|
يمين متطرف أم لا إنسانيين؟
كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن
(Karam Nama)
الحوار المتمدن-العدد: 8064 - 2024 / 8 / 9 - 15:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يرفع اليمينيون المتطرفون شعار “كفى، يعني كفى” للتعبير عن نزعة الغضب الكامنة بدواخلهم بعد سنوات من دروس الكراهية المضمرة لمجتمع بريطاني متنوع، هذا لا يعني أنهم يحظون بنظرة تعاطف “دون أن يقلل هذا الكلام من تأثيرهم على الشارع” لأن هناك من البريطانيين أيضا من يشعر بالفخر بأنه يعيش في بلاد يستمع في لندن وحدها إلى سبعين لغة تنطق بها الألسن وتقف في أعلى قاموسها الإنجليزية. الكوزموبوليتك، هي هوية لندن اليوم وفق رضاها المجتمعي والسياسي، يعيش فيها الناس كمواطنين عالميين في مجتمع أممي. دعوني أدافع عن فكرتي هذه باقتباس ثيمة فيلم “فيكتوريا وعبدول” الذي أنتج عام 2017 ويروي بطرافة وشغف علاقة الملكة فكتوريا المتوفية عام 1901 بخادمها المسلم، الذي سرعان ما يصبح صديقها ومعلمها المخلص. إلى أن يكسر الغرور البريطاني هذه العلاقة ويخفيها عن التاريخ. هذا اليمين موجود لكن ليس بمقدوره الاستحواذ على السردية العامة للبريطانيين برمتهم. فصراخ نايجل فاراج زعيم حزب الإصلاح البريطاني المتطرف الذي حصل على 14 بالمائة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، لا يعني أن بريطانيا وصلت نحو هاوية اليمين، أو وفق كارلا دينير، الزعيمة المشاركة لحزب الخضر، بأن أعمال العنف في المدن البريطانية يجب أن تكون “نداء استفاقة لجميع السياسيين الذين روجوا أو استسلموا للخطاب المناهض للهجرة”. لكن لا يزال يتعين علينا أن نرى مدى ضخامة هذا الحشد من الغوغاء المتطرف، ولا يخلو الأمر من وجود محتالين خلفهم مباشرة. وفي بعض الأحيان، يكونون على بعد آلاف الأميال يصرحون على منصاتهم وهم ويحتسون شرابهم! أنا لا أشك مثلا أن رئيس الوزراء البريطاني العمالي اليساري كير ستارمر، ثمة في داخله “يمينية” تعود إلى أصله الأبيض وكذلك ثمة يمينية بمنسوب أعلى تسكن سلفه ريشي سوناك الذي ينحدر من أصول هندية وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالمسلمين وليس المهاجرين وحدهم. فالتصريحات المتكررة التي يدلي بها نواب حزب المحافظين، التي تكون أحيانا خفية وأحيانا أخرى فظة، لا يمكن إلا أن تكون مصممة بشكل لإثارة غضب الغوغاء العنصريين. فعندما زعمت سويلا برافيرمان، وزيرة الداخلية السابقة، زورا أن بريطانيا “تسير في سبات عميق نحو مجتمع معزول”، وأن “الإسلاميين… هم المسؤولون الآن”، سمح لها سوناك بالبقاء على مقاعد الحزب. بطبيعة الحال يصعب على ستارمر وسوناك إظهار ذلك تحت وطأة حساسية المسؤولية العالية للموقع الحكومي. لذلك أظهر الأول سلطة رئيس الوزراء في مواجهة غوغاء اليمين، متوعدا إياهم بالندم عند مواجهة قوة القانون الكاملة. لدينا أشد أنواع اليميني المتطرف يمثلها الأمريكي جاك بوسوبيك الذي لا يتوقف عن الصراخ في وسائل الإعلام، كقوله بأن غير اليمينيين يديرون حلقة شيطانية لإساءة معاملة الأطفال في مطعم بيتزا شهير في واشنطن. أخر إصدارته كتاب بعنوان “Unhumans” “اللاإنسانيين”، يقدم فيه درسا في الكراهية والعنصرية للآخر لمجرد الاختلاف معه بالدين والعرق واللون. إن كلمة “فاشي” تُستخدم كثيرا في عالم السياسة، ولكن من الصعب أن نجد كلمة أكثر ملاءمة لكتاب “اللاإنسانيين”، الذي صدر في الولايات المتحدة الشهر الماضي. يزعم الكتاب أن هؤلاء الناس “ويجمع المسلمين واليساريين والأعراق الأخرى من غير البيض” لا يستحقون وضع البشر، وأنهم، كما يشير عنوان الكتاب، ليسوا بشرا! بل يخوضون حربا خفية ضد كل ما هو طيب ولائق، ويعدنا بأن تلك الحرب سوف تنتهي بمذبحة مروعة إذا لم يتم إيقافهم. إلى أن يصل بوسوبيك إلى استنتاج لفرط حماقته يمكن أن ينطبق عنوان الكتاب عليه بقوله “لقد أوصلتنا دراستنا للتاريخ إلى هذا الاستنتاج: الديمقراطية لم تنجح قط في حماية الأبرياء من اللاإنسانيين”، ويعني بهم الأشخاص الذين لا يخلصون لتطرفهم اليميني! إن الأفكار الاستبدادية العارية لا تنحصر في الزوايا الرطبة من مساحات مواقع التواصل العنصرية، أو بين المجاميع التي قادت تحرك الغوغاء في المدن البريطانية، فهؤلاء السياسيين أنفسهم كانوا يُلبسون قفازاتهم البيضاء لجورج بوش وتوني بلير لإخفاء دم أطفال العراق! وهم أنفسهم من صفقوا بشدة لمادلين أولبرايت وهي تعتقد بإصرار شنيع ولا إنساني أن قتل مليون عراقي ثمن يستحق، مثلما صفقوا بالأمس لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وهو يعيد نفس الكلام بقوله “إن موت مليوني فلسطيني في قطاع غزة جوعا قد يكون عادلا وأخلاقيا لإعادة الأسرى الإسرائيليين”. لقد سمعنا اليوم كلاما شائنا من اليمين البريطاني المتطرف عندما طالب باجتثاث كل السياسيين الذي يدعمون المهاجرين والمسلمين بنفس الطريقة التي تم اجتثاث الموظفين الحكوميين في العراق بعد احتلاله بذريعة حزب البعث. لقد تكررت في بريطانيا جملة جيه دي فانس نائب دونالد ترامب المقترح “نحن بحاجة إلى برنامج مثل اجتثاث البعث في العراق، يطرد كل بيروقراطي متوسط المستوى، وكل موظف مدني في الدولة الإدارية، ويحل محلهم شعبنا اليميني المخلص”. وسواء كان الأمر عبارة عن عناوين الصحف التي لا تنتهي والتي تشيطن المسلمين وطالبي اللجوء، أو صراخ نايجل فراج المثير للكراهية المجتمعية ووزيرة الداخلية في حكومة المحافظين السابقة سويلا برافيرمان التي سقطت في الحضيض بازدراء المسلمين، فقد ساهم كل ذلك في تأجيج الكراهية وتحولت إلى عنف يقوده الغوغاء. فأعمال الشغب المتصاعدة في مدن بريطانية ليست منعزلة عن 14 عاما من التحريض العنصري من قبل حزب المحافظين.
#كرم_نعمة (هاشتاغ)
Karam_Nama#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكاء الاصطناعي لا يصل إلى نكهة القهوة
-
معضلة تعليب وتسليع الأخبار
-
ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
-
من يُعيد أيامنا العصيبة؟
-
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
-
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
-
ماذا لو خسرت إنجلترا؟
-
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
-
درس من مناظرة ترامب وبايدن
-
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
-
الحرية تكمن في الموسيقى وحدها!
-
عزلة جو بايدن الأوروبية
-
شطرنج كرة القدم
-
أوروبا المحبطة أمام خطر مميت
-
هل ضمرت روعة الصحيفة الورقية؟
-
إيران والعراق ما بعد خامنئي والسيستاني
-
مثالنا النهائي في الأخلاق والحب
-
تدمير قرطاج أم هدم معبد فيسبوك!
-
ماسك يعمل على كسر الصحافة
-
الانتقال من الفشل إلى الفشل جدًا
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|