|
الثقافة والقانون وأسس الارتباط البنيوي العضوي بينهما
تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 20:15
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
أمام مشهد وجود من يلهث مغمض العينين وراء من يحاول تعديل قانون الأحوال الشخصية بات واجبا ملحاً أن تجري مهمة التوعية والتنوير وتفتيح العيون قبل أن يقع مزيد أناس أسرهم التجهيل ليكونوا هناك مع التشويهات المزعوم أنها تعديلات تلائم الشريعة والأصل أننا نسن القوانين على وفق الدستور وعلى وفق ما يحمي الدولة ومؤسساتها ولوائح إدارتها من قوانين وليس أن نهدمها ونرميها بمهب ريح صرصر عاتية.. هذه معالجة تحكي جوانب من أهمية ثقافة قانونية ومعانيها ومن ثم إشارات لما يجابه تشويه قانون الأحوال الشخصية لمآرب قوى حزبية تزعم أنها رجال الدين والله على الأرض وأن كلمتها هي القانون!!! فما القانون وما قواعده وكيف يمكننا قراءة المشهد بما تفق والثبات بوجه العاصفة؟؟؟؟؟ ***
ماذا يحدث عند الجهل بالقانون أو عند إلغاء سلطته؟ https://www.somerian-slates.com/2024/08/18/16700/
تتراجع نسب المشكلات وكلفة معالجتها، بمجتمعات تزداد فيها مستويات الثقافة؛ بينما تجابه مجتمعات التخلف مشكلات تتراكم وتتفاقم مع الأيام بسبب من الجهل والتخلف وحال الخواء الثقافي فيها. إن ذلك ينجم عن امتلاك أو افتقاد الثقافتين المعرفية والسلوكية وبحال الغنى الثقافي يكون حال من تهذيب الأنفس وميلها للالتزام بالقوانين كونها أدوات حل ومساعدة على تجنب كثير من العقبات لأن أطراف العلاقة المجتمعية تتبادل الاحترام انطلاقا من معرفة ما له وما للآخر وما عليه وعلى الآخر من أفعال. فيما سيكون الفقر الثقافي سببا خطيرا لحال من الاعتداد الفارغ بالذات والنفس والتخندق خلف متاريس اليقين المطلق مقابل تخطئة الآخر بصورة مطلقة حيث نجد أنفسنا أمام حال من المنعزلات المتضادة المتناقضة التي تدخل في خلافات تتفاقم بالتراكم والتضخم كما كرة الثلج..
والقانون هوية التمدن ومجتمع الحضارة والتقدم حيث يلجأ إليه المختلفون ويخضعون لمعالجته بصورة حاسمة بمختلف ميادين الحياة اقتصادية، اجتماعية وسياسية وغيرها. واسترداد الحقوق يتم بالقانون بكل هدوء وموضوعية وعقلنة وليس بالانفعال والتوتر والمشاحنة كما يطبع التخلف والجهل مجتمعاته وأفراده.
إنّ الثقافة ترتبط هنا بنيويا بالقانون لتتولد عندنا ثقافة قانونية تمنحنا فرص التعرف إلى وسائل الحصول على الحقوق والحريات ومنع التجاوز أو انتهاك ما لنا منها. بمعنى أننا نوفر بالثقافة بيئة يستحقها الإنسان في عصرنا بعد أن عاش عبر التاريخ البعيد بمجتمعات قوانين الغاب..
من هنا اكتست الثقافة القانونية حصرا صفة إلزام ضرورية فمجتمعات التمدن تعني العيش ببيئة تبتعد بل تتخلص من حال الصراعات الفردية وبين الجماعات الصغيرة والكبيرة لتدخل بيئة (ديموقراطية) تقوم على مبادئ المساواة والعدل والإخاء والتسامح بخلاف حال الجهل الذي يفرض من جهة الانتهاكات ومن جهة أخرى التعرض للإساءة وامتهان الكرامة لجميع أطراف الخلاف والصراع الانفعالي المحتدم توترا ومشاحنة…
إنّ الثقافة القانونية في مجتمع إذ توفر بيئة الحوار فإنها تفتح بوابات المصداقية في إدارة العلاقات الإنسانية واحترام الكرامة والتحول لتلبية المطالب على وفق ما تضعه القوانين بوصفها اللوائح الأسمى المعبرة عن فحوى العقد الاجتماعي عندما يكون مشروطا بالحرية والمساواة وليس عندما يكون مفروضا بمنطق تسيُّد طرف أو آخر بتمييزه سواء بصفة كمية أم نوعية أي بصفة ما يسمى أغلبية عددية أو بصفة ما يحيل إلى ثوابت من مطلقات مقدسة لا تُمَسّ!
إن إنسانا مثقفا بقيم التمدن أو بثقافة قانونية حقوقية يعني توافر إمكانات بناء الشخصية المقتدرة على تحديد أهدافها وعلى تطوير الذات باستمرار وهو ما يتفق ومنطق العصر المتغير باستمرار. وبظل هذه البنية يتم محاصرة فرص استيلاد السطوة والبلطجة القائمة على منطق أخذ الحقوق بقوة الذراع [الميليشيات وشرعنتها ومقاصد وجودها] وامتهان الآخر بذرائع شتى ربما تبدأ من استعادة حق أو إزالة مظلمة ولكنها لن تنتهي عند معالجة تظلم امرئٍ لأنها تقوم على لغة انتقامية من جهة وعلى منطق الثأر الموغل في تاريخ قراءة إشكالية لا علاقة للعصر وأبنائه بها.
إنني أود هنا التوكيد والتشديد فيه على أنّ نشر الثقافة والقواعد القانونية منها إنما هو سمة لازمة للتمدن والتقدم. لأن ذلك بالأساس يوفر التعرف إلى مصادر التهديد والخطر التي تجابهنا في أنشطتنا وأعمالنا بصورة مسبقة ومبكرة مثلما يوفر معرفة بالمعالجة لما قد يطفو بوجه مسارنا لكن الأبرز يكمن في تعرفنا إلى حقوقنا وواجباتنا ما يساعد على تحصين اشتغالنا بما يتفق وبيئة لن يحرسها ويديرها إلا القانون وليس سلطة الغاب ومنطق الاقتتال والاستقواء بمصادر قوة باتت معروفة.. وهنا في ظل سلطة القانون يمكن للمرء أن يمضي بتطوير إمكانات عمله وميادينه حيثما تعرف إلى مسارات نشاطه الأسلم والأنجع والأكثر أمنا والتزاما بلوائح العمل في بيئة متمدنة.
.فماذا ينبغي أن يعرف المرء في ثقافته (القانونية) الحقوقية؟ لعل التعرف أولا إلى القواعد القانونية ومبادئها هو الأس المهم في الإشكالية وتعد هنا أبرز تلك القواعد على وفق ما يرد بالآتي من النماذج المطلوب التعرف إليها: (( لا عذر للجهل بالقانون؛ المتهم بريء حتى تثبت إدانته؛ يُفسر الشك لصالح المتهم، ومع كفالة حق التقاضي فإنّ الأصل براءة الذمة، العقد شريعة المتعاقدين …)). وهذه القواعد القانونية وغيرها تلتزم صفة التعميم والتجريد فهي تطال الشخص لمسؤوليته لا لشخصه وبوقت تم وضعها لتحقيق المصلحة العامة فإنها كذلك تحمي المصلحة الخاصة وهي بتلك المعطيات تعالج الأسس الكبيرة بالمعنى الكلي بما يجعلها مصدرا لعديد القوانين وموادها بينما القانون يتحدث في التفاصيل الدقيقة والأهم فيما نتناوله ونعرضه هو في إسقاط ذرائع المتباكين على أتباع دين أو مذهب وهم يبيتون سطوة طرفهم السياسي لمآرب ليست خفية على الأغلبية المجتمعية..
ولأن القاعدة القانونية مجردة عامة بصياغتها فإنها لا تخص شخصا بعينه ولا مجموعة أو طائفة بعينها وهي بهذا تشمل الجميع باختلافهم في إمكان تطبيقها على وفق شروط الوجود الإنساني الوطني في الهوية.
والمجتمعات كما المجتمع العراقي تتشكل من تنوعات قومية ودينية ومذهبية وفكرية وإذا ما أراد المرء أن يقدم تعاليم كل مجموعة دينية أو مذهبية فإنه سيلغي بذلك بنية المجتمع الحديثة وليس آلية من آليات إدارته فيتراجع باتجاه تشكيلات ما قبل الدولة الحديثة أو دويلات الطوائف ومنطقها وهنا لا تنطبق قاعدة قانونية على مجموعة بصورة سليمة أو بصورة كلية ومن ثمّ لن يكون هناك قانون حاكم يوحد المجتمع بمعنى لن تكون هناك دولة ومؤسسات تحمي من يضيع له حق وسط سطوة البلطجة والبلطجية..
نموذجنا هنا في هذه الرؤية المتعارضة مع سلامة الثقافة المعاصرة ومنطقها ونهجها يتجسد بمحاولات أطراف سياسية [تسمي نفسها تيار الإسلام السياسي] تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق واستهداف هذا القانون بالتحديد لا يقف عند مواد فيه وكيفية صياغتها لكنه يفرض آثارا خطيرة بهدمه القانون بعامة وسلطته وفرض مناهج ورؤى يُزعم أنها الدين فيما هي لن تكون سوى اجتهادات فكرية سياسية بحتة وحلول منسوبة للشريعة وهي بالقطع توجه سياسي لأحزاب وتيارات تصطبغ بالدين وجلبابه ولكنها تظل مجرد خطاب سياسي يقدم منطقه القائم على الخرافة والاستغفال والتجهيل ليضع سياسياً بمسمى رجل دين بمجرد ارتدائه جلباب القرون المنصرمة ليدعي أنه الدين نفسه وأنه المقدس المعصوم وحاشا…
إنّ وضع النصوص الاجتهادية بكل تنوعاتها واختلافها وتناقضها فوق القانون يلغي وجود الدولة بإلغاء سلطة القانون بهذا التوجه ويضع السياسي الذي يرتدي جلباب التدين المزيف فوق القاضي ونحن ندري أن آلافا مؤلفة من أولئك لا يفقهون لا في القانون والسياسية ولا في الدين بخاصة أنهم من ساسة زمن الصدفة والفساد وشراء الذمم والشهادات في حين هم بلا شهادة علمية ولا قدرات على حل مشكلة أو معضلة!
إن فرض علوية النص (الديني) سواء المزيف أو الاجتهادي المذهبي سيضع المجتمع بمجابهة انقسامات خطيرة تصنف الإنسان على وفق ما يتبع من اجتهاد ممن يسمونهم رجال دين ويقطع صلته بالوطن والوطنية وبمجتمعه ويفصله عن أخيه المواطن بل يضعه في عداء عبر التمييز الديني المذهبي (الطائفي) المسيس بالضرورة والحتم..
لاحظ أن استطلاعات الرأي التي مالت نحو إغلبية شعبية تعي المخاطر قد عارضت ما يسمونه تعديلات وتمسكت بالدفاع عن الانتماء للوطن ووحدة الدولة والمجتمع وسلطة القانون وعن القضاء بوصفه ركنا لا يعلو عليه صوت آخر كما يراد بتسليط من يسمونه رجل دين واجتهاده سواء المحدود أم المتبحر..
إننا أمام معضلة وجودية فأما أن نكون ونحافظ على بيتنا الوطن وعلى شعبنا وبنيته وخياره طريق الديموقراطية والفديرالية أو أن نصير في كانتونات متحاربة يستنزف بعضها الآخر ويوقع الضحايا بالأرواح ولا خسائر لأن المادي سيسبق البشر في النهب واللصوصية..
لنكن على دراية بمعاني ثقافة قانونية تتناسب وبناء شخصية تنتمي للعصر ولدولة ندافع عنها بالضد من الهجوم الوجودي وبخلافه فإن ما يعيدونا إليه هو عصر الجواري واجترار أسواق النخاسة وليس أكثر ذلة من هذا فالدين لله والوطن للجميع يعني أن الدين والمقدس لا يتجسد في طبقة كربتوقراط الفساد الذي لم يبق ولم يذر وتلك المجموعة المحتمية بميليشيات التقتيل والاغتيال والتصفيات الجسدية ليست الدين ولا رؤاها هي ما يعتقد به الناس أو ما تعتقد به أنت لا تسمح أن يفكر عنك امرئ مثلك في الكينونة وإن جاء بادعاءاته التي ليس لها سلطان الأولوية أن نتعرف إلى معاني دولة للقانون والمؤسسات وسلامتهما وما هي القواعد القانونية التي تحمينا وما مرجعياتها المعاصرة الحديثة وما تبقى ليس سوى قشمريات توغل في السخرية منا والشعب العراقي لن يقر للعبة سخريتها..
هذا غيض من فيض وسنتابع التناول والمعالجة تنويرا للعقول وتمكينا للشخصية المعاصرة من تطوير الذات وبناء الأسس للعيش الحر الكريم وكفي ما مر من أكثر من عقدين من المرار والنهب والسلب والجريمة بكل أشكالها
المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يصح أن تلغي الأغلبية الحزبية الأغلبية الديموغرافية وتصادر
...
-
بمناسبة يوم النخلة العراقية في14 آب أغسطس
-
على مشارف العقد العاشرمن عمر الصحافة اليسارية في العراق
-
لماذا نريد يوما عربيا للإبداع والابتكار؟
-
الإبداع والابتكار الأخضر ودوره في حركة التقدم عالمياً
-
في اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص ما استعداداتنا لمج
...
-
اليوم العالمي للعدالة الدولية وما يُرتكب من جرائم بحق شعوب ا
...
-
الرابع عشر من تموز ورمزية إحياء الاحتفال بذكرى تأسيس الجمهور
...
-
نداء من أجل اللقاء الوطني في الذكرى 66 ليوم الجمهورية العراق
...
-
تجاريب إيجابية للتحالفات الديموقراطية ونقلها المشوه لظروف مغ
...
-
الابداع والابتكار ومهام تبني مسيرة التنمية والتقدم بمجتمعاتن
...
-
بشأن 14 تموز وقرار تعديل متداول للعطلات الرسمية لاعتماد المن
...
-
العلاقات الروسية الأمريكية بين الأحادية القطبية وهيمنتها وال
...
-
نداء متجدد في اليوم العراقي للسلم الأهلي من أجل مواصلة مشوار
...
-
الأنا والآخر والعلاقات الإنسانية التي تقف بوجه أشكال التمييز
...
-
لنعمل على إنهاء كل أشكال خطاب الكراهية من أسباب ونتائج
-
الشبكة العربية للإبداع والابتكار ولادة مؤسسة للنهوض بحركة ال
...
-
الصحافة العراقية احتفالية للفرح أم للاحتجاج والتطلع لاستعادة
...
-
تهنئة بمناسبة عيد الأضحى وكلمة إلى أهلنا من مسلمي العراق وال
...
-
رؤى أولية بشأن ما يُسمى وساطة بغداد بين دمشق وأنقرة؟
المزيد.....
-
ألمانيا.. دعوات لترحيل جماعي للمهاجرين على خلفية مأساة ماغدي
...
-
السعودية تنفذ الإعدام بمواطنين بتهمة خيانة وطنهما وحرّضا آخر
...
-
هجوم ماغديبورغ: مذكرة اعتقال وتهم بالقتل موجهة للمشتبه به
-
مقاومو -طولكرم وجنين- يتصدون لاقتحامات و اعتقالات الإحتلال
-
اللاجئون السودانيون.. مأساة لم ينهها عبور الحدود واللجوء
-
الأمم المتحدة تحذر: شبح المجاعة يهدد 40 مليون شخصًا في غرب أ
...
-
تظاهرات في تل أبيب مطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى
-
الشروق داخل معسكرات النازحين فى السودان.. حكايات الفرار من ا
...
-
استشهد زوجتي وإصابتي أفقدتني عيني
-
مصدر فلسطيني: عودة النازحين قضية رئيسية في المفاوضات وتوجد ع
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|