|
سوريا: كذبة وخرافة الوحدة الوطنية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 8068 - 2024 / 8 / 13 - 00:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"واحد، واحد، واحد: الشعب السوري واحد"، لطالما تحوّل هذا الشعار الساحر الجميل إلى نكتة، وربما كان واحداً من أسخف وأكذب الشعارات وأكثرها طوباوية وخواءً وضحكاً على الذقون التي رددها جمهور ما يسمى بـ"الثورة السورية"، (ربيع إخوان أردوغان)، ليس لجهة أن من كان يردد تلك الأهزوجة هم حفنة من الغوغاء الدعاديش والمرتزقة المأجورين الإسلاميين الطائفيين الذين لا يعترفون بسوريا، أصلاً، ولا بالتعددية، ولا علاقة لهم لا بوطن ولا بوطنية، إنما لأن لا أرضية ماديّة واقعية وحقيقية عملية ومجتمعية ودستورية ووطنية للشعار نفسه. فحقيقة الأمر أن المجتمع أو الكيان السوري الهش والهزيل هو عبارة عن كتل وكوكتيلات وخلائط بشرية متعددة الأعراق والانتماءات والطوائف والمذاهب والمناطق والإثنيات والقوميات واللهجات والخصائص الديمغرافية المتنوعة والمتعددة حد الفلتان، وهذا التنوع والاختلاف ليس عيباً بحد ذاته وربما كان ميزة وطنية أسطورية، لكن حين يصل الأمر لسوريا وسوريا سيصبح آفة وعلة مرضية مع حمولة وموروث ثقافي ثقيل، وكان سيصبح محفزاً على النهوض والارتقاء الوطني العام فيما لو تم إيجاد صيغة وطنية ودستورية وقانونية جامعة مانعة كي تتعايش معظم هذه المكونات بأمان وسلام، وحين وصلت التراكمات حد الانفجار في العام 2011 بانت عيوب، وخواء وطرافة ذاك الشعار الأجوف، ومن المفارقات الكبيرة، أن تضمينات الشعار كانت أحد سبب فشل وهزيمة واندحار الثوار "الطائفيين، فلو كان الشعب السوري واحداً فعلاً، لسقط وانهار النظام خلال ساعات، لكن حدة التناقضات والتباينات القائمة بين المكونات، والتباعد وربما التنافر في حالات، والتوجسات العميقة والهواجس المتبادلة منعت أي حسم أو انتصار أو إنجاز لمن يسمون أنفسهم بـ"الثوار"، وهو ما لم يضعه هؤلاء بالحسبان. فاختلاف الثقافات، والطوائف والأعراق والمذاهب والمناطق وتعددها، والحالة المجتمعية الموروثة، والثقافة المجتمعية القائمة ، مع خلطة و"جبلة" مركبة من الصراعات السياسية، وعدم وجود قوانين علمانية ودستور ومرجعيات قانونية ووطنية تصهر كل تلك المكونات في بوتقة واحدة، تحميها وتكفل حقوق الجميع، عمـّق الانتماءات المناطقية والطائفية والمذهبية والعرقية، وصلت حد التنمر والاستعلاء والفوقية والعنصرية عند بعض المكونات وأن يسخر مكون من مكون آخر ويهزأ به ويستخفه، ما جعل من الوحدة الوطنية مجرد خرافة وأكذوبة كان يعيشها الإعلام التضليلي وتجترها ألسنة وأبواق هنا وهناك، فيما ساعدت التركيبة الجغرافية العجيبة والغريبة في نكء المزيد من جراح هذا الواقع المرير، إذ تكاد تكون كل محافظة ومنطقة سورية "دولة" مستقلة بحد ذاتها، ديمغرافياً، وعرقياً وتركيبة ثقافية، و"لغوية" (لهجة خاصة بها وأحياناً تحتاج لمترجم فيما بين محافظتين سوريتين متجاورتين)، وتختلف كلياً عن جارتها، فترى محافظتين متجاورتين مثلاً كحمص وحماه، أو درعا والسويداء، أو حلب وإدلب، تتباين ثقافياً وعرقياً وطائفياً، وتشعر في كل واحدة بأنك في قارة مختلفة. ولقد انعكس هذا الواقع الديمغرافي المناطقي على حياة السوريين في كل صعيد ومكان، وعلى غير مستوى، وصحيح أن المجتمع منقسم طبقياً،، وككل مجتمعات الكون، أفقياً وعامودياً، وبشكل طبيعي، لكن على الصعيد الوطني العام والعرقي والطائفي والمذهبي والموروث المجتمعي كانت الفوارق والتباينات، أصعب بكثير من أن تجمع السوريين ليصبحوا شعباً واحداً كما جاء في ذاك الشعار السطحي اللئيم السخيف. فمثلاً، ووقتما كنا بالجامعة وبالغربة وبالجيش بالدورة، وفي معظم التجمعات التي تتطلب تواجداً من كافة المحافظات، كانت مثلاً، جماعة "الشوام" ينعزلون لوحدهم فيما يشبه "غيتو" مصغر، ويتكتلون مع بعض، والحلبية كذلك، والحوارنة بجهة، والأدالبة كذك، والرقاوية، والديرية، والدروز، والمسيحيين والأكراد والنصيرية كانوا كذلك، غير أن الشهادة لعشتار كان أبناء العشيرة الكلازية لوحدهم، وأبناء العشيرة الحيدرية في حال، ومن المضحكات المبكيات كان السوري حين يتخرج السوري من الجامعة أو أية دورة ومن الجيش يسعى دائماً لـ"الفرز" والخدمة والعمل في منطقته ومحافظته ويتجنب الاغتراب والغربة في "محافظة". وبكل أسف ساعدت سياسة "المحاصصة" المناطقية والطائفية وأحياناً العشائرية التي انتهجتها الدولة بشكل عام في توزيع المناصب والكراسي وتقسيم كعكة السلطة في تكريس وربما مأسسة هذا الواقع، بدلاً من اعتماد معيار الكفاءة والخبرة والتخصص التكنوقراطي والوطنية والسمعة الحسنة في العمل العام، وبعيداً عن أي اعتبار آخر، وهذا حاصل ويحصل اليوم، مع أهم مؤسسة تشريعية وطنية وهي مجلس الشعب حيث معايير عضويتها هي الجهوية والمناطقية وووو. وحين هرب قسم من هؤلاء السوريين ولجؤوا لأوروبا حملوا معهم ذات العلل والأمراض والموروثات إلى هناك وترى، اليوم، التجمعات المناطقية والطائفية والعرقية، في قلب المدن الأوروبية والأمريكية الكبرى. وأمّا، حين يصل الأمر للزواج والتزاوج بين السوريين، يصبح الأمر مرعباً ومخيفاً جداً، ونادراً ما تحصل عمليات تزاوج ومصاهرة بين هذه المكونات المتنافرة والخائفة والمتوجسة من بعضها، فمن النادر جداً أن يتزوج سني من علوية أو العكس علوي من سنية، وقد يعتبر وصمة عار ويتسبب بمقاطعة أهلية لصاحبه، أو درزي من سنية، أو علوي من مسيحيةـ أو عربي من كردية، أم مثلاً مسيحي من سنية (أم الكبائر وأمر مستحيل لا أعتقد أنه يحصل)، لا بل إن زواج حلبي سني، مثلاً، من سنية شامية قد يثير الاستغراب أحياناً، وحتى زواج نصيري "علوي" حيدري مثلاً من قبل نصيرية "علوية" كلازية أو العكس قد لا يحصل ولا تتم الموافقة عليه من قبل البعض وقد يحظى بالرفض وبعض الاستهجان والاستنكار والعجب، بسبب النزعة العشائرية في المذهب الواحد، وترى قرى كاملة تحمل الجنسية والهوية الـ "كلازية"، وقرى تحمل الجنسية والهوية الـ"حيدرية"، مع استثناءات بالطبع فالأمر ليس بذاك السوء والعداء إنما تسيطر ثقافة المناطقية والجهوية والعشائرية والانقسامات والثقافة الموروثة التي تطغى وتتقمص كل المكونات ( هيك الله خالقهم)، لا بل هناك شبه تقسيم مناطقي بين مناطق العلويين أنفسهم بين "شميلي" (شمال اللاذقية حيث الغلبة للعشيرة الحيدرية)، و"قبيلي" (جنوب اللاذقية حيث التكتل الأكبر للعشيرة الكلازية التي تنقسم بدورها لعدة عشائر فيها عشائر محظوظة وناجية ومحبوبة ومقربة من الدوائر، إياها، وعشائر غير ذلك)، أما، مثلاً، زواج شاوي من حضرية فأمر شبه مستحيل، وحين يجتمع سوريان من محافظة ومنطقة وطائفة واحدة، فأول سؤال يتساءلانه عن سوري آخر ما هي طائفته ومذهبه ومن أين هو وما هي هويته الإثنية وانتماؤه؟ وحين كنا في الغربة في ما تسمى الدول العربية، كانت مهمة بعض السوريين هي النميمة و"الفسفسة" وإرشاد سلطات تلك البلاد وعسسها والبوح لهم بهويات وطوائف وانتماءات السوريين. هذا الأمر ربما لا تراه عند شعوب أخر وسيختلف جداً عن مجتمعات العالم المتحضر حيث ترى، مثلاً، أمريكياً صينياً بوذياً يتزوج من مكسيكية أمريكية كاثوليكية،0رغم أن الكثلكة خطاً أحمر هناك)، أو ترى إفريقياً أسمرَ ولادينياً أو وثنياً أو حتى مهاجراً شيعياً كينياً يتزوج من أمريكية بيضاء بروتستانتية من "الواسب WASP* " كما فعل حسين أبو عمامة المهاجر الكيني والد الرئيس الأمريكي الاسبق بركة (باراك) حسين أبو عمامة وهذا يحصل عند شعوب كثيرة ارتقت وتطورت، أما عند السوريين فالأمر شبه محظور ونادر الحدوث. نعم لقد كان الشعب المصري واحداً، والشعب الليبي واحداً، والشعب التونسي واحداً، وربما كان هذا وراء متوالية السقوط السريع والتداعي "الدومينوي" لتلك الأنظمة العسكريتارية الديكتاتورية البوليسية الريفية الهشة، شديدة الشبه بالوضع السوري، ولكن لم يكن هذا واقع الحال بسوريا، أبداً، فما يفرق السوريين، أكثر بكثير مما يجمعهم. نعم يا سادة: احمدوا ربكم واشكروه، أنكم لستم شعباً واحداً، وعسى أن "تحبـّوا" شيئاً وهو ليس شراً لكم. *الـ WASP: هم الـ ًWhite Anglo-Saxon Protestant المصنفون عرقياً رقم واحد هم خلاصة وعصار وأحفاد المهاجرين البروتستانت المؤسسين لأمريكا...
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا: غزوة الضباط الأحرار
-
عيد الغدير: أعظم أعياد العلويين(النصيرية)
-
خرافة أمة المليار
-
ال DNA وخرافة خلق الله
-
الكسوف والخسوف: أكبر دليل على عدم وجود الله
-
من هو التكفيري والعنصري إسرائيل أم ثعابين حماس؟
-
C/V لمسؤول بدولة فاشلة
-
أعياد النصيرية -العلويين- بين الأمس واليوم
-
يسقط حكم للعسكر
-
روسيا: نمر من ورق
-
أيها الجنرالات: كفى عودوا لثكناتكم
-
تدشين الحنفية والفشخرة البعثية
-
فقعة ضوء: الله لا يرحمك ولا يرحمه
-
لغدير: أقدس أعياد النصيرية -العلوية-
-
الغباء الوطني والعقل الترللي
-
طوني خليفة والمستشار الحردان: كيف يصبح الحذاء عمامة؟
-
كذبة وخرافة الوطن العربي
-
قراءة اولية في التشكيلة الوزارية التركية
-
خرافة الديمقراطية العلمانية بالمجتمعات الدينية
-
استنزاف بوتين: تكتيكات واستراتيجيات الحرب
المزيد.....
-
-معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا
...
-
-القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك
...
-
من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف
...
-
جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا
...
-
فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
-
براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ
...
-
تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد
...
-
إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
-
زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد
...
-
أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|