|
الفاشية على قيد الحياة … في روسيا
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8075 - 2024 / 8 / 20 - 21:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة/ محمد ناجي
مقدمة المترجم : مرة أخرى نشير إلى أننا نكتب عن العوار والخلل الفاضح والمزمن في (المنظومة والعقل السياسي والثقافي والاجتماعي العربي السائد) ، فيما يتعلق بالموقف من الاستبداد بمختلف أشكاله ومستوياته ومسمياته ، دكتاتورية - فاشية - شمولية … وحيثما كان ، في الزمان والمكان . حسنا ، ولكن لماذا ابو علي بوتين حفظه الله ورعاه ؟
1- لأنه الأكثر حضورا اليوم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي . وبالرغم من حربه العدوانية ضد أوكرانيا ، واستفزازه وتهديده لبقية الدول المجاورة أكثر من مرة بالحرب ، وباسلحته النووية وفناء البشرية ، فلا يزال البعض يعتبره عبدالله المؤمن ، حامل راية النضال وتحرر الشعوب من العبودية والطغيان والاستغلال من قبل الامبريالية والرأسمالية والليبرالية والعولمة والصهيونية والماسونية والشيطان الأكبر ! ولهذا يستحق المتابعة والكتابة عنه ونهجه كطاغية وفاشي حي ! فلعل وعسى يطّلع ويصحو من لديه ولو شيء من القدرة على التفكير الحر ، خارج الخندق .
2- لأنه ونظامه بارع جدا في الدعاية والتضليل ونشر المعلومات المفبركة والمؤثرة في الرأي العام ، سواء في روسيا أو خارجها ، ومن بينها لدى النخبة وعموم الشارع العربي ، الذي يعاني من خلل مزمن سبق وأشرنا له .
3- في هذا المقال إشارة واضحة للسمات الفاشية في نهج بوتين ، التي يشترك فيها مع غيره من الفاشيين والطغاة على مر التاريخ ، ومنها توظيف الدين لخداع الناس والتلاعب بعواطفهم ومشاعرهم الدينية ، لخدمة مصالحه الخاصة ، وقد يكون من المناسب هنا - كمثال - التذكير بكتابة الطاغية صدام عبارة (الله أكبر) على العلم العراقي .
الروابط أدناه نموذج على هذا التضليل الممنهج .
https://x.com/OCanonist/status/1825656285209252276 https://ichef.bbci.co.uk/ace/ws/800/cpsprodpb/3B27/production/_119234151_897d0cad-0f3a-40ea-8bfb-b31cf5eaf5da.jpg.webp https://ichef.bbci.co.uk/ace/ws/800/cpsprodpb/B057/production/_119234154_49650622-326f-483c-9f43-8437f5bd8182.jpg.webp
- أطراف معاهدة لاتران (التي تأسست بموجبها الفاتيكان كدولة سنة 1929) ! الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني (وسط) فيكتور ايمانويل ملك ايطاليا (يسار) والبابا بيوس الحادي عشر ، وفي الصورة الثانية موسوليني وهو يوقع على المعاهدة .
*****************************
من المفارقات التاريخية أن "مناهضة الفاشية" في روسيا اليوم تذكرنا بشكل متزايد بالفاشية ، كما يقول الديمقراطي المسيحي آدم ديفيدسون .
إن شبح الفاشية يشكل جزءاً قديماً من الخطاب الروسي . خلال الحقبة السوفييتية ، كانت معظم الأشياء التي لا تعجب المكتب السياسي تسمى فاشية ، أو إمبريالية . إن وصف أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي اليوم بالفاشيين ، من قبل العديد من الروس لا علاقة له بالفاشية الفعلية ، بل هو نفس تكتيك الدعاية القديم الذي كان موجوداً منذ عهد ستالين .
خلال "الحرب الوطنية العظمى" (الحرب العالمية الثانية) ، غالباً ما كانت تُغنى الأغنية الجذابة "Svyashchennaya Voyna" (الحرب المقدسة) . وتتحدث كلمات الأغنية عن كيف ستنتفض الدولة العظيمة ضد قوى الظلام الفاشية وتضع رصاصة في جبين الحثالة الفاشية الفاسدة . إنه نص قاتم وبغيض تم ضبطه على لحن روسي قوي في السُلّم الموسيقي ، وهي أغنية تحدد الصورة الذاتية الروسية .
لم تُدفن الأغنية في غياهب النسيان ولكنها لا تزال حية إلى اليوم . ففي 9 مايو 2010 ، تم أداؤها في موكب يوم النصر في موسكو ، وفي حفل موسيقي حول موضوع "أغاني سنوات الحرب" في نفس العام ، أدتها المغنية الروسية الشهيرة إيلينا فاينجا مع جوقة من الرجال يرتدون الزي السوفيتي ، ويمكن مشاهدة ذلك على موقع الأفلام على يوتيوب مع تعليق مكتوب على المقطع : "هل تسمع هذا يا أوباما ؟" . ولا يزال شبح الفاشية يطاردنا .
فالجدار الذي حاصر سكان برلين الشرقية في حالة من عدم الحرية والقمع لم يكن يسمى "جدار برلين" في الكتلة الشرقية ، بل "الجدار الواقي المناهض للفاشية" . وفي حملة التشهير التي شنها ستالين ضد منافسه ليف تروتسكي وصفه بـ"الخنزير الفاشي" و"العميل الفاشي" ، على الرغم من أن تروتسكي هو من طور نقداً فكرياً ماركسياً للفاشية في ثلاثينيات القرن العشرين .
إن أعداء روسيا الكبار هم الفاشيون ومصيرها هو خوض حرب مقدسة ضدهم . على أية حال ، هذه هي الصورة الذاتية التي تم رسمها ثقافياً على مدى عقود في جارتنا الشرقية ، وهي الصورة التي انتشرت من هناك .
لطالما كان اليسار الأوروبي يأكل من يد الكرملين لفترة طويلة . وقد استعارت الحركات المناهضة للأسلحة النووية وحركات السلام واليسار الموالي لموسكو الخطاب السوفييتي ، بما في ذلك استخدام مصطلح الفاشي .
ما زلنا نرى هذا الخطاب عندما ترسم الجهات اليسارية شبح الفاشية في أوكرانيا ، لقد انساقوا وراء الدعاية الروسية . إن النفور من الديمقراطية الليبرالية والحرية واقتصاد السوق يدفع هذه القوى إلى القيام بأعمال تتماهى ونظام بوتين .
إنه أمر مثير للسخرية للغاية ، لأنه لا يوجد نظام في أوروبا اليوم يشترك في العديد من السمات مع الفاشية الحقيقية مثل نظام فلاديمير بوتين . وأشار العديد من المحللين الروس إلى أن بوتين ، بعد عودته إلى الرئاسة في عام 2012 ، أصبح أكثر إيديولوجية وقومية من ذي قبل . والمزيد من المراقبين ، مثل أستاذ الدراسات السلافية في جامعة نيويورك ميخائيل جامبولسكي وأستاذ التاريخ السابق في MGIMO في موسكو أندريه زوبوف ، يلاحظون أوجه التشابه بين التوجه الأيديولوجي لبوتين والفاشية .
إن أسطورة ولادة الأمة من جديد واستعادة تألقها ، وفكرة حالة الحرب ضد الأعداء ، وتصوير المنشقين على أنهم خونة ، وكراهية الأجانب القوية والشوفينية الذكورية ، وازدراء الضعف ضد من لا يتوافق مع المعيار القومي ، والنزعة التقليدية المحلية ، وتزايد العنصرية ضد الأقليات ، وصناعة الأساطير القومية والتطلعات الإمبريالية – كل هذه الظواهر الروسية هي سمات فاشية .
ويأتي في المقدمة صورة الزعيم الكاريزمي الذي يجسد الأمة بشكل شبه إلهي ، وهو الزعيم الذي ، مثل موسوليني وهتلر ، بدأ حياته السياسية من اليسار . إنه القائد الذي بنى حوله عبادة شخصية هائلة ، ليس أقلها ما تم التعبير عنه في حركة الشباب ناسجي Nasji (التي يحتوي اسمها الكامل على نحو مثير للسخرية ، على مصطلح مناهضة الفاشية) والتي تحمل أوجه تشابه كبيرة مع كل من شباب هتلر وكتيبة العاصفة . وقد أطلق على حركة Nasji أيضاً لقب "شبيبة بوتين -Putinjugend" .
لقد أدرك موسوليني أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع الكنيسة الكاثوليكية وأنشأ دولة الفاتيكان للبابا ، تماماً كما تعلّم بوتين أن يسير يداً بيد مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ، وهو في موقعه في السلطة . كما سار بوتين ، الذي يُنظر إليه على أنه المدافع عن روسيا الأرثوذكسية ، على خطى من سبقه ، حيث أطلق دكتاتور إسبانيا الفاشي فرانكو على نفسه لقب المدافع عن إسبانيا الكاثوليكية .
إن القومية المتطرفة الجديدة في روسيا تضمر ازدراء الديمقراطيات الليبرالية ، وفي نفس الوقت تعمل على استعادة المجد الروسي التليد ، ولهذا انتقد الرئيس الروسي في خطابه في معسكر سيليجر الصيفي لـ"شبيبة بوتين" في عام 2014 لينين والبلاشفة ، لتسببهم في انهيار روسيا في عام 1917 ، وألقى باللوم عليهم في إعلان البلاد عن هزيمتها في الحرب العالمية الأولى . إنها بلا شك خطوة أخرى في الحظيرة الفاشية .
لبضع سنوات في التسعينيات ، مرت روسيا بفترة انتقالية صعبة نحو الديمقراطية والسوق الحرة . وقد أدى ذلك إلى نتائج في مطلع الألفية في شكل نمو سريع في الناتج المحلي الإجمالي للفرد ونمو سريع للطبقة الوسطى . ولكن بعدها ، تم تشديد الضوابط الاستبدادية ، وركود النمو الاقتصادي ، واتخذت روسيا مساراً فاشياً على نحو متزايد . إن المفارقة الكبيرة إن أكثر الأنظمة الأوروبية مناهضة للفاشية بالاسم ، هو اليوم الأكثر فاشية على الاطلاق . ولكن بالنسبة لأولئك الذين يدركون حقيقة خطاب الكرملين ، فإن الكلمات عن "الفاشية" في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي تبدو جوفاء .
إن التهديد الفاشي المظلم في أوروبا ، ولمن يرى أن من واجبه محاربته ، هو اليوم روسيا نفسها . لقد فشلت الحرب المقدسة . ومهما تم تصوير شبح الفاشية في الغرب ، فإن بوتين نفسه هو الذي وقع في فخ الفاشية . لقد أدرك الكثيرون منا هذه الحقيقة أكثر فأكثر ، ولكن متى يدرك الشعب الروسي أن الشبح أصبح الآن حياً ، من لحم ودم ـ ويعيش في الكرملين ؟
آدم ديفيدسون - صحيفة سفنسكا داغبلادت
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجنرال -الأكثر سوفيتية- الذي قاد عملية التوغل في كورسك !
-
حركة واحدة تكشف القصة بأكملها
-
مشاكل الشرق الأوسط أكبر بكثير من حرب غزة
-
مراوحة خارج سيرورة الزمن
-
14 تموز/يوليو تبرير وتمرير الخطايا برطانة الخطاب !
-
بوتين على نهج هتلر ومن سبقه !
-
مناهضون للحرب يخدعون المسؤولين الروس بترجمة الشعر النازي*
-
روسيا على طريق الفاشية
-
الكرملين : بوتين كان يشخر خلال مناظرة بايدن الكارثية
-
اتجاه جديد ؟ إرسال المهاجرين إلى بلدان ثالثة
-
لا تقعوا في فخ الشعبوية المزيفة ل -فريق ميلودي-
-
مقامرة ماكرون : كيف وصلت فرنسا إلى هذا الحال ؟
-
نهاية هتلر : دراسة في الخلل الوظيفي للرجل القوي
-
ذكرى سقوط موسوليني : قوة المقاومة وعواقب العجز الاستبدادي
-
الدكتاتور يغير مظهره في العصر الجديد
-
ثورة في السياسة الخارجية الأمريكية - استبدال الجشع والنزعة ا
...
-
القادة الاستبداديين يجبرون الديمقراطيات على التراجع
-
أعظم نجاح لترامب : عبادة شخصيته
-
الفاشية باقية … وتتمدد !
-
الفاشية 105 عام 1919-2024
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|