إلى مقاومة الظلم، لكنها في الوقت ذاته تضع حدودًا واضحة حتى لا نفقد إنسانيتنا. إنها تذكرنا بألا ندع الغضب يسيطر علينا، وألا نرد الصاع بصاعين، بل نرد بما يساوي الفعل المعتدي، دون أن نتجاوز حدود العقل والعدل. إنه درس عميق في ضبط النفس، يعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في القدرة على الانتقام، بل في القدرة على التحكم في رغباتنا وأفعالنا.
الرد بالمثل، كما تحدده الآية، هو نوع من التصالح مع النفس ومع الآخرين. إنه رد فعل يحمي النفس من التحول إلى مرآة للظلم، ويحفظ للروح صفاءها ونقاءها. فالإنسان الذي يرد على الظلم بنفس القدر، يحافظ على توازنه الداخلي، ولا يسمح للظلم أن يغير من جوهره. هو قرار يحمي النفس من الوقوع في دائرة الانتقام التي لا تنتهي، ويعيد للإنسان شعورًا بالسلام الداخلي.
وفي سياق أوسع، يمكن النظر إلى هذه الآية كمرجع أخلاقي واجتماعي. إنها تضع أساسًا لمجتمع قائم على العدل والإنصاف، حيث يُحترم الحق ويُرد الاعتداء دون تجاوز. إنها دعوة لبناء مجتمع يقدّر قيمة العدل، ويعمل على ترسيخه في كل جوانب الحياة. مجتمع لا يُقهر فيه الحق، ولا يُترك فيه الظلم بلا رد.
ختامًا، يمكن القول إن الآية "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" هي أكثر من مجرد توجيه ديني. إنها فلسفة حياتية تُعلمنا كيف نتعامل مع الظلم، وكيف نحافظ على قيمنا وإنسانيتنا في مواجهة الصعاب. إنها تدعونا إلى العدل، إلى ضبط النفس، وإلى بناء مجتمع يكون فيه الحق هو الأساس، والعدل هو المعيار.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟