أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أقدمُ لكم ... أبي














المزيد.....


أقدمُ لكم ... أبي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8076 - 2024 / 8 / 21 - 11:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في مثل هذه الأيام فقدتُ أبي المثقفَ المتصوفَ الذي غرسَ في قلبي حبَّ جميع خلق الله دون تمييز. علّمني أن الكراهية فقرٌ أخلاقيّ وضعفُ إيمان. لم أسمعه يومًا يذكر غائبًا بسوء. وإن رحل شخصٌ كان يهمسُ: “اللهم ارحمه وموتى العالمين.” علمني أبي ألا أتمنى الشرَّ لإنسان، ولو آذاني. لأن القوةَ في العُلوّ والغفران، لا في التصاغر والانتقام. علمني أن أقولَ: "سلامًا" لمن لا يستحقُّ المجادلة، لأكون من: "عِباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هَونًا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"، كما تنصُّ سورة “الفرقان/٦٣”. علّمني أبي أن حُبَّ الله رهينٌ بحبّ خلق الله. وأن الانتصارَ لمظلومٍ آيةٌ من آياتِ الله العليا، لأن الله تعالى حرّم الظلمَ على نفسه، وجعله بيننا محرّمًا؛ كما في الحديث القدسي: “يا عبادي إنّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا؛ فلا تَظالموا.” علمني أبي أن من يكره لا يحبُّ. ولهذا أفخرُ دائمًا بأن "جهاز الكراهية" في داخلي مُعَطلٌ، ولا أسعى إلى إصلاحه.
هذا أبي المتصوفُ النبيل الذي حفظ القرآن كاملا، وكان يؤذنُ في المسجد بصوته الجميل ويؤم المصلّين، علّمني أن أحترمَ جميع العقائد؛ لأنها سعيٌ إنسانيٌّ وبحثٌ دؤوبٌ عن الخالق العظيم. كان أبي الجميل يُجلسني على ركبتيه، وأنا في الثالثة من عمري، ويقرأ لي قصص الأنبياء. ويعلّمني القرآنَ وضبطَ مخارج الكلمات. وكان يعشقُ العذوبةَ الصوتية. يُدير تسجيل جروندج GRUNDIG فتُشيعُ في أرجاء البيت شقشقةُ "أم كلثوم" و"صباح"، وعلى الجهاز ذاته شغفتُ بعذوبة: "المنشاوي" و”عبد الباسط". وكان يحبُّ "فؤاد المهندس، وشويكار"، ويتباهى بما لديه من مسرحياتهما مسجّلةً على اسطوانات، ويعتبرها “ثروة قيّمة”. وكان دائمًا يقول إنني أشبه “شويكار”. وذات يوم قامت أمي بمسح جميع الاسطوانات بما تحملُ من مسرحيات وأغانٍ لكي تسجّل عليها دروس الإنجليزية الذي كان "مستر وليم" يعطيها لي وشقيقي! وحين اكتشف أبي تلك "الجريمة" حزن كثيرًا، وخاصمها. لكن خصامَ أبي كان يذوبُ بابتسامة. وكان خفيفَ الظل؛ حين ترتدي أمي فستانًا جديدًا وتسأله رأيه؛ يمازحها ضاحكًا: “الحكاية مش السَّدّ، الحكاية القصة اللي ورا السد!”
حين اكتشفتُ أنني عسراءُ، "شولة"، أي أكتبُ بيدي اليسرى، وبدأ زملائي في المدرسة يضحكون لأنني عاجزة عن الكتابة مثلهم باليمنى، ركضتُ إليه باكيةً، فضمّني إلى صدري وقال: “هذا تميّزٌ، وليس عجزًا. كثيرٌ من العباقرة كانوا عُسرًا يكتبون باليسرى.” وعدّد لي: آينشتين، أرسطو، بيتهوفن، نيتشه، نابليون، الإسكندر الأكبر، تشرشل، غاندي، نيوتن، ماري كوري، دافنشي، مايكل-آنجلو، بيكاسو، كاسترو، آرم سترونج، وغيرهم، كانوا من العُسر. وبعدما حكى لي قصص أولئك العباقرة، علّمني أن جين LRRTM1 في المخ هو المسؤول عن العَسَر؛ لأنه يُنشِّط فصَّ المخ الأيمن، المتحكّم في نصف الجسد الأيسر. وهذا الفصُّ المُبدع هو ماكينةُ الخيال واللغة والرياضيات والفنون. لهذا نجد كثيرين من العُسْر، رسّامين ونحّاتين وأدباء وفيزيائيين وعلماء رياضيات. وحين تنمّر زملائي في المدرسة على اسم "ناعوت"، ركضتُ إليه أساءله عن المعنى؛ فنهض إلى مكتبته وجلب "المعجم الوسيط"، وفتح باب "نَعَتَ"، وراح يقرأ لي: "يُقالُ فَرَسٌ ناعتٌ يعني: أصيل سبّاق، ورجلٌ نُعتةٌ نَعيتٌ ناعوتٌ: أي غاية في الرفعة، جيدٌ كريمٌ حسُنت خصاله...” لكَم أشتاقُ إليكَ يا أبي، ولكم أحتاج إليك سندًا وصخرةً أتكئ عليها من تعب الحياة. أحسن اللهُ مُقامَك في فردوسه الأعلى، وشكرًا لكل ما علمتنيه من قيم جعلتني في حال سلام روحي، رغم أن فاتورة محبة "جميع الناس" باهظةٌ وصعبة. فأنْ تُحبَّ "جميعَ" الناس، يعني أنْ يحاربَكَ "معظمُ" الناس! لكن رضا الله خيرٌ من رضا البشر، وسلامَ الإنسان الداخلي، أهمُّ من حُكم الناس. ولهذا قال الإمام "عليّ بن أبي طالب": “لا تستوحشوا طريق الحقِّ لقلّة سالكيه.” ومحبةُ الناس حقٌّ، لأن الله أحبَّ جميع خلقه، وهو الحقّ.
***
ومن نُثارِ خواطري:
***
(أبي)
لا تأتِ الآن يا أبي!
فأنا
لم أعُدْ أنا
والولدُ الذّي سرقَ قلمي
وكسَّرَ دُميتي
حتى أبكي
لم يعُدْ هناك.

دعني أُخبرَكَ
أنَّ تعاليمكَ صارت سرابًا
ليس لأنكَ مِتَّ
منذ عشرين قرنًا
بل لأنكَ
طِرتَ إلى السماء
قبل أن تعلّمني
كيف أعزفُ الجيتارَ
دون أن تجرحَ أوتارُه
أوردتي.



***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “العيال فهمت- … إشراقةُ المسرح الكوميدي
- حاجة تخوّف… المعذّبون أمام المرآة!
- “جريمة بيضاء-… في محكمة الضمير!
- ماكبث… إلكترا … رؤى حداثية مدهشة
- “سميحة أيوب”... إشراقة مهرجان المسرح المصري
- -شلبي- … الناس ال كلّ حاجة
- -ماسبيرو- … هرمُ مصرَ الرابع
- الموتُ … الفقدُ…. غيابُ الأمل
- ١٨٠ درجة … -لا تُهمِلِ الموهبةَ التي فيك-
- محمود العلايلي إليك (سنبلةَ) القمح
- هدايا لم تُفضّ أغلفتُها بعد
- هداياك التي لم تفضّ أغلفتَها بعد (١)
- النبلُ … صوتُ الدفاع عن حقّ الآخر
- فتحُ الكنائس للمذاكرة… هل ثمرة المُحبّ جريمة؟!!
- المذاكرةُ في بيوت الله… من دفتر المحبة
- هكذا وجدنا آباءنا … فتركناه مفتوحًا!
- الفرنسيسكان … رُعاة العلم والفنون
- أخبرني أحدُ العارفين: طفلُكِ اختاركِ!
- “المصري اليوم-… جريدةُ -الضمير-
- مجتمع “قالولووو-!


المزيد.....




- “فرحهم بأغاني وأناشيد كل ساعة” تردد قناة طيور الجنة 2025 toy ...
- “اعرفها قبل نهاية السنة” طريقة جديدة لاستقبال تردد قناة طيور ...
- الدكتور علي الصلابي يتحدث عن علاقته بسيف الإسلام وأسباب انهي ...
- مصر.. وائل غنيم يدخل على خط جدل أثاره رد ساويرس عن مقارنة -م ...
- في البرازيل.. النزاع على أشدّه بين الدولة والكنيسة حول تمثال ...
- استطلاع: انخفاض شعبية الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا ...
- الجهاد الاسلامي: لن ننجر للفتنة الداخلية رغم حملة أجهزة السل ...
- الجهاد الاسلامي: ندعو اخوتنا في فتح لاعادة توجيه البوصلة نحو ...
- الجهاد الاسلامي: نطالب السلطة بوقف حملاتها فورا ورفع حصار مخ ...
- الجهاد الاسلامي: نؤكد تمسك حركتنا بسلاحها ومقاومتها حتى تحري ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أقدمُ لكم ... أبي