|
حركة النهضة التونسية في- معركة الحجاب-
نور الدين المباركي
الحوار المتمدن-العدد: 1771 - 2006 / 12 / 21 - 12:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تعددت القراءات و التحليلات لخلفيات "معركة الحجاب" التي تشهدها تونس منذ نحو شهرين. و اللافت للإنتباه أن أغلب هذه القراءات حملت الحكومة التونسية المسؤولية الأولى في بلوغ المعركة هذه الدرجة من التوتر التي وصفها البعض بأنها شبيهة بما كانت عليه البلاد في بداية التسعينات عندما اشتدت الأزمة بين الحكومة و التيار الإسلامي.
و تكمن مسؤولية الحكومة – حسب هؤلاء – في تعاملها الأمني مع المتحجبات و اعتداء أعوان الأمن عليهن أمام المساجد و في الأماكن العمومية وحرمانهن من مزاولة دراستهن و ممارسة أعمالهن. وهو ما فسح المجال أمام ردود غير متوقعة منها ما حصل في" حي الحبيب" القريب من وسط العاصمة و " جامع السلام" في ضاحية العمران الأعلى (غرب العاصمة)، من تصادم بين قوات الأمن و المصلين.
ويعتقد أصحاب هذه القراءة أن الحكومة لها مصلحة في إثارة ملف الحجاب في هذه الفترة بالذات، وهي التغطية على عدة ملفات داخلية تريد صرف الأنظار عنها الى جانب سعيها للظهور دوليا كمحارب للإرهاب.
و من الوهلة الأولى تبدو استنتاجات هذه القراءة منسجمة مع مقدماتها و تبدو متينة. لكن التمعن فيها جيدا و النظر لما يحدث بعين أخر يضعنا أمام حقيقة مخالفة ، وهي أن التيار الاسلامي هو من خطط ليبلغ الجدل حول الحجاب هده الدرجة من التوتر ، وهو الطرف الذي له مصلحة أكثر من غيره في كل ما يحدث.
خطط التيار الاسلامي لهذه المعركة ( و لابد من الاعتراف أنه خطط لذلك بشكل جيد) ليحقق جملة من الاهداف بعضها ليس خافيا على المهتمين بالشأن السياسي في تونس.
أول هذه الأهداف توجيه رسالة واضحة الى السلطة ، مضمونها أن " حركة النهضة" مازالت طرفا رئيسيا في الخريطة السياسية و أنها مازالت قادرة على التأثير في الوضع الداخلي و على ادارة المعارك الواسعة، و عليه لا مجال أمام الحكومة الا التعامل معها.
و ثاني هذه الأهداف توجيه رسالة الى الأحزاب السياسية مضمونها أن الفراغ الذي تركته "حركة النهضة" منذ خمس عشرة سنة لا تسطيع أن تملأه إلا "حركة النهضة".
و ثالث هذه الأهداف توجيه رسالة الى حلفائها الذين عابوا عليها عدم "تحريك" قاعدتها الجماهيرية في بعض المعارك الداخلية(بعض الأطراف داخل هيئة 18 أكتوبر(هيئة حقوقية تأسست قبل نحو سنة)- الدكتور المنصف المرزوقي( رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية)) ومضمون هذه الرسالة أن حركة النهضة قادرة على تحريك قاعدتها ، لكن متى أرادت هي ذلك.
و رابع هذه الأهداف التأكد من من متانة التقائها مع بعض أطراف اليسار العلماني و هل ستقف معها وتساندها في مثل هذه المعركة ذات الجذور الدينية.
و في كلمة ان "حركة النهضة" أرادت بهذه المعركة أن تحيي حالة الاستقطاب الثنائي (نظام الحكم من جهة و الحركة الاسلامية من جهة أخرى) التي عاشتها البلاد في أواخر الثمانينات و بداية التسعينات.
و يمكن القول إنها نجحت في تحقيق أهدافها هذه الى حد كبير و تمكنت من إسقاط الجميع في الفخ الذي نصبته ، بفضل الأدوات و الأساليب التي اعتمدتها في هذه المعركة.
1) سخرت كل ما تملكه من وسائل اعلام و دعاية و من علاقات مع قنوات فضائية لتجعل من ملف الحجاب ، الملف الأول في اهتمامات التونسيين ، مستندة في ذلك الى أحدث نظريات الاعلام في التأثير على الجمهور.
2) ضبطت بعناية فائقة خطابها الذي انقسم الى قسمين ، الأول موجه الى المواطنين العاديين و الى الشخصيات و الهيئات والمنظمات و الجمعيات الاسلامية ، و مضمون هذا الخطاب ان الحكومة التونسية تشن حربا على فريضة الحجاب و في ذلك اعتداء و انتهاك للهوية الاسلامية ، وهدف هذا الخطاب هو كسب تأييد و تعاطف الجمهور الواسع و محاصرة الحكومة من طرف هذه الشخصيات و المنظمات و الجمعيات .
أما الخطاب الثاني فإنه موجه الى الجمعيات الحقوقية و العلمانيين و مضمونه أن ارتداء الحجاب يندرج في اطار الحريات الفردية و الشخصية و ان منع ارتدائه هو اعتداء على هذه الحريات.
3) اعتمدت مبدا التضخيم في نقلها لحقيقة ما يحدث في تونس و ذلك بغاية مزيد التأثير، و شمل هذا التضخيم مستويين اثنيين ، الأول عدد المحجبات و الثاني ما يتعرضن له من اضطهاد و قمع.
في خصوص عدد المحجبات( رغم أن الظاهرة موجودة في تونس و لايمكن انكارها) قال صلاح الدين الجورشي (صحفي و ناشط حقوقي) إن عددهن يصل الى مائة ألف محجبة وقال وليد البناني (رئيس مجلس الشورى بحركة النهضة) إن امراة على كل أربعة نساء ترتدي الحجاب. لكن لا أحد منهما ذكر مصدر الرقم الذي قدمه و هو ما يجعل الأمر مجرد تخمين و تقدير.أما في خصوص ما تتعرض له المحجبات من اضطهاد و قمع فإن التضخيم يظهر من خلال الإشارة الى" ولعلمكم فإنّ آلافا مؤلّفة من الطّالبات والتّلميذات والموظّفات في شتّى الوظائف والتّخصّصات فصلن عن الدّراسة والعمل بسبب هذا المنشور الفضيحة، وليس هذا فحسب بل وصل الأمر أن أوصدت المستشفيات أبوابها في وجوه الحوامل المحجّبات اللآتي يأخذهنّ المخاض وغيرهنّ من النّساء المريضات فيمنعن من النّزول بالمستشفيات والمصحّات بسبب ارتكابهنّ لجريمة ارتداء ما تسمّيه السّلطات اللّباس الطائفي." (نداء إلى علماء الأمّة حول حقّ المرأة التّونسيّة في لباسها الشّرعي موجه من لجنة الدّفاع عن حجاب المرأة في تونس بتاريخ 24 رمضان 1427هـ / 2006.10.16).
إذا كانت هذه أهداف حركة النهضة في هذه المعركة التي يصفها عديد المراقبين أنها مفتعلة فكيف نفسر أن الحكومة التونسية لا مصلحة لها في افتعالها وفي الدفع بالجدل الى هذه الدرجة من التوتر.
ثمة عدة وقائع و معطيات تؤكد ذلك:
1) ليست هذه المرة الأولى التي تشن فيها الحكومة حملة على الحجاب و تذكر بالمنشور 108 الذي صدر قبل ربع قرن( صدر في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة).فقد تعودت على ذلك بشكل دوري و خاصة في بعض المناسبات مثل العودة المدرسية و الجامعية. وكانت هذه الحملات تتوقف بعد أسبوع أو أسبوعين دون أن تصل الى هذه الدرجة من التوتر.
2) ليس للسلطة في الوقت الراهن أية مصلحة في اثارة ملف الحجاب بمثل هذه القوة ، و حتى الملفات الداخلية التي تريد صرف الأنظار عنها( كما يقول البعض) ليست بهذه الأهمية.
فالمؤتمر الوطني للإتحاد العام التونسي للشغل( نقابة العمال) المزمع عقده في ديسمبر المقبل و بعيدا عن مظاهر "التبريد و التسخين" التي تسبقه فإنه سيعقد في ظروف عادية و ستتحصل" قائمة الأمين العام" على أغلب الأصوات.
أما ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فإن أفضل وسيلة للتغطية عليه هي مزيد تسليط الأضواء على المبادرات التي تدعو الى الحوار" الرابطي/الرابطي" و منها مبادرة ال108 الأخيرة .
و في خصوص الملف الإجتماعي ( بطالة أصحاب الشهائد العليا- غلق المؤسسات...) فإن التغطية عليه و صرف الأنظار عنه لا يكون من خلال إثارة مشكلة أخرى يتداخل فيها الإجتماعي بالثقافي.
و تبقى النقطة التي تحدث عنها السيد خميس الشماري (ناشط حقوقي) و هي أن البلاد مقبلة على تعديلات دستورية و ربما ارتأت السلطة التهيئة لها من الآن. و المقصود بالتعديلات الدستورية ما يروج منذ فترة حول احداث خطة نائب رئيس للجمهورية.
أولا: إن هذه التعديلات مازالت غير مؤكدة و لا تتجاوز مرحلة الإشاعة.
ثانيا: سبق للحكومة أن أجرت تعديلات على أكثر من نصف فصول الدستور من خلال الإستفتاء الشعبي في ماي 2002، دون أن يسبق ذلك إثارة ملف الحجاب أو غيره من الملفات.
من خلال ما سبق يبدو جليا أن الحكومة التونسية لا مصلحة قوية لها في اثارة هذا الملف ليبلغ هذه الدرجة من التوتر و أن الطرف المستفيد أكثر من غيره من كل ما يحصل هو حركة النهضة التي يبدو أنها يئست من امكانية تسوية ملفها و التعامل معها باعتبارها حركة تمثل الإسلام السياسي المعتدل و الوسطي. يقول وليد البناني رئيس مجلس الشورى بهذه الحركة" في المدى المنظور أرى والله أعلم أن السلطة لا تريد أبدا أن تحل قضية الحركة في إطار حقنا الشرعي في الوجود القانوني"
#نور_الدين_المباركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|