|
عنف المستوطنين مكوّن رئيسي لعنف دولة الاحتلال
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 04:49
المحور:
القضية الفلسطينية
سارعت مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، وحتى الإسرائيلية إلى إدانة عنف المستوطنين في قرية جيت الفلسطينية شرق قلقيلية، والذي تمثل في هجوم جماعي منظم شارك فيه مئة مستوطن على الأقل، مزودين بأسلحة نارية وبيضاء، ما أسفر عن استشهاد شاب فلسطيني وإحراق عدة منازل ومركبات. هذه الأطراف، وأبرزها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات والممثليات الأممية، طالبت الحكومة الإسرائلية بوقف هذا العنف ومحاسبة المسؤولين عنه، في ترداد للصيغة المألوفة التي تتعامل مع هذه الاعتداءات بوصفها مسلكيات فردية مستقلة عن سياسات حكومة الاحتلال. واللافت في هذه الموجة الجديدة من العنف أنها أدينت كذلك من قبل عدة جهات إسرائيلية ابرزها وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش الذي طالما تبنى العنف تجاه الفلسطينيين ودافع عن مرتكبيه من الجنود والمستوطنين، وسبق له أن أيد هجمات دموية مشابهة أبرزها الهجوم على حوارة حين دعا لمسح القرية ومحوها عن وجه الأرض. الهجوم على قرية جيت هو الثالث من نوعه، بعد حوارة وترمسعيا، الذي يجري على نمط الـ"بوغروم" أي الهجمات الجماعية التي شهدتها أوروبا من قبل جماعات غفيرة متعصبة ضد اقليات عرقية أو دينية. تكررت هجمات البوغروم في مختلف دول أوروبا خلال القرون الوسطى وانتشرت في القرن التاسع عشر في روسيا القيصرية، ثم بلغت أوجها في ألمانيا النازية واستهدفت اليهود ومنازلهم ومحلاتهم بشكل خاص، كما شهدت مدينة اسطنبول التركية "بوغروم" شهيرا ضد الأقلية اليونانية في العام 1955. وإذا كانت هذه الأحداث في أوروبا تميزت بمشاركة عشرات وربما مئات آلاف الناس ضد الأقليات، فإن في تكرار حوادث العنف الجماعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يؤكد أننا إزاء ظاهرة آخذة في الاتساع والانتشار، وهي تنذر بمزيد من العنف والمخاطر في حال استمرار الصمت عليها دون معالجة اسبابها الجوهرية، ويمكن لنا أن نعدد بعض وجوه الشبه بين المحارق التي شهدتها أوروبا وما تشهده الأراضي الفلسطينية حاليا:- - أنها حوادث جماعية منظمة وليست مجرد حوادث ناجمة عن الصدف والانفعالات، بل أدارتها وقادتها قوى منظمة. - جاءت وسط صراعات سياسية وطنية أو عرقية ودينية. - وقعت في ظل انظمة مستبدة مارست العنف والقمع تجاه الفئات المستهدفة، وبالتالي فإن العنف الجماهيري جاء استكمالا للعنف الرسمي المقونن. - في العادة تمر هذه الأحداث دون حساب أو عقاب، بوصفها أحداث شغب وهياج جماهيري. ظاهرة العنف من قبل المستوطنين قديمة مع قدم الاستيطان في الأراضي المحتلة، بل مع بداية المشروع الاستيطاني في فلسطين الذي عرف تنظيمات إرهابية – وفق التصنيف البريطاني- تحولت لاحقا لأحزاب رسمية تسلمت الحكم في إسرائيل مثل حزب الليكود وزعيميه مناحيم بيغن واسحق شامير، وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة ارتبطت الظاهرة بتنظيمات يمينية متطرفة نشأت على هامشها ومن بين صفوفها تشكيلات عسكرية تتبنى العنف بشكل مبدئي وتمارسه بشكل عملي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك تنظيم تي. ان.تي (ارهاب ضد الارهاب) الذي نفذ عمليات لاغتيال رؤساء البلديات الفلسطينيين في الضفة وهم بسام الشكعة وكريم خلف وابراهيم الطويل (حزيران 1980)، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل في شباط 1994، وعمليتي إحراق الطفل محمد ابو خضير (تموز 2014)، وعائلة دوابشة (تموز 2015)، وهكذا نمت عمليات العنف ضد الفلسطينيين واتسعت كما ونوعا، فتحولت من حوادث فردية متفرقة إلى ظاهرة منظمة تسندها وترعاها أحزاب رسمية من اليمين المتطرف – كاخ وهتحيا وتسومت وموليدت والاتحاد الوطني سابقا، وحزبا الصهيونية الدينية وقوة يهودية حاليا-، وأخذت هذه الظاهرة تنتظم ضمن تشكيلات ميليشوية معروفة بتكوينها وعناصرها وبناها التنظيمية مثل جماعات شبيبة التلال، وتدفيع الثمن (تاغ محير) وهو هو الوزير ايتامار بن جفير يسعى إلى إضفاء مزيد من الشرعية على هذه التشكيلات بدمجها ضمن الحرس الوطني المنوي تشكيله وذلك سيعني منحها موازنات وتسليحا ومقرات ومزيدا من الشرعية. لعبت عدة عوامل موضوعية دورها في دعم هذه الظاهرة ومن بينها الجنوح والانزياح المتزايد للمجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المتطرف والذي أدى إلى شرعنة قوى كانت محظورة مثل حركة كاخ ومشتقاتها، وزيادة نسبة المستوطنين، الذين يزيد عددهم عن 750 ألف مستوطن، إلى إجمالي عدد السكان اليهود في الدولة – حاليا نحو 10% مع وزن سياسي أعلى من هذه النسبة بسبب امتداد نفوذ التيارات اليمينية للمناطق المحتلة عام 1948-، وكذلك استقرار حكم اليمين في إسرائيل واتجاهه لحسم الصراع مع الفلسطينيين بفرض الحل النهائي بالقوة المسلحة وليس عبر اي مفاوضات أو اتفاقيات، إلى جانب ضعف قدرات الحركة الوطنية ومؤسساتها في التصدي لهذه الاعتداءات. . وقد شكلت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة مناخا مواتيا لتصعيد العنف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين بما يشمل عنف دولة الاحتلال بأذرعها الأمنية والعسكرية المختلفة، او عنف المستوطنين، فالفلسطينيون الذين عملت دولة الاحتلال رسميا على نزع الصفة الإنسانية عنهم، باتوا أهدافا مشروعة للانتقام والتنكيل، وأجواء الحرب بكل ما فيها من فظاعات وأعداد هائلة للضحايا، هي فرصة مواتية لتنفيذ أجندات مؤجلة تشمل مجموعة من الاستهدافات ومحاور العمل التي يؤدي كل منها إلى صدامات واحتكاكات دامية مع الفلسطينيين. في الشهور العشرة الأولى من هذه الحرب وثقت منظمات حقوقية إسرائيلية وقوع 1860 اعتداء من قبل المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين وبخاصة في القرى الصغيرة البعيدة عن مراكز المحافظات، وتتفاوت هذه الاعتداءات بين قطع الطرق، وإحراق المزروعات، وسرقة المواشي، وتسميم الآبار، ونسف الأنابيب التي تغذي المدن بالمياه والسيطرة على الأراضي بالقوة وطرد مالكيها أو منعهم من وصولها، وصولا لإطلاق النار والقتل. خلال الحرب على غزة استشهد في الضفة 630 فلسطينيا من بينهم 18 شخصا على ايدي المستوطنين، وغني عن القول أن أحدا لم يحاسب او يحاكم بصورة جدية نتاج هذه الاعتداءات، ففي أحداث "جيت" التي استشهد فيها الشاب رشيد سدة اعتقل شخص واحد فقط وأخلي سبيله بعد ساعات، وفي واقعة اعتداء صارخ وموثق بالصور والشهادات، استشهد الشاب قصي معطان في قرية برقة شرق رام الله، اعتقل على أثرها القاتل اليشع يارد، وهو شخصية معروفة عمل مساعدا لعضو الكنيست ليمور هار ميلخ من حزب قوة يهودية، ولم يمكث في السجن سوى خمسة أيام بعد أن حولت تهمته من القتل إلى "التسبب بالموت"، ونظمت احتجاجات بمشاركة مئات المستوطنين والمتطرفين للإفراج عنه لدرجة ان الوزير بن جفير اعتبره بطلا يستحق وسام الشجاعة، وأخلت المحكمة الإسرائيلية سبيله فما كان من قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس- الذي دخل في سجالات ومشادات حادة مع المستوطنين بسبب إعاقتهم عمل الجيش- أن أصدر أمرا بحظر دخوله للضفة لمدة نصف عام! بات مسلما أن عنف المستوطنين هو جزء لا يتجزأ من عنف دولة الاحتلال، حتى أن منظمة بيتسيلم الحقوقية الإسرائيلية أفردت بابا خاصا على موقعها الاليكتروني وفي عملها التوثيقي والإعلامي بعنوان " عنف المستوطنين = عنف الدولة"، وثمة أوساط إسرائيلية واسعة تعارض عنف المستوطنين لكونه يسيء لسمعة إسرائيل ويمكن أن يدينها أمام المحافل القضائية والسياسية الدولية، فضلا عن التشويش على عمل الجيش والأجهزة الرسمية، والأخطر أن هذا العنف والإرهاب الذي يرتكب ضد الفلسطينيين يمكن أن يكرس ثقافة ومسلكيات عدوانية ستنعكس مستقبلا عنفا تجاه أبناء جلدتهم ممن يختلف مع المستوطنين وأحزابهم في الرأي والمواقف السياسية. لكن، ومع تراجع قوى اليسار والسلام الإسرائيلية، فإن هذه المواقف لا تنعكس في برامج وخطوات سياسية جذرية ضد الاحتلال والاستيطان. المواقف الدولية هي الأخرى لا تتجاوز حدود الكلام الذي يدين المستوطنين الأفراد دون أن يدين الدولة، بل يوجه نداءاته لدولة الاحتلال ويطالبها بمنع هذه التجاوزات. أما على الصعيد الفلسطيني فتكاد مهمة مواجهة عنف الفلسطينيين وتعدياتهم وانفلاتهم يقتصر على الأهالي المتضررين بشكل مباشر خلا بعض البيانات الخجولة التي لا تزيد عن الشكوى، بينما يغيب الدور الميداني الموحد للقوى والفصائل الوطنية والسلطة والمؤسسات مع أن إمكانية مواجهة هذا العنف والتصدي له لا تتطلب إعلان الحرب على إسرائيل، بل مجرد الإيعاز للمؤسسات المحلية والأهلية والفصائل في كل محافظة وبلدة للانخراط الموحد في مهمات الدفاع عن القرى المستهدفة عبر تشكيل لجان حراسة شعبية ودعوة عناصر الأجهزة الأمنية والسلطة الفلسطينية – بوصفهم أفرادا وليس أجهزة- للانخراط في هذا الجهد من أجل الدفاع عن أهلهم وعائلاتهم وأبنائهم.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل غزة
-
خطاب نتنياهو: رقم قياسي في الأكاذيب
-
السيطرة على معبر مدخل إسرائيل للتحكم في مستقبل غزة
-
شهادات إسرائيلية ضد الحرب وفظائعها
-
حوار الفصائل الفلسطينية في بكين وربع الكأس الملان
-
نتنياهو بضع العصي في دواليب الصفقة
-
غموض اقتراح نتنياهو للصفقة وموقفه الفعلي منها
-
قرارات العدل الدولية بشأن فلسطين
-
الاحتلال : من مصدر قوة إلى عبء على إسرائيل
-
نتنياهو ليس معنيا بتقديم هدايا لبايدن
-
خلافات نتنياهو وقيادات جيشه (2 من 2)
-
عن خلافات نتنياهو وقيادات الجيش الإسرائيلي (1 من 2)
-
غطرسة إسرائيل واستخفافها بأدوات القانون الدولي
-
ظروف مروّعة يتعرض لها آلاف الأسرى الفلسطينيين
-
عن الصفقة وخلافات نتنياهو مع قيادة الجيش
-
إسرائيل دولة على أعتاب الفاشية
-
الضغط على الشعب انتقاما من المقاومة
-
الإسرائيليون لنتنياهو : يكفيك تلاعبا ... وافق على الصفقة فور
...
-
حين تكون مجازر اسرائيل بحق الفلسطينيين مجرد -أضرار جانبية-
-
الصهاينة متمسكون باليمين ولكن ليس بنتنياهو
المزيد.....
-
-رأيت نفسي كجارية جنس-.. CNN تتحدث مع ناجيات من اعتداءات مزع
...
-
أعنف هجوم منذ سقوط الأسد.. قتلى وجرحى بانفجار سيارة مفخخة في
...
-
هل يمكن أن تطبع الجزائر مع إسرائيل؟ - مقابلة مع لوبينيون
-
تحقيق عسكري: فشل خطير في منظومة القبة الحديدية خلال الساعات
...
-
السعودية والإمارات ضمن الخيارات لاستضافة قمة بوتين وترامب
-
أطويلٌ طريقنا أم يطولُ.. نتنياهو يتجنب العبور فوق الدول المم
...
-
مظاهرات ألمانيا الحاشدة ضد اليمين.. أسبابها وخلفياتها!
-
أدلة على فيضان هائل أعاد تشكيل البحر الأبيض المتوسط
-
تأثير غير متوقع لمسكنات ألم شائعة على الذكاء وسرعة التفكير
-
منظومة -غراد- الروسية تستهدف مواقع تمركز القوات الأوكرانية
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|