أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحسين شعبان - فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي (الحلقة الرابعة)















المزيد.....

فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي (الحلقة الرابعة)


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 8068 - 2024 / 8 / 13 - 10:34
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    



التسامح: حصاد الفصول

IV

(الحلقة الرابعة)

للأسف فإن الحديث عن التسامح ما يزال في بلداننا مبعث ارتياب لدى الكثير من النخب الفكرية والثقافية والسياسية العربية بوجه عام، وتعود أسباب ذلك إلى الاستقطابات السياسية الحادة وأبعادها الإقليمية والدولية، وإسقاطاتها الحالية على الواقع، إضافة إلى أن جزءًا منها يتعلق بالفهم القاصر والمحدود لمعنى التسامح ومبناه، ناهيك عن توظيفاته الإغراضية في الكثير من الأحيان(1).
وقياساً على الدراسات والكتابات التي عرفها الغرب (2) عن التسامح والمعالجات التي أعقبت الاحترابات والنزاعات الدينية والطائفية، التي عاشتها أوروبا لدرجة النزيف البشري، المادي والمعنوي، تم التوصل بالتدرّيج وبعد معاناة، إلى أن يصبح التسامح حالة قانونية بعد أن كان حالة دينية ومن ثم حالة ثقافية، مقرونة ببعد أخلاقي وسياسي، في حين أننا ما زلنا حديثي عهد، بخصوص تقبّل التسامح في ظلّ استشراء التعصّب وتفشّي التطرّف وانتشار الغلو، ناهيك عن الالتباس الذي تسبّبه الدعوة للتسامح، خصوصًا وأن البعض يربطها بالصراع العربي – "ألإسرائيلي"، الذي هو موضوع آخر تمامًا، لأنه يتعلّق بالوجود والأرض والحقوق.
وتفصلنا عن فكرة التسامح "الأوروبية" أكثر من ثلاثة قرون من الزمن، إذا اعتبرنا رسالة جون لوك حول التسامح تاريخاً لنشر الفكرة، لاسيّما في ظل انقطاع العرب والمسلمين عن تراثهم، الذي عَرف نماذجًا زاهرةً من التسامح، مثلما عَرف تاريخاً دامياً من اللّاتسامح، كما هو الغرب أيضاً في إطار السياق التاريخي لجميع المجتمعات.(3)

V
إذا أردنا الحديث عن فكرة التسامح بمعناها المعاصر، فلم تعد واجباً أخلاقياً وسلوكياً أو مبادئ ودعوات دينية أو سياسية فحسب، بقدر ما هي واجب قانوني لإقرار التعايش والتعددية والتنوّع وحق الاختلاف والدعوة للمشترك الإنساني، فلا بدّ من بحثها في إطار التطور الدولي، وخصوصاً في المباحثات التي سبقت وهيّأت لقيام الأمم المتحدة، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، الأمر الذي يستوجب الحديث عن الفكرة وفهم حيثياتها القانونية وخلفياتها الفكرية ومرجعياتها النظرية، إضافة إلى تطبيقاتها الفعلية.
وبعد صدور ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو 26 حزيران (يونيو) العام 1945 ومن ثم صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948، بدأت ثقافة التسامح تنتشر شيئاً فشيئاً ويتعزز رصيدها، خصوصاً بتأثير الحرب العالمية الثانية التي أزهقت أرواح نحو 60 مليون إنسان، وألحقت خسائر مادية ومعنوية بعموم سكان الأرض، وصولاً إلى صدور إعلان اليونسكو بشأن التسامح العام 1995، حيث أخذت بعض الدراسات والأنشطة المحدودة تجد طريقها إلى العالم العربي، لاسيّما في العقود الثلاثة المنصرمة، لكن تأثيراتها سواءً على الصعيد الفكري أم الثقافي، كانت مقتصرة على نخب قليلة ومحدودة، ناهيك عن ضعف مفاعيلها على الصعيد الاجتماعي والديني، بحكم ضعف البيئة القانونية والتربوية والتعليمية، سواءً على صعيد الدولة أم المجتمع أم الفرد.
ومع ذلك فإن هناك أكثر من فهم لفكرة التسامح، ومثل هذا الفهم المتناقض يؤدي إلى نتائج متعارضة بالطبع. فالفهم النيتشوي(4) الذي لا يزال سائداً يعتبر " التسامح إهانة للآخر"، علمًا بأن استمرار حالة اللّاتسامح يخلق مثل هذا الانطباع، وقد لمّح إلى ذلك البابا بنيديكتوس السادس عشر في خطابيه في لبنان، في القصر الجمهوري وفي الإرشاد الرسولي، حين عبّر عن تخوّفه من أن يؤدي التسامح إلى التطرّف والإساءة للآخر، في حين أن المطلوب هو الاعتراف بالآخر وبالمساواة والمواطنة، وفعلياً للانتقال لما بعد التسامح(5).
وكان الشاعر الكبير أدونيس قد عبّر عن فهم مقارب لفكرة التسامح في أكثر من مناسبة بإعلان تحفظه إزاءها، وقد أبدى ملاحظة على فكرة التسامح التي أوردتها في بحثي، الذي قدّمته في دبي عند افتتاح مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، بعنوان: التنوّع الثقافي في المجتمعات العربية (2007)، ومثل هذا الفهم لا يزال قوياً لدى العديد من النخب الفكرية والثقافية والسياسية العربية، بعيداً عن الفهم المعاصر لفكرة التسامح، لاسيّما تلك التي وردت في إعلان التسامح الصادر عن اليونسكو.(6)



الهوامش:
1. انظر: الحلقة النقاشية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت والموسومة " في الحاجة إلى التسامح"، في 28 شباط (فبراير) 2013 وشارك فيها بأوراق عمل بحثية كل من : د. علي أومليل ود. رضوان السيد وكاتب السطور.

2. نشير إلى بعض الدراسات التي صدرت بخصوص التسامح خلال السنوات الأخيرة فقط:
D. A. Carson, The Intolerance of Tolerance (Grand Rapids, MI: William B. Eerdmans Pub, 2012) .


Matthew McKay, Jeffrey C. Wood and Jeffrey Brantley, The Dialectical Behavior Therapy Skills Workbook: Practical DBT Exercises for Learning Mindfulness, Interpersonal Effectiveness, Emotion Regulation and Distress Tolerance (Oakland, CA: New Harbinger Publications, 2007).
Jordan Postlewait , Tolerance, illustrated by Walker Gable ( Monroe, lowa: Mirror Publishing, 2009(
Josh McDowell and Bob Hostetler, The New Tolerance: How a Cultural Movement Threatens to Destroy You, Your Faith, and your Children (Wheaton, IL: Tyndale House, 1998)
Lynne Truss, Eats, Shoots and Leaves: The Zero Toleration Approach to Punctuation ( New York: Gotham Books, 2006)
James D. Meadows, Tolerance Stack-up Analysis (Hendersonville,TN: James D. Meadows, 2010) Chris Mars, Tolerance: The Art of Chris Mars (San Francisco, CA: Last Gasp, 2008)
Brad Stetson and Joseph G. Gonti The Truth About Tolerance: Pluralism, Diversity and the Culture Wars, ( Downers Grove, IL: Inter Varsity Press, 2005)
Wendy Brown, Regulating Aversion: Tolerance in the Age of Identity and Empire (Princeton, NJ: Princeton University Press, 2008)
Joseph Cardinal Ratzinger (Benedict XVI), Truth and Tolerance: Christian Belief and World Religions, translated by Henry Taylor (San Francisco, CA: Ignatius Press, 2004) and Scott Lobdell (et al.) X-Men: Operation Zero Tolerance (New York: Marvel, 2012).

3. يمكن الوقوف، بما يخص جذور التسامح في التاريخ العربي – الإسلامي، عند حلف الفضول ودستور المدينة وصلح الحديبة والعهدة العمرية ووثيقة فتح القسطنطينية، إضافة إلى السيرة المحمدية وسيرة الخلفاء الراشدين. وتلك النماذج ناقشها الباحث في متن هذا الكتاب.


4. فريدريك نيتشة (1844 – 1900)، هو فيلسوف وناقد وشاعر ومؤرّخ لغوي ألماني، انشغل بفلسفة الجمال وعلم الأخلاق والنفس والحداثة، وقدّم آراءً جديدةً حول تشكّل الوعي والضمير والموت. ومن كتبه المشهورة "هكذا تكلّم زرادشت"، و "ما وراء الخير والشر"، و "هو ذا الإنسان"، وقد أعلى من النزعة الفردية، واعتبر وجود المجتمع هو الذي يخدم الأفراد المتميزين، وكان قد تأثّر بالفيلسوف شوبنهاور والموسيقي فاغنر. ومن أقواله التي أرددها مع نفسي "دائمًا يوجد في بعض الجنون حب، ولكن دائمًا يوجد بعض المنطق في الجنون"، و"القناعات الراسخة أكثر خطورة على الحقيقة من الأكاذيب" و"الجمال لا يتسلّل إلّا همسًا للأرواح اليقظة" و"نحن نحب الحياة لا لأننا تعوّدنا عليها، بل لأننا تعوّدنا على الحب".

5. انظر كذلك: كلمة البابا بنيديكتوس السادس عشر في بكركي، لقاء الشبيبة ، لبنان ، 15 أيلول (سبتمبر) 2012.


6. أنظر بحثنا: هل التسامح مصدر غنى أم فتيل أزمات؟ دبي، 28 - 29 تشرين الأول / اكتوبر 2007. الجدير بالذكر أن الفهم النيتشوي لفكرة التسامح يقوم على أن ثمة هناك أعلى وأدنى وأن التسامح هو من أخلاق الضعفاء، فالضعيف يسامح لا لأنه يمتلك خلقًا رفيعًا لكن لأنه ضعيف ولا يستطيع الانتقام ويفضّل السلم لا حبًا به، بل لأنه لا يقوى على الحرب.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي (الحلقة الثالثة)
- عبد الستار الدوري: السياسي العصيّ على التصنيف (الحلقة الثالث ...
- فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي (الحلقة الثانية)
- فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي (الحلقة الأولى)
- من أوراق نوري عبد الرزّاق: المثقّف الكوني وبداياته الوطنية
- عبد الستار الدوري: السياسي العصيّ على التصنيف (الحلقة الثاني ...
- شذرات من ذاكرة كردستانية (الحلقة الأولى)
- عبد الستار الدوري: السياسي العصيّ على التصنيف (1)
- الإضاءة في -المقدّمات- وهوية الشعر في -جواهر الجواهري-
- شمران الياسري- أبو گاطع- وأدب السخرية
- في جدليات الحركة الشيوعية: مقدمة كتاب د. علاء الحطاب -خطى ال ...
- الهويّة بين النظرة التفريقية والمساواتية
- قلم السياسة مغمّس بحبر الثقافة - مقدمة كتاب عالية فريد
- لمناسبة رحيل صلاح عمر العلي
- بعقلين و بعذران ودار النهار وعموم الشوف تحتفي بمظفر النواب و ...
- محمّد صادق الصدر - ملف الاغتيال السياسي: ثلاث زوايا في استهد ...
- ألق الذاكرة التي لا تأفل - الجواهري بجواهره..شعبان بخزائن مع ...
- قمة المنامة و ما ينتظرها
- من يتذكّر باقر ابراهيم؟
- غزة وبوصلة بعض المثقفين الغربيين


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحسين شعبان - فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي (الحلقة الرابعة)