عزالدين عفوس
الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 02:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في مواقع التواصل الاجتماعي يعيش الناس حياة مزيفة، حياة افتراضية بعيدة عن تعقيدات الواقع ومشاكله، حياة سهلة مليئة بالأقنعة يلبسون منها ما يشاؤون ومتى يشاؤون، تطغى عليها الصورة والوهم ومتوجهة نحو الأحاسيس والمشاعر.
في مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن للمرء أن يعيش في طبقة اجتماعية أعلى من طبقته دون أدنى مشكلة، وذلك بمحاكاة أنماط الاستهلاك للطبقات البرجوازية، مستعينا بما توفره "الخوارزميات الذكية" A.I من إمكانات في إخراج الصور والتلاعب بها، وتزييفها،
وبما أننا في زمن "الاستهلاك التفاخري" فإن تلك الصور تصبح ملهمة للغير، فيتم التنافس على "نمط العيش" ذلك بين المؤثرين خاصة، فيتحول الأمر إلى ظاهرة تعم المواقع إياها ومرتاديها.
خطورة الأمر ليست في المواقع في حد ذاتها، وإنما تتجلى فيما تسببه هذه الظاهرة المنتشرة من هوة سحيقة بين الواقع والمواقع إياها، فيعتقد العديد من الناس أن تلك الصور تدل على جودة حياة أصحابها، وسهولة ومستوى عيشهم وبذخهم وهم ينشرون "صورهم" وهم في المطاعم وأماكن الاصطياف "الراقية"، بينما من يتابعون ذلك ويضعون "الجيمات" الحمراء والزرقاء، لا يستطيعون شراء نصف كيلو لحم دجاج، ولا يمكنهم قضاء العطلة إلا بين جدران منازلهم وهم يتفرجون على "سطوريات" الآخرين، هذا إن كانت لهم عطلة أو عمل ابتداء!
هذه الهوة تولد شعورا بالقلق والغبن والحقد وتغذي مشاعر الكراهية، كراهية الآخر، كراهية "الوطن" كراهية الذات حتى!
إنها منبع للمشاعر السلبية التي تؤثر على الشعور الجمعي تجاه الذات والهوية.
وبمناسبة الحديث عن المشاعر، فعصرنا تطغى فيه الخطابات المدغدغة للمشاعر والأحاسيس، بينما تنكمش الخطابات العقلانية والمنطقية المبنية على قوة البرهان وعلى الحجة والدليل، وهذه الخطابات تشكل عمود عصر الاستهلاك، لأنها تزيف الوعي وتغيب العقل، تحول الناس إلى كائنات مستهلِكة ومستهلَكة، كائنات غريبة الأطوار تحركها أحاسيس مزيفة في اتجاهات مرسومة مسبقا.
#عزالدين_عفوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟