التطرف الإجرامي البعثي في تنظيم التطهير العرقي وترحيل التبعية

رائد عبيس

الحوار المتمدن-العدد: 8077 - 2024 / 8 / 22 - 10:07
المحور: حقوق الانسان
    

حين عينت الأمم المتحدة مقرراً خاصاً لها وهو السيد ماكس فان دير ستول لمتابعة حالات حقوق الإنسان في العراق في عام 1991 أطلعت اللجنة المكلفة بهذه المهمة, على حالات كثيرة من التطهير العراقي التي تبعتها موجة تهجير وترحيل في وسط العراق وجنوب وشماله, وحصلت على شهادات ووثائق, تؤكد أن التطهير العرقي قد حدث بشكل مستمر ومنذ عقود , الا أن في عهد البعث الصدامي كان يتم تنفيذه بسرعة كبيرة لا سيما في القرى أو المدن الصغيرة , مثل : القرى الحدودية التي يسكنها التبعية والكرد الفيلية في واسط, وديالى, وميسان, أو في المناطق المأهولة بالسكان مثل : كركوك والموصل, وكان النظام لم يستغرق وقته فيها بل كان يجريها بشكل مباغت من أجل تجنب التمرد الداخلي و اللوم الدولي.
لاسيما في الوقت الذي كان فيه النظام البعثي الصدامي العراقي يحضر لخوض الحرب مع الجمهورية الإسلامية في إيران, وكذلك ترحيل وتهجير الالاف ممن تبقوا من عمليات الأنفال, فقد تم ترحيلهم مجموعة تلو أخرى , في أكثر عملية ترحيل مستمرة في تأريخ الدولة العراقية , فقد كانت طريقة الترحيل والتهجير قاسية جداً على الرجال والنساء والأطفال . ينظر: ( E/CN.4/1994/58 الفقرة 6).
كان الجيش يحاصر المناطق المخطط لها الدمار والإخلاء أولاً , وبعدها يتم تجميع السكان في أماكن الاحتجاز أو التهجير ويُعرضهم للإيذاء والإعدام الميداني في كثير من الأحيان في داخل العراق أو على الحدود مع ايران أو تركيا.
( E/CN.4/1994/58 الفقرة 8 ).
تروي امرأة قصتها وشهادتها عن عمليات الترحيل في أثناء عمليات الأنفال وبعدها وتقول : " في عام 1988 اعتقل الجيش سكان عدة قرى , و أتذكر كان هناك 17 شاحنات مكتظة بالناس, لقد جمعونا في نفس المكان في العراء لمدة 3 أيام, كان الجو باردًا جدًا , و اجلسونا على الأرض مع أطفالنا, ثم في إحدى الليالي أحضرونا إلى معسكر للجيش في جمجمال, ومن هناك تم نقلنا بالشاحنة ثم بالحافلة إلى طوبزاوا. وسجلوا أسمائنا واتهمونا بأننا من البشمركة, وقالوا أنكم تحملون الأسلحة, كنا خائفين جداً, وبعد 5 ليال، فصلوا الأطفال عن أمهاتهم، بما في ذلك ابني الأصغر الذي كان عمره 5 سنوات فقط في وقتها. وبعد ساعة أعادوا الأطفال, وتم ترحيلنا إلى قضاء الدبس حيث بقينا لمدة 7 سنوات ونصف , في قاعدة عسكرية كانت مظلمة وقذرة و فضيعة , وفي أحد الأيام، كانت ابنتي مريضة فسألت إذا كان من الممكن إعطاؤها بعض الأدوية, فتمت معقبتي وأطفالي لأنهم طلبوا أحذية لهم. وأجبروني وأطفالي الستة على البقاء خارج القاعدة يوم وليلة. وعندما انتظرنا في طابور للحصول على الخبز رفضوا إعطائنا أيًا منه, وفي هذه الثكنات، عندما يموت الأطفال، كانوا يطعمون الجثث للكلاب " .
على الرغم من أن سياسة التعريب استهدفت كركوك بشكل خاص بسبب حقولها النفطية الا أن هناك مناطق خارج محافظة كركوك, مثل : دهوك، خانقين، طوزخورماتو، الدبس، مخمور، الموصل, لا يسمح للنازحين العودة إلى منطقتهم الأصلية , تم تطبيق سياسة التعريب منذ عام 1991 وهي جزء من سياسة التطهير العرقي, وانتهاك صريح لقرار 688 وكافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان, وهذا ما تأكد في إدانة الأمم المتحدة لأفعال النظام واستمراره في عدم الامتثال للقرارات ذات الشأن. ينظر: (S/RES/773 1992D ).
وفي سبتمبر 2001 ومن أجل تقنين سياسة التعريب، أصدر مجلس قيادة الثورة قراره المرقم 199 الذي يمنح كل عراقي الحق في تغيير وضعه أو هويته العرقية إلى الهوية العربية, الا أنه في الواقع إلزامي. ويجب على الأشخاص الذين تظهر أسماؤهم في القوائم الاختيار بين التهجير القسري أو تغيير هويتهم العرقية.
في تموز (يوليو) 2002 في منطقة مخمور أفاد زعماء أكراد أن أعضاء في حزب البعث جاءوا مجموعة إلى منطقة الشمامك وسلمت لأهالي القرية تبليغ أن عليهم 24 ساعة إخلاء منازلهم، أو تهديمها,
وفي معظم الحالات تكون جميع ممتلكات الأشخاص المرحلين من التبعية في الداخل أو إلى الخارج مصادرة فضلاً عن أوراقهم الثبوتية يتم إتلافها حتى يكونوا غير قادرين على إثبات أصلهم. حتى اسماء أهليهم في شواهد القبور في المقابر يتم إزالتها . يتذكر رجل تم ترحيله من كركوك: " كنت أعيش في كركوك رحيماوا، قضاء كركوك بعض أعضاء حزب البعث جاءوني ثلاث مرات ليطلب مني أن أصبح عضوا للحزب وتغيير "هويتي القومية" وهم هددوا بترحيلي, اذا رفضت, وفعلا بعد رفضي تم ترحيلي مع 13 شخص من أقاربي. يعطونا وثيقة ويجب عليك التوقيع عليها، وهذه الوثيقة هي اقرار بأننا عرب. يحتفظ المحافظ بقوائم العائلات التي من المفترض ترحيلها. ويتم بعدها اختيار عدد قليل من العائلات في كل منطقة، ليتم ترحيلهم إلى مناطق هم يختاروها, وأي أحد لديه علاقة جيدة مع قوى الأمن يتركوه اذا قام بدفع رشوى لهم فسيتم إزالة اسمه من القائمة ولكن على ما يبدوا أن الأمر موقت ؛ لأن سرعان ما يعودون مرة أخرى ليعتقلوه ويرموه في السجن, ومن بعدها يم ترحيله, وبعد يومين تم ترحيل جارتي , وأعتقد أن حوالي 1000 شخص تم ترحيلهم في الحي الذي أعيش فيه " .
هذه الشهادات وغيرها شكلت قناعة عند فريق الأمم المتحدة إن النظام البعثي كان متمادي في التطرف الإجرامي بحق شعبه, ومارس أبشع سياسات الأقصاء العنصري والتطهير العرقي بحق التبعية الأيرانية , والكرد الفيليين , والإيزيديين , ولم يراع فيهم أي التزام قانوني محلي أو دولي , مع العلم العراق طرف في كثير من الاتفاقيات الضامنة لحقوق الإنسان, والمرأة, والطفولة, والأقليات وحمايتهم. ينظر: ( E/CN.4/1994/58 الفقرة 14 ).

#رائد_عبيس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات