|
قضاء نزيه أساس التنمية - ج: الأول
إحسان البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:43
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
راهن المغرب منذ فجر الإستقلال على إرساء اللبنات الأساسية لبناء دولة حديثة تقوم على أساس الديمقراطية و ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان ، و سمو القانون و سيادته على الجميع و يشكل القضاء أهم مرفق من المرافق العمومية التي حضيت بالإهتمام منذ الحصول على الإستقلال باعتياره المراة التي تعكس انشغالات المواطن ، و معيار تقاس به حضارة الأمة و رقيها . الملاحظ أن دور القضاء لم يعد ينحصرفي البث في النزاعات بين الطرفين أحدهما ظالم و الاخر مظلوم ، بل أصبح يلعب دورا مهما على مستوى تحقيق التنمية الشاملة و ترسيخ دولة الحق و القانون، فالعالم منذ 1989 ، أصبح يتكلم لغة اقتصاد السوق و هيمنة عولمة الإقتصاد و المغرب بمصادقته على اتفاقية الكات يكون قد أعلن انخراطه ضمن موجة التحولات التي يعرفها المجتمع الدولي. و لقد أصبحت العلاقة بين القضاء و التنمية أو التنمية و القضاء من الموضوعات التي تستأثر باهتمام مجموعة كبيرة من رجال الإقتصاد و القانون و السياسة و غيرهم من متتبعي الشأن العام، وقد عرف هذا الإهتمام محطتين رئيسيتين : الأولى : قبل 1956 و الثانية بعد 1956. - قبل 1956 خلال القرنين 18و 19 طرح الموضوع بحدة من خلال ما يسمى باتفاقيات الإمتياز التي تعطي امتيازات قانونية و قضائية للأجانب العاملين بالمغرب ، بحيث لم يكن لهذه الإمتيازات أساس غير الأساس الإقتصادي ، و ذلك بحجة أن الشريعة الإسلامية لم تكن ملائمة لحاجيات الجهات المستفيدة . وفي بداية القرن العشرين و عند إبرام إتفاقية الحماية طرح نفس المشكل بصفة رسمية و سجل كشرط من شروط إبرام هذه الحماية ، أي تحسين عطاء القضاء و هيكلته و ملاءمته لمتطلبات تحديث الدولة. - بعد 1956 : عاش المغرب طفرة مهمة شملت الجانب السياسي و الإقتصادي ثم فيما بعد الجانب الإجتماعي ، و لا يمكن إنكار ذلك الزخم القانوني الذي اتصل بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالإنسان كمواطن. و لكن هل الوضعية التي يعرفها القضاء المغربي تمكنه بالفعل من تحقيق التنمية؟ لماذا للقضاء دور في التنمية ؟ ما هو بالضبط الإطار المرجعي لهذه العلاقة ؟ أولا : الوضعية التي يعرفها القضاء المغربي: القضاء المغربي يعيش أزمة حقيقية ، و الدليل على ذلك الخطابات السياسية التي يطلع بها الحقوقيون للمطالبة بإصلاح القضاء ،على المستوى الوطني و البنك الدولي على المستوى الدولي ، في هذا الإطار هناك مجموعة من الوثائق التي تبرز العوائق التي تحول دون تنمية موازية في المغرب و على رأس هذه العوائق هناك الدور الذي يلعبه القضاء ، و يمكن الإشارة لبعض هذه الوثائق : 1-تقرير البنك الدولي لسنة 1992 : أهم ما انتهى له هذا التقرير ما يلي : • تأثير الوضعية المادية للقضاة على استقلال القضاء و نزاهة الأحكام . • سلطة وزير العدل في الإنتداب. • عدم استقرار الإجتهاد القضائي مما يعطي لكل قاضي إمكانية واسعة لتأويل النص القانوني. • ضعف البنية التحتية للمحاكم. • التأخر في تنفيذ الأحكام و الذي قد يستمر الى سنوات. • قلة كتاب الضبط و الموظفين داخل المحاكم . 2- تقرير البنك الدولي 1996 : أصبحت المعيقات التي أصدرتها تقارير البنك الدولي ذات صدى عالمي أثر بالأساس على الفاعلين الإقتصاديين. و بما أن المغرب اختار الإنخراط ضمن منظومة اقتصاد السوق ، و الدليل التوقيع على اتفاقية الكات و كذا اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي و أيضا المشاركة في مؤتمر برشلونة ، كل هذه المحطات فرضت على المغرب الإنفتاح على المجتمع الدولي و السماح للمستثمرين الأجانب الإطلاع على حالته ووضعيته في جميع المجالات . لهذا فإن تصريح شخصية أمريكية ذات أهمية في البيت الأبيض يكون له وقع كبير و ربما حاسم في جلب الإستثمار الأجنبي الى المغرب من عدمه. و غني عن البيان أن تصريحات بهذا الحجم لها وقع خطير على المستثمر الأجنبي الذي يشترط من أجل ضمان الأموال التي يستثمرها خارج وطنه أن تكون تلك الأموال محمية بجهاز قضائي نزيه كفء و فعال. تقرير وزارة الخارجية الأمريكية 1994: 4- اعتبرت مصادر من وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في العالم تأكيدا اخر على تدهور القضاء في المغرب. و معلوم أن التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يقدم كوثيقة أساسية للكونغرس الأمريكي ، باعتباره المهندس الرئيسي للسياسة الخارجية العامة ، و أكيد أن التقرير سيكون ذو تأثير سلبي على المستثمرين الأجانب و خصوصا الغربيين منهم. و قد اهتم هذا التقرير بظاهرة الرشوة التي انتشرت بشكل كبير في ميدان القضاء إذ ورد في فقرته الخامسة تحت عنوان: "الحرمان من المحاكمة العلنية النزيهة" ، ما يلي : "تخضع جميع المحاكم المغربية على ما يبدو لضغوطات من جهات غير قضائية و أجور القضاة هزيلة مما يجعل عديمي الضمير منهم يقبلون تسلم أموال في قضايا روتينية ..." فإلحاح وزارة الخارجية الأمريكية على ظاهرة الرشوة في القضاء المغربي تعتبر بمثابة الضربة القاضية لكل إمكانية جلب الإستثمارات الخارجية، فالمستثمر الأجنبي لا يفهم ما معنى أن تكون الرشوة منتشرة في جهاز يفترض أن يعاقب من يستولي على أموال الآخرين ، و المثير أن الوضع لحد الان لم يعرف أي تغيير ، وهو ما وقع تأكيده في تقرير وزارة الخارجية سنة 1997 ، حيث يتهم التقرير القضاة المغاربة بالرشوة بكل وضوح و لم يصدر أي تكذيب أورد من الوزارة المعنية (وزارة العدل) البحث الذي أعدته غرفة التجارة و الصناعة الفرسية : -5 كان الهدف من تكليف وزارة الدولة في الداخلية تكليف غرفة التجارة و الصناعة الفرنسية بإجراء بحث و استقصاء لاراء الفاعلين الإقتصاديين حول معيقات التنمية بالمغرب ، و قد أبان ذلك البحث عن الماخد التي يتخذها المستثمرون الأجانب على الإدارات و الأبناك أقل قوة من تلك التي يوجهونها للقضاء . فإذا كانت هذه المشاكل يعاني منها جهاز يفترض أنه يحمي الحقوق و يدافع عنها فأمام من يرفع المستثمر شكواه.؟ ثانيا : لماذا للقضاء دور في التنمية ؟ : عرف المغرب منذ بداية سنة 1989 تحولات سياسية لم تكن مرتقبة بالشكل و السرعة التي تمت بهما ، و قد أدت تلك التحولات إلى هيمنة نمط اقتصاد السوق أي إعطاء الأولوية المطلقة في التعامل التجاري و المالي للتوازن الذي قد ينتج عنه اصطدام العرض بالطلب ، هذه الإلتفاته الجديدة هي التي دفعت العالم للإسراع بالمصادقة على اتفاقية الكات بمدينة مراكش سنة 1994 ، باعتبارها الية لفتح الأسواق الوطنية على الشركات المتعددة الجنسيات. فاقتصاد السوق لا يعترف إلا بما قرره السوق من توازن العرض و الطلب ، و في المغرب تجلت هيمنة افتصاد السوق على جل القوانين التي تمت المصادقة عليها في الاونة الأخيرة كمدونة التجارة ، قانون الشركات و قاون المحاكم التجارية. فالأصل أصبحت هيمنة اقتصاد السوق ، مما يستوجب وجود جهاز قضائي كفء مؤهل و نزيه ، فلم يعد القضاء مطالبا بالقيام بالمهام الكلاسيكية المتمثلة في إنزال العقوبة بالمجرم و إنما فتحت له القوانين الأخيرة مجالات أوسع . دور القضاء في التنمية سيتأكد في المستقبل القريب -إن لم يكن قد تأكد- و إن عدم انتهاز هذه الفرصة في قيامه بمهامه على أكمل وجه سيؤدي حتما الى فقد المستثمر الأجنبي و المغربي أيضا نظرا لانعدام وجود حامي و ضامن لمصلحته. ثالثا : الإطار المرجعي لعلاقة القضاء بالتنمية : العلاقة بين القضاء و التنمية هي موضوع كوني وجد بوجود البشرية و تطور بتطور المجتمعات فالعدل أساس الحضارة و اساس الأمن و الإستقرار . في إطار تركيز الإهتمام حول البحث عن سبل جديدة للنهوض بالإقتصاد المغربي ساد الإقتناع بأن الإقتصاد الحر هو أفضل اختيار ، فأصبحت مبادرات القطاع خصوصا تلك التي تأتي في صورة استثمارات مالية و مهارات فنية ، من الأسس التي تقوم عليها استراتيجية التنمية. كان المغرب و ما يزال في حاجة الى العديد من الإصلاحات ، خصوصا التشريعية، حيث كان لابد للقضاء أن يتأثر بالتنمية الاقتصادية بعد تحديث الإطار القانوني للأنشطة الإقتصادية
مستشارة قانونية بجمعية البحث النسائي للتنمية و التعاون و مركز مساعدة النساء ضحايا العنف بتطوان
#إحسان_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|