|
اليسار العراقي والحزب الشيوعي
سعاد خيري
الحوار المتمدن-العدد: 1771 - 2006 / 12 / 21 - 12:21
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
يجري نقاش على صفحات الحوار المتمدن لهذا الموضوع الحيوي الذي تفرضه الظروف الذاتية والموضوعية التي تمر بها حركة اليسار العراقي وطليعتها الحركة الشيوعية العراقية والتي هي نتيجة حتمية لما تعرض له شعبنا من انقلابات وحروب وانظمة عسكرية ودكتاتورية وفقا لمخططات الامبراطوريات الامبريالية وصولا الى هيمنة القطب الاكبر للعولمة الراسمالية. فلا يمكن تناول هذا الموضوع بمعزل عن التطور التاريخي لكل من الحركة اليسارية العراقية والحزب الشيوعي العراقي ، ودون اغفال انه وليد الحركة اليسارية التي نشأت مع دخول علاقات الانتاج الراسمالية بلدنا من خلال قوات الاحتلال البريطانية وليس نتاج تطور طبيعي لعلاقات الانتاج في العراق. وتطورت مع تطور علاقات الانتاج هذه. ونشأت الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال، وكانت ثورة العشرين اول تجربة كفاحية لها . ولم تكن الظروف الذاتية ولا الموضوعية تؤهلها لتحقيق نصر حاسم على الامبريالية البريطانية. فقد كانت بقيادة الوطنين من رجال الدين ورؤساء العشائر وعدم نضوج الحركة الثورية على الصعيد الوطني والعالمي. وفي خضم النضال الوطني تطورت الحركة الوطنية وتم تأسيس العديد من الاحزاب الوطنية. كما تطورت الطبقة العاملة الجديدة في المشاريع الامبريالية الكبرى ونشأت حركتها النقابية وتطور وعيها الطبقي والوطني. وتجسد هذا الوعي بوحدة نضال الاحزاب الوطنية والحركة النقابية في الاضرابات العامة التي قام بها شعبنا في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي. وتطور وعي ونضال الشعب الكردي من اجل حقه في تقرير المصير الذي تنكرت له القوات البريطانية واداتها الحكومات العراقية المتعاقبة وارتباط مصالحه مع مصالح عموم الشعب العراقي في التحرر من الامبريالية . وازاء الهجمات العسكرية والحملات التأديبية، والارهاب الذي مارسته قوات الاحتلال والحكومات المتعاقبة، ومساومة معظم الاحزاب الوطنية وقبولها بمعاهدة 1930 لقاء المساهمة في السلطة، شعرت القوى الوطنية والطبقة العاملة بحاجتها للقيادة السياسية. وهكذا نشأ الحزب الشيوعي العراقي كضرورة تاريخية لتطوير الحركة الوطنية وحركة الطبقة العاملة ، تنظيميا وسياسيا وطبقيا وفكريا، وتطور في احضانها . واستطاع الحزب الشيوعي باسترشاده بالماركسية صياغة استراتيجيته الوطنية وتاكتيكاته وفقا لمتطلبات كل مرحلة من مراحل النضال. وقاد نضالات شعبنا ضد الهيمنة الامبريالية بالارتباط بالنضال من اجل الديموقراطية والتقدم الاجتماعي لعموم الشعب العراقي وحقق مع قوى شعبنا اليسارية ، اهم الانتصارات ولاسيما انتصار ثورة 14/تموز/1958، وعانى معها من كل الانتكاسات والكوارث ، بل وتحمل القسط الاكبر من التضحيات. وكان لكل ذلك تأثيره على كيان الحزب وتركيبته وبالتالي على مستواه الفكري والسياسي والتنظيمي. واليوم اذ يواجه شعبنا كل ضراوة اعداء البشرية واكثر قواهم تسليحا ، واستمرار فتكها لما يقرب من اربع سنوات، الى جانب تطورتجارب معظم قوى شعبنا في ممارسة مختلف اشكال النضال السلمي وحتى المسلح في مقاومة قوات الاحتلال وادواتها اخذت جماهير شعبنا تشعر بحاجتها الملحة لقيادة الحزب الشيوعي العراقي باستراتيجيته الوطنية التي تربط بين مقاومة قوات الاحتلال والنضال من اجل حقوق جماهير الشعب الديموقراطية والمعاشية والعمل على توحيد جميع القوى بغض النظر عن الانتماء القومي والطائفي والسياسي. وازاء هذه الضرورة الملحة ظهرت العديد من الاجتهادات بما فيها انهاء الحزب الشيوعي العراقي والاعتماد على قوى اليسار وتوحيدها في تنظيم واحد. ولا يخفى على القاريء النظرة الوحيدة الجانب لهذا الاجتهاد في الغاء الوحدة بين الكل والجزء المتميز من الناحية الفلسفية. فالحركة الشيوعية هي الجزء المتميز من الحركة اليسارية الوطنية والعالمية، لانها مسلحة بارقى فكر ونهج علمي وثوري ، الماركسية. وهي لذلك القادرة على الربط بين اهداف جميع قوى اليسار وتوحيد صفوفها بغض النظر عن الانتماء القومي والديني والطائفي وحتى السياسي، والقادرة على دعمها بالكوادر الناضجة وتطويرها وتنسيق جهودها في النضال من اجل تحرير شعوبها وتحرير البشرية. كما يعاني هذا الاجتهاد من الفصل بين العوامل الذاتية والموضوعية، بالغائه للتطور التاريخي للشعب العراقي فضلا عن التطور الطبقي على الصعيد الوطني والعالمي. وبذلك يرجع هذا الاجتهاد الحركة الثورية في العراق قرن الى الوراء . وبذلك يلتقي مع مخططات العولمة الراسمالية وقطبها الاكبر الامبريالية الامريكية التي بقيت تحلم بالقضاء على الحركة الشيوعية الوطنية والعالمية. كما ظهرت اجتهادات اخرى تحرض الشيوعيين المعارضين لسياسة الحزب الشيوعي العراقي الحالية على ترك صفوف الحزب، دون ان تقدم البديل لقيادة الحركة الثورية العراقية من اجل انقاذ شعبنا من الكوارث التي يعيشها. تارة بحجة عدم تحملهم مسؤولية نتائج هذه السياسة ، وتارة ان البقاء في صفوف الحزب يقوي مراكز القوى المهيمنة على صنع هذه السياسة.. وقد ادى هذا الاجتهاد الى تخلي الكثير من كوادر الحزب عن مسؤليتهم التاريخية ازاء شعبنا في التخلي عن النضال المنظم بين صفوف الجماهير وفي داخل الحزب من اجل ان يرتقي بسياسته وفكره الى المستوى المطلوب لانجاز رسالته التاريخية في تحقيق وطن حر وشعب سعيد ومن خلال ممارسة جميع حقوقه التي يفرض الواقع تطويرها بترجيح الديموقراطية على المركزية. في حين سعى الكثيرين الى تشكيل مختلف التكتلات تحت مختلف الاسماء ، دون ان تتمكن من توحيد صفوفها لان منطلقاتها ذاتية وليست موضوعية . ومع ذلك فالظروف الموضوعية المرتبطة بمتطلبات المرحلة الحالية على الصعيد الوطني والعالمي ومستوى وعي شعبنا وغزارة تجاربة التاريخية بقيادة الحزب الشيوعي ، وتصاعد نضال جميع القوى المناهضة للاحتلال بما في ذلك تطور نضال نقابات العمال ليس من اجل ضمان حقوقهم المهنية ومن اجل مكافحة البطالة فقط، بل وفي النضال ضد سن قانون استثمار النفط العراقي الذي تسعى قوات الاحتلال لسنه قبل نهاية هذا العام لضمان احكامها الهيمنة على ثرواتنا النفطية. وتصاعد نضالات المرأة العراقية من اجل درء الهجمة الرجعية بقيادة جميع القوى والمليشيات الطائفية، على حقوقها وكشف زيف الحريات والمساواة التي تبجحت قوات الاحتلال بمنحها للمرأة من خلال حصتها في البرلمان الذي لم يجرأ على تحدي مخطط واحد لقوات الاحتلال وفي الحكومة التي لا تجرؤ على تحريك أي من قوى الامن لحماية المرأة من القتل والاغتصاب في بيتها او دائرتها او في دوائر امن الدولة. ويتصاعد ايضا نضال الطلبة التي اغلقت معظم مدراسهم وكلياتهم بسبب عجز الحكومة عن تحقيق الامن لها وبعد قتل المئات من كوادرها التربوية والعلمية المتقدمة وتهجير الالاف. وتصاعد نضالات الشبيبة من اجل فرص العمل واغلاق المجال الوحيد الذي فتحته امامهم قوات الاحتلال وفرق الامن الخاصة والمليشيات لكسب العيش من خلال ممارسة القتل . وصمدت حركة المقاومة الوطنية ازاء هجمات الابادة بالطائرات واستخدام مختلف الاسلحة بما فيها المحرمة دوليا وازاء الاغراءات بالاموال والمناصب سواء من جانب قوات الاحتلال او القوى الارهابية الطائفية او البعثية. وتجد كل من هذه القوى اليساريةعدم قدرتها على تحقيق نصر حاسم في أي مجال من مجالات نضالها بدون قيادة سياسة قادرة على توحيد صفوفها واهدافها وقيادة نضالها ، كما سيجد الشيوعيون العراقيون ان دورهم الطليعي بل وجودهم رهن بالالتزامهم باستراتيجيتهم الوطنية وتطوير اساليب ووسائل كفاحهم والتعلم من الجماهير وتعليمها لكي يحققوا رسالتهم التاريخية في تحرير شعبهم والمساهمة في تحريرالبشرية ، هذه الرسالة التي تستحق بذل كل الجهود والتضحيات من اجل تحقيقها.
#سعاد_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاهمية الآنية لتجربة حركة الانصار الشيوعية ضد النظام الدكتا
...
-
تغييب الاستراتيجية الوطنيةالسبب الرئيس لفشل جميع مؤتمرات الم
...
-
اليسار والحركة الشيوعية الوطنية والعالمية
-
احتجاجات جلال الطالباني على تقرير بيكر هاملتون بعضها حق يراد
...
-
تقرير بيكر هاملتن يضع الصيغة القانونية لتحويل العراق الى محم
...
-
رد على رسالة الرفيق ابو ذر ياسر
-
تعتبر الادارة الامريكية اليوم ان الحرب الاهلية في العراق الو
...
-
رسالة شكر لكل من قدم ويقدم لي النقد
-
بقاء دولة العراق ووحدته هو التحدي الاكبر والاول اليوم امام ك
...
-
مستلزمات المرحلة الراهنة
-
هذا العراق وهذه ضرباته كانت له من قبل الف ديدنا
-
تطور نوعي للحركة النقابية العالمية وللعولمة الانسانية CSIتكو
...
-
تشيني يفضح سياسة الادارة الامريكية الفاشية في العراق
-
الحوار المتمدن في عيده الخامس
-
رسالة مفتوحة لصحيفة المشترك الالكترونية الموقرة
-
العراق ليس فيتنام
-
لايمكن للادوات السياسية والايديولوجية انقاذ الاحتلال الامريي
...
-
هل يكرر بوش هزيمة الامبريالية الامريمية في عصر العولمة
-
اسئلة مفتوحة الى سيادة حميد مجيد
-
مساهمة ارستقراطية الطبقة العاملة في خطة قوات الاحتلال قي افر
...
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|