أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صالح سليمان عبدالعظيم - من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة















المزيد.....

من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1771 - 2006 / 12 / 21 - 12:09
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


من بين أبرز ملامح ضعف الكتابة العربية المعاصرة الآن توحد الكثير منها مع توجهات الخطاب الغربي، الأمريكي منه بالأساس. لا ينطلق هذا التوحد في الغالب عن قناعة حقيقية بمنطلقات هذا الخطاب قدر ما ينطلق عن ضعف فكري وتحليلي، حيث يصب بشكلٍ كبير في خانة الضعف والتحلل النفسيين. فالكتابة بالأساس فعل تحدي، وكل كتابة لا تروم هذا التحدي إما أن ترتمي في أحضان الآخر الأقوى، وإما أن تجتر أفكاراً سطحية وتافهة لا تمت للواقع المعيش بصلة. كما أن الكتابة التي تنطلق أحكامها متأثرة بوطأة الأحداث اليومية بدون أن تمتلك القدرة على الرؤية العميقة التي تتجاوز السطحي العابر إلى سبر الأغوار الحقيقية لتحولات المجتمعات الإنسانية، تفقد الكثير من أهميتها، كما تتسبب في الكثير من المخاطر المرتبطة بفهم هذا الواقع.

وفي هذا السياق، يأتي كتاب "أسئلة الحمقي في السياسة والإسلام السياسي" للأردني الأصل الأمريكي الجنسية شاكر النابلسي، تكريساً لهذه النوعية من الكتابة المتوحدة والمرددة لنفس المقولات الغربية عن العالم العربي والإسلامي. يطرح الكاتب مجموعة من الأسئلة يطلق عليها أسئلة الحمقي، وهي في الواقع أسئلة للعقلاء الذين عز وندر وجودهم في العالم العربي وفقاً لتوجهات الكاتب. ورغم وجاهة هذه الأسئلة وضرورات طرحها الراهنة، فإن طريقة الطرح نفسها، والنوايا المغرضة التي تكرس هيمنة الآخر الأمريكي من جانب، والإسرائيلي من جانب آخر، تبرز بشكلٍ واضح عبر ثنايا الكتاب.

يفتتح النابلسي مقدمة كتابه بتهويماته ومزاعمه الخاصة والمغرضة في الوقت نفسه، والتي يؤكد من خلالها على أن العام 2004 هو العام الممتلئ بالوعود العربية التي تحقق من خلالها حتي الآن أماني كل من الفلسطينيين والعراقيين في إقامة دولتهم الديمقراطية متتبعين في ذلك خطي أفغانستان!! ولا يقف النابلسي فقط عند هذا الحد، بل يتصور أن ما حدث في فلسطين والعراق هو فاتحة الخير للزلازل العربية القادمة التي سوف تغير المنطقة رأساً على عقب من أجل صالح الشعوب العربية!! علينا أن نلاحظ هنا أن هذا الخير لم يتم إلا بواسطة أمريكا واسرائيل، وما قامت به الأولي في العراق وأفغانستان، وما قامت به الثانية في فلسطين!!

وإذا كانت أمريكا واسرائيل هما صاحبتا الفضل الأكبر في مسيرة الإصلاح والتغيير العربيين، فإن من يقع عليه اللوم في هذه الحالة هم الشعوب والدول العربية. فهم من يقفوا حجر عثرة في وجه التغيير واستحقاقاته المختلفة. من هنا فإن الفرضية الضمنية والواضحة في الوقت نفسه التي ينطلق منها الكتاب تقوم على القول بأنه إذا ما تمت تبرئة ساحة أمريكا واسرائيل مما حاق بالعالم العربي في العقود الماضية، فإن التحليل لا بد وأن يتوجه صوب اتهام العرب أنفسهم، سواء أكانوا ساسة أو حكاماً أو شعوباً. وتأسيساً على هذه الفرضية يستبيح الكتاب عبر ما يزيد على المائتي صفحة العرب، حاضرهم وماضيهم ومستقبلهم، الشعوب والحكام والساسة، الثقافة والدين والمعتقدات، الرجال والنساء والأطفال.

وربما تمنحنا عينة من تساؤلات الكتاب الحمقاء تصوراً عن حجم الاستباحة والتشفي الموجهين للعرب والمسلمين: لماذا أصبح الإرهاب خبز العرب؟ هل يعيش العرب الآن في ظلام القرون الوسطي؟ لماذا أصبح العرب الآن عصيين على التطبيع؟ هل صحيح أن العرب لا يحسنون الاقتراع بقدر ما يحسنون الاتباع؟ لماذا العجب بعد أن فعلنا العجاب؟ ماذا يحدث في عالم السحر والشعوذة والجان عند العرب؟ هل العرب مسلمون؟ هل حقاً ان القرضاوي داعية وسطي معتدل؟... إلخ من مثل هذه التساؤلات التي تنطلق من رؤية ثبوتية تلصق بالعرب والمسلمين كل ما هو سلبي وشائن ومضاد للحضارة الانسانية.

يبدو العرب في كتاب النابلسي كتلة واحدة جامدة صماء، ربما أقرب للتكوين البيولوجي الغير خاضع للتحولات الاجتماعية والتاريخية والتحولات الحضارية المختلفة. وطالما انطلق النابلسي من بيولوجية العرب وثبوتيتهم، فإنه يمكنه في هذه الحالة أن يسقط عليهم كل الأوصاف التي تراوده وتشفي غليله في الانتقام منهم، تحت مظلة تحديثهم وتطويرهم. ووفقاً له فالعرب أمة بلا عقل، فقدوا إيمانهم النقي بالله، وأصبحوا عبيد الطواطم الدينية الدموية وليسوا عبيد الله، كما أنه لم يوجد في سائر الحضارات، ولا في الأديان كافة، ولا في كل الثقافات، من احتقر المرأة كما احتقرها العرب، كما أن العرب غلب على طبعهم كراهية الآخر، وعداوة الآخر، واحتقار الآخر، وتكفير الآخر، كما أنهم لم يستغلوا فرصة وجود الحملة الفرنسية على مصر للاستفادة من تعاليم الحضارة الغربية، إضافة إلى أشكال الاستعمار الأخري البريطاني والأمريكي، ناهيك عن الإسرائيلي. هذه مجرد عينة من تحليلات النابلسي التي يوجهها للعقلاء في العالم العربي، وأحمد الله هنا أنني من الحمقي الذين لم تنطلي عليهم كتابات النابلسي وغيرهم من أقرانه أصحاب الخطاب المكرس لمزايا الاستعمار وحسناته.

ينطلق النابلسي من رؤية ملتبسة يغلب عليها واحدية التوجه، فماضي العرب بالنسبة له يشبه حاضرهم، الذي سوف يتماثل مع مستقبلهم، هذا إذا لم تواصل أمريكا تدخلاتها العسكرية وغير العسكرية في المنطقة العربية؛ فدعوة النابلسي الواضحة من خلال كتابه هي في النهاية دعوة للالتحام الحقيقي بالآخر المستبد الغازي. في هذا السياق، يخلو خطابه من كلمات مثل المقاومة والندية والذات والهوية والشخصية العربية، فهذه المسميات وفقاً له قد أصبحت عبثاً وعبئاً من رموز الماضي، التي ينبغي التخلي عنها إن أردنا التقدم والتطور. ولا يخفي النابلسي ترحيبه المطلق بالدور الأمريكي في العراق، كما أنه لا يخفي إشادته بشارون وما منحه لمحمود عباس؛ ففي تقدير النابلسي أن الدولة الفلسطينية على سبيل المثال قد أصبحت أقرب للتحقق من أي وقت مضي، في ظل الكرم الأمريكي والإسرائيلي، وبعد غياب الرجل العقبة في مسيرة الدولة الفلسطينية، أي ياسر عرفات، على حد زعم النابلسي!!

إضافة إلى ذلك، تحفل كتابات النابلسي بمغالطات تاريخية كثيرة تصب في النهاية في تبرئة الآخر الأمريكي الإسرائيلي، حيث تهيل التهم المتراكمة على أكتاف العرب، الذين رفضوا تقسيم فلسطين، مع أن العالم قد قبل بذلك واعترف باسرائيل. كما أنهم ورغم هزائمهم المتتالية على أيدي الإسرائيليين، لم يقبلوا الدخول في مفاوضات السلام المعروضة عليهم من قبل الإسرائيليين. لقد عاش العرب، وفقاً للنابلسي، في أوهام خطابات المقاومة العربية الناصرية والبعثية والقومية والإسلامية... إلخ من مثل هذه الغيبيات التي ارتمي في أحضانها العرب، الذين يؤمنون بالسحر والجان بإفراط لا مثيل له في العالم، رافضين الأيدي الإسرائيلية الممدوة بالسلام كما يقول النابلسي.

لا يمثل النابلسي حالة فريدة وشاذة في الخطاب العربي المعاصر، قدر ما يعبر عن فصيل جديد متمترس ومتحصن بالحصانة الأمريكية والإسرائيلية. هذا الفصيل يلغي التاريخ والنسبية ويتمتع بقدر كبير من الحمق الذي يؤهله لتزييف الحقائق، ولوي عنق التاريخ، وترديد بذاءات الآخر.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملف التوريث في العالم العربي
- -هاي- سذاجة أمريكية!!
- ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
- يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
- الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
- حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
- صدام حسين، تاريخ الانقلابات
- اختزال واقع المرأة العربية
- -عراق على الوردي وثقافة -الكسار
- أنماط معاصرة من المثقفين
- ثقافة المفتاح العربية
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صالح سليمان عبدالعظيم - من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة